gulfissueslogo
الصحوة الإسلامية السعودية
سعود القحطاني

 برز في الثمانينيات، كإحدى تداعيات الثورة الإسلامية في إيران، تيار فكري سعودي من داخل المنظومة الدينية، دعا إلى التوفيق بين طرفي معادلة صعبة: تبني الفكر الوهابي في مجال العقيدة،وفكر الإخوان المسلمين الذين استوطنوا المملكة إبان العهد الناصري، في مجال السياسة العملية.
 
وكان من المنطقي أن تترتب عن هذا "الاجتهاد التوفيقي" ردود فعل ، صدرت عن قناعات ومرجعيات مختلفة، من أهم نتائجها دخول المشايخ التقليديين المعترك الفكري،وخوضهم في أمور السياسة.
 
ويدور حاليا في المملكة السعودية، نقاش، بين من يسمون ب " الصحوين" نسبة إلى الصحوة الإسلامية الذين طوروا أفكارهم التي ظهروا بها في الثمانينيات، وبين من يطلق عليهم  نعت " الحداثيين" المتهمين من قبل التيار الأول بالهيمنة على مراكز التأثير الفكرية[ جمعيات، أندية , صحف...]
 
يحاول الكاتب سعود القحطاني في سلسلة المقالات التي تنشرها "إيلاف" تباعا ، عرض جانب من المشهد الثقافي في السعودية، يتجادل الفاعلون فيه حول قضايا ظلت مغيبة حينا من الدهر.( التفاصيل) نقلا عن إيلاف
 
 توطئة:
 
 في الثمانينات الميلادية ونتيجة للثورة الإيرانية وبعد حادثة جهيمان الشهيرة، ظهر نجم جديد في سماء الفكر السعودي يحب مريدوه أن يُطلق على تيارهم الجديد والقادم بسرعة الضوء اسم: تيار الصحوة الإسلامية،  بينما يصر المخالفون على تسميته باسم: التيار السروري[1]، ومنهم من يسميه تجاوزاً باسم: التيار القطبي[2].
 
 كانت الميزة الرئيسة لهذا التيار تتلخص بالتوفيق بين طرفي معادلة لا توافق بينهما في الحقيقة، وهما : الفكر الوهابي في المجال العقدي والفكر الإخواني/القطبي في مجال العمل الواقعي. أو كما قال الباحث السعودي علي العميم في دراسته (مشايخنا ومشايخ الصحوة) التي نشرتها صحيفة إيلاف الالكترونية: "ولدت الفكرة السرورية في محاضن الصحوة والتي حافظت على التزمت الحنبلي الوهابي الشكلي من جهة، ومن جهة اخرى منحته ديناميكية سياسية واجتماعية وعقائدية"مع ملاحظة أن هذه المعادلة قد تتـغير متغيراتها بين الحين والآخر وذلك على ضوء تبدل الظروف، لذا لاحظنا أن المتغير الإخواني قد يتحول إلى متغير جديد هو المتغير القطبي والمنبثق في الأساس من العباءة الإخوانية. وهذا ماحصل بالفعل في فترات كثيرة من عمر الصحوة الإسلامية. وفي الآونة الأخيرة وبعد أن كثر الهجوم على الفكر الوهابي بالداخل والخارج في آنٍ واحد، لم يكن غريباً أن نشاهد في الصحويين من يحاول أن يقوم بإحلال متغير الإسلام الوسطي بدلاً من العقيدة الوهابية، حين كثر متربصوها، وظهر في الأفق جلياً أن هذه العقيدة لن يقدر لها مقاومة التحديات القادمة. والنموذج الأميز في ذلك هو الدكتور محسن العواجي المؤسس والمشرف على موقع منتدى"الوسطية"[3].
 
سياسياً كان الصحويون، ولا يزالون، كما يقول الباحث علي العميم: "يتبنون موقفاً سياسياً يمكن وصفه بأنه موال للجسم الديني للدولة السعودية (من الإمام محمد بن عبدالوهاب إلى الشيخ عبدالعزيز بن باز) وغير موال للجسم السياسي فيها منذ إعادة تأسيسها الثالث على يد المؤسس الكبير الملك عبدالعزيز آل سعود. بكلام آخر كانوا موالين لـ(الدعوة) وغير موالين لـ (الدولة) التي تمخضت عنها في الطور السعودي الثالث".
 
ويؤكد باحث سعودي آخر هو محمد بن عبداللطيف آل الشيخ، في مقالة في جريدة الحياة اللندنية، على أن الوهابيين التقليديين هم بناة الدولة وحماتها وذلك على عكس الصحويين، الذين هم دعاة لهدم الدولة وبنائها بشكل جديد ومختلف تماما، هذا ما يحلمون به ويأملون بتحقيقه. وبعبارة أخرى يمكن القول: إن التقليديين يطوعون النصوص لحماية الدولة وذلك على عكس الصحويين الذين يقومون بتطويع النصوص لهدمها[4].
 
ولايفوتنا هنا أن نؤكد على قضية هامة ورئيسة وهي أن الكلام في أمور السياسة وبشكل مفصل وجريء،لم يكن معهوداً بالسابق من قبل المشايخ التقليديين، والذين وإن تكلموا في هذه الأمور فهم إنما يتكلمون فيها بناءاً على موقف الدولة العام من الأحداث السياسية. ولكن مشايخ الصحوة كسروا هذه القاعدة وبنوا لأنفسهم جماهيرية كبيرة بتبنيهم لمثل هذا الطرح غير المألوف.
 
ويلاحظ على التيار الصحوي بصورة عامة تشدده الكامل بما يحب البعض أن يسميه بإسلام المظاهر (الإسلام القشري) وهم بهذا وكما قال العميم يمثلون: " تجسيداً عملياً اجتماعياً وثقافياً لمسائل أساسية ومهمة في نص العلماء والمشايخ التقليديين النظري وفي ممارساتهم العملية". وضرب الباحث مثالاً ببعض المسائل المهمة في التدين الوهابي الحنبلي (التقليدي) ومن هذه الأمثلة التي طرحها: إعفاء اللحية، وكراهية إسبال الثياب لغير الخيلاء، وقال: إن هذه المسائل أساسية ومهمة في التدين الصحوي، وشدد على أن الصحويين قد غالوا في بعضها، وضرب مثالاً بتحريم الصحويين لمس اللحية بعد أن كان جائزاً في السابق أخذ ما يتعدى قبضة الكف، واعتبارهم لإسبال الثياب والذي كان مكروهاً فيما سبق أمراً محرماً، بل إنهم زادوا في مسائل أخرى ذكر منها لبس المرأة القفازين في يديها وغير ذلك.
 
وهذا التمسك الشديد بالإسلام القشري رتب كراهية شديدة وعداءً متواصلاً بين التيار الصحوي والتيار الحداثي في البلاد، وسنحت للصحويين فرصة كبيرة بتسديد ضربتهم الموجعة للحداثيين السعوديين عن طريق أحد مشايخهم الجدد – في ذلك الحين- وهو الدكتور عوض القرني، والذي ألف كتاباً كان عنوانه (الحداثة في ميزان الإسلام). والكتاب، وكما هو واضح من عنوانه، يهدف إلى محاكمة الحداثيين وتيارهم محاكمة دينية صارمة على غرار محاكم التفتيش في العصور الوسطى. وكان من الواضح أن لا مجال للحداثيين في أن يكسبوا مثل هذه الحرب وخصوصاً إن الحكم فيها هو الخصم نفسه، ومن هنا فلا غرابة في أن تكون محاكمة الحداثيين في كتاب القرني محاكمة صورية بحتة، نتائجها معروفة قبل قراءة الكتاب ومعرفة محتواه. ومن هنا تزول الغرابة التي قد تواجه القارىء حين يقرأ –على سبيل المثال– في مقدمة الكتاب: "أن الصراع مع الحداثة ـأولاً وأخيراًـ صراع عقائدي بحت"[5].
 
ويقول الكاتب في مكان آخر من الكتاب نفسه: "ومما يؤكد لنا حرب الحداثة للإسلام والأصالة وعدم وجود أي رابط بينها وبين ماضينا ومجدنا وتاريخنا، خلو جميع إنتاجها الأدبي والفكري من أي إشارة إلى القرآن والسنة وسيرة السلف الصالح، إلا ما كان من باب الطعن والغمز واللمز، مع اكتفائها برموز الوثنية والإلحاد القديمة والمعاصرة"[6].
 
وفي الحقيقة فإن الكاتب قد أشار في مقدمته إلى خشيته من تغلغل المحسوبين على التيار الحداثي في الصحف والنوادي والجمعيات الأدبية، أو كما هو النص بعبارته: "الحداثيين سيطروا على كثير من الأقسام الثقافية في الصحافة المحلية وتغلغلوا في غيرها من النوادي الأدبية والأندية الرياضية وفروع جمعيات الثقافة والفنون"[7].
 
ومن المعلوم أن السماح لأي تيار مغاير للصحويين بالتعبير عن آرائه بشكل قد يدفع العامة لمتابعته، أمر مرفوض في سياسة الصحويين العليا بشكل كلي وتام، لذا فقد كان هذا الكتاب حتمياً لإلغاء هذه الهيمنة الحداثية على الوسط الثقافي السعودي، و إحلال السطوة الصحوية بدلاً عنها.
 
 
 
الهوامش:
 
[1] نسبة إلى: محمد سرور بن نايف زين العابدين، يقول علي العميم :"محمد سرور كان سيد قطبي وسلفياً في آن، وكان يرى ان ماينقص السلفية هو ان تكون مسيسة وثورية . وفكر سيد قطب كان يتكفل بهذه المهمة".
 
[2] كان دخول الأخوان المسلمين الى المملكة العربية السعودية في الفترة الناصرية، وذلك حين ساءت العلاقات بين المملكة ومصر، فكان إستقطابهم الى المملكة لظروف سياسية بحتة. والحقيقة ان دخولهم أحدث تغييرا كبيرا في الفكر الديني السعودي، وذلك نتيجة الحركية الكبيرة التي يتمتع بها الأخوان .
 
وقد "أطلق وزير الداخلية السعودي الأمير نايف بن عبد العزيز مؤخرا تصريحات مثيرة بشأن أسباب التطرف في العالم الإسلامي ومنابعه. وأنحى الأمير نايف باللائمة بشكل رئيسي على جماعة الإخوان المسلمين محملا إياها المسؤولية في معظم ما يعاني منه العالم الإسلامي من عنف وتطرف، قائلا إن الإخوان هم أصل البلاء ومصدر كل المشكلات " - من مقال للكاتب الأمريكي غراهام فولر، منشور في موقع قناة الجزيرة بتاريخ 6/12/2002
 
[3] أنظر على سبيل المثال قول الدكتور محسن العواجي في مقابلة لقناة الجزيرة عبر برنامج بلا حدود بتاريخ 5 / 11 / 2003 "الفكر الوهابي المتشدد الذي يجب علينا كلنا أن ننأى بأنفسنا عنه الآن" . وقوله في نفس المقابلة : "الفكر الوهابي لا يصلح أن يكون فكراً لدولة حديثة مركزية مثل المملكة العربية السعودية قلب العالم الإسلامي لا يصلح إطلاقاً" . بل انه حمل الفكر الوهابي مسئولية العنف في بلاد الحرمين وفي ذلك تبرئه غير مباشرة للتيار الصحوي الذي يمثله . أنظر الى قوله في نفس المقابلة المشار اليها : "حتى لا أتهم بأني يعني أعطي الكلام على عواهنه، أنا حينما أقول إن هؤلاء الشباب(= الارهابيين) الذين في نهاية الأمر تبنوا العنف ينطلقون من أفكار هي أصلاً موجودة في الفكر الوهابي".
 
[4] محمد بن عبداللطيف ال الشيخ، بن لادن ودعوة محمد بن عبدالوهاب: التضاد، جريدة الحياة، العدد: 14245، تاريخ: 21-03-2002، تم نقل العبارة بتصرف، والعبارة بصيغتها الأصلية: "يمكن القول في منتهي العلمية إن الوهابيين علي مرّ مراحلهم التاريخية كانوا بناة دولة ومن ثم حماتها، بينما نجد الثوريين الإسلاميين المعاصرين، بمن فيهم أسامة بن لادن، هم دعاة ثورة وانقلاب".
 
 [5] د.عوض القرني, الحداثة في ميزان الاسلام, ص 4
 
 [6] د.عوض القرني, مرجع سابق, ص 33
 
 [7] د.عوض القرني, مرجع سابق, ص4
 
 
الحلقة الثانية

الغاية والأسس التي تقوم عليها الصحوة الإسلامية  


الغاية النهائية للصحوة الإسلامية السعودية تتلخص بتكرار التجربة الإيرانية على الأراضي السعودية، ونقل فكرة ولاية الفقيه من إيران إلى السعودية. يقول الدكتور غازي القصيبـي في كتاب (حتى لاتكون فتنة) معرفاً -ما نسميه هنا- حركة الصحوة الاسلامية السعودية: "حركة تستهدف الوصول إلى الحكم يقودها فقهاء /زعماء/ ساسة ويتبعون فيها كل أساليب المعارضة السياسية، ويتخذون من الثورة الإسلامية في إيران النموذج"[1].
 
وترتكز الصحوة الإسلامية على مجموعة من الأسس المتفق عليها بين منسوبي هذا التيار، وبالاستقراء يمكن القول إن هذه الأسس هي:-
 
  1 – شمولية الإسلام:
 
  بمعنى كونه ديناً ودنيا (يقوم على تفسيرهما الصحويون). يقول سلمان العودة في "من يملك حق الاجتهاد" معطياً هذه الدلالة: "وإن هذه الصحوة الطيبة المباركة لسوف تؤتي أكلها بعد حين بإذن ربها، فتخرج لنا علماء صالحين عاملين يكفون الأمة مؤنة الإفتاء والتعليم، والتصدي لهؤلاء المتطفلين على الشريعة، الذين يتبعون كل صيحة ويميلون مع كل ريح، ولا يستضيئون بنور العلم"[2].
 
 وبمعنى، أن الفصل بين الدين والدنيا (العلمانية) ليس إلا كفراً كما يوضح الدكتور سفر الحوالي: "نستطيع أن نرى حكم الله فى العلمانية بسهولة ووضوح إنه باختصار: نظام طاغوتي جاهلي يتنافى مع لا إله إلا الله من ناحيتين أساسيتين متلازمتين:
 
 أولاً: -من ناحية كونها حكماً بغير ما أنزل الله.
 
 ثانياً:- من ناحية كونها شركاً في عبادة الله"[3].
 
  ويجب ملاحظة أن الدولة السعودية تركز على نقطة الشرعية الدينية في خطابها الإعلامي وبشكل متواصل، ولكي يتغلب الصحويون على هذه الإشكالية فإنهم يلجأون إلى المزايدة على هذه الشرعية باستمرار، وعبر كل الطرق المباشرة منها وغير المباشرة،  وذلك تبعاً للظروف السياسية ومايرتبط بها من قوة الدولة أو ضعفها. أو بمعنى آخر: فإن المزايدة على شرعية الدولة الدينية تصل إلى أقصى درجاتها في لحظات الضعف و الأزمات التي تمر بها الدولة، وأما في لحظات القوة والتوحد فإن هذه المزايدة تتخذ شكلاً غير مباشر.
 
 وإذا رجعنا لأزمة غزو الكويت، والصعوبات التي واجهت الدولة في ذلك الحين، والتي وصفها المحللون بأنها أحرج لحظات واجهتها الدولة السعودية منذ إنشائها مما دفع بصاحب القرار إلى اتخاذ القرار التاريخي المتمثل بطلب مساعدة الدول الصديقة في الدفاع عن الأراضي السعودية، وذلك بعد أن أصدرت المؤسسة الدينية التقليدية فتواها بالموافقة على هذا الإجراء. في تلك الأثناء نلاحظ أن الخطاب الصحوي المناهض للدولة والمشكك في شرعيتها الدينية يتصاعد بشكل واضح وصريح ويصل إلى درجة غير مسبوقة.
 
