ربما لأن وسائط الإتصال الجماهيري و وسائل الإعلام الخليجية شبه الحكومية (
كقناتي الجزيرة و العربية مثلاً) دعك عن الإعلام الحكومي المحض تركز غالباً
(إنْ لم يكنْ دائماً) تحت تأثير أجندات سياسية محلية (على اعتبار أن من يمول
الإعلام و هي الحكومات الخليجية يتحكم في مخرجاته أو أجنداته) على تكريس الصورة
النمطية لدى الكثير من شعوب العالم عن رفاهية الخليجيين و عن حكومات بلدان
الخليج العربي أنها قد حققت أو كادت حلم (المدن الفاضلة) التي قتلها العالم
الإغريقي (أفلاطون) و بعده بألفيَّاتٍ من السنين العالم المسلم (الفارابي)
تنظيراً و ماتا و لم يريا أي شكل من أشكال (المدينة الفاضلة) دعك عن مضمونها،
فإنَّ أولئك المخدوعين بتلك الصورة البراقة اللماعة الأخاَّذة المذهلة
(البروباغندا الموجهة حكوميا و إن لم يبدُ ذلك في الظاهر) مصحوبة بخطاب موجه
مسيَّس (مصاغٍ بصورة ذكية بحيث لا تُشتمُّ منها رائحة التسييس إلا للمتخصص
البارع في تحليل المحتوى الإعلامي) يخرجون بانطباع أولي و أحيانا باقتناع أو
(قناعة) راسخة أنَّ حكومات بلدان الخليج العربي قد أتت بما لم يأتِ به الأوائل
و أسست (مدنا فاضلة) و بالتالي لا مكان فيها لمظلوم أو مهمش أو مسيس أو فقير أو
محتاج أو ما شابه. و هذه بالضبط هي الصورة أو السمعة التي تريد حكومات الخليج
العربي أن تُعرف بها عالميا و توجه إعلامها المستقل (زعماً) أو الحكومي المطلق
بأن يروج لها في كل ربوع العالم.
ونتيجة لذلك فإن ما يسوقه الإعلام الخليجي و بجرعات قوية و مركزة في كثير من
الأحيان و خاصة المرئي منه عن الخليج و الخليجيين و حكومات الخليج طبعاً لتلميع
وجه الحكومات الخليجية لجمهوره المستهدف خارج منطقة الخليج فإن الكثير من
المستهدفين قد لا يعرفون أن في الخليج العربي كما في بلدان الثورات العربية و
غيرها من بلدان العالم إقصاءً و تهميشا لمواطنين لحساب مواطنين آخرين خليجيين
مثلهم و أن في الخليج ظلما واضحاً صريحاً قريحاً لمواطنين و أن نسبة ضئيلة
تتحكم في السلطة و الثروة و كل شيء و أن ما نسبته تسعين إلى ستة و تسعين في
المائة تقريبا من الخليجيين يعيشون أو يعانون بالأحرى على الهامش. صحيحٌ أن
الأنظمة الإجتماعية الآلية أو (الإلكترونية) من خلال الشبكة الدولية (الإنترنت)
مثل فيس بوك و تويتر قد أسهمت بشكل محدود حتى الآن في جعل هذه الصورة تتلاشى في
أذهان البعض، إلا أن انتشار و سمعة قوة تأثير الإعلام شبه الحكومي و وضع حكومات
الخليج العربي ميزانيات تصل إلى مليارات الدولارات تحت تصرفها (و إن كان الكثير
في الخليج العربي يؤمن بأنها حكومية محض كالجزيرة و العربية) قد استطاعت أن
ترسخ الخطاب البروباغندي و الصورة غير الواقعية إلى حد كبير عن حال و محل و
هموم الإنسان الخليجي.
و لتأكيد مدى تأثير الخطاب و الصورة الإعلاميتين على الكثير من الناس في
العالم، أسوق مؤشرا معينا من واقع تجربتي الشخصية. فقد اتصل بي شخصيا و بأشكال
مختلفة الكثير من العرب إناثا و ذكورا ممن يعيشون في أوروبا و شمال أمريكا و
ليس فقط من العالم العربي، ربما لحسن ظنهم بما أكتب و بمعرفتهم أن لي نشاطات
فكرية و أكاديمية في كثير من دول الخليج العربي و افتراضا منهم كما فهمت قدرتي
على الوصول إلى صناع القرار، و كلهم طلبوا مني أن أوجد لهم بإذن الله- فرصة عمل
في الخليج العربي، و عندما سألتهم لماذا تودون ترك البلدان التي تعملون فيها و
تأتون إلى الخليج، كانت إجابة معظمهم متقاربة و هي أن الخليج العربي هو أفضل
مكان على وجه الأرض للإثراء و للعمل بكرامة و هو ما يشاهدونه و يسمعونه في
الإعلام، وفقا لما أكدوه لي. و البعض منهم ممن سخرني الله سببا لمجيئه إلى
الخليج العربي، أدرك الفرق الشاسع بين الخطاب الإعلامي و الصورة البراقة على
شاشة التلفاز اللذيْن كانوا يتعرضون لهما عن بُعد حينما كانوا في البلدان التي
يعيشون فيها و بين الواقع المعاش و ليس من رأى كمن سمع.
القدس العربي 06-09-2011