gulfissueslogo
الشيخ محمد بن نمر
الشيخ المجاهد محمد بن نمر

كلمة أولى

  لكل أمة عظماء تفخر بهم - سواء - في حاضرها المعاش أم في زوايا الماضي الخالد، ولكنك عندما تسبر تاريخ الشعوب تجد معظمها تردد أسماء عظماء قد مضوا عن هذه الحياة، وقد يكون قد مضى على رحيلهم عشرات السنوات إن لم تكن المئات هي الفاصلة الزمنية بين سماعك عنهم ووجودهم على وجه هذه البسيطة.

ومن هذه الحالة قد يتبادر إلى الذهن سؤال في غاية الأهمية؛ لماذا تبقى البشرية لا تعرف قدر عظمائها إلا بعد أن يرحلوا - إلا ما ندر -؟!
قد تتضح الإجابة -نوعاً ما- لو قلنا أن رحيل عظيم -ما- يشكل فراغاً يجعل الآخرين يتنبهون لمكانته بينهم وأهميته لهم ما يجعلهم يخلدون سيرته التي يكون نبراسها اسمه وهذا سبب.   سبب آخر قد يكون مهماً أيضاً هو كون من يدركون مكانته من الأحياء قد يخشون الحديث عنه أثناء حياته فيُنعتون بالغلو أو يُصنفون وتتم محاربتهم من بعض من لا يرغبون ظهور هذه الشخصية العظيمة بحجمها الحقيقي لسبب أو لآخر، وأذكر يوماً أني طلبت من أحد الباحثين كان قد نشر سيرة مختصرة عن أحد العظماء المعاصرين.. طلبت منه أن يعيد كتابة السيرة بإضافة الإنجازات التي قام بها ذلك الرجل في السنوات الفارقة بين كتابة السيرة المنشورة ويومنا ذاك فأجاب: "الموجود في الكتاب يكفي" وأردف: "الكتابة عن الأحياء تسبب الكثير من المشاكل" وصدق بالفعل.

وسبب أهم هو أن من كانوا عظماء في الماضي فإنهم رحلوا عظماء ولم يبقى لأحد أن يتساءل هل يصبر على ذات الشوكة حتى النهاية ؟! لأنه بالفعل قد صبر حتى بلغت التراق. 

 عظيم عوامي


لشعب العوامية على مدى التاريخ المكتوب الكثير من العظماء من أمثال أبو البهلول العوام بن محمد بن يوسف بن الزجاج بن عبد القيس والذي يعود الكثير من المؤرخين لكون نسبة "العوامية" تعود إليه وقد كان أحد أهم ولاة البحرين في القرن الخامس الهجري ومنهم العلم الإمام الشيخ محمد بن ناصر آل نمر العوامي المشهور ب "الشيخ محمد بن نمر" المولود عام 1277 للهجرة والمتوفى في مثل هذا اليوم التاسع من شهر شوال لسنة 1348 هـ والذي أردنا تسليط الضوء على جانب من حياته الشريفة في الذكرى 83 لرحيله المؤلم.

  خلدته ثورة

  تعد ثورة الإمام الشيخ محمد بن ناصر آل نمر في العام 1347 من أبرز المحطات التاريخية للمنطقة والتي لا يمكن لأي من تأرخ واحة القطيف أن يتجاوزها بأي حال إلا عد مزيفاً لتاريخ الواحة.

ويعد المؤرخون ثورة الإمام النمر انعطافة هامة في تاريخ المنطقة بشكل عام والعوامية بشكل خاص. وبالرغم من أن تلك الثورة وؤدت بسبب بعض العلماء المخالفين لمنطق التغيير والمناهضين للمشروع النهضوي بقيادة الإمام النمر ما أدى لوفاة الشيخ النمر على أثر ما تكبده من آلام نفسية جرتها تلك الخسارة والخذلان العلمائي المناهض له والذي ترجم بتثبيط عزائم الناس عن المطالبة بحقوقهم المنتهكة إلا أن جذوة تلك الثورة ما زالت تنير تاريخ العوامية فضلاً عن قلوب الباحثين عن الحقوق فمن هو الإمام النمر.  

ترجمة شخصية  

هو آية الله العظمى الشيخ محمد بن ناصر بن علي بن علي بن حسين بن عبدالله بن نمر بن نمر بن عايد بن عفيصان، من أسرة تعود جذورها الأولى إلى قرية الأسلمية في نجد، وقد استبصر جده الأول عايد بن عفيصان على يدي العلم العوامي الشيخ محمد العجيان العوامي وسكن العوامية وصاهر الشيخ العجيان منذ مئات السنين.

