كلمة أولى
لكل أمة عظماء تفخر بهم - سواء - في حاضرها المعاش أم في زوايا
الماضي الخالد، ولكنك عندما تسبر تاريخ الشعوب تجد معظمها تردد أسماء عظماء قد
مضوا عن هذه الحياة، وقد يكون قد مضى على رحيلهم عشرات السنوات إن لم تكن
المئات هي الفاصلة الزمنية بين سماعك عنهم ووجودهم على وجه هذه البسيطة.
ومن هذه الحالة قد يتبادر إلى الذهن سؤال في غاية الأهمية؛ لماذا تبقى البشرية
لا تعرف قدر عظمائها إلا بعد أن يرحلوا - إلا ما ندر -؟!
قد تتضح الإجابة -نوعاً ما- لو قلنا أن رحيل عظيم -ما- يشكل فراغاً يجعل
الآخرين يتنبهون لمكانته بينهم وأهميته لهم ما يجعلهم يخلدون سيرته التي يكون
نبراسها اسمه وهذا سبب. سبب آخر قد يكون مهماً أيضاً هو كون من
يدركون مكانته من الأحياء قد يخشون الحديث عنه أثناء حياته فيُنعتون بالغلو أو
يُصنفون وتتم محاربتهم من بعض من لا يرغبون ظهور هذه الشخصية العظيمة بحجمها
الحقيقي لسبب أو لآخر، وأذكر يوماً أني طلبت من أحد الباحثين كان قد نشر سيرة
مختصرة عن أحد العظماء المعاصرين.. طلبت منه أن يعيد كتابة السيرة بإضافة
الإنجازات التي قام بها ذلك الرجل في السنوات الفارقة بين كتابة السيرة
المنشورة ويومنا ذاك فأجاب: "الموجود في الكتاب يكفي" وأردف: "الكتابة عن
الأحياء تسبب الكثير من المشاكل" وصدق بالفعل.
وسبب أهم هو أن من كانوا عظماء في الماضي فإنهم رحلوا عظماء ولم يبقى لأحد أن
يتساءل هل يصبر على ذات الشوكة حتى النهاية ؟! لأنه بالفعل قد صبر حتى بلغت
التراق.
عظيم عوامي
لشعب العوامية على مدى التاريخ المكتوب الكثير من العظماء من أمثال أبو البهلول
العوام بن محمد بن يوسف بن الزجاج بن عبد القيس والذي يعود الكثير من المؤرخين
لكون نسبة "العوامية" تعود إليه وقد كان أحد أهم ولاة البحرين في القرن الخامس
الهجري ومنهم العلم الإمام الشيخ محمد بن ناصر آل نمر العوامي المشهور ب "الشيخ
محمد بن نمر" المولود عام 1277 للهجرة والمتوفى في مثل هذا اليوم التاسع من شهر
شوال لسنة 1348 هـ والذي أردنا تسليط الضوء على جانب من حياته الشريفة في
الذكرى 83 لرحيله المؤلم.
خلدته ثورة
تعد ثورة الإمام الشيخ محمد بن ناصر آل نمر في العام 1347 من أبرز
المحطات التاريخية للمنطقة والتي لا يمكن لأي من تأرخ واحة القطيف أن يتجاوزها
بأي حال إلا عد مزيفاً لتاريخ الواحة.
ويعد المؤرخون ثورة الإمام النمر انعطافة هامة في تاريخ المنطقة بشكل عام
والعوامية بشكل خاص. وبالرغم من أن تلك الثورة وؤدت بسبب بعض العلماء المخالفين
لمنطق التغيير والمناهضين للمشروع النهضوي بقيادة الإمام النمر ما أدى لوفاة
الشيخ النمر على أثر ما تكبده من آلام نفسية جرتها تلك الخسارة والخذلان
العلمائي المناهض له والذي ترجم بتثبيط عزائم الناس عن المطالبة بحقوقهم
المنتهكة إلا أن جذوة تلك الثورة ما زالت تنير تاريخ العوامية فضلاً عن قلوب
الباحثين عن الحقوق فمن هو الإمام النمر.
