gulfissueslogo
ناصر العبدلي
جدل ساخن في 'الديوانيات' الكويتية حول الثورات العربية يربطها بدول الخليج
ناصر العبدلي
24-10-2011

أطلقت الثورات العربية على الجمهوريات 'الجمولكيات' في تونس ومصر وليبيا واليمن وسورية جدلا ساخنا لم يتوقف في أوساط الطبقة الوسطى في الكويت وكان ساحة ذلك الجدل 'الديوانيات' وهي لمن لايعرفها من القراء العرب جزء من المنزل لايتواجد فيه سوى الرجال وتطرح فيه القضايا العامة للحوار سواء أكانت قضايا محلية أو عربية أو حتى عالمية .
غالبا ما تنتهي مثل تلك الحوارات أو الجدل في ذلك الجزء الذكوري من المنزل بشعارات مثل 'الله لايغير علينا' و 'الحمدلله نحن أحسن من غيرنا' وهي شعارات بكل تأكيد لا تتطابق مع ما يدور في المشهد السائد في الكويت فالحال في الدول العربية سواء أكانت تلك الدول جمهوريات أو ملكيات يشبه بعضه إلى حد كبير فهناك غياب كامل للدساتير التي تنظم العلاقة بين الحاكم والمحكوم، وغياب لمؤسسات الدولة (تشريعية، تنفيذية، قضائية) كما أن هناك غياب كامل لمؤسسات المجتمع المدني والنقابات وإن وجدت فهي شكلية لا قيمة لها وتجري مصادرتها كلما أراد الحاكم ذلك.
في بدايات الثورات الأولى في تونس كانت هناك حالة إنكار لما يجري بإعتبار أن الثورة على النظام التونسي ضرب من المستحيل فالأجهزة الأمنية تحصي أنفاس المواطنين هناك، ولاتغادر صغيرة أو كبيرة دون تسجيلها، فكيف إذا كان الأمر تحركات وتظاهرات يمكن أن تسقط نظاما كنظام زين العابدين بن علي البوليسي، لكن المفاجأة حدثت وهرب الرئيس وسط ذهول رواد 'الديوانيات' وإنقسامهم حول حقيقة ما يجري هل هي نابعة من الذات التونسي أم هناك من يحركها من الخارج.
الطريف أن مسؤولين حكوميين وبعضهم ذو مراتب عليا كانوا طرفا في ذلك الجدل وألقى أغلبهم بتبعات ما يجري من 'فوضى' حسب تسميتهم لها على الولايات المتحدة الأمريكية لكونها حسبما يقولون أعلنت أكثر من مرة عن مشاريع مثل الفوضى الخلاقة وتأثير الدومينو وغيرها من المشاريع وألحق أولئك المسؤولين ذلك بتوجيه اللوم الساخن للولايات المتحدة الأمريكية لأنها حسب طروحاتهم لاتفهم المنطقة وستدخل الدول العربية في 'متاهات' كما حدث في العراق وأفغانستان.
إنقسمت الطبقة الوسطى في 'الديوانيات' على نفسها لتفسير ما يجري خاصة بعد سقوط رأس النظام المصري محمد حسني مبارك فالبعض يقول أن مايجري سيناريوهات متفق عليها بين العسكر من جهة وبين الولايات المتحدة الأمريكية وربما الغرب عموما بهدف خلق حالة من الديمقراطية شبيهه إلى ما يجري في تركيا عندما ينحصر دور الجيش في حماية الديمقراطية بشرط أن لا تخرج عن الإطار المرسوم لها، فيما يؤكد البعض الآخر أن الثورات نابعة من إحتقان شعبي كرسته تلك السنوات الطوال من الظلم والقهر وكل طرف يسوق الدليل تلو الآخر على صدق ما يطرحه.
مع إنطلاق الثورة الليبية إزدادت الأمور غموضا وبدأ الفريقين في طرح الأسئلة الكبرى هل حدث تحرك شعبي في ليبيا كما حدث في تونس ومصر أم أننا أمام حالة أخرى تختلف إختلافا كليا عما حدث فيهما وإزداد الجدل حتى تحركت الدول الغربية من أجل الحفاظ على الوليد الجديد من خلال قرار سريع من الأمم المتحدة يمنع الرئيس الليبي معمر القذافي من إستخدام الطيران مرفقا بحماس شديد في حماية المدنيين الأبرياء وبدأت تنجلي عندها الأمور لكن وجد الفريقين من المبررات ما يقنعهما أن ذلك في مصلحة الشعب الليبي.
لم يجتمع الفريقين على شئ مثلما أجتمعا على الثورة اليمنية بإعتبارها ثورة نابعة من الذات ويستشهدون بين الحين والآخر على ذلك بالإحراج الذي أصاب الولايات المتحدة الأمريكية من جهة والأنظمة الخليجية من جهة أخرى بسبب تلك الثورة، ويربطونها مع ثورة البحرين في نقطة الإحراج تلك فهي شبيهه بها إلى حد كبير لكنهم يحجمون عن تناول الأخيرة بشكل تفصيلي في 'الديوانيات' لحساسية الموضوع، ويتطرقون بين الحين والآخر للمناورات السياسية الأمريكية والخليجية من أجل منع تحول تلك الثورتين إلى واقع جديد يتناغم مع الرغبة الشعبية في كل منهما.
الجدل الساخن والحوارات لم تستثني شيئا بل أدخلت أوضاع الدول الخليجية ضمن دائرة النقاش سواء أكان ذلك على صعيد الأنظمة أو على صعيد الشعوب، وطفق الفريقين يحملون الأنظــمة تارة والشعوب تارة أخرى مسؤولية التردي في الأوضـــاع، لكنهم يرفضون في كل مرة أن تكون هناك ثورات، بل يريدون تحولات ديمقراطية شاملة بالتراضي بين الحكام والمحكومين من أجل تجاوز مثل تلك المعضلات التي يمكن أن تطرأ في حال أستمر الوضع المتردي كما هو.
الجدل يؤدي إلى المعرفة كما يقول الشيوعيين، وحالة 'الديوانيات' في الكويت أشبه ما تكون برلمانا شعبيا مصغرا يعبر تعبيرا صادقا عما يدور في داخل الشعب الكويتي، وهو ليس بعيدا في طبيعته عما يدور في أذهان بقية الشعوب الخليجية ودولها الخالية من مظاهر التعبير الشعبي، وبمجرد رصد مثل ذلك الحوار فأننا أمام فرصة تاريخية من أجل ترتيب شئ ما يمكن أن يترجم كل تلك التطلعات إلى واقع يغنينا في جوهره عما جرى وسيجري مستقبلا.
القدس العربي

copy_r