ولد الإمام النمر في العوامية سنة 1277 للهجرة النبوية الشريفة وترعرع فيها ومنها بدأ مشواره العلمي حيث درس على جهابذة العلم في القطيف –آنذاك- العلامة الشيخ أحمد بن صالح آل طعان القطيفي والعلامة الشيخ علي البلادي، ثم هاجر إلى النجف الأشرف وتلقى العلم علي يد المراجع العظام سماحة الشيخ محمد طه ذهب وآية الله الشيخ محمود ذهب والملا هادي الطهراني وبرع في الأصول والفقه وعلم الكلام.
إضافة إلى كونه نبغ في الرياضيات والطب فكان طبيباً حاذقاً يتداوى عليه الناس بمختلف علاتهم رغم كونه بصيراً حيث ينقل جملة ممن أرخ له وعديد ممن عاصروه أنه كان يشخص علة المريض بمجرد جس نبضه ! 

 الدور العلمي للإمام النمر


نال الإمام النمر درجة الاجتهاد، وقد شهد له بذلك مرجع الطائفة في عصره سماحة الشيخ محمد طه نجف (قده)، وآية الله العظمى سماحة السيد محمد الهندي، ولمّا عاد إلى العوامية تولّى الفتيا في أمور الفقه والقضاء، وأصبح احد مراجع الشيعة في المنطقة.   ويعد الإمام النمر أول من أسس حوزة علمية في المنطقة تدرس العلوم الدينية في مراحلها المتقدمة، حيث أدرك حاجة المنطقة لنهضة فكرية شاملة في تلك الفترة الحرجة من الزمان بعد أن درس حال المجتمع واحتاياجه لأصلاح شامل يبدأ من العاقائد ولا يقف عند زراعة وعي ثقافي رسالي أصيل، فأسس حوزة علمية من أمواله الخاصة وصرف عليها من ذلك بمعونة بعض تلامذته.

ويذكر أن حوزة الإمام النمر أصبحت قبلة لطالبي العلوم الدينية الحقيقية من طلبة المنطقة آنذاك (القطيف ونواحيها والبحرين) وقد خَرَّجَت جملةً من الخطباء والشعراء والكتاب والأدباء برغم ما كانت تعيشه المنطقة من ظروف اقتصادية وسياسية غاية في الصعوبة.
ويذكر أن له عدّة مؤلفات من رسائل وكتب في الفقه والفلسفة والنحو، والطب، والحساب، ونظم عدّة قصائد في الأمور النحوية والفقهية والفلسفية، إضافة إلى قصائد أخرى في الرثاء. لكنه قد أتت عليها يد أحد الحمقى الجُهال بعد رحيله بأيام فاستولى عليها وألقى بها في البحر جميعاً !.

  جهاده

  كان الإمام النمر عالمٌ عاملٌ لا تأخذه في الله لومة لائم فبالرغم من أنه كان بصيراً -كما أسلفنا- إلا أن له مواقف جهادية يعجز عنها ذووا البصر.
وقعة الشربة من المواقف التي سجلت للإمام النمر دوره في إنهاء "وقعة الشربة" لصالح أهالي دبابية القطيف في النصف الثاني من العام 1326 هـ بعد حصار القبائل البدوية للدبابية 70 يوماً راح فيها عدد من الشهداء إلا أن خطة محكمة وضعها الإمام النمر كانت الفيصل في هزيمة القوى البدوية المعتدية ودحرها عن حدود البلدة.

ثورته النهضوية ومن خوالد الشيخ النمر الجهادية ثورته النهضوية المسلحة عام 1347 هـ والتي عمّت المنطقة ضد سياسة التمييز الطائفي والتي كانت العوامية بقيادة الإمام النمر مركز ثقلها وتنقل فصول القضية كالتالي:

بعد سيطرة الدولة السعودية الثالثة على المنطقة بقيادة الملك عبد العزيز بدأت الدولة في مصادرة السلاح والخيل بحجة حاجة جيوش الملك إليها لأنه مقبل على معارك بالرغم من أن الملك عبد العزيز كان في تلك الفترة قد سيطر على معظم أجزاء الجزيرة العربية وأسس دولته. وكانت عمليات المصادرة تلك لا تخلوا من الكثير من الصدمات بين الأهالي المعتدى على أموالهم وحرمات بيوتهم وبين القوات المرسلة للتفتيش عن السلاح الذي كان يعطى كهدايا لكسب ود القبائل البدوية وتقويتها في ضوء تضعيف الحواضر الشيعية.