ترجمة شخصية
هو آية الله العظمى الشيخ محمد بن ناصر بن علي بن علي بن حسين بن عبدالله بن
نمر بن نمر بن عايد بن عفيصان، من أسرة تعود جذورها الأولى إلى قرية الأسلمية
في نجد، وقد استبصر جده الأول عايد بن عفيصان على يدي العلم العوامي الشيخ محمد
العجيان العوامي وسكن العوامية وصاهر الشيخ العجيان منذ مئات السنين.
ولد الإمام النمر في العوامية سنة 1277 للهجرة النبوية الشريفة وترعرع فيها
ومنها بدأ مشواره العلمي حيث درس على جهابذة العلم في القطيف –آنذاك- العلامة
الشيخ أحمد بن صالح آل طعان القطيفي والعلامة الشيخ علي البلادي، ثم هاجر إلى
النجف الأشرف وتلقى العلم علي يد المراجع العظام سماحة الشيخ محمد طه ذهب وآية
الله الشيخ محمود ذهب والملا هادي الطهراني وبرع في الأصول والفقه وعلم الكلام.
إضافة إلى كونه نبغ في الرياضيات والطب فكان طبيباً حاذقاً يتداوى عليه الناس
بمختلف علاتهم رغم كونه بصيراً حيث ينقل جملة ممن أرخ له وعديد ممن عاصروه أنه
كان يشخص علة المريض بمجرد جس نبضه !
الدور العلمي للإمام النمر
نال الإمام النمر درجة الاجتهاد، وقد شهد له بذلك مرجع الطائفة في عصره سماحة
الشيخ محمد طه نجف (قده)، وآية الله العظمى سماحة السيد محمد الهندي، ولمّا عاد
إلى العوامية تولّى الفتيا في أمور الفقه والقضاء، وأصبح احد مراجع الشيعة في
المنطقة. ويعد الإمام النمر أول من أسس حوزة علمية في المنطقة تدرس
العلوم الدينية في مراحلها المتقدمة، حيث أدرك حاجة المنطقة لنهضة فكرية شاملة
في تلك الفترة الحرجة من الزمان بعد أن درس حال المجتمع واحتاياجه لأصلاح شامل
يبدأ من العاقائد ولا يقف عند زراعة وعي ثقافي رسالي أصيل، فأسس حوزة علمية من
أمواله الخاصة وصرف عليها من ذلك بمعونة بعض تلامذته.
ويذكر أن حوزة الإمام النمر أصبحت قبلة لطالبي العلوم الدينية الحقيقية من طلبة
المنطقة آنذاك (القطيف ونواحيها والبحرين) وقد خَرَّجَت جملةً من الخطباء
والشعراء والكتاب والأدباء برغم ما كانت تعيشه المنطقة من ظروف اقتصادية
وسياسية غاية في الصعوبة.
ويذكر أن له عدّة مؤلفات من رسائل وكتب في الفقه والفلسفة والنحو، والطب،
والحساب، ونظم عدّة قصائد في الأمور النحوية والفقهية والفلسفية، إضافة إلى
قصائد أخرى في الرثاء. لكنه قد أتت عليها يد أحد الحمقى الجُهال بعد رحيله
بأيام فاستولى عليها وألقى بها في البحر جميعاً !.
جهاده
كان الإمام النمر عالمٌ عاملٌ لا تأخذه في الله لومة لائم فبالرغم من
أنه كان بصيراً -كما أسلفنا- إلا أن له مواقف جهادية يعجز عنها ذووا البصر.
وقعة الشربة من المواقف التي سجلت للإمام النمر دوره في إنهاء "وقعة الشربة"
لصالح أهالي دبابية القطيف في النصف الثاني من العام 1326 هـ بعد حصار القبائل
البدوية للدبابية 70 يوماً راح فيها عدد من الشهداء إلا أن خطة محكمة وضعها
الإمام النمر كانت الفيصل في هزيمة القوى البدوية المعتدية ودحرها عن حدود
البلدة.
