gulfissueslogo
لميس ضيف
أحبه وما يحبني !!
لميس ضيف

روى الكاتبُ والمؤرخُ صلاح الحصيني أنهُ في نهاية الستينات، وتحديداً في العام 1969م ، كان هناك جسرٌ عائمٌ في منطقة " الفجر" إحدى نواحي محافظة ذي قار العراقية يعتمدون عليه في تنقلاتهم وتوفير حاجاتهم الأساسية. بيد أن هذا الجسر المربوط في جانبيه بطوافات مائية تسمى عندهم بالـ( الطبكة)، ما فتئ يعذبهم لأن الأسلاك التي تثبتهُ ويسمونها الـ( سيم ) كانت تتقطع دوماً مؤدياً لانجراف الجسر عن مكانه فترتبك حياة المنطقة حتى تشدّ الأسلاك وتربط يدوياً في انتظار تكرر المعاناة من جديد. 
 
      وشاءت الأقدار إن يزور الناحية صدفةً مسئولٌ رفيعٌ هو عزت الدوري – وكان آنذاك وزيراً للزراعة - فتجمّهر الأهالي عليه وأخذوا يرددون بالرتم العراقي المميز :
 
مطاليب أهل الفجر ... سيمات " للطبكة " تجر
 
أي أن مطالبهم تُختصر في تبديل الأسلاك المتهرئة بأخرى قوية تربط الجسر ( بالطبكة ) لئلا تنقطع كل حين وتشّل حركتهم، بالطبع تفاعل الدوري مع أهزوجتهم تلك التي سرعان ما طربوا وأخذوا يرقصون عليها فوعدهم خيرا ثم نسيهم بالطبع !! 
 
*****
 
     لا أعرف لماذا ذكرتني قصة ( الطبكة) تلك.. بمئات " مطاليبنا" البسيطة والتي تمرّ عليها السنوات، وتتوالى عليها الأجيال، وهي في غياهب النسيان.. فديدن أصحاب القرار في الدول التي ترى المواطن نصف إنسان، والمسئول – كما في الأساطير الإغريقية- نصف إله، هو تجاهل هموم المواطنين – هذا إن استشعروها أصلاً- وهم غالباً ما يمطرونهم بوعود قلمّا يتذكرونها.. لذا تلاحظون أننا ندور في فلك المشكلات ذاتها منذ سنوات. ورغم أن " مطاليب" أهل البحرين " مقدور عليها " في الغالب، لا تتطلب أكثر من قرار أو رزمة أموال لا تضاهي الملايين التي تصرف في غير مواقعها، إلا أن أصحاب القرار يتركون  الأمور على عواهنها لتنخر في حياة المواطن ونفسيته نخرّ النمل الأبيض للخشب..والأمثلة على أمانينا الضالة تحتاج لمجلدات، سنكتفي منها بأمثله عابرة خشيه أن نقلب على قرائنا " المواجع"  : 
 
·         نحن أهل جُزر تطوقنا المياه طوق السوار للمعصم. أيعقل أن يحرم الشعب من شواطئ تكون له متنفساً من مطحنة الحياة اليومية اللهم إلا بلاج كئيب في ذيل الخارطة ؟! أيعقل أن يحرم من حزام حدائق ومطاعم ومقاهي متاخمة لشواطئ بهيجة كتلك التي ينعم بها أقرانهُ في كل دول الخليج..أتدركون كم هو غريب وشاذ هذا في " جزيرة" كالبحرين !!
 
" يغّور" المواطن، ماذا عن مقولة " دعم السياحة" التي جعلتم منها نشيداً.. أي سياحة تلك التي تتحدثون عنها وكل ما تقدمونه للزائر هو مجمعات لديهم ما هو أفضل منها وأفخم !! وكل هذا لأن ثلْة متنفذين تأخذهم شواطئ مربيا والمالديف بالأحضان " يستحرمون" ترك كيلومترين للمواطنين خشية أن يحتاجوا لاحقاً لدفنها.. بغرض بيعها على الناس مجدداَ..!! 
 
·         وماذا عن الخدمات: أتعرفون أن ثلثَ شوارع البحرين مظلمةٌ بائسةٌ ..!! ولا تتخذوا من الشغب ذريعة فكثيرٌ من المناطق المظلمة لم تشهد يوماً أعمال شغب ولكن هيئة الكهرباء لا تملك آلية لتبديل المصابيح المحترقة وفق جدول زمني لذا تنتظر " توسلات " المواطنين لتفعل !! أتدركون ما هو تأثير أمر بسيط كهذا على نفسية الناس وحياتهم..؟!
 
 ·           دعكم من الإنارة ، ولن نتكلم أيضا عن الطرقات التي لو نطقت إطارات المركبات " لدعّت عليها"،  ولكن ماذا عن المياه..؟ كيف تسمح دولة نفطية متحضرة لنفسها أن تقطع المياه عن مناطق بالساعات والأيام أحيانا !! أيتخيل أحدكم كمّ الاستياء الذي يصيب المرء بسبب أمرٍ بسيط كحرمه من المياه ؟  لا أعتقد أن أحد كبار الشخصيات فتح ذات يوم صنبوراً فوجده أخرساَ.. ولا اضْطر لملء دلاءٍ بلاستكيه بالماء ليتوضأ أو يقضي حاجاته الأساسية، لذا أحدس أنهم لا يعون كم السخط والذل والغضب الذي يشعر به الإنسان عندما يذهب لعمله دون استحمام.. هي مشكلة صغير وضخمه في آن ولا ندري لِم مرتْ كل هذه الأعوام دون حلٍّها جذرياً !!
 
