gulfissueslogo
أ.د. مضاوي الرشيد
السعودية والقاعدة العصية
أ.د.مضاوي الرشيد

حذر وزير الداخلية السعودي نايف بن عبدالعزيز من مخاطر القاعدة وامكانية استهدافها لموسم الحج وشدد على جاهزية قوات الامن لمواجهة أي عملية بها خلال الايام القادمة وذكر بعملية القبض على فئة لديها مخططات تستهدف الحج. ليس من المعروف ان القاعدة استهدفت مواسم الحج لتوجيه ضربة الى المسلمين الآتين من بقاع العالم ومن والمعلوم والمراقب ان القاعدة تخسر شعبيتها كلما استهدفت المسلمين وتحاول دوما عند انحسار قوتها وتحجيم سلطتها الى توجيه ضربات لغير المسلمين او اصدار بيانات مساندة لقضايا اسلامية تعتقد القاعدة ان القوات الغربية تستهدفها. ربما ان القاعدة تعلمت من خلال تجربتها في شوارع المدن السعودية وضرباتها السابقة خلال عام 2003 الى 2007 ان توجيه العنف الى الداخل السعودي يلحق بها من الأذى وانحسار الشعبية ما يجعلها تعيد النظر في سياسة مصيرها الفشل وتحتاج الى تنظير ديني وايديولوجية لن تكون الرابحة فيها بل ان كلفتها باهظة الثمن. لذلك توجهت جهود القاعدة في جزيرة العرب الى العراق في مرحلة تزامنت مع تضييق الخناق عليها في وطنها الأم ومن ثم رحلت الى اليمن حيث تم مزج شقيها اليمني والسعودي في تنظيم واحد. ما يهمنا في الامر هو حاجة النظام السعودي لتنظيم القاعدة وهي حاجة ماسة في مرحلة حرجة بالنسبة للنظام. وقد يستغرب البعض كيف ان نظاما ما قد يحتاج الى تنظيم كتنظيم القاعدة والذي اصبح جزءا لا يتجزأ من استراتيجية البقاء للنظام. بالطبع لا يحتاج النظام السعودي لمساعدات مالية تنصب عليه من الخارج كلما لوح بخطر القاعدة تماما كما تفعل الانظمة العربية الاخرى المنهكة اقتصاديا واجتماعيا ولكنه يحتاج الى مساعدات ودعم من نوع آخر. كلما كبر النظام ونفخ في بوق خطر القاعدة كلما حصد من الرصيد الداخلي والخارجي الكم الهائل. داخليا يعتبر خطر القاعدة الحقيقي أو الوهمي شماعة يعلق عليها النظام مخاوف المجتمع وهواجسه وكلما تضخم خطر القاعدة كلما ازداد خوف المجتمع من عدم الاستقرار والعنف والقتل وعاودته صور المواجهات الدامية وعمليات قطع الرؤوس واشلاء الجثث وفي حالة الخوف والذعر ينسى الانسان قواه العقلية ويستسلم لمشاعر ربما اسبابها حقيقية الا انها تأخذ ابعادا كبيرة ومن مصلحة النظام السعودي ان يظل المجتمع تحت هاجس القاعدة وعنفها السابق. اذ ان حالة الذعر هي الوحيدة التي تكفل السيطرة التامة على المجتمع الذي يفقد قدرته على التمييز بين الحقيقة والوهم. لذلك تظهر التصريحات التي تحذر من عمليات تم كشفها سابقا وتصبح هذه محاور تستحضر بها السلطة قوتها الاستخباراتية والامنية ليس فقط في الداخل السعودي بل ايضا في الخارج. ومؤخرا اشادت الدول الغربية ومنها بريطانيا والولايات المتحدة بالجهود السعودية التي ادت الى احباط عمليات الطرود المفخخة. وبعد ان اصبحت السعودية واجهزتها الامنية المصدر الموثوق في عمليات المؤخرات المفخخة سابقا هي اليوم تعتبر من افضل المصادر التي توفر المعلومات عن القاعدة ومخططاتها المستقبلية ليس فقط في المنطقة بل في العالم. وقد اشادت وسائل الاعلام العالمية بالجهود السعودية التي ادت الى اختراق القاعدة قبليا وفكريا مما ادى الى توفير معلومات مسبقة عن عمليات قادمة او هي في طور التحضير والتصميم. ليس من المستغرب هذا الانجاز السعودي اذ ان القاعدة والنظام لهما تاريخ مشترك في السابق رغم ان المسارات تباعدت في العقد السابق واختلفت الاستراتيجيات مما ادى الى التصادم الذي شهدته الساحة السعودية منذ عام 2003 بين النظام والقاعدة. ويبقى هم القاعدة قوة يستطيع النظام من خلالها ان يبين للداخل السعودي مدى محوريته وأهميته في صد هجمات بربرية تطال امن المجتمع وفي هذه المرحلة امن حجاج بيت الحرام من المسلمين في اصقاع العالم. هذه المحورية تحتاج دوما الى التذكير بها من اجل ان يظهر النظام وكأنه المخلص والملاذ الاول والاخير ومصدر نعمة الامن والسلام. ودوما تأتي التصريحات المعلنة لخطر القاعدة مقترنة باستعراضات عسكرية وصور للآلة العسكرية من دبابات وصواريخ وطائرات ومعدات متطورة تستعرضها الآلة الاعلامية من اجل طمأنة المجتمع ان الامن الداخلي قد تضمنه مثل هذه المعدات المتطورة الحديثة رغم انه من المعروف ان خطر القاعدات وعملياتها حتى هذه اللحظة لا تنفع معها الدبابات والصواريخ ولا حتى قوات الناتو وآلتها العسكرية مجتمعة. ولكن لا يهم ذلك اذ ان للصور قدرتها على الاستحكام بالمخيلة رغم وهميتها وخيالياتها. ويظل الاستعراض العسكري خير وسيلة دعائية ذات رسالة موجهة رغم ان الواقع ومحاربة الارهاب يتطلبان انواعا مختلفة من المواجهة والمعدات والمعلومات.
ان كان تضخيم خطر القاعدة له اهمية داخلية سعودية تزيح الضغوط المجتمعية عن النظام الا ان هذا الخطر له اهمية كبيرة ايضا خارجيا. لقد استطاع النظام السعودي ان يتحول خلال العقد الماضي من نظام تتهمه الحكومات الغربية بدعم الارهاب ماديا ومعنويا وفكريا الى نظام محوري لمحاربة هذا الارهاب تعتمد عليه الدول الغربية لتفكيك طلاسم القاعدة وفكرها وعملياتها المستقبلية. لقد انحسرت الانتقادات الغربية اللاذعة التي كانت وسيلة ضغوط حقيقية مارستها الدول الغربية تجاه النظام السعودي ليفتح ملفاته الاستخباراتية ومجتمعه للعين الثاقبة. وبالفعل استجاب النظام السعودي لهذه الضغوط وتحول من متهم الى ضحية ومن ثم الى مركز محوري في مواجهة خطر الارهاب العالمي. وهو اليوم يحصد ثمار هذا التحول والذي يجعله المستفيد من الصمت الغربي على الاوضاع الداخلية وانتهاكات حقوق الانسان اذ انه يضمن عدم طرح مثل هذه الاتهامات في المحافل العالمية والدولية ومن ثم يستطيع النظام ان يمرر صفقات اسلحة خيالية يستفيد منها اعضاء في السلطة والاقتصاديات الغربية معا. لقد استطاع تنظيم القاعدة ان يوحد الغرب والنظام السعودي اكثر مما سبق في بوتقة واحدة ذابت فيها الحدود وقربت المسافات وليس اذا من المستغرب ان يلوح النظام السعودي بأعلام القاعدة كلما شعر بأن رصيده في الغرب قد يتدنى بعض الشيء فهو مستعد لأن يخلق الخطر من اجل بناء هذا الرصيد الخارجي واعادة ترميمه كلما اصابه بعض الوهن. لقد استنزفت الانظمة العربية بما فيها النظام السعودي خطر القاعدة من اجل اهداف تخدم مصلحة الانظمة وليس امن المجتمعات المحلية كما تزعم هذه الانظمة. وهذه استراتيجية قديمة ترتبط بالعملية السياسية والجانب الأسود فيها حيث تستنجد السياسة بالعدو الداخلي او الخارجي من أجل تجاوز محنة ما، وان كان للنظام السعودي محنة اليوم فهي محنة توريث العرش كما ذكرنا في مقال سابق وهو أمر لا تزال المحافل الغربية تتكهن عن مستقبله فالغرب لا يهمه من سيحكم السعودية مستقبلاً او مستقبل اصلاحات الملك الحالي المزعومة بل ان ما يهمه هو استمرارية العلاقات الخاصة والعقود التجارية وتدفق النفط. ومؤخراً تدفق المعلومات الاستخبارية تماما كما حصل في الاسابيع السابقة حول قضية الطرود المفخخة.