 يصف الدكتور غازي القصيبي الموقف في ذلك الحين: "يقف صدام حسين على بعد ساعات من الظهران، ويومين من الرياض، ويتخذ علماء المملكة أخطر قرار في تاريخ المملكة، بإجازة الاجراءات التي اتخذها ولي الأمر للدفاع عن الكيان. وفي هذه اللحظات العصيبة يخرج الفقيه السياسي سفر الحوالي بشريط اسمه (فروا إلى الله)يشرح فيه أن القوات التي استعنا بها اخطر من العدو الذي لم تفصل بينه وبين الظهران سوى ساعات. كان هذا الشريط باباً للفتنة، أحدث بلبلة هائلة، وكان شرخاً في قلب الإجماع. ومالبث الفقيه السياسي سلمان العودة أن خرج بشريط آخر اسماه (أسباب سقوط الدول)زعم فيه أن الاستعانة بغير المسلمين كانت من أهم أسباب سقوط الدول ثم انفتح الباب وتوالت الأشرطة، والخطب، والمناشير على نحو لم نعهده من مجتمعنا من قبل لأننا لم نعهد طبقة الفقهاء السياسيين من قبل"[4].
 
 وإذا أردنا أن نقف على الحد الذي وصل إليه الصحويون حينها في تشكيكهم لشرعية الدولة، فلا مناص من إيراد النص التالي للدكتور سفر الحوالي في كتاب (كشف الغمة عن علماء الأمة) والذي أصدره في ذلك الوقت العصيب. يقول الدكتور سفر: "لقد ظهر الكفر والإلحاد في صحفنا وفشا المنكر في نوادينا ودُعي إلى الزنا في إذاعتنا وتلفزيوننا واستبحنا الربا حتى أن بنوك دول الكفر لا تبعد عن بيت الله الحرام إلا خطوات معدودات. أما التحاكم إلى الشرع -تلك الدعوى القديمة- فالحق أنه لم يبق للشريعة عندنا إلا ما يُسميه أصحاب الطاغوت الوضعي الأحوال الشخصية وبعض الحدود التي غرضها ضبط الأمن (ومنذ أشهر لم نسمع شيئاً منهم عن حد أقيم)، ومع ذلك وضعنا الأغلال الثقيلة على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وصفدنا الدعوة والموعظة بالقيود المحكمة، وهذا من استحكام الخذلان وشدة الهوان ومن يُهِن الله فما له من مُكرم"[5]
 
 كان ماسبق عرضاً مختصراً لاستغلال الصحويين لإحدى الأزمات التي مرت بها الدولة واستغلال الأزمة في سبيل التشكيك بشرعيتها، وهي خطوة مهمة لابد من الوصول إليها لتحقيق الغاية النهائية والمتمثلة باستيراد التجربة الإيرانية إلى الأراضي السعودية وتطبيقها وفق منظور سني صحوي.
 
  2 – الولاء للعقيدة وليس للوطن:
 
 وهذا الأساس الإيديولوجي من أخطر الأسس التي تقوم عليها الحركة الصحوية، فهي تلغي من قلوب مريديها قضية الولاء الوطني، وتستبدله بقضية الولاء الديني العقدي. ورغم أن شيوخ الصحوة لا يحبذون في الوقت الحالي خروج الناس إلى الأقطار الأخرى في سبيل الجهاد، على اعتبار أن المرحلة الحالية هي مرحلة بناء الجماعة في "أرض الحرمين"، وهي التسمية البديلة عندهم للمملكة العربية السعودية، إلا أن نشر مثل هذه الفكرة واستيطانها في قلوب العامة يدفعهم في نهاية الأمر إلى عصيان الأوامر والخروج من عباءة الصحويين والانخراط تحت مظلة مشايخ التيار الجهادي[6].
 
 ونشر فكرة الولاء للعقيدة على حساب الولاء الوطني، يوضح لنا تعاطف شريحة كبيرة من المواطنين السعوديين وتحديداً الفئة المتعارف على تسميتها  بجيل الصحوة، مع الحركات الجهادية في شتى أقطار الأرض، حتى وإن كانت الأرض التي يستهدفونها هي الأراضي السعودية ذاتها!
 
 ففكرة الوطنية غير مطروحة في الخطاب الإعلامي الصحوي  السعودي، إلا إذا كان ذلك على  سبيل الانتقاص والتحقير. يقول الدكتور سفر الحوالي في مقدمة رسالته للماجستير عن العلمانية: "وجاءت طلائع الغزو الفكري – كما هو الحال في سبل الشيطان– متعددة الشعارات، متباينة الاتجاهات، عليها من البهرجة والبريق ما يكفي لتضليل وإغراء أمة منبهرة مهزوزة. جاءت الاشتراكية والقومية والوطنية والديمقراطية والحرية وفلسفة التطور واللادينية..وغيرها من المسميات والشعارات وسرت عدوى هذه الأوبئة سريان النار في الهشيم وتغلغلت في العقول والقلوب التي فقدت رصيدها من (لا إله إلا الله) أو كادت، وتربت على ذلك أجيال ممسوخة هزيلة، أخذت على عاتقها مهمة تعبيد أمتها للغرب والإجهاز على منابع الحياة الكامنة فيها"[7]. كما قال في محاضرة له بعنوان (لماذا نستدعي أمريكا) "فلا نؤمن بمبادىء القومية، ولا الوطنية، بل كلها عصبية جاهلية وضعها النبي صلى الله عليه وسلم تحت قدميه"[8].
 
 نخلص من هذا، أن الصحويين لا يؤمنون بالوطنية بمفهومها الحالي، وأنهم يهدفون إلى هدمها في سبيل بناء الدولة الأمة.
 
يقول سلمان العودة:
 
"فمفهوم الوطن عندنا شمل واتسع:      
 
ولست أبغي سوى الإسلام لي وطنا ****    الشام فيه و وادي النيل سياني
 
وحيثما ذكر اسم الله في بلد   ***    عددت أرجاءه من لب أوطاني
 
قضيتنا قضية الإسلام والمسلمين في كل مكان، ينبغي أن تزول فكرة الحواجز والحدود والسدود والموانع التي جعلت المسلم لا ينتصر لأخيه أو لا يسمع صوته أو لا يستجيب أو لا ينصره ظالما كان مظلوما كما أمر النبي عليه الصلاة والسلام"[9].
 
 3 – العداء للغرب:
 
 الصراع مع الغرب هو صراع حتمي في المنظور الصحوي. فهم من أنصار نظرية صراع الحضارات ولا يعترفون بالحوار فيما بينها، يقول الدكتور سفر الحوالي: "فلا حرج ولا تردد في الإجابة القاطعة الواضحة عن سؤال: ما هو موقف الإسلاميين من مؤتمر السلام؟ فهو الرفض الحاسم والانهيار الجازم ليس عنادًا ولا تصلبًا ولكنه موقف عقدي محتوم"[10].
 
 ويقول"لقد قال بوش في مؤتمر مدريد: (إن غرض المؤتمر ليس إنهاء الحرب بين الطرفين وإنما إنهاء العداوة) ولكن الله تعالى يكذب هذا القول وهذه الدعوى، فسيظل المسلمون يعادونهم"[11].
 
 ويقول سلمان العودة: "وقع في يدي عدد من الكتب التي كتبها -مع الأسف- بعض الفقهاء والمفكرين المعاصرين، فوجدت أنهم يطرحون قضية الجهاد طرحًا ميتًا متماوتًا مخذولاً مهزومًا، يقول لك: الأصل المسالمة مع الكفار، والأصل أننا ندعو وننشر الإسلام بالحكمة، والموعظة الحسنة، وبالسلم وبالدعوة السلمية، وما على شاكلة هذه التعبيرات؛ بل أصبح كثيرا -لا أقول من عامة الناس؛ بل من دعاة الإسلام مع الأسف في هذا العصر- يتصورون أننا في دعوتنا الناس جميعًا للإسلام ينبغي ألا نسلك إلا هذا الطريق، ولا نحتاج إلى رفع راية الجهاد[12]، ولا نحتاج إلى حمل السيوف للقتال، يتصور بعض المغفلين مثل هذا الأمر. والواقع أن من يقرأ القرآن الكريم قراءة واعية لا يحتاج إلى أي كلام ولا بيان ليظهر له بطلان ذلك...  فإننا لو أتينا إلى جمهور المسلمين - دعك من علمائهم ودعاتهم-، فإننا نرى كثيرًا منهم يجهلون وجوب عداوة الكفار والبراءة منهم، فلا يعرفون الولاء والبـراء؛ بل قد تجد المسلم يعيش إلى جنب اليهودي والنصراني والمشرك والشيوعي سواءً بسواء، وتحت سقفٍ واحد، يأكلون طعامًا واحدًا،  ويعملون في عملٍ واحدٍ، وبينهم من الألفة والمودة الشيء العظيم كأنهم إخوة، فحتى عوام المسلمين اليوم ضاعت منهم معاني الولاء والبراء، وفقدوا إحساس التميُّز بالدين".[13]
 
 4 – فرض الهيمنة الصحوية على المجتمع [14]:
 
 يؤمن الصحويون بوجوب العمل المنظم لفرض السيطرة الصحوية على كافة المنابر الموجهة للرأي العام للمجتمع، ويعبر العودة عن ذلك بقوله: "أننا بحاجة ..إلى حركة جهادية إعلامية تصنع الإعلام الإسلامي، الذي يكون بديلاً عن الإعلام المنحل"[15]. وفي سبيل ذلك فهم يتبعون إحدى طريقتين مع المنابر والشخصيات المخالفة لتوجهاتهم:
 
 الطريقة الأولى: محاولة التغلغل والتغيير من الداخل، بحيث يتحول المنبر المخالف منبراً موالياً للتيار الصحوي.
 
 هذه الطريقة يمكن ملاحظتها في التلفزيون السعودي والتغيير الكبير الذي حصل فيه بعد اختراق التيار الصحوي له –مع ملاحظة غض الدولة الطرف عن هذا الاختراق- بعد حادثة جهيمان سنة 1979.
 
 الطريقة الثانية: الهجوم والتشهير المنظم والقوي والمتكيء على فكرة الوصاية الدينية على المجتمع. ويبدأ هذا الهجوم بالتشكيك ثم يتدرج إلى التفسيق والتبديع حتى يصل في نهاية الأمر إلى التكفير.
 
 يقول سلمان العودة: "وعلى ذلك فإن الواجب على المسلم إذا وجد إنساناً مجاهراً بالفساد مثل الذي يكتب المقالات المضللة والمؤلفات الهدامة التي تحارب الإسلام وتطعن في أهل الاستقامة وتشوه تاريخ الأمة المجيد أقول إن الواجب على المسلم أن يعلن الإنكار عليه وأن يفضحه بين الناس"[16]. كما قال: "إذا لزم الأمر ودعا الموقف إلى اللجوء إلى التشهير بالمنكر وصاحبه فلا بأس"[17].
 
 والأمثلة على استخدام الصحويين لهذه الطريقة أكثر من أن تحصى، مثل موقفهم من حادثة قيادة مجموعة من النساء للسيارات في الرياض، وموقفهم من جريدة "الوطن".
 
 ويؤكد الباحث علي العميم على أن قنوات حركة الصحوة ومنابرها تتمثل بـ"الكاسيت الإسلامي، المساجد دروساً وخطباً، المحاضرات العامة، المناشط اللامنهجية في جميع المراحل الدراسية (ونضيف على هذا: المخيمات الصيفية والأنترنيت) ومن خلال قدرتهم– وهذا هو الأهم– على إنشاء كلام إسلامي في قضايا سياسية واجتماعية وتربوية وثقافية وفكرية لم يكن علماء المؤسسة الدينية والمشايخ التقليديون بقادرين على إنشاء كلام مثله".
 
 هذه القنوات والمنابر شكلت سلاحاً هاماً في يد الصحويين لمهاجمة من يخالفهم، وفرض رؤآهم ونشر ثقافتهم الخاصة في المجتمع (كما حصل مع  غازي القصيبي  وتركي الحمد وحسن بن فرحان المالكي ومنصور النقيدان ومشاري الذايدي وعبدالله بن بجاد العتيبـي ..). ناهيك عن استغلال هذه القنوات والمنابر في لحظات المواجهة مع الدولة، كما جرى في حرب الخليج الثانية، أو في الشأن الداخلي مثل دمج رئاسة تعليم البنات بوزارة المعارف، وقرار منح البطاقة الشخصية للمرأة السعودية.
 
 وفي الحقيقة: إذا تمعنا في وجود مثل هذه القنوات للتيار الصحوي، وماتشكله من تأثير حيوي على أفراد المجتمع، وإذا لاحظنا أن هذه القنوات غير موجودة لدى التيارات الأخرى في المملكة العربية السعودية، فإننا نخلص أن التيار الصحوي يشكل بحد ذاته حزباً سياسياً غير رسمي، مستقلاً ومعارضاً ومتفرداً بالساحة، وهذا التفرد هو أخطر مافي الموضوع.
 
 إن التنظيم الذي بناه الصحويون في السنوات الماضية هو تنظيم حقيقي، ومحترف بمعنى الكلمة، وهذا التنظيم يستقي قوته من عدة عوامل:
 
 1 – الخبرة الإخوانية (والتي شكلت طرفاً في المعادلة التي قام عليها التيار الصحوي)  في التنظيم والعمل السياسي.
 
 2 – جاذبية الطرح الذي يطرحه الصحويون. حيث أن المجتمع السعودي محافظ بطبعه، يتعاطف مع كل من يخاطبه باسم الدين. والدين -كما هو معلوم- يشكل الرافد الأهم في الثقافة السعودية التقليدية.
 
 3 – تفرد الصحويون في ساحة العمل الحزبي المنظم في السنين الماضية.
 
 
 
الهوامش :
 
 [1] د.غازي القصيبي، حتى لاتكون فتنة، ص 103.
 
 [2] ص65.
 
 [3]د.سفر الحوالي، العلمانية .. نشاتها وتطورهاوآثارها في الحياة الاسلامية المعاصرة، ص 277.
 
 [4] غازي القصيبي، حتى لا تكون فتنة، ص99-100.
 
 [5] سفر الحوالي، كشف الغمة عن علماء الأمة، ص61.
 
 [6] في : "رسالة التعليم مني الى اخوان الكتائب" شرح حسن البنا ثلاث مراحل يجب ان تمر بها دعوة الأخوان (سبق وان تم شرح دور الأخوان في التأثير على الفكر الصحوي) وهي:
 
 1 – مرحلة التعريف : تكون الدعوة فيها عامة، والطاعة التامة غير ملزمة.
 
 2 – مرحلة التكوين : تقوم على أساس استخلاص العناصر الصالحة لحمل أعباء الجهاد، وتجميعها، والطاعة التامة ملزمة في هذه المرحلة . وهي عسكرية بحتة من الناحية العملية.
 
 3 – مرحلة التنفيذ : الدعوة في طور جهاد لا هوادة فيه، وعمل متواصل في سبيل الوصول الى الغاية.
 
   د. عبدالعزيز رمضان، الاخوان المسلمون والتنظيم السري، ص41 – 42، بتصرف.
 
