gulfissueslogo
نحو خطاب إعلامي يكون مرآة حقيقية للواقع و ليس مرآة لتشويه الواقع
أ. د. علي الهيل

ربما لأن وسائط الإتصال الجماهيري و وسائل الإعلام الخليجية شبه الحكومية ( كقناتي الجزيرة و العربية مثلاً) دعك عن الإعلام الحكومي المحض تركز غالباً (إنْ لم يكنْ دائماً) تحت تأثير أجندات سياسية محلية (على اعتبار أن من يمول الإعلام و هي الحكومات الخليجية يتحكم في مخرجاته أو أجنداته) على تكريس الصورة النمطية لدى الكثير من شعوب العالم عن رفاهية الخليجيين و عن حكومات بلدان الخليج العربي أنها قد حققت أو كادت حلم (المدن الفاضلة) التي قتلها العالم الإغريقي (أفلاطون) و بعده بألفيَّاتٍ من السنين العالم المسلم (الفارابي) تنظيراً و ماتا و لم يريا أي شكل من أشكال (المدينة الفاضلة) دعك عن مضمونها، فإنَّ أولئك المخدوعين بتلك الصورة البراقة اللماعة الأخاَّذة المذهلة (البروباغندا الموجهة حكوميا و إن لم يبدُ ذلك في الظاهر) مصحوبة بخطاب موجه مسيَّس (مصاغٍ بصورة ذكية بحيث لا تُشتمُّ منها رائحة التسييس إلا للمتخصص البارع في تحليل المحتوى الإعلامي) يخرجون بانطباع أولي و أحيانا باقتناع أو (قناعة) راسخة أنَّ حكومات بلدان الخليج العربي قد أتت بما لم يأتِ به الأوائل و أسست (مدنا فاضلة) و بالتالي لا مكان فيها لمظلوم أو مهمش أو مسيس أو فقير أو محتاج أو ما شابه. و هذه بالضبط هي الصورة أو السمعة التي تريد حكومات الخليج العربي أن تُعرف بها عالميا و توجه إعلامها المستقل (زعماً) أو الحكومي المطلق بأن يروج لها في كل ربوع العالم.

ونتيجة لذلك فإن ما يسوقه الإعلام الخليجي و بجرعات قوية و مركزة في كثير من الأحيان و خاصة المرئي منه عن الخليج و الخليجيين و حكومات الخليج طبعاً لتلميع وجه الحكومات الخليجية لجمهوره المستهدف خارج منطقة الخليج فإن الكثير من المستهدفين قد لا يعرفون أن في الخليج العربي كما في بلدان الثورات العربية و غيرها من بلدان العالم إقصاءً و تهميشا لمواطنين لحساب مواطنين آخرين خليجيين مثلهم و أن في الخليج ظلما واضحاً صريحاً قريحاً لمواطنين و أن نسبة ضئيلة تتحكم في السلطة و الثروة و كل شيء و أن ما نسبته تسعين إلى ستة و تسعين في المائة تقريبا من الخليجيين يعيشون أو يعانون بالأحرى على الهامش. صحيحٌ أن الأنظمة الإجتماعية الآلية أو (الإلكترونية) من خلال الشبكة الدولية (الإنترنت) مثل فيس بوك و تويتر قد أسهمت بشكل محدود حتى الآن في جعل هذه الصورة تتلاشى في أذهان البعض، إلا أن انتشار و سمعة قوة تأثير الإعلام شبه الحكومي و وضع حكومات الخليج العربي ميزانيات تصل إلى مليارات الدولارات تحت تصرفها (و إن كان الكثير في الخليج العربي يؤمن بأنها حكومية محض كالجزيرة و العربية) قد استطاعت أن ترسخ الخطاب البروباغندي و الصورة غير الواقعية إلى حد كبير عن حال و محل و هموم الإنسان الخليجي.

و لتأكيد مدى تأثير الخطاب و الصورة الإعلاميتين على الكثير من الناس في العالم، أسوق مؤشرا معينا من واقع تجربتي الشخصية. فقد اتصل بي شخصيا و بأشكال مختلفة الكثير من العرب إناثا و ذكورا ممن يعيشون في أوروبا و شمال أمريكا و ليس فقط من العالم العربي، ربما لحسن ظنهم بما أكتب و بمعرفتهم أن لي نشاطات فكرية و أكاديمية في كثير من دول الخليج العربي و افتراضا منهم كما فهمت قدرتي على الوصول إلى صناع القرار، و كلهم طلبوا مني أن أوجد لهم بإذن الله- فرصة عمل في الخليج العربي، و عندما سألتهم لماذا تودون ترك البلدان التي تعملون فيها و تأتون إلى الخليج، كانت إجابة معظمهم متقاربة و هي أن الخليج العربي هو أفضل مكان على وجه الأرض للإثراء و للعمل بكرامة و هو ما يشاهدونه و يسمعونه في الإعلام، وفقا لما أكدوه لي. و البعض منهم ممن سخرني الله سببا لمجيئه إلى الخليج العربي، أدرك الفرق الشاسع بين الخطاب الإعلامي و الصورة البراقة على شاشة التلفاز اللذيْن كانوا يتعرضون لهما عن بُعد حينما كانوا في البلدان التي يعيشون فيها و بين الواقع المعاش و ليس من رأى كمن سمع.

القدس  العربي 06-09-2011

copy_r