gulfissueslogo
خليل على حيدر
الإسلاميون.. بعد دخول المرأة «المجلس»
خليل علي حيدر

 
 
لم تؤثر مواقف الإسلاميين والقبليين بهذا الشأن في مستقبل نوابهم
 
لم يتردد التيار الديني فور حلول موسم الانتخابات عن دعوة نساء الكويت لاختيار نفس النواب والجماعات
 
ما دور العوامل الاقليمية والدولية، والضغوط التي مارستها مختلف الهيئات العالمية، في وصول المرأة الكويتية الى البرلمان؟ فقد وفقت د.
المكيمي في دراستها (مجلة العلوم الاجتماعية م 38، ع3، 2010) التي عرضنا جانباً منها، في اقناع القارئ بان الجهد المتواصل الدؤوب الذي بذلته مختلف الفعاليات النسائية والرجالية المؤيدة لمنح المرأة الحقوق السياسية المنشودة، لعبت دوراً أساسياً في تحقيق هذه النتيجة على الرغم من احتماء معارضي حقوق المرأة السياسية بالتيار الديني، الذي اشتد تأثيره بعد 1980.
ثم تنتقل الباحثة الى دراسة العوامل الاقليمية والدولية، فتقول: ان العامل الخارجي قد ادى دوراً ايجابياً في الدفع الى اقرار الحقوق السياسية للمرأة، غير ان تاريخ المطالبات بالحقوق السياسية للمرأة قد سبق المناشدات الدولية.
وتقول د. المكيمي: ان هذا التاريخ المليء بالمحاولات والاقتراحات والمشاريع القانونية، «يؤكد عدم صحة ادعاد البعض ان الضغوطات الدولية شكلت العامل الرئيسي لاقرار الحقوق السياسية للمرأة الكويتية، بل ان المطالبات النسائية ودور الحكومة والبرلمان أديا دوراً حاسماً في اقرار تلك الحقوق».
ويبدو هذا الاستنتاج في غاية القوة عندما نطالع الجدول التفصيلي الموجز للمشاريع المقدمة والخطوات مابين 1971 – 2005، الذي تضمنته الدراسة.
ومن المؤثرات كذلك ماشهدته دول مجلس التعاون من انفتاح سياسي»، شمل مشاركة سياسية فاعلة للمرأة الخليجية، ولاسيما في كل من عمان وقطر والبحرين، مما شكل ضغطاً بضرورة مجاراة ذلك الانفتاح».
كما ظل الموقف العربي ايضا داعماً لتلك الحقوق، وكذلك الدعم الدولي.
فقد اكدت المنظمات الدولية، وفي مقدمتها الامم المتحدة من خلال المواثيق والاتفاقات الدولية دوراً مهماً، ولاسيما الاتفاقية الدولية لازالة كافة اشكال التمييز ضد المرأة - «السيداو»، وتكثفت المناشدات الغربية لمنح المرأة حقها الدستوري وشهدت المنطقة العربية جملة متغيرات في اعقاب سقوط نظام «صدام حسين»، حيث بشر الامريكيون بما سمي بالشرق الاوسط الجديد، ووجهت الادارة الامريكية مناشدات مباشرة الى الحكومة الكويتية بضرورة اقرار الحقوق السياسية للمرأة الكويتية كما كانت خطوة اقرار الحقوق في 2005/5/16 محل الترحيب الدولي ولاسيما من قبل الادارة الامريكية، حيث اشادت وزيرة الخارجية الامريكية، كونداليزا رايس بالخطوة، معتبرة اياها «من الانجازات المحققة بالمنطقة».
والى جانب الانقسام الذي ساد الرأي العام الكويتي بين مؤيد ومعارض ازاء هذه الضغوطات الدولية، اتخذت الحكومة موقفا متحفظا من المناشدات الدولية، وصرحت د.رشا الصباح، وكلية التعليم العالي، اننا «لسنا بحاجة لدعم الغرب للحصول على حقوقنا»، كما اكد كل من وزير الخارجية وسمو رئيس الوزراء استقلالية القرار الكويتي في هذه المسألة.