 ويقول سيد قطب: "أن مرحلة بناء العقيدة التي طالت في العهد المكي على هذا النحو، لم تكن منعزلة عن مرحلة التكوين العملي للحركـة الإسلامية، والبناء الواقعي للجماعة المسلمة . لم تكـن مرحلة تلقِّي " النظرية " ودراستها ! ولكنها كانت مرحلة البناء القاعدي للعقيدة وللجماعة وللحركة وللوجود الفعلي معاً .. وهكذا ينبغي أن تكون كلما أريد إعادة هذا البناء مرة أخرى.
 
 هكذا ينبغي أن تطول مرحلة بناء العقيدة، وأن تتم خطوات البناء على مهل، وفي عمق وتثبت .. ثم هكذا ينبغي ألا تكون مرحلة دراسة نظرية للعقيدة، ولكن مرحلة ترجمة لهذه العقيدة - أولاً بأول - في صورة حية، متمثلة في ضمائر متكيفة بهذه العقيدة ومتمثلة في بناء جماعي وتجمع حركي، يعبر نموه من داخله ومن خارجه عن نمو العقيدة ذاتها، ومتمثلة في حركة واقعية تواجه الجاهلية، وتخوض معها المعركة في الضمير وفي الواقع كذلك، لتتمثل العقيدة حية، وتنمو نمواً حياً في خضم المعركة"، سيد قطب، معالم في الطريق، ص34، الناشر: منبر التوحيد والجهاد.
 
 [7] د.سفر الحوالي، العلمانية .. نشأتها وتطورها وآثارها في الحياة الإسلامية المعاصرة، ص 2.
 
 [8]  د.سفر الحوالي، محاضرة :  لماذ نستدعي أمريكا، منشورة بالكامل بموقعه في الانترنت، والجزئية المقتبسة موجودة تحت عنوان : ما الذي يجب علينا أمام الأحداث.
 
 [9] سلمان العودة، من شريط كاسيت بعنوان: رسالة من وراء القضبان.
 
 [10] د. سفر الحوالي، القدس بين الوعد الحق والوعد المفترى، ص 71.
 
 [11] د. سفر الحوالي، القدس بين الوعد الحق والوعد المفترى، ص 76.
 
 [12]  قارن هذا بما كتبه سيد قطب في "معالم في الطريق"، مثل ماورد في صفحة 59:" أما محاولة إيجاد مبررات دفاعية للجهاد الإسلامي بالمعنى الضيق للمفهوم العصري للحرب الدفاعية، ومحاولة البحث عن أسانيد لإثبات أن وقائع الجهاد الإسلامي كانت لمجرد صد العدوان من القوى المجاورة على( الوطن الإسلامي) - وهو في عرف بعضهم جزيرة العرب - فهي محاولة تنم عن قلة إدراك لطبيعة هذا الدين، ولطبيعة الدور الذي جاء ليقوم به في الأرض. كما أنها تشي بالهزيمة أمام ضغط الواقع الحاضر، وأمام الهجوم الاستشراقي الماكر على الجهاد الإسلامي".
 
 [13] سلمان العودة، حي على الجهاد، ص 18-21.
 
 [14] وهم يعتبرون هذا جهاداً شرعياً، أنظر مثلاً إلى ما قاله سلمان العودة: "جهاد المنافقين: وهذا يكون بكشف ألاعيبهم، وفضحهم، وبيان مؤامراتهم؛ لأنهم يبغون من المسلمين غائلة السوء، ويخططون ويتآمرون للقضاء على الإسلام، فلابد من جهادهم.
 
 فهل يصح أن نتجاهل – مثلاً - جهاد المنافقين، ونتفطن إلى جهاد الكفار، مع أن جهاد الكفار قائم في موقع واحد أو موقعين أو ثلاثة، لكن جهاد المنافقين في كل مكان؟ إذ لا يكاد يوجد في العالم الإسلامي من أقصاه إلى أقصاه بلد ولا مدينة ولا قرية - بل ربما نقول أحيانًا ولا مؤسسة - إلا وفيها منافقون يسعون لتوجيه هذا البلد أو هذه الدولة أو تلك المؤسسة أو المدرسة إلى الوجهة التي تخدم أغراضهم، فيخططون ويتآمرون، وهذا أمر ملموس. فمَنْ لهؤلاء المنافقين؟ وكيف نتجاهل هذه الثغرات المفتوحة في كل مكان؟
 
 ومن أمثلة ذلك: جهاد المنافقين من خلال أجهزة الإعلام في العالم الإسلامي"، حي على الجهاد، ص 34.
 
  [15]سلمان العودة، حي على الجهاد، ص 48.
 
 [16] سلمان العودة، حتى لاتغرق السفينة، ص30.
 
 [17] سلمان العودة، حتى لاتغرق السفينة، ص37
 
الحلقة الثالثة

الصحويون والإرهاب الفكري: استحضار محاكم التفتيش


 
الثلاثاء 23 ديسمبر 2003 
 
 
 
يحاول الصحويون الاستفادة من التجربة الكنسية في العصور الوسطى من ناحية ممارسة الإرهاب الفكري على كل الخارجين عن دائرة المنظومة الصحوية.
 
 فالصحوة الإسلامية تقدم نفسها ككنيسة إسلامية جديدة، تحتكر تفسير النصوص، وتقوم بفرض إرادة الله على الأرض، وفي صراعها مع تيارات المجتمع الأخرى تطرح جدلية حزب الله وحزب الشيطان[1] على اعتبار أن من يوافقها يكون عضواً في الحزب الأول وأما من يخالفها فهو – وبلا شك– عضو في الحزب الثاني، ومن هنا تكون الجنة مآل من ينتسب إليها والنار مصير كل من يخالفها.
 
 وفي سبيل فرض هذه الرؤية، يلجأ الصحويون إلى استعادة تجربة مجتمع المدينة في وقت رسول الله صلى الله عليه وسلم وإحلالها في الواقع الحالي للدولة السعودية، ومن ثم يتم تقسيم الناس إلى مسلمين ومنافقين وكافرين. أما القيادة المطلقة فهي موكلة إلى مشايخ الصحوة الذين يتقمصون دور النبي في المجتمع المديني باعتبارهم ورثة الأنبياء، بينما الصحابة المسلمون يمثلهم في الوقت الحالي عامة الصحويين، وأما المنافقون فهم أعداء الصحوة الذين يعيشون في هذه البلاد، وأما الكفار فهم على ثلاثة أنواع: كافر ثبت كفره –حسب تصورهم بالطبع- من المنافقين وكافر لايؤمن بالدين الإسلامي، أو موحد كافر نتيجة لانحراف عقيدته عن العقيدة الصحيحة – بنظرهم-.
 
 ومن الملاحظ أن قاموس التكفير والتفسيق الصحوي هو من أكثر القواميس اتساعاً وشمولاً واستعمالاً لدى الصحويين، فعلى سبيل المثال نجد في هذا القاموس عبارات كثيرة متداولة للدلالة على التيار العقلاني الذي لا يدخل تحت نفوذهم، وكل هذه العبارات أصبحت مرادفة للنفاق في حالات وللكفر في حالات أخرى، من ذلك توصيفهم بالعلمانيين أو العصرانيين أو الفاسقين أو المستغربين وغير ذلك[2]. كما أنهم يلجأون وبشكل دائم إلى فكرة تشويه المصطلح، فما أن يخرج تيار فكري في البلاد، حتى يقومون بتشويه المصطلح الذي تعارف الناس على تسميته به، وهذا التشويه –بلاشك- يقوم على أسس دينية ومنطق تقسيمي بين حزب الله وحزب الشيطان، حتى يأنف المؤمنون بهذا التيار من الانتساب إليه. ومن ذلك ماحصل لمصطلحي الحداثة والليبرالية، ومصطلحات أخرى كثيرة.
 
 وبما أننا بصدد مناقشة الإرهاب الفكري الذي يقوم بممارسته الصحويون السعوديون، فلابد من الإشارة إلى واقعة بالغة الأهمية، وهي حادثة قيادة مجموعة من النساء السعوديات للسيارات في الرياض أثناء حرب الخليج الثانية، حيث شن الصحويون حملة تجسد فيها الإرهاب الفكري بأبشع صوره، واستغلت الصحوة كل وسائلها، وفي مقدمتها منابر المساجد في سبيل تشويه سمعة هؤلاء النسوة وذويهن. وقام الصحويون بتوزيع منشورات تحمل أسماءهن وأسماء أزواجهن وكانت هذه المنشورات معنونة بـ(أسماء الساقطات الداعيات إلى الرذيلة والفساد في الأرض)، ووصفن بأنهن علمانيات وشيوعيات، وكذلك وصف أزواجهن بذات الصفات وأكثر منها، مثل وصفهم: بالدياثة.
 
 وقد فُصلن من أعمالهن بسبب الضغوط الصحوية في ذلك الحين.كما قامت هيئة كبار العلماء – متأثرة بالضغط الصحوي- بإصدار فتوى تنص على تحريم قيادة المرأة للسيارة، ونجحت هذه الفتوى بتهدئة التيار الصحوي في تلك اللحظات المصيرية في تاريخ البلاد، والتي كانت فيها الدولة على شفى حرب خطيرة مع عدو لا يرحم.
 
  ومن الجدير بالذكر أن الشيخ عبدالعزيز بن باز رحمه الله تصدى شخصياً لقضية المنشورات المتداولة وقال عنها إن فيها شر عظيم، وان سب فلان وفلانه فيه إتباع للشر، ونهى عن جرح أعراض المسلمين ووصمهم بالكفر أو العلمنة أو الشيوعية، وقال إن هذا خطأ عظيم.
 
 ويورد الدكتور غازي القصيبي في كتاب (حتى لا تكون فتنة[3]) نصاً لسلمان العودة يوضح فيه رأيه في قضية المنشورات، وذلك بعنوان (رأي ولاية الفقيه في هذه المنشورات). والنص هو (نقلاً عن جريدة المسلمون العدد 309 ):
 
 "والذين يحاربون الآن قضية الأوراق المتداولة (المنشورات) ما أتوا إلا بقضية واحدة أو نقطة واحدة أو معلومة واحدة تقريباً – هي التي قالوا أنها غير صحيحة أنه امرأة نسبت إلى غير زوجها – معنى ذلك أنه إذا كان في الأوراق المتداولة –مثلاً – أربعمائة أو خمسمائة معلومة لا يضر أن يوجد فيها معلومة واحدة غير صحيحة.. وإذا أردنا أن نتكلم عن قضية الأوراق المتداولة يجب أن نكون واقعيين مانحارب قضية الأسماء – مثلاً – أو قضية التسمية لا مانحاربها (!!!)"[4].
 
  وفي تلك الأوقات أيضاً، تداول الصحويون منشورات اتهموا فيها بعض رموز البلاد غير الخاضعين للتيار الصحوي باتهامات عديدة، منها أنهم ماسونيون وعلمانيون وعملاء لأمريكا ويعملون لحسابها!. وكان من الذين أصابتهم طائلة المنشورات: الدكتور محمد الطويل، والوزير في ذلك الحين: محمد أبا الخيل، والدكتور غازي القصيبي والدكتور إبراهيم العواجي والدكتور سليمان السليم، والوزير السابق أحمد زكي يماني، والدكتور حمد المرزوقي، وغيرهم الكثير![5]
 
 ومن الجدير بالذكر ونحن في ختام هذا الفصل أن نُذكّر بان أطروحة الماجستير لسفر الحوالي كانت بعنوان: (العلمانية.. نشأتها وتطورها وآثارها في الحياة الإسلامية المعاصرة). وهي رسالة أشرف عليها د. محمد قطب، الأخ الأصغر لسيد قطب.
 
 وكان مما ورد في هذه الرسالة: "هذا وقد عاصر محمد عبده رجل آخر من دعاة الإصلاح أيضاً هو عبد الرحمن الكواكبي (ت1902) يحق لنا أن نقول أنه أول من نادى بفكرة العلمانية حسب مفهومها الأوروبي الصريح"[6]. وبعد أن استعرض الحوالي دور الشيخ محمد عبده من ناحية كونه حلقة وصل بين العلمانية الأوروبية والعالم الإسلامي وكذلك دور الكواكبي من ناحية كونه أول المنادين بفكرة العلمانية –حسب رأيه- قال: "واقتفى هذين عدد من الكتاب والصحفيين المشبوهين من أدعياء الإسلام وغيرهم، يطالبون بضرورة فصل الدين عن السياسة وإبعاده عن واقع الحياة وأن ذلك هو الحل الوحيد لمشاكل الشرق، وكان لسموم المستشرقين ودسائس المبشرين أعظم الأثر في ذلك"[7].
 
 بينما كانت رسالته في مرحلة الدكتوراة بعنوان (ظاهرة الإرجاء في الفكر الإسلامي) وكان من العجائب التي وردت فيها شرحه لما سماه بالتيار العصراني، فقال: "وهي زندقة عصرية يروّج لها عصابة من الكتّاب يتسترون بالتجديد، وفتح باب الاجتهاد لمن هب ودب وكتاباتهم صدى لما يدور في الدوائر الغربية المترصدة للإسلام وحركته، وربما يكشف الزمن عن صلات أوضح بينهم وبينها –كلهم أو بعضهم– وأصول فكرهم ملفقة من مذاهب المعتزلة والروافض وبعض آراء الخوارج مع الاعتماد على كتب المستشرقين والمفكرين الأوربيين عامة، وهم في كثير من الجوانب امتداد للحركة الإصلاحية التي ظهرت في تركيا والهند ومصر على يد الأفغاني ومدحت باشا وضياء كول آلب وأحمد بهادر خان وأضرابهم"[8].
 
 ويخلص في تعريفه لهذا التيار بالقول: "وهذا الاتجاه على أية حال لا ضابط له ولا منهج، وهدفه هدم القديم أكثر من بناء أي شيء جديد، وإنتاجه الفكري نجده في مجلة المسلم المعاصر، ومجلة العربي، وكتابات حسن الترابي، ومحمد عمارة، ومحمد فتحي عثمان، وعبد الله العلايلي، وفهمي هويدي، وعبد الحميد متولي، وعبد العزيز كامل، وكمال أبو المجد، وحسن حنفي، وماهر حتحوت، ووحيد الدين خان. وإنما رأيت ضرورة التنبيه عنهم لخطورتهم واستتار أمرهم عن كثير من المخلصين"[9].
 
  ومن طرائف الأمور، أن الدكتور سفر الحوالي بعد كتابه هذا بسنوات، قام بتبني مشروع إنشاء ما أسماه بـ(الحملة العالمية لمقاومة العدوان). وأدخل معه في قائمة المؤسسين الأستاذ فهمي هويدي، ووصفه بالمفكر الإسلامي! كما أدخل معه وفي قائمة المؤسسين أيضاًً الدكتور محمد عمارة، ووصفه كذلك بالمفكر الإسلامي!
 
 
 
يتبع
 
  الهوامش:
 
 [1] يقول سفر الحوالي – مثلاً – في محاضرة بعنوان:" المؤامرة على الإسلام": "وظهر منهجان متعارضان: نور وظلام، فحيثما فقد النور وجد الظلام، وكلما اشتد النور وقوي كلما ضعف الظلام أو اضمحل، ولابد أن يظهر أحدهما، ولا يمكن أن توجد حالة لا نور فيها ولا ظلام! أو لا حق فيها ولا باطل! ولا يمكن أن يوجد قلب بشري إلا وهو إما على حق وإما على باطل، ولا توجد أمة من الأمم إلا وهي إما على الحق وإما على الباطل، ولا توجد عقيدة من العقائد إلا وهي إما على الحق وإما على الباطل.. وهكذا إلى الأبد".
 
