gulfissueslogo
د.رمضان غزال
"عدوى التثاؤب التونسي"
د.رمضان غزال

يعتبر الأطباء أن عدوى التثاؤب مرض إجتماعي وأن تقليد التثاؤب هو تعبير عن المشاركة والتعاطف والتماثل مع الآخرين وأن التثاؤب ليس دليل على حاجة الإنسان الى النوم بل دليل على حاجة الإنسان إلى النشاط والحركة وهي تشير إلى شخصية متعاطفة ومندمجة إجتماعيا مع الآخرين و أكثر تقديرا لأوضاعهم وأن حدوثه يتنامى مع شعور المجتمع بالجوع والضجر والقلق
 
.
 
            إن حركة التاريخ للثورات مرت ببلاد كثيرة بمثل ما تعيشه تونس فعندما فر شاه إيران إبان القرن العشرين فكان الإنفجار الشعبي آنذاك و الكنز الذي تم العثور عليه في إرادة التغيير والتحرر من النظم البيروقراطية نحو الأفضل فكان  سر وجود وتنامي هذه الثورة إلى يومنا هذا حينها قال المحللون أن ثورة إيران هي استثناء لجميع الثورات لكن قوى الهيمنة والسيطرة العالمية بدأت تشوه مسيرة الثورة الإيرانية وأشاعت أن عصر الثورات قد انتهى وأن ثورة إيران آخر الثورات حتى لاتتكرر ثورات مماثلة وأن لا ثورات بعد اليوم بل سلام مفروض في الشرق الأوسط ولا حروب بعد الآن وهذه نصف أو ربع الحقيقة .
 
 
 
            ومع بداية القرن الواحد والعشرون ونهاية عقده الأول عدوى التثاؤب لثورة إيران انتقل إلى بلاد الزيتونه بعد الانسداد التاريخي الذي وصلت له تونس واستجابتها إلى دوامة التثاؤب الثوري وتفشى التثاؤب بالعدوى في جميع مدن تونس بشكل محير ومبهر جدا أخذ طابع المحاكاة والتقليد في كل المدن في لحظات شعورهم بالجوع والضجر " فالضجر هو المخلوق الهلامي داخل شرنقة ذواتنا " وثورة إنتفاضة الجوع وغضب الفقراء والتحرر من النظم البيروقراطية هي أكثر الحالات انتقالا بالعدوى على الإطلاق نحو الثقافة الديموقراطية والتعدد فالحياة كما يقول "هيلين كيلر " (اما أن تكون مغامرة جريئة أو لا شيء) .
 
 
 
             فعدوى التثاؤب أنتقلت من الشرق إلى الغرب بظاهرة إشعاع  سايكو فيزيائية حركها الحماس والجوع والتوتر والخوف حين كسر ثوار تونس حاجز الخوف بسرعة متسارعة  فالإحتقان لا يحتاج الى جرح ضخم للإنفجار بل قد ينفجر بعملية منظار بسيطة وثقب صغير لا يرى مما يجعل " البركان وجها آخر للياسمين" مع ثورة الياسمين في بلاد الزيتونة والصورة تقدم نفسها ولا تحتاج  لشرح والمشهد يروى بتفاصيله الممتدة من ساعة انطلاق الشرارة الأولى الذي كبس زرها " البوعزيزي" حين مهد بالخروج من جلده المتمرد المحترق لجلد ابناء وطنه ليندس في عمق التمرد والعصيان على براثن البيروقراطية وأنيابها التي تنهش في جسد المواطن المسكين.
 
            لكن الإخوة التوانسة ليسوا " المالكون الحصريون لبيضة القبان " فعدوى وممارسة التثاؤب مستمرة عن بعد وعن قرب وعن قراءة وعن منهج وعن تفكير وأكاد أجزم أن ثقافة عدوى التثاؤب لبلاد الزيتونة ستنتشر في كثير من دول المنطقة التي تعشعش فيها البطالة ويزدهر فيها الجوع وتكميم الأفواه والفساد المالي والإداري ومصادرة حرية الصحافة وممارسة إعلام التجميل وأدلجة الإعلام .
 
 
 
            فما حصل لتونس مرشح لأن يحصل في بعض الدول الذي يتفاقم فيها إنفجار الرقم" رقم البطالة "ويعشعش فيها البؤس مقابل تجاهل صناع القرار لاوطانهم فالثورات في الماضي كانت عملا فوتوغرافيا فاصبحت الآن عملا سينمائيا وكانت حركية فصارت سكونية بنفسجية برائحة الياسمين.
 
            ففقدنا للحرية يفقدنا للمساواة والمساواة يفقدنا للعدالة والعدالة يفقدنا الوطن وتقليب القوى وتقليب القوى ينعش البطالة والجوع والضجر والقلق لتتحقق المعادلة الصعبة في ثقافة وممارسة عدوى التثاؤب لنتنفس صباح الحرية بإرادة التغيير وتعزيز مساهمة الثقافة المتنوعة في التنمية المستدامة .
 
            لكن ؟ الخوف كل الخوف من الإلتفاف على مكتسبات هذه الثورة في تحول تونس إلى" تسونامي سياسي " بفعل الهيمنة والسيطرة العالمية !!!
 
ومن نافل القول أن "المتثائب الجيد يصيب سبعة آخرون بعدواه  وأن البلد الثائر الجيد يصيب  سبعة آخرون بعدواه "
 

 
 
 

copy_r