اصبحت القاعدة وخطرها استراتيجية تضمن امن النظام الداخلي والخارجي رغم المقولات الدعائية التي تصور هذا الخطر وكأنه تهديد مباشر لاستمرارية الامن والسلام. وهنا لا نقلل من خطر القاعدة او نشكك في وجودها الا اننا نطرح علامات استفهام كبيرة على استهلاك النظام السعودي لمثل هذا الخطر داخلياً وخارجياً حيث انه اوصل المجتمع الداخلي والدولي الى نتيجة نشكك في مبدئها وهي ان النظام السعودي بشكله الحالي هو الدرع الواقي والدواء الاستباقي لفيروس الارهاب المحلي والدولي وهذا ما تصوره الآلة الاعلامية السعودية وتحاول اقناع المجتمع العالمي به هذا بالاضافة الى المجتمع الداخلي. وستظل القاعدة منذ نشوئها حتى هذه الساعة وليدة سياسات متضاربة ومصالح معقدة ومتشابكة انتجتها العلاقة بين الانظمة العربية بما فيها السعودية والعالم الغربي وغذتها ممارسات قمعية وحالة اقتصادية واجتماعية مزرية. وان كانت الحلول لمواجهة خطر القاعدة قد تبدو عصية الا انها نجحت في تثبيت معادلات سياسية قديمة واحلاف عريقة زادها خطر القاعدة ترسخاً واستقراراً.

فبدل ان تخل القاعدة بعلاقة النظام السعودي مع الغرب كما كانت تأمل نجدها قد ساهمت في توثيق وتعميق وتثبيت هذه العلاقة.
 
 

copy_r