 وقد أكد بنفس المحاضرة في فصل" الأمور التي يتم بها الانتصار على أعداء الإسلام" على:" أن هذه الأمة (الإسلامية) لا تؤتى إلا من قبل نفسها" وأن من الواجب:"أن نعرف عدونا، وأن نعرف مكره وخيانته ومخططاته، وأنهم كما بـيّن الله تبارك وتعالى من عداواتهم أنهم يظهرون لنا العداوات وهي ظاهرة وواضحة ولكن ما تخفي صدورهم أكبر وأعظم وأشد، وأنهم لا يألون جهداً ولا يرقبون فينا إلاً ولاذمة، وأنهم لا يريدون ولا يرضون منا إلا أن ننسلخ عن ديننا، وأن نصبح عبيداً رقيقاً لهم، سواء كانوا في الشرق أم في الغرب، من المنافقين أم من الأعداء الخارجين"
 
 [2] أنظر مثلاً الى قول ناصر العمر في محاضرة بعنوان : أسباب تخلف المسلمين : " هؤلاء المستغربون نالوا الشهادات العالية من هنا وهناك، وجاءوا إلى بلاد المسلمين، واحتلوا فيها القيادة والمناصب والريادة، وقادوا المسلمين إلى التأخر والتقهقر.. يعيشون بيننا ويتكلمون بلغتنا، بل إن بعضهم قد يدخل إلى مساجدنا، ووالله إن هؤلاء أشد خطراً من المستشرقين. هؤلاء هم من الأسباب الرئيسية التي أوصلتنا إلى الوضع الذي نعيشه " . وفي شريط السكينة السكينة يقول - في نطاق حديثه عن حادثة قيادة مجموعة من النساء للسيارات في الرياض- : " رأيت ان الاعداء، ان العلمانيين بحرف ادق، ان المنافقين بمصطلح شرعي، في الوقت تصور فيه الكثير انهم عادوا على اعقابهم خاسرين بدؤوا يرصون صفوفهم وبدؤوا يكيدون المؤامرات وبدأت تخرج بعض اقوالهم واخطر من اقوالهم هي اعمالهم ".
 
 [3] ص117  .
 
[4] معنى ذلك ان العودة كان مع التشهير بهن، مخالفاً بذلك الشيخ عبدالعزيز بن باز رحمه الله .
 
[5] وضع الدكتور غازي القصيبي في كتاب حتى لا تكون فتنة ص 116 صورة للمنشور.
 
[6] د.سفر الحوالي، العلمانية .. نشاتها وتطورهاوآثارها في الحياة الاسلامية المعاصرة، ص 236.
 
[7]د.سفر الحوالي، العلمانية .. نشاتها وتطورهاوآثارها في الحياة الاسلامية المعاصرة، ص 236 .
 
[8] الدكتور سفر الحوالي، ظاهرة الارجاء في الفكر الاسلامي، الجزء الاول، ص 30-31.
 
[9] الدكتور سفر الحوالي، ظاهرة الإرجاء في الفكر الاسلامي، الجزء الأول، ص 30-31.


الحلقة الرابعة

 
خطاب المطالب ومذكرة النصيحة
 خطوة أولى للاستيلاء على السلطة


 

 
الأربعاء 24 ديسمبر 2003 
 
 
 
نتيجةً لتحول الصحوة إلى حزب منظم غير رسمي هدفه المرحلي فرض الوصاية على الحاكم وهدفه النهائي القفز إلى كرسي السلطة وإعلان ولاية الفقيه السني، ونظراً لأن استراتيجية الصحوة المتأثرة بالتجربة الإخوانية قامت على تبني خيار التغيير المتدرج المتسلسل، مع محاولة استغلال كل نقاط الضعف والاستفادة منها. كان لابد من أن يواجه الصحويون صاحبَ القرار السياسي مواجهة مباشرة، ويجهرون بطلباتهم علناً في وجهه، وقد كان ذلك حين قاموا بتقديم خطاب المطالب ومذكرة النصيحة إليه.
 
كان الصحويون يحاولون الاحتماء بالتيار الديني التقليدي، ولذا فقد حرصوا على أن ينضم الشيخ عبدالله بن جبرين إليهم في مطالباتهم، وهذا ماحصل بالفعل -غير أنه تراجع عن هذا الانضمام في وقت لاحق بعد أن تكشفت له بعض أهدافهم على مايبدو-. كما حرصوا، أيضاً، على محاولة التحالف مع أعلى سلطة دينية في البلاد ممثلة بالمفتي العام الشيخ عبدالعزيز بن باز، ولهذا وجهوا خطاب التوطئة للمذكرة إليه، طمعاً منهم في أن يقوم بمباركة هذه الخطوة، وأن يمارس ضغطاً مماثلاً على صاحب القرار للرضوخ للطلبات المقدمة إليه، أي أنهم كانوا يأملون في توحيد الصف الديني بشقيه التقليدي والصحوي في وجه صاحب القرار السياسي، ولكن هذا لم يتيسر لهم، ولم يكن ليتيسر لهم. فالشيخ عبدالعزيز بن باز رحمه الله، كان مثالاً تقليدياً للمشايخ السنيين عموماً، ومشايخ الوهابية خصوصاً، والذين هم في حقيقتهم، يرفضون كل الحركات التي قد تؤدي بالبلاد إلى مزالق الفتن.
 
 كانت مذكرة النصيحة مشروعاً لـ(صحونة) الدولة السعودية و (طلبنتها) قبل أن تخرج الحركة الطالبانية إلى الوجود.
 
 كان هدفها الأساس فرض الوصاية الصحوية على كافة المجالات السياسية[1] والقانونية[2] والإقتصادية[3] والإجتماعية[4] والإدارية[5]والإعلامية [6] كما تم التطرق الى نواحي البناء الثقافي والعسكري في البلاد. وتم تقديمها بعد عملية تجييش هائلة للرأي العام إزاء وجود القوات الأجنبية، وإزاء ماحصل في البلاد من مشاكل اقتصادية وتغيرات اجتماعية هائلة، و إزاء ما وصفوه بالفساد في الجهاز الإداري وغير ذلك.
 
 واستغلت الصحوة في حملتها هذه كل قنواتها ومنابرها الإعلامية وحقيقة كونها الحزب غير الرسمي الوحيد المسموح به في المملكة العربية السعودية.
 
 وظهر الضيق الواسع الذي يشعر به الصحويون تجاه الإجراءات التي قامت بها الدولة للتضييق على منابر وقنوات الصحوة، ويتضح هذا جلياً في النص التالي من المذكرة، الذي عاب فيه الصحويون الواقع الإعلامي واتهموا الدولة بقيامها بـ"تحجيم وظيفة المنابر الشرعية كخطب الجمع والأعياد، ووسائل الإعلام والمحاضرات والندوات العامة، وذلك بالسعي لمنع الخطباء ذوي الوعي الشرعي والعلم بالواقع، وأصحاب النصيحة والرأي الشجاع من تسنم هذه المنابر، ومحاولة حصر هذه المنابر على من لا يحسن القيام بحق الكلمة وواجب البلاغ المبين".
 
 كان الصحويون يراهنون على استغلال ضعف الدولة في مرحلة مابعد الأزمة، ولكن الدولة فاجأتهم برفضها للرضوخ، كما أن التيار الديني التقليدي فاجأهم برفضه لهذا التحالف، وجدد ولاءه للدولة ووقف معها في وجه الصحويين.
 
 والحقيقة إن الصحويين في ذلك الحين لم يقرأوا الواقع كما هو، ويبدو أن تأثرهم بالتجربة الإيرانية كان فوق كل المعطيات الواقعية التي تبدو واضحة للعيان. فقد استمر الصحويون بتصعيدهم، وقاموا بتسريب المذكرة إلى وسائل الإعلام الأجنبية، وقام سلمان العودة تحديداً بإصدار مجموعة من أشرطة الكاسيت النارية، كان أحدها بعنوان (رسالة إلى رجل الأمن) وخلاصته أنه يُلمح لرجال الأمن بحرمة وقوفهم في جانب الدولة في مواجهتها مع الصحويين، فهو يقول مثلاً في شريطه المذكور: "الطاعة العمياء في كل شيء، هذا غير جائز بالنسبة للبشر، بل ربما يقول بعضهم: نفذ ثم اعترض! يعني قم بالعمل الموكول إليك واعترض بعد ذلك. والطاعة المطلقة هي لله تعالى ولرسوله صلى الله عليه وسلم، أما طاعة البشر -كل البشر- فهي محكومة بالشرع". وهو ينبه رجال الأمن أن واجبهم يتلخص في الوقوف مع الدين وليس مع الحاكم، أنظر مثلاً إلى قوله: "فإن الاعتداء على الدين هو الجريمةُ العظمى التي تأخذ رقم واحد، والتي يجب أن يجعل رجل الأمن من جهده جهداً كبيراً في مقاومتها وكشفِ من يعملها أو يمارسها وإيقافه عند حده".
 
  وهو ينبه إلى أن الدولة تحاول التفريق بين رجال الأمن وبين الصحويين فيقول: "ملأوا قلبك أخي رجل الأمن خوفاً وذعراً، حتى أصبحت إذا رأيت ذا اللحية فكأنما رأيت بعبعاً مخيفاً أو شيئاً عنيفا؛ وبالمقابل خوفوه بك، وجعلوك سيفاً مصلطاً على رقبته، فصار ما إن يراك ببزتك وبدلتك حتى يرى الموت الأحمر ويدري أنه إن لم يَقتُل يُقْتَل، وصرت أنت وإياه حينئذ ضدين لا يجتمعان.. إنه الدم، إنه القصاص، قال الله تعالى {ولكم في القصاصِ حياةٌ يا أولي الألباب} والقاتلُ مقتول ولو بعد حين، وسيقضي القاتل أياً كان بقية عمره في قلق لا يهدأ وتوتر لا يسكن، وذلك أن يزرع الله تعالى في قلب القاتل شقاء لا سعادة معه قط، وإذا أمن عقوبة أهل الأرض فلا يأمن عقاب رب السماء، ينتظره من يومه أومن غده، نزيفاً في المخ أو سرطاناً أو جلطة أو حادثا مرورياً مدمراً أو أزمة قلبية أو إيدزاً أو مأساة مروعة على زوجة أو على أطفاله".
 
 كما قال في شريطه المذكور كلاماً، أظنُ أن قادة الإرهاب الديني يودون أن يُعاد قوله على منابر المساجد، ففيه تسهيل لمهمتهم وتقوية لموقفهم، يقول: "هل تعلم مهمة رجال الأمن في تلك الديار (في البلاد الإسلامية الأخرى) هل تعلم لهم مهمةً أخرى غير اصطياد الشباب المتدين وملاحقتهم؟ أما أنا فلا أعلم إلا هذا! فهل يرضيك يا أخي وأنت المسلم الذي تعلم حرمة الدم المسلم وحرمة العرض وحرمة المال، أن يحدث هذا.. فلماذا تنـزعج أخي أو ينزعج غيرك من خبرٍ يقول: مقتل ضابط أو شرطي في بلد كذا؟ ثم تسر بخبرٍ يقول لك اقتحام منـزل وقتل عشرين من المتطرفين"[7].
 
 كان العودة في شريطه هذا يستعيد تجربة الخميني في التأثير على رجال الأمن عن طريق الكاسيت، وإن كان الخميني أكثر تسامحاً، فقد كان يقول في أشرطته لأفراد الجيش: "أنتم تقومون بقتلنا ونحن نغفر لكم. لكن يجب أن تنتبهوا إلى حقيقة وهي أنكم تصنعون في كل يوم مزيداً من الشهداء"[8]. وهذا مما يؤكد تأثر التيار الصحوي السعودي بالثورة الخمينية.
 
 وبعد أن تم القبض على رفاق دربه الدكتور محسن العواجي والدكتور محسن الحوالي وغيرهم من مشايخ الصحويين، ألقى سلمان العودة خطاباً كان عنوانه (رسالة من وراء القضبان)، دعا فيه الناس إلى أن يكون القبض على هؤلاء الصحويين -وعليه أيضاً متى ماتم ذلك- دافعاً للجميع من أجل التغيير والاحتساب وأن يتم"تفجير الطاقات الخاملة" على حسب تعبيره، وكان مما قاله: "فيا رجال الأمة، يا دعاة الأمة، يا شباب الأمة، يا خبراء الأمة، يا رجال الأمة أين كنتم وأين كانت مستوياتكم؟ كلكم جميعا مطالبون أن تكونوا دعاة إصلاح ودعاة تغيير نحو الأفضل، ودعاة تصحيح لكل فاسد، ودعاة احتساب على جميع أنواع المخالفات الشرعية سواء كانت مخالفات تتعلق بعلاقة الناس مع ربهم أو علاقة بعضهم ببعض، حكاما أو محكومين، كبارا أو صغارا، رجالا أو نساء. يجب أن تتفجر طاقات الأمة ومواهبها، ينبغي أن يخرج للأمة رجالها".
 
 وانتهى الأمر بأن زج بمشايخ الصحويين في المعتقلات، ولم تفلح مظاهرات "أحداث بريدة" بتغيير موقف الدولة الصارم في ذلك الحين، بل كانت هذه الأحداث رسالة من الدولة لكل الصحويين في أن عصر التسامح بينها وبينهم قد مضى، وأن قواعد العمل السياسي قد تغيرت وتبدلت. ومن الواضح، أن الدولة ومنذ ذلك الحين، لم تلجأ لحلول فعالة في التعامل مع التيار الصحوي المتفرد بالبلاد، بل كانت تعتمد على الحلول الوقتية والمسكنة. ولهذا، وبعد كل هذه السنين، نجد أن الصحوة مازالت قوية كما كانت، نتيجة لتفردها بساحة العمل السياسي السعودي، ونتيجة لقوة المنابر والقنوات التي تستند عليها في توصيل رأيها للناس، والتي ازدادت قوةً بعد دخول الإنترنيت إلى السعودية، إذ يلاحظ التشدد في حجب المواقع الليبرالية على مستخدمي الانترنت في السعودية، في حين يكون التساهل في الحجب في حالة المواقع الإسلاموية. مما جعل المواطن السعودي يكاد لا يسمع إلا خطاباً واحداً هو الخطاب الصحوي أينما وجّه وجهه، سواء كان هذا في المسجد أو العمل أو البيت أو في التلفزيون السعودي.. الخ، ومن المفجع –حقيقة– أن الصحافة، التي كانت مجالاً حراً، لم تطله قبضة الصحويين، قد بدأت ترضخ لضغوط الصحويين الشديدة، بعد أن أفلحت ضغوطهم بإقالة رئيس تحرير جريدة "الوطن" الأستاذ جمال خاشقجي، بعد أن قامت الجريدة بشن حملة كبيرة ضد هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وقام كتابها بنقد الغلو الديني بشجاعة كبيرة، حتى أن أحدهم وهو الأستاذ خالد الغنامي كتب مقالاً جريئاً عن ابن تيمية، وهو أحد الشخصيات المقدسة في الفكر الديني السعودي عموماً. وكان هذا المقال القشة التي قصمت ظهر الجريدة السعودية الوليدة، فبعده تمت إقالة رئيس تحرير "الوطن" وكان هذا انتصاراً ساحقاً للصحويين، وإثباتاً على أن قوتهم لازالت موجودة في التأثير على صاحب القرار!
 