تلى ذلك إستنزاف اقتصادي عبر مضاعفة الزكوات ومصادرة الأموال والغرامات الباهضة وغيرها من أمور نشرت الفقر والجوع بين الأهالي، وكان السجن مصير العاجزين عن دفع الضرائب.

ولم يقف إصرار "الإخوان المسلمين" الجيش الذي ارتكز عليه الملك عبد العزيز عند هذا الحد من إيذاء للشيعة إقتصادياً وعقائدياً حتى وصولوا لإصدار فتوى تقضي بأسلمة الشيعة وقسرهم على المذهب الذي يتبعونه وقع عليها 11 من كبار علماء الوهابية في نجد في 8 شعبان 1345 هـ.

ومن هنا بدأ التمرد على القرارات الجائرة برفض دفع الضرائب وطرد مندوبي الجباية وبدأت الجماهير برفع السلاح دفاعاً عن المال والنفس وقد شملت تلك الإنتفاضة بلدات القطيف مثل العوامية وصفوى والقديح وسيهات وغيرهن وبقيادة الإمام النمر من معقله العوامية. وقد حاصر الثوار قصر الإمارة في القطيف، وبداخله أميرها محمد بن عبد الرحمن بن سويلم)، وظل صوت الرصاص يدوي ليلاً نهاراً –من السكان وقباءل البدو التي استنجد بها الأمير-، وقد شكل الثوار قيادة لهم، وقرروا الإستقلال بإمارتهم.

وهنا سارع الإنجليز من البحرين بفرض حصار اقتصادي على القطيف، ومنعوا سفن الغوص من الابحار، واتخذت دارين مقراً لاحدى طائراتهم لتقوم بإلقاء المنشورات الموقعة من قبل الملك، والتي تتضمن تهديد المواطنين من جهة، ووعدهم بالانصاف من جهة ثانية.
من جانب آخر وقفت الزعامة الدينية التقليدية والتي كانت متمركزة في قلعة القطيف، وقفت موقف المثبط لتلك الثورة بعد أن تمكنت من منع جماهير القطيف من الإنضمام إليها.

وقد حاول اولئك الزعماء ثني زعيم الاتنفاضة الإمام النمر مراراً ولكنهم فشلوا. وفي إحدى المرات خرج احد أعضاء الوفد وكان عالماً مجتهداً ليقول للأهالي بان من يموت في هذه المعارك ليس شهيداً، ولأن المعارضة مرتكزة على أساس ديني، فقد اضطر العديد من الأهالي إلى إلقاء السلاح، خلافا لرغبتهم، ولرغبة الزعيم النمر، الذي لم يلبث أن مات مقهوراً بعد أقل من عام بسبب ما تحمله من ألم إفشال ثورته.
وكانت وفاته (قدس سره)  في التاسع من شوال 1348 هـ.

  رثائه


رثاه الأديب محمد حسن بن الشيخ حسن النمر فقال


حكم   الزمان  وجار  في  iiالأحكام
يا  دهرّ  حيفٌ  في قضائك نحونا
..  بدر هويت على التراب iiفليتني
ما  ((نمرُ))  بعدك يا أجلَّ iiسراتها
أفهل درى الجمع الذي بك قد سرى
..  أفهل  درت  نمرٌ بدفن iiزعيمها
أبكيك    من   بُعدٍ   بأقرح   iiمقلةٍ
ولأبكينّك    ما    حييت    iiلأنني







وغدوت    نهب   مخالب   iiالأيام
أكدا    القضاة    وعادة    iiالحكام
لُحدتُ   قبلك   قبل  يوم  iiحمامي
إلا    قطيعٌ    شتّ    بعد   iiونام
نحو   القبور  سيقبرون  iiعصامي
دفنت   علاها   في   أحط   مقام
ما    كان    أحراها    ببلّ   iiأوام
لم  أرنُ  نعشك  إذ  رُفعت  iiأمامي
 
ورثاه المرحوم الشيخ فرج العمران فقال:
قضى   نحبهُ   مَنْ   لدين  الهدى
قضى    نحبهُ   ومضى   iiللجنان
قضى    فهوى   عمد   iiالمكرمات
وأبكى     جفونَ    المعالي    دماً
.. أيا حامل النعش كيف استطعت
ويا   حافر  القبر  كيف  iiاهتديت
ويا    ملحد    الجسم   في   iiقبره
ويا    من   هالَ   عليه   iiالتراب
ويا    من    أقام    عليه   iiالعزاء








غدا     مرشدا    لمن    iiاسترشدا
وعانقَ        اترابها        iiالخرّدا
ولا    غروَ    فهو    الذي   iiشيّدا
وأحرق    منها    الأسى   iiالأكبدا
حملتَ  على  النعش  ركن  الهدى
شققتَ     لنور    الهدى    ملحدا
دفنتَ       المكارمَ       iiوالسؤددا
ألمْ    تدر    أنّ    الندى   iiأُلحدا
ألا  فابك  ما  عشتَ  طول iiالمدى
ورثاه آخرون.
 
