عسانا لا نَتَنَكَّبُ الصواب إنْ قلنا: إن مؤسسات الحكم في دول الخليج
العربي ( الموصوفة تكتلياًّ بدول مجلس التعاون لدول الخليج العربية ) تشكل إلى
حد كبير عاملا مهما في الإستقرار السياسي والإقتصادي مما أدى إلى استقطاب
الإستثمارات الأجنبية المباشرة وغير المباشرة ورغبتها في المجيء إلى دول الخليج
العربي نظراً لارتفاع التصنيف الإئتماني لدول الخليج العربي عموماً من قِبَلِ
وكالات التصنيف العالمية المعروفة وتوافر سلامة البيئة الأمنية والأعمالية
وخاصة المالية والإقتصادية والتجارية ونتيجة لذلك ينتشر الرفاه الإجتماعي الذي
تتسم به معظم مجتمعات الخليج العربي. وقد لا ينأى المرء بنفسه عن الحقيقة
والواقع إنْ قال: إن معظم شعوب مجتمعات الخليج العربي مع استثناءات محدودة -
تهنأ بعيش رغيد وحياة حرة كريمة في أوضاع إنسانية أفضل من أشقائهم في أجزاء
كثيرة أخرى من العالم العربي أو على الأقل لنقل بالنسبة لبعض شعوب الخليج
'أقلَّ سوءاً ' حتى مقارنة بدول عربية غير خليجية غنية بالنفط والغاز وبسلع
إستراتيجية أخرى كالجزائر والعراق ومعمر القذافي-ليبيا، والذين أذاقوا وما
يزالون يذيقون شعوبهم الأمرَّيْن. ولعل السبب يكمن في تحليلنا السوسيو تاريخي
لحكام المنطقة وأسرهم الحاكمة ذات النزعة القبلية والأصولية التي تتميز بقدر
كبير كما يُلاحظ من مخافة الله برغم وجود تحفظات على بعضهم وقديما قيل ' إن
رأسَ الحكمةِ مخافةُ الله' وهو ما يفتقده حكام كثيرون في العالم العربي إلا من
رحم الله.
بيدَ أن الذي يمكن أن يبعث على التنغيص أحيانا هو أن في بلدان الخليج العربي
يبدو بجَلاءٍ واضح لا تخطئُهُ العين بنسب متفاوتة المبالغة الشديدة في
اسْتِدْناءِ أهل الثقة من أفراد القرابة العائلية والبطانة و'المقرَّبين أو
الأقربين مجلساً' وتوظيفهم في المناصب الرفيعة ضاربين عُرضَ الحائط المصلحة
العليا للوطن والمواطن لجهة مصالح آنية مؤقتة، وفي أحايينَ أخرى لا يعتمد البعض
منهم في هذا الصدد معيار الوطن والمواطن بقدر ما يُراعي الأمن الحياتي للأسرة
الحاكمة. ولعل ثمةَ اقتناعاً أو قناعةً مؤداها أن اتجاهاً كهذا يرفد المؤسسة
الحاكمة بأسباب الأمن والقوة والمنعة ويحافظ على ديمومتها واستمراريتها وينأى
بها عن احتمالات تعرضها لقلاقلَ يمكن أن تعجِّلَ بسقوطها. ومثل هذه النظرة
تُعتبر في رأي الكثيرين قاصرة وقد تكون صالحةً في المدى القصير والمنظور غير
أنها تبدو خطيرة ويمكن أن تترتب عليها تداعيات في المحصِّلة.
ولذلك يتم التعاطي مع ظاهرة متخلفة كهذه بالتالي حسب معايير ذاتية عشائرية
متخلفة 'تغرد وحدها خارج الزمان والمكان ' قطعاً بصرف النظر عن المعايير
العلمية لإسناد المنصب كالكفاءة العلمية والعملية والخبرة في طبيعة المنصب
والمؤهل العلمي المتناسب معه واختيار الشخص المناسب للمكان المناسب وفقاً
لاحتياجات الدولة والمجتمع بصورة موضوعية - أيْ منزهة عن الهوى والغَرضِّية
وليس فقط برغبة من فرد متنفذ في الدولة والمجتمع وحجب المنصب عن كل من يسعى
إليه وإناطته بالكفؤ المشهود بكفاءته وخبرته ومؤهلاته العلمية وأمانته ونزاهته
وعليه كلمة إجماع من السواد الأعظم من الشعب وليس فقط من الحاكم، ولا يشترط أن
يكون من أهل الثقة، طالما أنها أو أنه مواطن ذو كفاءة ومقدرة وعلم تخصصي في
مضمار عمله، ما كان لها أو له أن يتحصل على ذلك كله لولا السياسات التعليمية
المستنيرة التي تتمتع بها كثير من بلدان الخليج العربي والتي على أساسها تم
ابتعاث كثير من المواطنين للدراسة في أرقى جامعات الغرب وصُرفت عليهم أموال
طائلة.
وللأسف يجد الكثيرون أنفسهم ضمن جيش جرار في دائرة ' البطالة المقنَّعة' ولا
يُستفاد منهم فقط لأنهم ليسوا من أهل الثقة وبذلك تذهب أموال الدولة التي
أُنفقت على تعليمهم وتوصيلهم إلى ما هم عليه هباءً منثوراً مع أننا لا نرتاب
بحكم قربنا من صاحب القرار في بعض دول الخليج العربي من حسن النية وراء ابتعاث
أولئك وهؤلاء المواطنين إناثاً وذكورا للتحصيل الجامعي.