  وقد تراجع الكثير من الكتاب المستقلين عن بعض المواقف الناقدة للتيار الصحوي، خشية أن تستفز كتاباتهم هذا التيار، رغم أن جريدة "الوطن" قد أفلحت –نسبياً- في كسر هذا الحاجز. فإقالة خاشقجي، وإيقاف الأستاذ عبدالله بجاد العتيبي بعد كتابته لمقالٍ في نقد الفكر الديني في جريدة "الرياض" والحملات التشهيرية التي تعرض لها مجموعة من الكتاب والمفكرين السعوديين بسبب وقوفهم في التيار المضاد للصحوة، مثل: الدكتور حمزة المزيني الأستاذ في جامعة الملك سعود، والأستاذ مشاري الذايدي الكاتب بجريدة الشرق الوسط، والأستاذ منصور النقيدان الكاتب بجريدة الرياض، والأستاذ سعود السرحان المحاضر بجامعة الإمام، والأستاذ حسين شبكشي الكاتب بجريدة عكاظ، وقبل ذلك الحملات التكفيرية التي تعرض لها كل من الدكتور تركي الحمد والشيخ حسن بن فرحان المالكي. كل هذه الشواهد، أثبتت للكتاب المستقلين أن لا تكافؤ بين حركة الصحوة الإسلامية والتي نصّبت نفسها ممثلة عن الله في أرضه، والتي في يدها كل وسائل التأثير على الرأي العام، وبين الكاتب الفرد المستقل الذي لا يجد –حقيقة– من يقوم بالوقوف في صفه تجاه مثل هذه الحملات، بالرغم من أن الوضع قد تغير نوعاً ما في الآونة الأخيرة، إلا أن الأكثرية الصامتة في البلاد ما تزالُ تطمح بالمزيد، فعلو صوت الأقلية المنظمة لا يعطيها الحق في أن تفرض رغباتها على المواطن السعودي. خصوصاً وقد شاهدنا الآثار السلبية لهذا التفرد في السنوات القليلة الماضية، واستشراف المستقبل يدلُ على فجائع كبيرة تهدد العباد والبلاد في حال استمر مثل هذا التفرد على وضعه الحالي.
 
 ولا يفوتنا التنويه على أن ترسبات مواجهة الدولة مع الصحويين بعد تقديمهم لخطاب المطالب ومذكرة النصيحة، أسفرت عن خروج مايسمى بـ"لجنة الدفاع عن الحقوق الشرعية" التي انتقل مكتبها الرئيس إلى لندن، واعتبرت نفسها ذراعاً إعلامية للصحوة، وكان يقفُ على رأسها في لندن كل من الدكتورين سعد الفقيه ومحمد المسعري. وقد ذكر الدكتور محسن العواجي-وهو أحد القيادات الصحوية- في مقابلة على قناة الجزيرة: "أن خروج الأخوين (الفقيه والمسعري) خارج المملكة كان بتفويض من التيار الداخلي الإصلاحي"[9]. وذلك بغرض أن يكونا وكما قال الدكتور في المقابلة نفسها: "مندوبين عن إخوانهم في الداخل".
 
 وفي الوقت الذي كان مشايخ الصحوة داخل السجون السعودية، حصل الانفصال في مكتب لندن بين سعد الفقيه ومحمد المسعري، وقام الفقيه بتأسيس ما أسماه بـ"الحركة الإسلامية للإصلاح" .
 
 بعد خروج المشايخ الصحويين من السجن، دبّ الخلاف بينهم وبين ممثليهم في الخارج[10]، وأخذ كل منهم يحاول العمل بمفرده، أملاً بتجيير مكتسبات الصحوة لشخصه ولمصالحه الخاصة. ويلاحظ في الآونة الأخيرة أن التيار الصحوي في الخارج قد خرج هو الآخر من عباءة الصحوة الإسلامية وراهن على التيار التكفيري السعودي بشكلٍ واضحٍ وجلي [11].
 
  يتبع
 
 الهوامش:
 
 [1] أنظر مثلاً للنص التالي فيما ورد في مذكرة النصيحة: "أمر تعالى بأن يرد كل أمر معضل إلى العلماء بشرعه وأمره" و"وإن ما سبق ذكره يستلزم أن يكون للعلماء والدعاة في الدولة المسلمة مكانة لا تعدلها مكانة،وأن يكونوا في مقدمة أهل الحل والعقد والأمر والنهي، وإليهم ترجع الأمة -حكاماً ومحكومين- لبيان الحكم الشرعي لسائر أمور دينهم ودنياهم" . و"قطع العلاقات الدبلوماسية والاقتصادية مع كل دولة تحارب الدعاة إلى الله فيها أو تضطهد الأقليات الإسلامية بها وأن تكون العلاقات مبنية على حسن تعامل تلك الدول مع الدعاة والأقليات الإسلامية." و"إعادة النظر في وزارة الخارجية وأوضاع السفارات والسلك الدبلوماسي بحيث لا يعين إلا المؤتمنون في هذا المنصب الخطير لكي تؤدي السفارات رسالتها الإسلامية المنوطة بها"
 
[2] أنظر مثلاً للنص التالي فيما ورد في مذكرة النصيحة: "الواجب الشرعي مراجعة الأنظمة القائمة مراجعة شاملة لتنقيحها وإلغاء كل مخالفة للشرع بها وكذلك العمل على وضع أنظمة شرعية بديلة لما يتعسر تنقيحه منها"
 
[3] أنظر مثلاً للنص التالي فيما ورد في مذكرة النصيحة: " إيقاف جميع أشكال الصرف علي المجالات التي تعد شكلاً من أشكال الإسرف والتبذير أو لا تعد من ذوات الأولوية كملاعب الرياضة والمعارض الفارهة ونحوها "كما طالبوا بأيقاف البنوك الربوية والقروض الربوية وغير ذلك .
 
[4] أنظر مثلاً للنص التالي فيما ورد في مذكرة النصيحة : "إذكاء روح الجهاد والإيثار وحب التضحية في أبناء هذه الأمة وذلك عن طريق مناهجها التعليمية والإعلامية ومن خلال دورات تُعد لهذه التربية بين الحين والآخر"
 
[5] أنظر مثلاً للنص التالي فيما ورد في مذكرة النصيحة : "حذف ألقاب التفخيم التي ما أنزل الله بها من سلطان وليس لها أساس شرعي والاكتفاء بالمخاطبة بأحب لقب وأحسنه وهو أخوة الإسلام أوالمسمّى الوظيفي للفرد"
 
[6] أنظر مثلاً للنص التالي فيما ورد في مذكرة النصيحة : "وضع سياسة إعلامية جديدة تركز على تحقيق المقاصد الشرعية للإعلام التي تتضمن إبلاغ الدعوة الإسلامية وإصلاح الرأي العام وبناء الشخصية الإسلامية وكشف الحقائق وبيان سبيل المجرمين". و" إيقاف المظاهر المنافية للآداب وسلوكيات المسلم كالتبرج وإظهار العورات في التلفاز وأصوات الميوعة والخضوع بالقول في المذياع". و" إخضاع المادة الإعلامية الخارجية لرقابة شرعية ومنع الجرائد والمجلات التي تروج أفكار الكفر والعلمنة والسفور والخلاعة والصور الفاضحة". و" السماح بإقامة المؤسسات الإعلامية الخاصة من صحف وتلفزة وغيرها للدعوة والإرشاد والتثقيف النافع وإزالة القيود التي تحد من مصداقيتها وقدرتها على الإبداع وجعل القيد الوحيد عليها هو القضاء الشرعي فقط "
 
[7] يقول سلمان العودة في محاضرة اشتهرت باسم " حقيقة التطرف ": " فمثلاً جريدة الشرق الأوسط ومع الأسف أنها محسوبة على هذه البلاد تعتبر الجبهة الإسلامية في الجزائر أصوليين متطرفين ".
 
[8] محمد حسنين هيكل، مدافع آية الله – قصة آيران والثورة، ص220.
 
[9] برنامج الإتجاه المعاكس، تاريخ : 5/7/2003م
 
[10] ظهر ذلك بشكل واضح في المواجهة التي جرت بين الدكتور محسن العواجي والدكتور محمد المسعري في "قناة الجزيرة"، تاريخ 5/7/2003، برنامج الإتجاه المعاكس.
 
[11] راجع البيان رقم 54 – على سبيل المثال - من بيانات لجنة الدفاع عن الحقوق الشرعية، الذي وصف الذين قاموا بعملية التفجير في مجمع المحيا بالمجاهدين.
 
الخلقة الخامسة

الصحويون والعنف في الداخل والخارج

 
 السبت 27 ديسمبر 2003 
 
 
 
بعد الضربات الهائلة التي وجهها النظام المصري لحركة الإخوان المسلمين في مصر، حصل تغير جذري في الفكر الإخواني، وتمثل هذا تحديداً بقبول النظام القائم ونبذ العنف كأسلوب للعمل السياسي وتبني خيار محاولة تعديل المجتمع من الداخل وفق الأساليب السلمية، ومرد ذلك ليس كرهاً للعنف في حد ذاته، ولكن السبب الحقيقي يرجع إلى تيقن الجماعة من أن العنف والمواجهة مع الدولة لن يفيدها في تحقيق مطالبها والوصول إلى غاياتها، بل على العكس من ذلك ستكون عاقبته وخيمة، وسيلحق بالإخوان المزيد من التشرد والتفكك والضعف[1].
 
كان هذا الأساس الذي قامت عليه الصحوة الإسلامية في المملكة العربية السعودية، إذ أن رفض العنف ليس لذاته، ولكن للمفاسد التي قد تلحق بالصحوة من جرائه. مع ملاحظة أن هذا الموقف يظهر بوضوح كلما كانت الدولة قوية ومتماسكة، بينما يتغير هذا الموقف إلى مايمكن أن نسميه بـ "الثورية" في لحظات ضعفها [2].
 
كان ماسبق مجرد محاولة رسم لخطوط عامة، ولكن إذا حاولنا أن ندخل في المزيد من التفاصيل فلابد من محاولة رسم الخريطة الصحوية في المملكة العربية السعودية بشكل أكثر تفصيلاً. وذلك على ضوء التبدلات في هذه الخريطة بعد خروج أساطين هذا التيار من السجن، والتغيرات المستمرة والتذبذب الدائم في مواقف بعضهم بعد هذا الخروج.  لذا سننطلق – بتحفظ- في هذه الورقة من فرضية اليمين واليسار في الوسط الصحوي، وعلى هذا فلابد من التمييز بين آراء اليمين الصحوي ممثلاً بقطبه الأشهر الدكتور سفر الحوالي واليسار الصحوي ممثلاً بقطبه الأكبر سلمان العودة، مع مراعاة أن هذا التقسيم تم بناء على ثلاثة معايير:_
 
1 –التشدد في الطرح الصحوي.
 
2 – الموقف من الغرب.
 
3 – الموقف من مبادرة وقف العنف والتي أطلقها الدكتور سفر الحوالي عبر برنامج "بلا حدود" في قناة الجزيرة بتاريخ: 5 / 11 / 2003.
 
 ولتكن البداية مع اليمين الصحوي، الذي هو في مواقفه أقرب للوضوح من الآخرين، رغم أن الواقف على رأس التيار يؤمن بالتقية السياسية، حيثُ سبق له أن صرح بهذا الشيء في مقابلة مع مجلة "البيان" حيث قال: "هذا ما يجب الاعتراف به، وهو مظهر من مظاهر أخرى تدل على أن الصحوة مع انتشارها وقوة زخمها لم يصلب عودها بعد، وليست قادرة على مواجهة الحضارة الجاهلية المعاصرة التي تسعى لاجتياح العالم تحت ستار «العولمة».. واليوم تأتي مواقف تحتاج الأمة فيها إلى التورية ضمن السياسة الشرعية.."[3].
 
يرى الدكتور سفر الحوالي-كما سبق توضيحه- أن الصراع مع الكفار هو صراع عقدي محتوم، وسبق له أن أكد "أن من أصول عقيدة أهل السنة والجماعة: أن الجهاد ماضٍ إلى قيام الساعة، مع كل من حمل الرايةَ لنصرة الدين وصد عدوان الكافرين براً كان أو فاجرا"[4]. وليس هذا فحسب بل إنه يقول:"إذا تركنا الجهاد في هذه المرحلة وآمنا بأن العداوة قد انتهت فنحن ينطبق علينا الارتداد عما أمر الله تبارك وتعالى به"[5].
 
ويعرف الحوالي الإرهابَ بأنه:" عمل جهادي يحدث شيئاً من النكاية في العدو بغرض الانتقام والردع"[6].
 
وكان من أخطر ماقاله الدكتور:" إن الحديث عن الحقوق المشروعة والقرارات الدولية الذي استنزف ويستنزف من الإعلام العربي ما يملأ البحار لم يجد أذنًا -ولا عُشرَ أذن- كتلك التي أحدثها انفجار مشاة البحرية في بيروت والهجوم إلى ثكناتهم في مقديشو، بهذه اللغة وحدها يسحب الكفر أذيال الهزيمة وتنحني هامات الخواجات العتية.." إلى أن يقول: "وإن أي خطاب للكفر لا يستخدم هذه اللغة هو لغو من القول وزور من العمل"[7]. وقد كتب يحيى بن علي الغامدي في العدد السابع من مجلة صوت الجهاد – الناطقة باسم تنظيم القاعدة في السعودية- معلقاً على المقطع السابق من كلام الحوالي بقوله : "كلامٌ جميل لعله دفع بشبابٍ لعل منهم أحد منفذي هجمات الثلاثاء الأبلج إلى ظلال السيوف".
 
نخلص من ذلك إلى:
 
1 – يؤكد الدكتور سفر على مبدأ صراع الحضارات وصدامها ويشدد على وجوب الصراع المسلح مع الحضارات الأخرى على اعتبار أن ذلك واجب ديني.
 
2 - نتيجة لكون الدكتور سفر يكفر الدولة السعودية [8]، ونتيجة لكونه يرى القوات الأمريكية الموجودة في المملكة العربية السعودية قواتاً غازيةً أتت لتبقى[9]، وإذا لاحظنا أنه يوافق على العمليات الإرهابية ضد القوات الاميركية في بيروت ومقديشو، فمن باب أولى أنه لايرى مانعاً من العمليات الإرهابية الموجهة ضد المصالح الأميركية في المنطقة. وإن كان لايصرح بهذه القناعة بطريق مباشر وذلك من منطلق التقية السياسية كما تم توضيحه.
 
وإذا تمعنا في مداخلة الدكتور سفر الحوالي الشهيرة والتي طرح فيها مبادرته لإيقاف العنف في الأراضي السعودية، وذلك عبر برنامج "بلا حدود" في قناة الجزيرة بتاريخ: 5 / 11 / 2003 نلاحظ ما يلي:
 
1 – حاول الدكتور سفر أن يظهر بمنظر قائد الجناح السياسي الذي آن له أن يستفيد من النتائج التي تحققت على يد الجناح العسكري للحركة الإسلامية. ويجب ملاحظة أن الدكتور سبق له وأن قام بتسليم أحد المطلوبين في قضايا الإرهاب للدولة، وهو أحد أبناء قبيلته ويدعى علي الفقعسي، وزعم أن هذا التسليم تم وفق شروط معينة[10]، ولكن وزير الداخلية السعودي نفى وجود أي شروط[11]. ويبدو أن الدكتور نتيجةً لاعتبارات قبلية بحتة، استطاع أن يؤثر على ابن قبيلته المطارد لكي يقوم بتسليم نفسه، دون أن يكون لهذا علاقة بتأثير إيديولوجي للدكتور عليه.
 
ونتيجة لهذا الدور الذي حاول الحوالي أن يظهر فيه، فقد حاول أن يفرض طلباته على الدولة، وهذه الطلبات تمثلت بمحورين أساسيين:
 
أ – أن تُرجع الدولة للتيار الصحوي مكتسباته التي حققها في السنين الماضية، وتمثل ذلك بتشديده على ضرورة أن تقوم الدولة بالسماح للائمة والخطباء المفصولين (نتيجة لتورطهم في خطب تحريضية أو حزبية) بالرجوع إلى أعمالهم. وأن ترضخ الدولة لضغوط التيار الصحوي في التراجع عن قرار دمج رئاسة تعليم البنات مع وزارة المعارف، و هذا الرجوع –بالطبع- سيكرس هيبة التيار الصحوي تجاه صاحب القرار والمواطن على حد سواء. كما طالب بمنع الكتاب الذين لا ينتمون للتيار الصحوي من الكتابة في الصحف، على اعتبار أن في كتاباتهم محاربة للدين[12] ولاشك أن سبب هذا الطلب يرجع إلى ماسبق أن ذكرناه من حرص التيار الصحوي على السيطرة على كل الوسائل المشكلة لتيار الرأي العام.
 