·       كل الأقطار تدعو الله بالأمطار.. إلا نحن نستقبلها بتذمر.. فعدم وجود صيانة لفتحات تصريف المياه في الطرقات يجعلنا نعاني – كل عام- من المعضلة ذاتها.. ورغم أن البلديات تعرف موعد الأمطار.. ورغم أنهم يعرفون أن الناس ستشتكي من المياه التي ترتفع لتدخل بعض المنازل القديمة ويعرفون أن الصحف ستكتب عن الماء الآسن وبرك القاذورات والجراثيم إلا أنهم ينتظرون – كلّ عام- تكرر السيناريو ذاته ولا يكلفون أنفسهم عناء الاستعداد له وكأنهم يحتلمون أن السماء لن تمطر هذه المرة !!
 
·    على صعيد غير خدمي: يدرك أصحاب القرار – جيدا- الاستياء والتأزم الشعبي الذي خلقه القرار غير المكتوب بحرمان المواطنين من الوظائف العسكرية ومنحها للأجانب ويصرون رغم ذلك على تصدير الوظائف للغرباء عاماً بعد عام..!! في السابق ؛ كنا نستنكر حرمان أبناء الطائفة الشيعية من شرف الخدمة العسكرية ، أما اليوم فنتمنى أن تُقتصر - على الأقل- على أبناء الطائفة السنية عوضاً عن استقدام أجانب ليجثموا على صدور العباد لحين تجنيسهم.. ولا ندري لماذا تعاند الجهات المعنية بهذا الشكل رغم علمها بوجود تململ شعبي من العساكر الأجانب، ورغم علمها بوجود آلاف العاطلين من أبناء البلاد الذين يحلمون بالبزة العسكرية، ورغم علمها بأن قرارا صغيراً - كهذا- قد يغيّر معالم العلاقة بين السلطة والشعب جذريا !
 
·      آلاف الشباب البحريني لديهم الطموح والرغبة في العمل الخاص ولكن الإيجارات الفلكية تعرقل أحلامهم.. على الضفة الأخرى تحتل مدارس البحرين الحكومية موقع الصدر من مناطق حيوية وهامة وفيها مساحات هدر واسعة بمحاذاة السور.. لماذا لا يفكر أحدهم ببناء محلات متاخمة للأسوار على ارتدادات المدارس وتأجيرها بأسعار معقولة للخريجين بما سيمثل مصدر دخلٍ للمدارس وتشجيعاً لهؤلاء الشباب.. أيضاً ! حسنا لماذا لا تتبنى الدولة بعض المجمعات وتمنحها محالها للشباب عوضاً عن الملايين التي تدفع لمشاريع تدريبهم التي نسمع جعجعتها ولا نرى طحينها !! 
 
افتحوا مواقع الانترنت المقفلة دون سبب.. عامان مرّا على القرار القارقوشي والكل يردد - بما فيهم المسئولون- كم هو قرار مسيء وتمييزي وفاشل ولكن لا أحد عمل على نقضه حتى اليوم..!! اسمحوا لمرضى السيكلر الذين تتساقط أرواحهم تباعاً باستخدام المستشفى العسكري – ولو مؤقتاً- لحين تنفيذ وعودكم العرقوبية لهم بوحدة خاصة.. البنوك ، وهي مؤسسات ربحية ، توقف الأقساط عن المقترضين في المناسبات.. لماذا لا تفعل وزارة الإسكان المثل بالنسبة للمقترضين في المواسم..!! 
 
كثيرة هي الأمور الصغيرة ، غير المُعجزة، التي ينتظر المواطن أن يُنصف فيها.. وكم سينقلب حال البلاد للأفضل لو التفتم لهذه التفاصيل التي تبدو لكم تافهة.. ولكنها كفيلة بتغيير حياة المواطنين للأفضل لو توقفتم عن تجاهلها وكأنها لا تعنيكم ..
 
ولا خير من أن أختم بقصيدة لملهمي أحمد فؤاد نجم مع الاعتذار له عن "العبث فيها" :
 
ازاى احبك يا بلد
 
وانتى مش حبانى
 
إزاي أعيش وأموت وأندفن
 
في أرض رفضاني
 
 
 
بنام وأحلم ببكرة
 
ألاقي بكرة زود أحزاني
 
أه يا بلد مليت بحبك الدفاتر
 
مع العلم أنك خنقاني
 
 
 
بكرة تتحاسبوا علي السكوت
 
وعلي العيشة العميانى 
 
شيخ الأزهر بيقول المعارضة حرام
 
وأنا نفسي أعرف
 
أيه الحلال في بلد المليون حرامي..
 
 

copy_r