3-11-2010 ميدل ايست اونلاين
تأتي أهمية النقاش في دور'الوهّابية' في كونها ركناً أساسياً في تركيبة
الهوية السعودية، بل محركاً لإيديولوجية حكومتها مما ينعكس سلباً أو إيجاباً
على سياسياتها الخارجية والداخلية. فهي والحال كذلك، ليست عقيدة دينية يعتنقها
من يشاء ويتركها من لا يشاء.
ساهمت السلفيات العُنّفية المنتشرة حول العالم في تكسير صورة "الوهّابية" لا
ريب، زادها الغضب الأميركي بعد فشله في صدّ غزوة"مانهاتن" تهشيماً فوق تهشيم،
أدخلها الاستخدام المُفّرط للفتوى في صراع مركب بين مجتمعها الأصلي والعالم
الخارجي، إلا أن الفترة الأخيرة شهدت محاولات إعادة تركيب لتلك الصورة، ممزوج
فيها ألوان كالتسامح والتعايش، لكن جدلاً حادً في مكانتها كعنصر في هوية الدولة
السعودية لم يتوقف أبدا، الفارق اليوم أن مزاد نقدها فُتحَ أمام الجميع، فظهرت
كشكل وكمضمون مغاير عن ما رغب أهلُها للناس في رؤيته.
بين الكلام الرومانسي الأخير لمُحبيها على قناة العربية في برنامج الإعلامي
داود الشريان "واجه الصحافة"، وبين تشهير أعداءها أو الناقمون عليها مسافة جيدة
للحديث، بعد أن بقيت "الوهّابية" لعقود خلت محظورة عن النقاش الموضوعي داخل
السعودية. تأتي أهمية النقاش في دور"الوهّابية" في كونها ركناً أساسياً في
تركيبة الهوية السعودية، بل محركاً لإيديولوجية حكومتها مما ينعكس سلباً أو
إيجاباً على سياسياتها الخارجية والداخلية. فهي والحال كذلك، ليست عقيدة دينية
يعتنقها من يشاء ويتركها من لا يشاء، بل على العكس هي تمثل حركة دينية طهرانية
تسعى لفرض نفسها على أطياف المجتمع السعودي، وهي لا تزال إلى الآن تجاهد
لاختزال الفضاء العام، تارةً "باستملاك الميدان السعودي العام"، وأخرى بالهيمنة
على مؤسسات رسمية مصيرية في حركة التنمية كالقضاء والتعليم وفرض أجندتها الخاصة
عليها.
لكن هذا الرأي لا يعني تجاوز الاعتراف بأن "الوهّابية" كدعوة نجحت بالتحالف مع
الأمير في ضم مناطق شبه الجزيرة العربية تحت سلطة مركزية واحدة، فشّيدت بتلك
الفتوحات الدولة السعودية الأولى، كما يُباهيِ أنصارها بها، وبكونها خلقت حركة
أيديولوجية تتضمن عناصر دينامية صالحة لتغيير اجتماعي وسياسي، فحاربت البدع
والخرافة وسط نجد، ووحدت مجموعة من القبائل كانت تتناحر دورياً، ورتبت إقليماً
عانى من إضطرابات شتى، أضف إلى كل ذلك، وفرت الشرعية السياسية للحاكم بوصفه
مطلق الصلاحية والسلطة. كل هذا الكلام طبعاً حول الدولة السعودية الأولى، وهو
بطبيعة الحال مختلف عن الدولة السعودية اليوم وطموحاتها وما تمثل من ثقل
اقتصادي عالمي كونها أهم مُصدّر للطاقة وتسعى لتكون دولة مؤثرة في محيطها وفي
العالم الحر.
على الجانب الأخر يتوزع منتقدوها بين فئات اجتماعية وسياسية يجمعها رفض الهيمنة
على الشأن العام. فئة أولى ترى بأن هذه الحركة تسعى للانقضاض على معتقدات
الآخرين وإذابتها عبر فتاوى تكفيرية، وإن المناطق الأخرى من غير نجد لم تكن
بحاجة للدعوة دينية جديدة كالصوفية والإسماعيلية و الشيعة. فئة ثانية تعتقد بأن
"الوهّابية" أوصدت الباب أمام الناس عن أيّ نشاط سياسي، بتحريمها الخروج على
السلطة، وإن كان سلمياً مدنياً. أما الفئة الأخيرة فتجزم بأن " الوهابية" تُشكل
عائقاً حقيقياً أمام انفتاح اقتصاد الدولة وحجر عثرة في طريق تمكين المرأة
وانخراطها الطبيعي في الشأن العام، عبر مُطاردتها الشرسة لمجالات عمل النساء،
أخر تجليات تلك الملاحقة "فتوى" أصدرتها اللجنة الدائمة للبحوث العلمية
والإفتاء بحرمة عمل النساء في مهنة "كاشيرة" في الأسواق مما يضع "الوهّابية"
التي هي المصدر الوحيد للشريعة في البلاد في مواجهة قانون مكتب العمل الذي أجاز
عمل المرأة.
إذاً تصّطدم "الوهّابية"مُجدداً بقطار التنمية البطيء والمتردد التي تنفذه
الحكومة، ويدخل البلد في نقاش مفتوح حول دور الدين في الحياة العامة، وإن أول
ما يتبادر لذهن السعوديين هو سؤال من جنس: ما هو الأهمّ بالنسبة للسعوديين
اليوم، مكانة "الوهّابية" أم مستقبل بناتهم وأبنائهم؟