ب – أن تسير الدولة خطوات في سبيل تحقيق الغاية التي تسعى إليها الصحوة الإسلامية (ولاية الفقيه السني ) ومن هنا فقد كانت المطالبة بإلغاء القوانين وتعديل نظام القضاء والتشاور مع العلماء (علماء الصحوة بالطبع) وتحكيم الشريعة بشكل يجعل من المشايخ الصحويين أوصياء على هذا التطبيق.
 
كما سرد الحوالي في طلباته طلبات أخرى للاستهلاك المحلي على غرار فتح باب الوظائف وغير ذلك من الأمور.
 
وفوق هذا فقد حاول الدكتور أن يعطي نفسه زخماً أكبر في وسط التيار الجهادي، بحيث أن من يُسلم نفسه من المطاردين عن طريقه سيكون له الحق بمحاكمة عادلة ومعاملة محترمة، وبذلك تزيد مكانته في وسط المطاردين وتزداد خطورته في وجه الدولة، حيث أن تسليم المطاردين لأنفسهم عن طريق الدكتور، سيكرس فكرة كونه قائد الجناح السياسي، الذي لابد من التفاوض معه لإقناع الجناح العسكري بالتوقف عن عملياته.
 
أما اليسار الصحوي ممثلاً بسلمان العودة، فمن الموضوعية أن تتم الإشارة إلى التبدلات الهائلة في مواقفه بعد خروجه من السجن، وهذه التبدلات (والتي يسميها البعض تذبذبات) من الأرجح أنها ليست تراجعاً بقدر ماهي مراجعة للموقف للسياسي، فالعودة والذي صعّد من خطابه بدرجة كبيرة تجاه كل القوى الداخلية والخارجية في مرحلة ما قبل السجن، صار بعد خروجه يكثر من مغازلة أعداء الأمس بشكل غريب، لدرجة أن الكثير من مريديه قد انفضوا من حوله وقالوا"إن الشيخ قد تغير" [13].
 
كان من ملامح هذا التغير على مستوى الخطاب الخارجي، الموقف الذي تبناه من ناحية إعداد رسالة للمثقفين السعوديين يردون بها على رسالة المثقفين الأميركيين، كانت الرسالة في مضمونها تحمل خطاباً تسامحياً كبيراً، على غرار: "لدينا قناعة راسخة أن على أهل العلم والفكر أن يتمتعوا برؤية بعيدة وعميقة، لا تسمح لهم بالجري وراء خيارات يصنعها أفراد، أو دوائر واقعة تحت ضغط واقع لا يراعي الأخلاق ولا الحقوق، وقد تقود المجتمعات إلى دوامة القلق والحرمان والصراع اللاإنساني. إن لغة الحوار هي لغة القوة، ومن الخطأ أن نجعل القوة هي لغة الحوار لأن من شأن ذلك أن يسمح لقوى الصراع أن تمارس دوراً معقداً في المستقبل" . و "الإنسان من حيث هو كينونته مخلوق مكرم، فلا يجوز أن يعتدي عليه مهما كان لونه أو عرقه أو دينه" و " ونرى أن من حقنا -كما هو من حق أي شعب- أن نوضح حقيقة ما نؤمن به من قيم للغير من الشعوب من أجل تحقيق فهم أكثر بين شعوب الأرض، تحقيقاً للسلام العالمي، وخلق فرص استفادة للباحثين عن الحقيقة والخير " . و " إننا نؤمن أن الإسلام هو الحق، ولكن من غير الممكن أن يكون العـالم كله مسلماً؛ إذ ليس بمقدورنا جعله كذلك، وليس من شريعتنا أن نلزم الآخرين بمفاهيمنا الخاصة، هذا هو خيارنا الشرعي" . و " إننا ندعو إلى انفتاح جاد من الغرب على الإسلام، وقراءة مشاريعه، والتعامل بهدوء مع الواقع الإسلامي، وأن يُجري الغرب مراجعة جادة في الموقف من الإسلام، وندعوه كذلك إلى فتح قنوات حوار بين النخب المثقفة الممثلة لتيار الإسلام العريض وبين المفكرين وصناع القرار في الغرب" .
 
هذا المقدار من التسامح والعقلانية لم يكن منتظراً من الرجل الذي كان يقول:" فمن السذاجة بمكان أن نتصور أن الطبيعة التي حكاها الله -عز وجل- عن الكفار واليهود والنصارى والمشركين في القرآن الكريم، يمكن أن تتغير " [14]. وقوله عن رجال الجيش في الدول المتاخمة لإسرائيل :" أسودٌ أشاوس على الضعفاء من بني جلدتهم أو بلادهم أو من جيرانهم ولكنهم حملانٌ وديعة أمام عدوهم الحقيقي الشرس من اليهود أو النصارى " [15].
 
وقد تنبه لهذا التبدل أحد عرّابي التكفير السعوديين، وهو ناصر الفهد، الذي تراجع عن بعض أرائه في الآونة الأخيرة على شاشة التلفاز. فقد كتب الفهد كتابين في الرد على هذا البيان، كان أولهما مقدمة للثاني. ومايهمنا فيهما هو إشارته الصريحة للتغير الواضح في منهج العودة. قال ناصر الفهد: " من الظاهر جداً أن هذا البيان مملوء بلغة الهزيمة والتخاذل والذل والاستجداء والتودد إلى الكفار، ولو قرنته ببعض كلام من تولاه و نشره في السابق لأخذك العجب(يقصد سلمان العودة) : فقد كانت له محاضرة قبل سجنه بعنوان لماذا يخافون من الإسلام؟ قرّر فيها بكلام جميل دور الجهاد في إخافة أعداء الله من الكفار، ثم رد وبالغ في الرد على من سماهم بـالسذج من المفكرين الإسلاميين ممن يظنون أن الإسلام سينتصر بـالكلمة و الدعوة و الحوار ولن ينتصر بالسيف والجهاد، فانظر كيف بلغ به الحال ليس إلى مجرد ترك الدعوة إلى الجهاد أو تمجيده أو تقريره، بل إلى إنكار الصدام و الصراع و لغة القوة - وهذه كلها تعني الجهاد- والتبرؤ منها، وأنها لا تبني أجيال المستقبل و لا الخير للبشرية، بل الذي يبني هذا الحوار! وزعم بأن هذه شريعة الإسلام! وكانت له محاضرات عن الجهاد وقتال الكفار منها صناعة الموت و حتمية المواجهة، ولكنها انقلبت الآن إلى حتمية الحوار و صناعة التعايش !
 
كما كانت له محاضرة بعنوان التطبيع تكلم فيها على دعاة التقارب بين الأديان وطريقتهم في إزالة العداء من نفوس المسلمين وكسر الحاجز النفسي عندهم للقبول بالتعايش مع اليهود وغيرهم"[16] .
 
كان هذا الموقف المتشدد من ناصر الفهد، وغيره من أساطين التيار التكفيري إزاء تغيرات العودة سبباً في قيامه بنوع من التراجع التكتيكي عن البيان، ولكن يبقى السؤال: هل تغير سلمان حقاً أم لا؟
 
هذا السؤال المعضلة أرجح أن يكون جوابه بالنفي، فسلمان مثله في ذلك مثل سفر الحوالي، يؤمن بأن الصراع مع الغرب صراع عقدي ومحتوم .
 
وماظنه الناس تغيراً حقيقياً، ليس إلا لعبة سياسية، حتمتها الظروف والضغوط السياسية بعد خروجه من السجن، والتي تزايدت بشكلٍ أكبر بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر. فسلمان فقيه سياسي كما يقول الدكتور غازي القصيبي، وهو بهذا لا يرى بأساً في ممارسة التقية السياسية مثلما قال رفيق دربه في مقابلة مجلة "البيان". وهو يمارسها بشكل احترافي حقيقي، وذلك على عكس الدكتور سفر الحوالي، والذي لا زال يمارس الألاعيب السياسية بطريقة مفضوحة.
 
وهذا النص القديم لسلمان، والذي قاله في رسالة موجزة كان عنوانها: "لماذا يخافون من الإسلام" قد يكشف هذا الشيء بشكل أوضح من كل تنظير وتوقع. حيث يجيب في الصفحة 12 من الرسالة على سؤال افتراضي بأنه: هل لو عرض الإسلام بتجرد ووضوح ونقاء وبأسلوب ناجح وقوي للعالم كله، أليس من المتوقع أن يسلم أكثر الناس ؟
 
ثم يجيب على ذلك بالجواب التالي: "بلى، ولكن هذه فرضية، ولاتعني أنهم أصبحوا بمجرد هذا الافتراض مسلمين، كلا، فالتاريخ كله تاريخ الحرب مع الكفار، والواقع -اليوم وأمس- هو واقع التوتر الدائم الذي يتوجس فيه كل الطرفين من الآخر.
 
والقضية لاتعدو أن تكون -في الغالب- نوعاً من المخادعة، أو كسب الوقت في نظر الطرف الآخر. فإذا قال بعض الغربيين -مثلا -: موقفنا من الإسلام هو موقف تسامح، فهو يقصد بذلك كسب الوقت، وإذا قال بعض المسلمين أيضاً -في الغالب- أن الإسلام لايبغض الغرب ولا يكرهه، وإنما يسالمه ويهادنه، فالواقع أن هؤلاء المسلمين يدركون في قرارة أنفسهم أن الإسلام له موقف آخر لو كان يملك القوة التي يواجه بها الغرب " .
 
 ونظراً لكون سلمان يمارس فعلياً العمل السياسي في تصرفاته، فإنه لم يبدِ تصريحاً صريحاً بموقفه من مبادرة وقف العنف التي أطلقها سفر الحوالي، ولكنه اكتفى بدعمها بطريق غير مباشر، عن طريق الترويج لها في موقع "الإسلام اليوم" والذي يقوم بالإشراف المباشر عليه، الأمر الذي يسوغ لنا القول: أن سلمان يوافق على المبادرة وشروطها وقد أعطى عدة إشارات تدل على هذه الموافقة، ولكنه لا يريد أن يتبنى موقفاً صريحاً قبل أن ينقشع الغبار، ويعرف حقيقة الموقف كما سينتهي إليه، وهكذا هم السياسيون.
 
يتبع
 
 
 
 
 
مواضيع ذات صلة:
 
قراءة في فكر التطرف في السعودية: سفر الحوالي مثالاً
 
http://www.elaph.com.:8080/elaph/arabic/frontendProcess.jsp?SCREENID=article&COMMAND=fe.article&FEPAGEPARM=1068587335294379900
 
 
 
 
 
 
 
الهوامش :
 
[1] د. حسنين توفيق ابراهيم، النظام السياسي والأخوان المسلمين في مصر – من التسامح إلى المواجهة، ص 18 – بتصرف- . وراجع كتاب "دعاة لا قضاة" للمرشد العام الثاني لجماعة الأخوان المسلمين الأستاذ حسن هضيبي .
 
[2] مثلما حصل في حرب الخليج الثانية، ومثلما حصل بعد أن تزايدت الهجمات الإرهابية على السعودية في الآونة الأخيرة.
 
[3] مجلة البيان، العدد : 176
 
[4] د.سفر الحوالي، بيان للأمة عن الأحداث ومعه خطاب مفتوح للرئيس الأمريكي بوش، ص6
 
[5] د.سفر الحوالي، القدس بين الوعد الحق .. والوعد المفترى، ص 25
 
[6] د.سفر الحوالي، بيان للأمة عن الأحداث ومعه خطاب مفتوح للرئيس الأمريكي بوش، ص7
 
[7] د.سفر الحوالي، القدس بين الوعد الحق .. والوعد المفترى، ص 3
 
[8] أنظر مثلا لقوله في قناة الجزيرة:" قضية التكفير تكثر وتُتداول، يجب على الدولة أن تعالج هذه المشكلة، يعني.. يعني تلغي كل القوانين الوضعية، وتتحاكم فعلاً إلى الشريعة"، وقوله في كشف الغمة عن علماء الأمة:" أما التحاكم إلى الشرع -تلك الدعوى القديمة- فالحق أنه لم يبق للشريعة عندنا إلا ما يُسميه أصحاب الطاغوت الوضعي الأحوال الشخصية وبعض الحدود التي غرضها ضبط الأمن". لمزيد من التفاصيل أرجع إلى: سعود عبدالله الجارح، قراءة في فكر التطرف في السعودية: سفر الحوالي مثالاً، صحيفة إيلاف.
 
[9] على سبيل المثال: يقول الدكتور سفر في كتاب كشف الغمة عن علماء الأمة:" إن احتلال الكويت- تلك القشة التي قصمت ظهر البعير- سينتهي بشكل ما وحينها ستلتفت هذه القوى لتصحيح وضعنا نحن كما ألمحوا مراراً وصرحوا"، ص 57. كما قال في محاضرة فستذكرون ما أقول لكم:" نحن الذين من أجلهم تحشد هذه الإمكانيات، جاءتهم هذه الفرصة أو خططوا لها، المهم الآن أنهم بدءوا يتوافدون، وسوف يتوافدون علينا بهذا الغرض". كما قال في نفس المحاضرة:" البعثيون يحكمون قبضتهم على الكويت، والغربيون يحكمون قبضتهم على الرقعة بأكملها".
 
[10] صرح بذلك لجريدة الحياة اللندنية، وقد ورد بموقع "الاسلام اليوم" الذي يشرف عليه سلمان العودة:" وقال الشيخ سفر الحوالي في تصريح لصحيفة"الحياة" اللندنية إن الغامدي وضع شروطا لاستسلامه تتمثل في إطلاق سراح زوجته المغربية الأصل وعدم تعذيبه وأن يحظى بمحاكمة عادلة وأن يسمح له بتوكيل محام. وأضاف الشيخ الحوالي أن الأمير محمد بن نايف مساعد وزير الداخلية للشؤون الأمنية،" اعتبر على الفور أن تلك حقوق الغامدي التي يكفلها شخصيا"، تاريخ 29/6/2003
 
[11] ورد في جريدة الرياض" ونفى سمو الأمير نايف بن عبدالعزيز أن يكون الفقعسى قد حدد شروطا لكي يسلم نفسه قائلا سموه (هذا غير صحيح لم يقدم شرطا واحدا.. ومرفوض منه ومن غيره.. لكن ليس هناك شك بأن نتيجة الاعلان المتكرر وقبله الدعوة لتسليم النفس.. رأى الفقعسى ووجد انه ليس لديه مجال أن يذهب.. وضيق عليه الخناق هو وغيره فوجد انه لزاما أن يسلم نفسه.. الحقيقة الوحيدة أن الذي أتى به إلى منزل محمد بن نايف هو الشيخ سفر الحوالي واشعرنا بأنه يريد أن يسلم نفسه في لحظتها في الساعات الأولى من فجر يوم الخميس.. فيجب أن لا يقال شيء لا صحة له)"، تاريخ 03 جمادى الأولى 1424العدد 12794، كما ورد في جريدة الحياة اللندنية:" وفي لقاء مع الصحافيين، عقب حواره مع أعضاء مجلس الشورى، نفى الأمير نايف أن يكون الشيخ سفر الحوالي لعب دور وساطة لتسليم المطلوب الأول في قائمة شبكه الـ19 علي الفقعسي الغامدي، وقال:"ليست هناك وساطة ولا مبادرات وليس وارداً أو مقبولاً من أي جهة أو أي شخص سعودي أو مجموعة يأتون بوساطة"، لكنه أكد تقديره لكل شخص"يعمل على نصح أي شخص بالاستسلام أو القيام بتسليمه لسلطات الأمن"، ودعا المطلوبين إلى المبادرة بتسليم أنفسهم"لأن هذا أفضل لهم ولأن الوصول إليهم سيتم اليوم أو غداً".
 