ثورته النهضوية ومن خوالد الشيخ النمر الجهادية ثورته النهضوية المسلحة عام
1347 هـ والتي عمّت المنطقة ضد سياسة التمييز الطائفي والتي كانت العوامية
بقيادة الإمام النمر مركز ثقلها وتنقل فصول القضية كالتالي:
بعد سيطرة الدولة السعودية الثالثة على المنطقة بقيادة الملك عبد العزيز بدأت
الدولة في مصادرة السلاح والخيل بحجة حاجة جيوش الملك إليها لأنه مقبل على
معارك بالرغم من أن الملك عبد العزيز كان في تلك الفترة قد سيطر على معظم أجزاء
الجزيرة العربية وأسس دولته. وكانت عمليات المصادرة تلك لا تخلوا من الكثير من
الصدمات بين الأهالي المعتدى على أموالهم وحرمات بيوتهم وبين القوات المرسلة
للتفتيش عن السلاح الذي كان يعطى كهدايا لكسب ود القبائل البدوية وتقويتها في
ضوء تضعيف الحواضر الشيعية.
تلى ذلك إستنزاف اقتصادي عبر مضاعفة الزكوات ومصادرة الأموال والغرامات الباهضة
وغيرها من أمور نشرت الفقر والجوع بين الأهالي، وكان السجن مصير العاجزين عن
دفع الضرائب.
ولم يقف إصرار "الإخوان المسلمين" الجيش الذي ارتكز عليه الملك عبد العزيز عند
هذا الحد من إيذاء للشيعة إقتصادياً وعقائدياً حتى وصولوا لإصدار فتوى تقضي
بأسلمة الشيعة وقسرهم على المذهب الذي يتبعونه وقع عليها 11 من كبار علماء
الوهابية في نجد في 8 شعبان 1345 هـ.
ومن هنا بدأ التمرد على القرارات الجائرة برفض دفع الضرائب وطرد مندوبي الجباية
وبدأت الجماهير برفع السلاح دفاعاً عن المال والنفس وقد شملت تلك الإنتفاضة
بلدات القطيف مثل العوامية وصفوى والقديح وسيهات وغيرهن وبقيادة الإمام النمر
من معقله العوامية. وقد حاصر الثوار قصر الإمارة في القطيف، وبداخله أميرها
محمد بن عبد الرحمن بن سويلم)، وظل صوت الرصاص يدوي ليلاً نهاراً –من السكان
وقباءل البدو التي استنجد بها الأمير-، وقد شكل الثوار قيادة لهم، وقرروا
الإستقلال بإمارتهم.
وهنا سارع الإنجليز من البحرين بفرض حصار اقتصادي على القطيف، ومنعوا سفن الغوص
من الابحار، واتخذت دارين مقراً لاحدى طائراتهم لتقوم بإلقاء المنشورات الموقعة
من قبل الملك، والتي تتضمن تهديد المواطنين من جهة، ووعدهم بالانصاف من جهة
ثانية.
من جانب آخر وقفت الزعامة الدينية التقليدية والتي كانت متمركزة في قلعة
القطيف، وقفت موقف المثبط لتلك الثورة بعد أن تمكنت من منع جماهير القطيف من
الإنضمام إليها.
وقد حاول اولئك الزعماء ثني زعيم الاتنفاضة الإمام النمر مراراً ولكنهم فشلوا.
وفي إحدى المرات خرج احد أعضاء الوفد وكان عالماً مجتهداً ليقول للأهالي بان من
يموت في هذه المعارك ليس شهيداً، ولأن المعارضة مرتكزة على أساس ديني، فقد اضطر
العديد من الأهالي إلى إلقاء السلاح، خلافا لرغبتهم، ولرغبة الزعيم النمر، الذي
لم يلبث أن مات مقهوراً بعد أقل من عام بسبب ما تحمله من ألم إفشال ثورته.
وكانت وفاته (قدس سره) في التاسع من شوال 1348 هـ.
