gulfissueslogo
دعوة للحوار .. لنا جميعا!
د. سليمان الخضاري
بينما تتسارع الأحداث على الساحة المحلية وفق رتم لم نعتد عليه في الكويت سابقا، تتم هنالك بالتوازي حالة جديدة من الحراك على أكثر من مستوى، تتمحور في الظاهر حول قضايا دستورية، لكنها تمس الكثير من الجوانب المسكوت عنها في ثقافتنا الكويتية. ما حدث فيما يتعلق بقضية حصانة النائب المسلم، من ممارسة سياسية قصيرة النظر من الحكومة ونوابها، وما استتبعه ذلك من صدام مباشر بين قوات الأمن والجمهور، والذي لم يخل من مشاهد مقززة يندى لها الجبين كما حدث للدكتور الوسمي مثلا لا حصرا، كل هذا يخفي في طيات صخبه حقيقة الانكشاف الواضح والفرز الذي عانى منه المجتمع الكويتي عبر عقود من الممارسات السياسية الممنهجة، والتي تمت وفقا لفلسفة علاقة السلطة بمن وما يكفل لها الاستقرار آنيا، دون الأخذ بعين الاعتبار ما يشعر به المهمشون من غبن أو ظلامة تتعمق بفعل السنين، وتتحين فرصة للانتقام، وتجريع الآخرين من كأس التهميش نفسه. في ظل هذه الضوضاء، لا يجب للمهتمين التغافل عن حقيقة الحراك المجتمعي الذي ينطلق حاليا كالمارد الذي حبس في مصباحه عقودا، ويتعلق بانفتاح الشرائح الاجتماعية في النسيج الكويتي على بعضها البعض، والتصريح، لا التلميح فقط، بما يكنه بعضنا تجاه الآخر من آراء نمطية وتصورات خاصة، بل وشكوك وتخوفات أحيانا، لا تتعلق فقط بأشكال الممارسات المجتمعية، بل بجوهر الشراكة الوطنية وحقيقة وجود حس مشترك بالانتماء لوطن يبدو أننا لا نملك حتى الآن تصورا واضحا لحقيقة كنهه وماهيته. إن أدركنا ما سبق، فلا نستطيع حينها عزل الأحداث الأخيرة وغيرها عن سياق أعم، وجد فيه البعض شخصا مشبوها يعبر عن ما يعتمر في قلوبهم من سخط إزاء ما يراه من نزعة ترتكز على مفهموم الحمية القبلية بجناحيها الديني والمحافظ اجتماعيا، التي زحفت، وفق تفسيرهم، على جوهر الصبغة المدنية للمجتمع الكويتي، ووجدت في نفس السياق مجاميع أخرى الفرصة نفسها في شخص متطرف في إحدى الطوائف لتأكيد المحورية المذهبية لبلادهم، في ظل واقع محلي يتميز بإعادة تموضع سياسيي الطائفة الأخرى على يمين الحكم، وواقع إقليمي يشهد تعاظما متزايدا لتلك الطائفة ودورها السياسي، الأمر الذي يثير مخاوف البعض على مكاسب تاريخية ومجتمعية تم ترسيخها عبر قرون من تهميش الآخر والنظر له بعين الشك والمواطنة من الدرجة الثانية. كل هذا، إن تم استيعابه، يجب أن يدفع الباحث إلى التطرق إلى أصل المشكلة، والتي تتمثل في ضعف التواصل الفاعل بين الشرائح المختلفة من أجل التوصل لصيغة شراكة وطنية حقيقية تدفع الجميع للتوجه نحو بناء وطن يشعر فيه أبناؤه، بغض النظر عن انتماءاتهم المختلفة، بروح المواطنة، والتي هي حجر الأساس في أي عملية تنموية حقيقية تهدف لتوجيه الجهود نحو البناء وتحصين الجبهة الداخلية من آثار الأعاصير الاقليمية وتقلبات السياسة العالمية وأخطارها، فالقضية هنا أكبر من حصانة النائب المسلم، بل هي أكبر من الدستور نفسه، والذي هو ضمانة لا غنى عنها لتحقيق الغايات الكبرى، والتي تنطلق من مفهوم السلم المجتمعي ومرتكزاته. من هذه الحقيقة ننطلق، وإليها نتجه في جهودنا للمساهمة في الدعوة لحوارات فاعلة و"حقيقية"، و"مؤلمة" أحيانا، بين الشرائح الاجتماعية المختلفة، وفق منهجية تهدف لخلق ثقافة جديدة تشكل ضغطا سياسيا وأدبيا كبيرا على سياسيينا يحولهم إلى ممثلين للكويت كلها، بسنتها وشيعتها، وحضرها وبدوها، عندئذ لا يتجرأ نائب في الدائرة الأولى على التحريض على جماهير الدائرة ذات الكثافة القبلية، أو نائب سلفي على التحريض على أماكن العبادة عند طائفة بعينها. أيها السادة .. الكويت للكويتيين، كل الكويتيين، والمستقبل في هذا البلد سنتقاسمه جميعا، بحلوه ومره، وبغير إدراك لهذه الحقيقة سندور في حلقة مفرغة من المهاترات والتجاذبات، وربما أكثر من ذلك، إن لم نع أن التاريخ وحركته لم يتوقفان عند خلافات عمرها مئات السنين، لازال بعضنا يعتاش عليها، ويجد فيها غايته لتنصيب نفسه زعيما على أجسادنا المتهالكة، وعقولنا المنهكة!

copy_r