ونفى ما ورد على لسان الشيخ الحوالي من تقدم الفقعسي بشروط لتسليم نفسه، وقال:"هذا غير صحيح، لم يقدم شرطاً واحداً"، كما اعتبر التقدم بشروط"مرفوضاً".
 
وارجع استسلام الفقعسي إلى الإعلان المتكرر بالدعوة للاستسلام و"لإدراكه أنه لم يعد هناك مجال يذهب إليه ولتضييق الخناق عليه"، وقال:"الحقيقة الوحيدة أن الذي أتى به إلى منزل الأمير محمد بن نايف كان هو الشيخ سفر الحوالي وكان ذلك في الساعات الأولى من فجر الخميس". ووعد أن يلقى الفقعسي وغيره"تحقيقاً عادلاً وقضاء عادلاً قادراً لا يجرم أحداً إلا بجريمته"، تاريخ 2/7/2003
 
[12] يكثر الصحويون من التبرير القائل بان التطرف الديني سببه يرجع إلى استفزاز مشاعر المتدينين، يقول سلمان العودة -مثلاً- في محاضرة بعنوان حقيقة التطرف:" التطرف في الانحراف يؤدي إلى تطرف مقابل سواء الانحراف الفكري أو الانحراف العملي. ولذلك فالذين يجرون المجتمعات الإسلامية إلى الفساد والانحلال الخُلُقِي هم في الحقيقة من المتسببين في حصول الغلو، وإن أعلنوا الحرب عليه وعلى ما يسمونه بالتطرف إلا أنهم من أول المتسببين فيه. فمظاهر الرذيلة في المدرسة والجامعة والشارع والشاطئ والمتجر والحديقة والشاشة والإذاعة وغير ذلك، إذا أقرها المجتمع وسكت عنها فإنه يجب عليه أن يستعد للتعامل مع أنماط كثيرة من الغلو. هذا إذا كان دور المجتمع هو فقط السكوت عنها، فما بالك إذا كان دور المجتمع بكليته هو تشجيع مظاهر الانحراف ودعمها وحمايتها وحراستها وتبنيها، سيكون الأمر ولا شك أخطر. وقل مثل ذلك في الأوضاع الثقافية والإعلامية؛ فمحاصرة فكرة من الأفكار مثلاً وإغلاق منافذ التعبير والكلام أمامها، سواء الصحيفة أو الإذاعة أو التلفاز أو غير ذلك هو سبب لأن تتبلور لدى هذه المجموعة فكرة الغلو أحيانا أو على الأقل فكرة المواجهة والسعي لإثبات الذات. ومن الغريب جداً أن الإعلام العربي خاصة، يتهم بمن يسميهم بالمتطرفين بأنهم لا يتسامحون مع غيرهم، أو أنهم يسعون لإسكات الأصوات الأخرى التي تخالفهم، مع أننا نعلم أن هؤلاء الناس لا يملكون شيئاً أصلاً، لا يملكون أجهزة الإعلام ولا يملكون الصحافة ولا يملكون المنابر، بل الكثير منهم لا يملك حق الاجتماع بعشرة أو أقل من هذا العدد، فكيف يقال عنهم أنهم يغلقون منافذ التعبير عن غيرهم...".
 
[13] قامت مجلة "الساخر" الالكترونية بعقد لقاء مع سلمان العودة، وكان من ضمن الأسئلة التي وجهت له هذا السؤال من سعود الصاعدي: الشيخ سلمان العودة أحد أهم الذين تبنوا فكر التغيير وترشيد الصحوة، في مواجهة التحديات..!! هل مازال العودة بقناعاته القديمة أم أن هناك تجارب غيرت من نظرته وطريقته في التغيير خصوصا بعد فترة تجربة السجن؟ هل تغير الشيخ سلمان ؟
 
وكان جواب العودة عليه بما يلي:  " من تأمل الشريعة علم أنها بفضل الله جاءت صالحة لكل زمان ومكان، وهذا يمنحنا مزيداً من الوعي والتجديد مع الحفاظ على ثوابت الشريعة وأصولها، التي لا جدال فيها ولا مساومة. وليس من الصوابية أن يجتهد أحدنا فيما يسمح فيه الشرع بالاجتهاد ثم ينزل اجتهاده منزلة الأصول والمرجعية والعصمة الشخصية، بينما مجتهدو الزمن الأول المبارك قصارى قولهم عن اجتهادهم: إنه صواب يحتمل الخطأ.
 
ومن تأمل الأحوال الأممية للدول الكبرى الراسخة وجدها تخضع سياستها وبرامجها للتجديد والتطوير والتغيير بحسب متطلبات الموقف. والدعوة سبيلها العمل الاجتهادي، يجتهد فيها فرد أو جماعة مقابلة لأوضاع متغيرة. ولكل موقف ومرحلة زمنية عبادتها. ألا ترون أن المسلم يدعو في كل صلواته أمام ربه" (اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ) والمسلم في ميزان الشرع مهتدٍ، لكنه يطلب المزيد من هداية العلم والتوفيق فيما اختلف فيه من حوله من السائرين إلى ربهم" اهدني لما اختلف فيه من الحق بإذنك". ومن المهمات نبذ التعصب والآراء الشخصية، والتقليد، خاصة تقليد الإنسان لنفسه" إني والله لا أقسم على شيء، فأرى غيره خيراً منه، إلا كفرت عن يميني، وأتيت الذي هو خير". إن التجارب الدعوية تحفظ لتطور وتجدد، والمراجعة والتصحيح ضرورة لكل عمل. قال الخليفة الراشد عمر لأبي موسى: ولا يمنعنك قضاء قضيته بالأمس، ثم بدا لك فيه أن تراجع الحق، فإن الحق قديم. وكما أسلفت: فإنه من الواجب علينا ألا نعتبر تجاربنا ـخاصة التي هي محل اجتهادـ مشروعاً سرمدياً، لا يقبل التجديد ولا التغيير على الأقل في طريقة طرحه وتسويقه وليس مضمونه، فإن الشيئين اللذين لا يقبلان التجديد ولا التغيير هما الوحيان".
 
[14] سلمان العودة، حي على الجهاد، ص 25
 
[15] سلمان العودة، رسالة إلى رجل الأمن.
 
[16] ناصر الفهد، طليعة التنكيل بما في بيان المثقفين من الأباطيل، ص14
 
 
 
الحلقة السادسة


هل للصحويين تأثير على الجهاديين؟


 

الاثنين 29 ديسمبر 2003 
 
 
 
 للجواب على هذا السؤال، لابد من عرض النقاط التالية:
 
 1 -  التأكيد على أن أغلب من يسمون أنفسهم بالتيار الجهادي من الشباب، كانوا في مرحلة من مراحلهم تحت عباءة الصحوة وشيوخها.
 
 فالشباب الجهاديين خرجوا من رحم الصحوة ورضعوا من حليبها، وناموا بحضنها، وتشربوا مبادئها، ولكن الحقيقة تقول: إنهم فطموا على يد التيار الجهادي المعادي للصحويين.
 
 وهذا الأمر طبيعي، نتيجة كون الصحوة خطاب موجه في الأساس إلى الشباب، ولما كان هذا الخطاب يريد تغيير المجتمع وهدمه وبنائه من جديد، وهو يؤكد بمناسبة وبدون مناسبة على فساد النظام، وضلال المجتمع، وتعطيل الجهاد، وكبر المصيبة التي وقع فيها الإسلام والمسلمون. لما كان الشاب يتشرب بمثل هذه المباديء على يد الصحويين[1]، ويؤمن بها، ثم يقولون له عليك بالصبر، وانتظار التغيير الذي سيأتي بالمستقبل القريب، ثم يطول عليه هذا الوعد، فهو في فورة شبابه  لايطيق صبراً، ولا يعرف مجاملة، ولا يفهم بالسياسة، حين يصل لهذه المرحلة، ويتلقاه مشايخ الجهاد، ويعرضون عليه أدلتهم في كفر النظام وفساد المجتمع، فيجد نفسه مؤمناً بها، فقد تلقاها  على يد الصحويين بالسابق، حينها يقول لهم وما الحل ؟ يقولون له: الجهاد هو الفريضة الغائبة، والشعيرة المعطلة، ونحن من يعيدها وأول من يحييها، حين ذلك يتذكر كيف كان الصحويون يتباكون على الجهاد، فالموضوع لا يخرج عن القناعات التي ربتها الصحوة بداخلة. في هذه المرحلة يخرج الشاب من العباءة الصحوية للأبد، ويدخل في ظل عباءة جديدة هي عباءة الجهاديين، أو التكفيريين بمعنى أصح وأدق.
 
 وبهذا التحليل تكون الصحوة أحد أهم العباءات[2] التي قامت بتفريخ عناصر التطرف والإرهاب في الأراضي السعودية، وهذا التحليل ليس تحليلاً مبنياً على استنتاجات رغبوية، بل إن هذا التحليل يقوم على مجموعة من الشواهد والإثباتات التي تجعل منه استنتاجاً قاطعاً لا يقبل نقاشاً.
 
 فعلي سبيل المثال، لو قرأنا في سيرة يوسف العييري، ومؤلفاته، وهو أحد رؤوس التكفيرين الكبيرة في بلاد الحرمين، ومتورط بعمليات إرهابية، وقُتل في أحد المواجهات الأمنية، وأثنى عليه أسامة بن لادن وعلى أحد مؤلفاته في وقت سابق[3]. لوجدناه قد ذكر هذا الأمر، وبصراحة تامة، لا تشوبها شائبة. فالعييري كان يقر بأنه أحد المنتسبين لتيار الصحوة الإسلامية السعودية والتي يُرجع (=العييري) فضل إنتشارها لسلمان العودة، يقول العييري: "فنحن نعلم يقيناً أن صحوتنا المباركة بصوتكم سمع نداءها، وبمجهودكم غيرت الواقع، وبفكركم وتوجيهكم اتزن نهجها، فلكم الفضل بعد الله فوق فضل غيركم من العلماء والدعاة فيما حققته هذه الصحوة، علماً أنا ما تعلمنا المنهج إلا من فضيلتكم.."[4]. وكان إنفصال العييري عن المنهج الصحوي بعد أن تغير مشايخ الصحويين بعد خروجهم من السجن، فالتيار الصحوي الذي أقترب كثيراً من الثورية بالتسعينات، خرج من السجون السعودية متبنياً الرؤية الإخوانية التقليدية، وليس في ذلك غرابة، فالصحوة –كما ذكرنا- تتميز بتشكلها الدائم مع متغيرات البيئة السياسية من حولها، مثلها في ذلك كمثل جميع الحركات السياسية في العالم، وقد انتبه العييري لهذا التغير فقال لسلمان العودة : "إن منهجك الجديد هو حديث كل مجلس وبعبارة أدق: منهجك الإخواني،  كما يحلو للشباب أن يختصروه بهذه العبارة"[5]، كان العييري يمر بصراع نفسي تجاه التغير الكبير الذي ظهر عليه العودة بعد خروجه من السجن، وطالب العودة بأن يقوم بمراجعة مواقفه، ونبهه قائلاً : " وراجع ما كنت تطرحه في محاضراتك: سلطان العلماء، هشيم الصحافة الكويتية، لسنا أغبياء، حتمية المواجهة،  وغيرها من الطروحات، وليكن همك الأول رضى الله سبحانه وتعالى، وألا تحدث في أتباعك من الشباب بلبلة بأقوال تناقض ما كنت تنادي به قبل السجن "[6]، كان العييري حين كتابته لهذه الرسالة يتمثل موقف الطالب المخلص لأستاذه، لذا حين غضب العودة من رسالة العييري رد عليه قائلاً : " وما دفعني لكتابتها إلا لمنزلتك عندي، ولو أقسمت لم أكن حانثاً أنه لا يوجد محب ومشفق وناصح لك في طلابك مثلي"[7].
 
 كانت هذه الرسائل بداية للقطيعة المرجعية بين العييري والعودة، فالمنهج الثوري الذي زرعه العودة وأقرانه من مشايخ الصحويين في قلب العييري وأمثاله من الشباب أكبر من أن يتزحزح لأي سبب كان. فالإنسان المؤدلج -بطبعه-  لا يستطيع أن يتخلي عن أيديولوجيته بسهولة. من هنا ثار التلميذ على أستاذه السابق بعد أن تيقن من استمراره على المنهج الجديد وتنكره للقديم، فكتب العييري معلناً ولائه للمثل والمباديء التي تعلمها على يد من تراجع عنها قائلاً:
 
 ".. سبحان الله انقلبت المفاهيم، سفر بالأمس يؤلف كتباً يبين فيها أن طواغيت العرب هم شر خطر على الأمة، وهم الذين بدلوا دين الله تعالى، وهم السبب في فساد الأمة وتغييبها وكبتها، سلمان له أشرطة نارية تحذر من هذه الحكومات الطاغوتية، الجميع يقر بأن أخطر شيء على الأمة تلبيس هذه الحكومات وتزييفها للدين، ولا نريد أن ننقل ما يثبت ذلك من كتبهم وأقوالهم، فكل من يعرفهم متأكد بأن هذه آراؤهم السابقة.
 
 فنأتي اليوم ونرى صحوة الأمس تنقلب إلى غفلة، هم وهذه الحكومات في خندق واحد يستهدفون العدو المشترك، ألم تؤصلوا لنا سابقاً أن هذه الحكومات هي دمى بأيدي العدو؟ ألم تقولوا لنا سابقاً بأن الاستعمار المباشر زال، وفرض علينا استعماراً غير مباشر عن طريق هذه الحكومات العميلة؟ ألم تحشوا رؤوسنا من قبل بأن أخطر خطر على الأمة هذه الحكومات التي تنفذ إرادة العدو؟ ألم تقولوا لنا بأن هذه الحكومات حرب على الإسلام؟ ألم تكفروا هذه الحكومات وتناقشوا الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله بكفر هذه الحكومات في شريط مسجل؟ بالأمس ترفضون الاعتراف بشرعية هذه الحكومات ومنها الحكومة السعودية، وتكفرونها ولازالت كتبكم وأشرطتكم شاهد عليكم حتى الآن، ثم تأتوا اليوم لتكونوا مع هذه الحكومات في خندق واحد، ألم تقولوا سابقاً بأن الحكومات وخاصة وزارة الداخلية السعودية لا يمكن أن تفسح المجال أبداً لما فيه خير لهذا الدين، إلا النـزر اليسير لتخدع به هيئة كبار العلماء والشعب من ورائها، لا تنكروا وتكذبوا فننقب في سجلاتكم ونخرج أقوالكم كلها التي تنكرتم لها الآن.
 
 عفواً على هذه المكاشفة أنتم الذين ألجأتمونا لها" [8].
 
 ولا أدري –بالمناسبة– مارأي سلمان العودة تحديداً في كلام العييري؟ خصوصاً أنه في محاضرة سابقة، قد قال: "هل سمع أي إنسان أو يستطيع أن يثبت أيا كان موقعه وأيا كان رأيه أن هناك لا أريد أن أقول من حمل مسدسا، بل من ضُرب ضربا حقيقيا بسبب ما كنا وغيري نطرحه من اجتهادات أو آراء أو كتب وأشرطة؟ في حدود علمي أنه لم يوجد شيء من ذلك.." [9].
 