رثائه
رثاه الأديب محمد حسن بن الشيخ حسن النمر فقال
حكم الزمان وجار في يا دهرّ حيفٌ في قضائك نحونا .. بدر هويت على التراب فليتني ما ((نمرُ)) بعدك يا أجلَّ سراتها أفهل درى الجمع الذي بك قد سرى .. أفهل درت نمرٌ بدفن زعيمها أبكيك من بُعدٍ بأقرح مقلةٍ ولأبكينّك ما حييت لأنني |
الأحكام
|
وغدوت نهب مخالب أكدا القضاة وعادة الحكام لُحدتُ قبلك قبل يوم حمامي إلا قطيعٌ شتّ بعد ونام نحو القبور سيقبرون عصامي دفنت علاها في أحط مقام ما كان أحراها ببلّ أوام لم أرنُ نعشك إذ رُفعت أمامي |
الأيام
قضى نحبهُ مَنْ لدين الهدى قضى نحبهُ ومضى للجنان قضى فهوى عمد المكرمات وأبكى جفونَ المعالي دماً .. أيا حامل النعش كيف استطعت ويا حافر القبر كيف اهتديت ويا ملحد الجسم في قبره ويا من هالَ عليه التراب ويا من أقام عليه العزاء |
|
غدا مرشدا لمن وعانقَ اترابها الخرّدا ولا غروَ فهو الذي شيّدا وأحرق منها الأسى الأكبدا حملتَ على النعش ركن الهدى شققتَ لنور الهدى ملحدا دفنتَ المكارمَ والسؤددا ألمْ تدر أنّ الندى أُلحدا ألا فابك ما عشتَ طول المدى |
استرشدا
نموذج
قوّموا السمرَ هاشمّ وانسجوا من طرادها الترب سحباً عارضا يحملُ الحمامَ ويسقيه فلَكَمْ من أكفّها جرّعتكم ولَكَم أنهلَت برغم المعالي ما عرفنا لآل حرب مقاماً أفعجزا عن حربها ولقاها أو ما حرّكت إباكم جيادٌ أينما كرّ ذكر الوغى كادت هذه بيضكم لطولِ بقاها هذه سمركم ركزتم ولكن وذهِ من لظى تلوّت ولكن .. فاشحذوا في ضرابها كلّ عضب واغسلوا من دامائها كلّ أرض |
والكعابا
|
وامتطوا للنزال جردا تملأ الجوّ ظلمة وعذابا بني حربٍ شيبها والشبابا كاس ذلٍ ذاقته ذلاً وصابا بيضها الهام منكمٌ والرقابا قبل يوم الطفوف حتى ثهابا أم نكولاً عن ضربها وارتهابا عوّضت عن صهيلها الانتحابا كسيتُ من صدى عليها ترابا لا بصدر الكماةِ تلك الحرابا لم تجد من يهزّ منها الكعابا ودّ للضرب أن يعدّ الضرابا صيّرت فوقها دماكم شرابا لو نحو جمعها لولّى انقلابا |
صعابا
نموذج
لهاشم يوم الطفّ ثار مضيّعُ هجعت فلا ثارٌ طلبتيه هاشم وهذي بنو حرب أدارتْ لك الردى وتلك الضبا اللاتي شحذت حدادها وتلك القنا اللاتي اقمتَ كعابها .. فنهضا فان العزّ ان تنهضوا لها سننتم بيوم الفتحِ صفحا فأصبحت فتلك بها اللاتي اشادت لها الضبا برغم الهدى أمستُ ولا دون خدرها لقد هجمت حربُ عليها خباءها .. وكم من خبا امسى إلى النار موقدا |
|
وفي ارضه للمجد جسم ونمت فلا مجدٌ لك اليوم يرفع كؤوسا ولا كأس بك اليوم تجرعُ لأنف الأبا من مجدك اليوم تحذعُ بصدر العلى من عزّك اليوم تقرعُ وإلا فان الكف للنفس انفعُ نساء بني حرب من السبي تمنعُ مضارب من هام السماكين أرفع صريع وغى عنها يذبّ أرفعُ فكم برقع عنها يماط وينزع بحيث غَدَت في وجهٍ عزّك تسفعُ |
موزُعٍ
نموذج
.. أتتكَ وبئس السائق البغي فأصبحتَ أني ترسل الطرفَ لا ترى وتطمعُ جهلا ان تضام وما درت أخا المجد ربّ الفخر قد حالف الإبا .. فالقحتها بعد المحجّة غارة قذفت بها من كل شهم شمردل .. وآساد غيلٍ قد نماها إلى العلى |
ساقها
|
ومركبها فيه ارتكاب المحارمِ سوى جحفلِ تالٍ لآخر قادمِ بأن فتى الهيجاء وابن الملاحم أو الحتف لا ينفكّ ضربة لازم يضيق بها رحب الفضا والعوالم وأبيض وضّاح الجبين وباسم أبو طالبٍ لا من سلولِ ودارم |