نماذج من شعره (قدس سره)
نموذج
قوّموا    السمرَ    هاشمّ   iiوالكعابا
وانسجوا  من  طرادها الترب iiسحباً
عارضا   يحملُ   الحمامَ  iiويسقيه
فلَكَمْ     من     أكفّها     iiجرّعتكم
ولَكَم    أنهلَت    برغم    iiالمعالي
ما    عرفنا   لآل   حرب   iiمقاماً
أفعجزا     عن    حربها    iiولقاها
أو    ما    حرّكت   إباكم   iiجيادٌ
أينما   كرّ   ذكر   الوغى  iiكادت
هذه     بيضكم    لطولِ    iiبقاها
هذه     سمركم     ركزتم    iiولكن
وذهِ    من   لظى   تلوّت   iiولكن
.. فاشحذوا في ضرابها كلّ عضب
واغسلوا   من  دامائها  كلّ  iiأرض













وامتطوا    للنزال   جردا   iiصعابا
تملأ     الجوّ     ظلمة    iiوعذابا
بني    حربٍ    شيبها    iiوالشبابا
كاس   ذلٍ   ذاقته   ذلاً   iiوصابا
بيضها    الهام    منكمٌ    iiوالرقابا
قبل   يوم   الطفوف  حتى  iiثهابا
أم   نكولاً   عن   ضربها  وارتهابا
عوّضت   عن  صهيلها  الانتحابا
كسيتُ   من   صدى  عليها  ترابا
لا   بصدر   الكماةِ   تلك  iiالحرابا
لم   تجد   من  يهزّ  منها  الكعابا
ودّ   للضرب   أن   يعدّ  iiالضرابا
صيّرت    فوقها    دماكم    iiشرابا
لو   نحو   جمعها   لولّى  iiانقلابا
 
نموذج
لهاشم    يوم   الطفّ   ثار   مضيّعُ
هجعت   فلا   ثارٌ   طلبتيه   iiهاشم
وهذي  بنو  حرب  أدارتْ  لك iiالردى
وتلك  الضبا  اللاتي  شحذت حدادها
وتلك   القنا   اللاتي   اقمتَ  iiكعابها
..  فنهضا  فان العزّ ان تنهضوا iiلها
سننتم  بيوم  الفتحِ  صفحا iiفأصبحت
فتلك  بها  اللاتي  اشادت  لها الضبا
برغم  الهدى  أمستُ  ولا  دون خدرها
لقد   هجمت   حربُ  عليها  iiخباءها
.. وكم من خبا امسى إلى النار موقدا










وفي   ارضه   للمجد   جسم   iiموزُعٍ
ونمت   فلا   مجدٌ   لك  اليوم  يرفع
كؤوسا   ولا  كأس  بك  اليوم  iiتجرعُ
لأنف  الأبا  من  مجدك  اليوم iiتحذعُ
بصدر  العلى  من  عزّك  اليوم iiتقرعُ
وإلا    فان    الكف    للنفس   iiانفعُ
نساء  بني  حرب  من  السبي  iiتمنعُ
مضارب   من  هام  السماكين  iiأرفع
صريع    وغى   عنها   يذبّ   iiأرفعُ
فكم    برقع    عنها   يماط   iiوينزع
بحيث  غَدَت  في  وجهٍ  عزّك iiتسفعُ
نموذج
..  أتتكَ وبئس السائق البغي iiساقها
فأصبحتَ أني ترسل الطرفَ لا ترى
وتطمعُ  جهلا  ان  تضام وما iiدرت
أخا المجد ربّ الفخر قد حالف iiالإبا
..   فالقحتها   بعد   المحجّة  iiغارة
قذفت  بها  من  كل  شهم  iiشمردل
..  وآساد  غيلٍ قد نماها إلى iiالعلى






ومركبها    فيه    ارتكاب   المحارمِ
سوى   جحفلِ   تالٍ   لآخر   iiقادمِ
بأن   فتى  الهيجاء  وابن  iiالملاحم
أو  الحتف  لا  ينفكّ  ضربة  iiلازم
يضيق  بها  رحب  الفضا  iiوالعوالم
وأبيض   وضّاح   الجبين   iiوباسم
أبو   طالبٍ  لا  من  سلولِ  iiودارم

copy_r