 2 -  إن كانت حركة الصحوة قد نجحت بإخراج المارد التكفيري من القمقم إلا إنها لا تملك –حقيقة– أن تقوم بإرجاعه إليه. فلا تأثير لمشايخ الصحوة على التكفيريين، فقد تغيرت المرجعيات وتبدلت، وشواهد الحال تقول: إن التيار الصحوي هو الذي يحاول أن يطلب ود التيار التكفيري، فلا يجده، ولا يناله، فلامصداقية لهم عنده.
 
 يقول يوسف العييري:" نحن لا نلوم سفر ولا سلمان، فما عهدناهما بعد السجن رجعا عن خطأ بين لهما" [10].
 
 وبينما تحرص مجلة "صوت الجهاد" الناطقة باسم التيار التكفيري في السعودية على إيراد المقتطفات من كتب أبي محمد المقدسي، ورسائل وخطب أسامة بن لادن [11]. ورسائل وفتاوى الإمام محمد بن عبدالوهاب وأئمة الدعوة، بل وسيد قطب، نجدها لا تذكر التيار الصحوي ورموزه إلا بالتحقير والازدراء. ومن ذلك ماورد بالعدد الخامس من المجلة على سبيل المثال، حيث كتب يحيى بن علي الغامدي رسالة بعنوان "سنوات خداعة–دراسة لواقع دعاة الصحوة". وكان مما ورد فيها: "إن مما يحزن القلب ويدميه في هذه الأيام العصيبة التي كاد الإسلام أن يُصطلم فيها ما نرى من تناقضات وتخبطات دعاة الصحوة". كما ورد فيها: "أنني هنا لست في معرض الرد التفصيلي على الشبه التي تقدم بها دعاة الصحوة فقد كفيت في ذلك، ولكنها محاولة لفهم كيف تغيّر المشايخ وما هي أسباب ذلك؟ وما هو حجم التضليل الذي يمارسونه على عوام الأمة ولا حول ولا قوة إلا بالله، مع أن العوام كانوا أحسن حالاً من هؤلاء الدعاة، فهؤلاء الدعاة ما انفكوا يعقّدون أمر هذا الدين و يطلسمونه في أذهان الناس لكي لا يتمكن من الفتيا واتخاذ المواقف غيرهم".
 
 وكتب محمد بن أحمد السالم في العدد نفسه رسالة بعنوان "وصايا للمجاهدين"، كان مما ورد فيها: " وكم ستدفع أمريكا لسلمان العودة لو أرادت تجنيده لـ السي آي أيه كي يمنع الشباب من الجهاد؟ إلا أنه تكفل بها من دون مقابل –فيما نعلم– وقال للصحفي الأمريكي اليهودي فريد مان عندما استضافه في منزله بالقصيم: أن مشروعه القادم هو منع تكرار أحداث 11 سبتمبر!
 
 وكم أرهق المجاهد علي الفقعسي أمريكا ومباحث آل سلول[12] –كغيره من المطلوبين– وخسروا في الطلب الحثيث خلفه والبحث عنه المال والرجال وأعياهم أشد الإعياء إلا أن سفراً الحوالي قدّمهُ لقمةً سائغةً " [13].
 
 وهذا الزعم الذي كتبه كاتب المقال بخصوص عمالة سلمان العودة للاستخبارات الأمريكية، لمح به يوسف العييري نفسه فقد قال:"لقد أخطأ الأمريكان عندما رفعوا الدعوى على سلمان وسفر بأنهم ممن يدعم الإرهاب، فأقول لهم هونوا على أنفسكم فقد تعهد سلمان لفريدمان في المقابلة التي أجراها معه في بيته، بأن مشروعه القادم سيكون منع تكرار أحداث سبتمبر، فهو من أحرص الناس على عدم تكرار مثل تلك الغزوة، ولا نظن الأمريكان صادقون في دعواهم ضدهما فربما أن الدعوى رفع لأسهمهم والله أعلم، فإن فريدمان أكد بعد لقائه بسلمان أن يفتح له ولأمثاله المجال لفكره المعتدل" [14].
 
 وفي العدد السادس من مجلة "صوت الجهاد"، استمرت المجلة بمهاجمة الصحويين، ووصمهم يحيى الغامدي بأن فيهم من"بدأت أفكاره تتغير ومواقفه تلين وصموده يستحيل حنكةً ومراعاةً للواقع وفهماً للسياسة الدولية ومجاراةً لها، زعموا !". وقال مؤكداً على ماسبق وأن أكده العييري:"وكان بعض هؤلاء العلماء يرسلون الشباب إلى الثغور ويقدموهم للساحات إما بأشرطتهم وكتبهم ومضامين أفكارهم القائمة على نبذ الحكم بغير ما أنزل الله وجهاد الطغاة، وإما بالدعم المادي المتحقق على الأرض فعلاً ".وقال ملمحا عن سلمان العودة: "فأحدهم بدأ يعيد الحسابات ويتجه نحو (العصرنة) وتمييع المفاصلة مع أعداء الله من المرتدين والرافضة والزنادقة". ووصل في هجومه درجة هاجم فيها معظم مشايخ الصحويين فقال: "وبعضهم أخذوا يظهرون مع المومسات في القنوات".
 
 إذن فهناك اختلاف في المرجعيات بين التيارين الصحوي والتكفيري، فالخضير والفهد على سبيل المثال يعتبران من المرجعيات المعتد بهما عند التيار التكفيري، ولهذا كان لتراجعهما أثراً في صفوف هذه الجماعات، ويتضح ذلك جلياً بقيام أحد المطلوبين وهو عبدالله بن عطية السلمي بتسليم نفسه بعد أن بث التلفزيون السعودي تراجعات الخضير والفهد عن أرائهم السابقة. وقد كان الدكتور محسن العواجي متصالحاً مع نفسه وواقعياً مع معطيات الموقف حين صرح لجريدة الرياض بأن السلمي سلم نفسه لسببين وهما:
 
 "الأول: عندما سمع المؤتمر الصحافي الذي عرض مؤخراً لسمو الأمير نايف في المدينة المنورة.
 
 والثاني: المقابلة المتلفزة للشيخ علي الخضير حيث كان لها تأثير إيجابي كذلك في تفكيره" [15].
 
 وتبقى الحقيقة، أن مشايخ الصحويين ليس لهم أي مرجعية يُعتد بها في الوسط التكفيري، بل إن العواجي خصوصاً متهم بين التكفيرين بشكل كبير، ومفتقد تماماً للمصداقية فيما بينهم، وفوق هذا فإنهم يكفرونه صراحة، ومن الذين يكفرونه يوسف العييري بذاته، فهو يقول:" محسن كما قال الأخ برغش بن طوالة يحتاج إلى استتابة، لأن الراضي بالكفر كافر فكيف بالناشر له والمحتضن لأصحابه" [16].  ويقول أيضاً:"سابقة محسن ليست شفيعاً له عن الضلال، محسن خبير بالأسمدة وأصبح اليوم مفتياً، والأعظم من ذلك أنه الناطق الرسمي للحملة! وإذا كان الغراب دليل قوم.. مر بهم على جيف الكلاب، فهل هذا الغراب هو من سيبين الإسلام الصحيح؟ هل خبير الروث هو الذي سيوضح حقيقة الإسلام "[17]. وفوق هذا، فهو يتهمه بأنه هو سبب التغيير الذي حل بالدكتور سفر الحوالي فيقول: "فضيلة الشيخ سفر الذي توفي في السجن رحمه الله بأيدي محسن العواجي وعبد العزيز القاسم في غربة 105 جناح 2 في سجن الحائر " [18].
 
 وعلى كل حال، فقد أكدت مجلة "صوت الجهاد" في عددها الخامس على رفضها التام لمبادرة وقف العنف، فقد ورد فيها:"وقد أطل علينا قبل أيام الناطق الرسمي باسمهم في زماننا "العواجي" ونال من كتب أئمة الدعوة، وأفصح عن بعض ما في نفوسهم من طوامِّ وبلايا.
 
 ومن أطرف ما بدأوا بطرحه هذه الأيام مبادرة تبناها هؤلاء وعلى رأسهم الحوالي والعواجي، والتي يدعون فيها المجاهدين إلى إلقاء السلاح، وإلى الانبطاح، وترك الجهاد والكفاح، وكأن المجاهدين لا عقول لهم يميزون بها بين الحق والباطل، وبين الصادق والكاذب.. ".
 
 وأظن أن توقيت عملية المحيا بعد أيام قليلة من إطلاق الحوالي لمبادرته، تحمل رسالة واضحة من أعضاء التنظيم التكفيري مضمونها الرفض القاطع لهذه المبادرة.
 
 وسواء صحت هذه الفرضية أم لم تصح، تبقى الحقيقة في كون الحوالي والعودة والعواجي لايشكلون للتكفيرين أي مرجعية، إلا إذا كان الأستاذ منصور النقيدان يشكل مرجعية لهم. هذا هو ماقرره بحسمٍ يوسف العييري فقال:"أيها المغفلون لا تغتروا بالأسماء ولا بالسابقة، فمنصور النقيدان الزنديق سابقته أحسن من سلمان وسفر ومحسن وأحسن من الجميع كما يعرف ذلك الجميع، وتحول إلى زنديق " [19].
 
 3 -  المحاولة التي يحاولها الصحويون في هذه الأيام، في سبيل إقناع الدولة بقدرتهم على إرجاع جماعات العنف والإرهاب إلى طريق الاعتدال، مقابل مطالب معينة، هي لاتعدو أن تكون وسيلة للمزايدة على الدولة في تعاملها مع المتورطين في الأعمال الإرهابية، والضغط عليها في سبيل الحصول على تنازلات سياسية جديدة لصالح التيار الصحوي. وهو مايذكرنا بتصريح المرشد السابق للإخوان المسلمين في مصر الأستاذ مصطفى مشهور، في الفترة التي تزايدت فيها المواجهات بين التكفيريين والنظام المصري. وذلك حين قال:"لو كانت جماعتنا مسموحة بشكل رسمي لاستطاعت احتواء الشباب المتطرف.. والأسلوب الأمثل أن نعطي الحرية لجماعة الإخوان ونسمح لها باحتواء مثل هذا الشباب وتصحيح مفاهيمه" [20].
 
 وسبق وأن أوضحتُ في مكان سابق من هذه الورقة، وبشكل أكثر تفصيلاً، غرض الصحويين عموماً، والدكتور الحوالي خصوصا من هذه المبادرة.
 
 وعلى كل حال، فالمبادرة قد فشلت، وقد كان محكوماً عليها بالفشل منذ البدايات، ولا أظن أن هذا كان يخفى على قادة الصحويين، ولكنها كانت ورقة سياسية لابد من أن يحاولوا استغلالها. فالمسألة كلها سياسة في سياسة بنظرهم.
 
 وفي ختام هذا الورقة لابد من القول:  إن الغاية التي يتمناها الصحويون ويحلم بها التكفيريون هي غاية واحدة، وهي القفز على كرسي السلطة، وكل الفرق فيما بينهما، أن التيار الصحوي بعد خروج قادته من السجن أصبح يميل إلى السياسة كثيراً، وهذا ماجعل التكفيريون ينفضون من حوله، فهم لا يريدون العمل بطريقة المواجهات المتفرقة مع الدولة، ولا يحبذون استخدام التقية السياسية في تصرفاتهم، ولكنهم يريدون التغيير السريع، والقائم على المواجهة المباشرة. فالتياران وجهان لعملة واحدة، والفرق بينهما في الأسلوب فقط، لا أكثر ولا أقل.
 
 وإذا كان مشايخ الصحوة قد تغيروا تغيراً حقيقياً كما يردد البعض، فلابد لهم أن يعلنوا -وبصراحة- تراجعهم العلني عن مواقفهم الفكرية القديمة، على أن يكون ذلك بشكلٍ واضحٍ وصريح، وإذا كان فيهم من يثني على تراجعات الخضير والفهد والخالدي، فلابد له من الاقتداء بهم في تراجعاتهم ومراجعاتهم، متى ماتم هذا، سيكون علينا أن نتعامل مع قديم الصحويين على أنه ماض قد انتهى، وإذا لم يحصل ذلك، فلا مفر من اعتبار مواقف مشايخ الصحوة القديمة نابعة من موقف عقدي لن يزول، كما يحب أحدهم أن يقول!
 
 الهوامش:
 
 [1] وفي مناهج التعليم أيضاً للأسف الشديد.
 
 [2] نذكر من العباءات الأخرى: الفكر الذي نقله المحاربون في أفغانستان و نظام التعليم السعودي وحلقات العلم الشرعي في المساجد والبيوت.
 
 [3] شريط شهداء المواجهات، مؤسسة السحاب للإنتاج الإعلامي – الموزع الرسمي لأشرطة تنظيم القاعدة.
 
 
 
 [4] الرسالة موجودة بالكامل في موقع العييري في الأنترنت تحت عنوان: نصيحة الشيخ يوسف العييري للشيخ سلمان العودة بعد خروجه من السجن.
 
 [5] رسالة العييري للعودة، مرجع سابق.
 
 [6] رسالة العييري للعودة، مرجع سابق.
 
 [7] رسالة العييري للعودة، مرجع سابق.
 
 [8] يوسف صالح العييري، الحملة العالمية لمقاومة العدوان زيف وخداع وشعارات كاذبة، ص 16 – 17.
 
 [9] سلمان العودة، الكلمة الحرة ضمان، ص23.
 
 [10] يوسف صالح العييري، الحملة العالمية لمقاومة العدوان زيف وخداع وشعارات كاذبة، ص 48.
 
 [11] كون الخلايا الإرهابية في المملكة تابعة لتنظيم القاعدة أصبح أمرا لا يقبل النقاش، خصوصا بعد أن ظهرت الأشرطة التي وزعتها مؤسسة سحاب، وظهرت فيها وصايا التكفيريين ومعلوماتهم.
 
 [12] تعارف التكفيريون على تسمية الأسرة الحاكمة السعودية باسم آل سلول. ونعت المخالف بالنفاق عادة قديمة في التاريخ الإسلامي، وقد بعثت الصحوة الحياة في هذه العادة المذمومة، وتلقاها التكفيريون وتوارثوها من أدبيات الصحوة.
 
 [13] في الحاشية وتعليقاً على تسليم الحوالي للفقعسي، قال كاتب المقال " هذا هو الصحيح وهو أن الحوالي هو الذي بحث عن الفقعسي حتى وجده ومن ثمّ سلمه، لا أن الفقعسي هو الذي أتى للحوالي، وقد حدثني بذلك أحد أقارب سفر الحوالي.."
 
 [14] يوسف صالح العييري، الحملة العالمية لمقاومة العدوان زيف وخداع وشعارات كاذبة، ص 51.
 
 [15] جريدة الرياض، تاريخ 27 رمضان 1424هـ، العدد 12937.
 
 [16] يوسف صالح العييري، الحملة العالمية لمقاومة العدوان زيف وخداع وشعارات كاذبة، ص 46.
 
 [17] يوسف صالح العييري، الحملة العالمية لمقاومة العدوان زيف وخداع وشعارات كاذبة، ص 46.    
 
 [18] يوسف صالح العييري، الحملة العالمية لمقاومة العدوان زيف وخداع وشعارات كاذبة، ص 39.
 
 [19] يوسف صالح العييري، الحملة العالمية لمقاومة العدوان زيف وخداع وشعارات كاذبة، ص 46.
 
[20] د. حسنين توفيق ابراهيم،  النظام السياسي والأخوان المسلمون في مصر – من التسامح إلى المواجهة، ص 66.

copy_r