تقف الباحثة، د.هيلة المكيمي عند العامل الثالث في اقرار حقوق المرأة وهو دور السلطة التشريعية والتيارات السياسية، وبخاصة موقف التيار الاسلامي، وقد بدأ هذا التيار بموقف متشدد استمر لسنوات.
وكانت ابرز الحجج الدينية التي يستند اليها التيار في الكويت، كما تقول الباحثة: «ترتكز على ثلاث قضايا اساسية، هي: تحريم الولاية العامة للمرأة، والحديث الشريف حول تولي ابنة كسرى عرش فارس، والآية الكريمة حول درجة القوامة».
وتورد الباحثة أسماء فريق المؤيدين من التيار الديني لحقوق المرأة السياسية، ومنهم كما هو معروف الشيوخ محمد الغزالي ود.يوسف القرضاوي ومحمد سيد طنطاوي وغيرهم.
ولكننا لا نجد بينهم أسماء اي من شيوخ الدين الكويتيين، حيث ان اغلب وابرز هؤلاء مرتبطون عادة بمناورات التيار الديني والاسلام السياسي.
وفيما بدت وزارة الاوقاف اكثر تسامحا ازاء مشاركة المرأة في السياسة، فعبر الوزير عبدالله المعتوق عن رأيه الشخصي المؤيد، وقفت جماعات التيار الديني والتيار القبلي ضدها، معتمدة كما تقول الباحثة «على حجة المانع الشرعي والعادات والتقاليد الاجتماعية».
وتضيف «على الرغم من ان الاخوان المسلمين خارج الكويت يتبنون موقفا مؤيدا لمشاركة المرأة السياسية فانه بسبب ثقل القبائل داخل تيار الاخوان المسلمين في الكويت وبفعل التنافس السياسي بين السلف والاخوان تبنى كل منهما موقفا مناهضا لمشاركة المرأة السياسية».
وفيما اعلنت جماعتا الحركة السلفية والسلفية العلمية عام 1999 تحذيرهما الحكومة من «الانسياق وراء الدعوات لتحرير المرأة واقحامها بما يعود بالمفسدة والضرر على مجتمعنا»، ابدى «حزب الامة» - الذي يوصف عادة بأنه جبهة عريضة من المستقلين والمحافظين والاسلاميين – تأييده لمشاركة المرأة السياسية انتخابا وترشيحا، مما «اربك التيارات الدينية، وسارع في تهاوي حجة المانع الشرعي».
ويتلقى الاخوان المسلمون في الكويت نقدا متواصلا من قبل اقرانهم في الدول العربية وبخاصة في مصر، بسبب موقفهم الرافض لمشاركة المرأة، بل تذمرت كذلك الناشطات الاسلاميات من موقف الحركة وصرح احد ابرز مفكري الحركة، الاستاذ اسماعيل الشطي بآرائه المؤيدة لحقوق المرأة السياسية منذ عام 1982، حينما كان رئيس تحرير مجلة «المجتمع»، وبعد اقرار الحقوق السياسية كتب مقالاً مهنئاً المرأة بحصولها على حقوقها السياسية، تحت عنوان «انجاز تاريخي في مسيرة الديموقراطية الكويتية»، (الوطن 2005/5/17).
وعندما بدأت معركة اقرار الحقوق في عام 2005، تحركت الحركة الدستورية (الاخوان المسلمون) ضد الاحالة للدستورية، واعتبر النائب محمد البصيري هذه الاحالة مصادرة لرأي أعضاء مجلس الأمة.
وتقول الباحثة ان تصريح النائب ضيف الله بورمية- أحد نواب الكتلة الاسلامية ذات الثقل القبلي- والذي وصف مشروع حقوق المرأة السياسية بأنه «وصمة عار على جبين المجلس» آثار ضجة اعلامية كبرى، وتضيف د.المكيمي ان النائب بورمية «وعلى الرغم من اعتذاره لاحقاً عن ذلك التصريح، فانه سعى الى توزيع 35 ألف ملصق ونشر 60 لوحة اعلانية تحمل شعار ندوته «وفقاً للشريعة الاسلامية ليس للمرأة حقوق سياسية»، وقد شارك في الندوة كل من وليد الطبطبائي وخالد السلطان وعلي الدقباسي ومفرج نهار والأمين العام لتجمع ثوابت الأمة محمد هايف المطيري وعبدالله عكاش، حيث أجمعوا على ر فض مشاركة المرأة السياسية»، وقد عقدت طوال فترة معركة اقرار الحقوق السياسية للمرأة عام 2005 ندوات مؤيدة ومعارضة في عدة أماكن، كان بين المشاركين فيها كل من النائب عبدالوهاب الهارون، فايزة العوضي، د.عبدالرضا أسيري، النائب عبدالله النيباري، وليد المنيس، نورية الخرافي، د.علي الزميع، د.يوسف الزلزلة، د.شفيق الغبرا، محمد الصقر، د.نجمة ادريس، كوثر الجوعان، على الراشد.
وأوصى سمو رئيس مجلس الوزراء- آنذاك- الشيخ صباح الأحمد الصباح، رئيس جمعية الاصلاح الاجتماعي عبدالله المطوع، بتأكيد ان الشريعة لا تعارض الحقوق السياسية للمرأة، في الوقت الذي أقام فيه معارضو المشروع ندوتهم الثانية التي نظمها ثوابت الأمة تحت شعار «الرجال قوامون على النساء».
وقد شارك فيها كل من النواب حسين مزيد، محمد المطيري، خالد السلطان، ضيف الله بورمية، وعلي الدقباسي، وقد تابع الرافضون لمشاركة المرأة السياسية التعبير عن ذلك الرفض من خلال اقامة الندوات المتفرقة.
وتورد الباحثة في الهامش مجموعة من هذه الندوات، فقد نُظمت ندوة في منطقة القادسية بعنوان «المرأة.. والعمل السياسي»، تحدث فيها كل من عميد كلية الشريعة د.محمد الطبطبائي وفهد الخنة وفيصل المسلم من النواب، منادين برفض مشروع المرأة.
وأقام المحامي عادل عبدالهادي ندوة أخرى مناهضة لمشروع المرأة حيث شارك فيها د.وليد الطبطبائي، وناصر شمس الدين، خطيب مسجد القادسية، الذي قال: «يجب ألا يسمى هذا القانون بحقوق المرأة السياسية لأن لا حقوق سياسية للمرأة!!(القبس 2005/3/10).
ولا يعارض التيار السلفي حقوق المرأة السياسية بل يعارض حتى حقها في التوظيف والعمل!، يقول المؤسس الفكري للتيار في الكويت «الشيخ عبدالرحمن عبدالخالق» في رسالة منشورة بعنوان طويل «في الأحكام الخاصة بالمرأة»، صادرة عن «جمعية احياء التراث الاسلامي» بالكويت، دون تاريخ، «الصحيح ان مزاحمة المرأة للرجل في العمل خارج المنزل كان ومازال من أسباب الركود الاقتصادي والبطالة، والمزيد من الاستهلاك الفارغ في أدوات التجميل والزينة واللباس.. ثم ان امرأة تعمل خارج المنزل تتسبب غالباً في حرمان فرصة عمل لرجل». «ص19».
ويتجاهل الشيخ عبدالخالق الحاجة الماسة الى عمل المرأة لدعم دخل الاسرة في معظم انحاء العالم العربي والاسلامي، وهناك كذلك حاجة دائمة للطبيبات والممرضات والموظفات والمدرسات والباحثات في الشؤون الاجتماعية والأمن لتفتيش النساء، ومجالات كثيرة أخرى.
ان عمل المرأة خارج منزلها اليوم، كما هو واضح للجميع من ضرورات الحياة وتقدم المجتمعات، وليس كما يدعي الاسلاميون بأنه «مؤامرة على المرأة المسلمة» ولو لم يبذل دعاة تحرير المرأة على امتداد اكثر من قرن تلك الجهود، لكان نساء التيار الاسلامي أنفسهن، واكثر من غيرهن، في حيص بيص، لا يغادرن بيوتهن حتى للصلاة في المسجد! في القسم الأخير من الدراسة تتناول الباحثة دور السلطة التنفيذية في اقرار الحقوق السياسية للمرأة، فتستعرض تطور موقف الحكومة ابتداءً من عام 1973 حتى الجلسة التاريخية التي أقرت فيها هذه الحقوق في جلسة 16 مايو2005، عندما استطاعت الحكومة تمرير تعديلات المادة الأولى من قانون الانتخابات، حيث وافق المجلس على اقرار الحقوق السياسية الكاملة للمرأة في الترشح والانتخابات، اعتباراً من انتخابات 2007، بأغلبية 35 صوتاً ومعارضة 23 وامتناع واحد. وبذلك حققت الديموقراطية في الكويت أحد انتصاراتها التاريخية.
ولكن ماذا عن موقف الجماعات الاسلامية بعد اقرار هذه الحقوق، ودخول المرأة مجال الانتخابات؟ لم تتطرق الدراسة الى مواقف الاسلاميين الشيعة ازاء منح هذه الحقوق للمرأة فهم من المؤيدين لها عادة، أما عن الاخوان والسلف، فقد أصبحا بعد اقرار الحقوق تقول د.المكيمي، في مواجهة مباشرة مع القواعد النسائية، التي أضحت رقماً مهماً ومؤثراً في سير العملية الانتخابية، وقد صرح الناطق الرسمي باسم الحركة الدستورية محمد العليم معلقاً على نتيجة التصويت بأن الحركة «تحترم وتلتزم ما توصل اليه مجلس الأمة من تأييد هذه الحقوق الا أنها تعبر عن استيائها من استخدام الحكومة لوسائل ضغط بعيدة عن الممارسة الديموقراطية السليمة».
أما الحركة السلفية فقد تعرضت لاضطراب واضح «فقد أصدرت بياناً مؤيداً للمرأة الا أنها سرعان ما أعلنت نفيها حول ما ورد في البيان، مؤكدة أنها ضد الحقوق الا أنها تحترم وجهة النظر الأخرى، وأنها قضية اجتهادية شرعاً يسوغ فيها الخلاف، ولكن تصويت احد قادة الحركة السلفية في البرلمان لصالح مشاركة المرأة السياسية زاد من انقسام الحركة حيث رصدت الصحف اخبار عدد من استقالات قادة الحركة شملت كلاً من أمين عام الحركة «تركي الظفيري» والناطق الرسمي «بدر الشبيب»، وأمين السر «نواف العدواني» ورئيس المكتب الاعلامي «فهد الهيلم»، بسبب انشقاق موقف الحركة والظروف التي صاحبت اصدار البيان وسحبه».
لم تؤثر مواقف الاسلاميين والقبليين المعارضين لحقوق المرأة كثيراً في مستقبل نوابهم، ولم يقدم التيار الديني من جانبه على أي نقد ذاتي أو مراجعة فكرية ولم يقدم أي اعتذار ولم يتردد التيار، فور حلول موسم الانتخابات، عن دعوة نساء الكويت لاختيار نفس النواب والجماعات.. وانتشرت المقار الانتخابية الاسلامية النسائية في كل مكان، وحصل هؤلاء النواب على نصيب وافر من الصوت النسائي.. وكان الله غفوراً رحيماً!.
 
 

copy_r