gulfissueslogo
وزير الداخلية السعودي
مشروع قانون الإرهاب السعودي الجديد: لا تفعلها يا وطني
د. وليد بن محمد الماجد



ياإلهي... نصوص مشروع النظام الجزائي الجديد لجرائم الإرهاب وتمويله يكاد لا ينفك يهدد الشعب بالقتل تارة وبالسجن الطويل تارة أخرى...المشروع تجسيد لحرب أمنية حقيقية لتكميم أفواه الشعب ولجمهم عن الحديث عن وطنهم ومستقبله، عن أفراح هذا الوطن وأحزانه عن آلامه وأوجاعه، عن قسوة المسئول وغياب الرقيب، عن وجود أكثر من 60% من الشعب يعيش بلا سكن، عن تفشي البطالة...وتطول القائمة. هل يريد المشروع أن نصمت عن كل هذه الأوجاع؟ الصمت خيانة للوطن والمشروع محاولة ياسئة لخرسنة الأفراد وخنقهم وتحويلهم الى قطيع لا هم لهم الا في الانشغال بالهم المعيشي. لن يفلح المشروع في قطع ألسنة الشعب، ليس فقط بسبب أن الشعب لا يخاف البطش والقتل والسجن والحرمان والمنع من السفر وقطع الأرزاق، كلا، فهم في النهاية بشر ولديهم أطفال ونساء وقلقون على تأمين رزق ذويهم إن طالتهم يد الوطن الخشنة. لكن القانون الجديد لن يفلح لأن شيئا ما بداخلهم يدفعهم للتضحية من أجل مستقبل هذا الوطن خوفاً عليه...سيضحون بأنفسنهم وبأبناءهم ومستقبلهم للجهر بالحق وتنكيص الظلم وفضحه.لم يكن يتصور أن يصل الوطن إلى هذه الدرجة من الملاحقة الأمنية البوليسية وتتبع الناس في كلماتهم وأفكارهم بل وحتى في أحاسيسهم ومشاعرهم. لقد هالنا وهالهم جميعاً مسودة المشروع، إذ كيف يقبل الوطن أن تداس كرامة شعبه- ليس فقط على المستوى المحلي بل حتى على المستوى الدولي. لقد ضحك العالم علينا جراء هذا المشروع وأصبحنا فرجة لهم اذ في اللحظة التي تتطلع الشعوب من حولنا للانفكاك من حياة العبودية والدخول في عملية تطهير جماعية لمرحلة بائسة من الظلم والجبروت والقهر والذل، يعود وطننا بنا الى مرحلة حجرية ومرحلة ما قبل ولادلة الدولة والقانون والحياة المدنية.ففي الوقت الذي كنا نطالب بضرورة الحصول على (مذكرة توقيف) تصدر عن طريق (قاضي مستقل) إذا بنا اليوم نكون أمام قانون يمنح صلاحية قانونية مطلقة لوزارة الداخلية في القبض على أي إنسان و توقيفه والتحقيق معه. لا يمكن تخيل أن جهة تنفيذية تملك التخويل القانوني في إصدار (أوامر) اعتقال وسلب حريات الأفراد! إيقاف الأفراد والتعدي على حرياتهم لا يمكن أن يترك وفق تقدير وهوى جهة أمنية تنفيذية. وبعد أن كان نظام الإجراءات الجزائية يمنح المتهم الحق في الاتصال بمن يرغب في إخباره بإجراء القبض عليه سواء أهله، صديقه، أو أي شخص من أفراد أسرته وتمكينهم من زيارته، أخذنا مشروع النظام الجديد في المادة (9) إلى الوراء كثيراً بمنع المتهم من الاتصال بذويه أربعة أشهر. 120 يوماً قد يختفي والدك، أخوك، ابنك ولا تعلم عنه شيئاً وكل ذلك بنص النظام!هل نحن خاضعون لعقاب جماعي لأننا طالبنا بتطبيق نظام الإجراءات الجزائية (القديم) على علاته؟ ففي الوقت الذي كان النظام القديم ينص على ضرورة الحصول على (إذن بالتفتيش) مع أن الواجب الحصول على (مذكرة تفتيش)، فاجئنا مشروع النظام الجديد في المادة (22) بامكانية تفتيش المنازل والمكاتب والتعدي على حرمة البيوت وخصوصياتها من دون إذن أو مذكرة! لقد كنا نطالب بتحديد صلاحيات وزارة الداخلية وليس إلى توسيعها...فمالذي يجري؟ لقد منح مشروع النظام الجديد وزارة الداخلية في المادة (24) الحق في التحفظ على الأموال والحسابات المصرفية وغيرها دون الحصول على قرار قضائي بذلك. وبرغم ما يكتنف نظام الإجراءات الجزائية (القديم) من ظلم فادح بمنحه لوزارة الداخلية الحق في التحفظ على المتهم 6 أشهر من دون تقديم للمحاكمة، قررت المادة (8) من مشروع النظام الجديد حق تمديد حبس المتهم من دون محاكمة إلى أكثر من سنتين!وبعد أن كان نظام الإجراءات الجزائية (القديم) يمنح الحق للمحقق في اصدار قرار بالإفراج المؤقت، عاد مشروع النظام الجديد وأغلظ علينا بقوله في المادة (10) أنه ليس لأحد حق الإفراج عن متهم دون تصديق ذلك من وزير الداخلية! وما جعل الشك ينتابني حول أهلية من سن هذه النصوص هو اعفاءه في المادة (28) رؤساء مجالس المؤسسات المالية وغير المالية من المسئؤلية الجنائية التي قد تترتب على تنفيذ هذا النظام أو تلك التي تنتهك قيود سرية المعلومات! فهل ثمة منطقية قانونية لهذا النص المعيب؟! لقد أجهز مشروع النظام الجديد على استقلالية القضاء تماماً وبشكل لا يمكن تخيل حدوثه وهو يحرم القاضي حق حفظ الدعوى وأوراق القضية إلا بتصديق من وزير الداخلية!لقد كرس مشروع النظام الجديد سياسة التجريم المفتوحة أصلاً في السعودية وفتح باب العقوبات على مصراعيه. فجاء مشروع النظام الجديد ليتركنا في حالة قلقة أمام مصطلحات فضفاضة وعائمة مثل: الإخلال بالنظام العام للدولة-زعزعة المجتمع واستقرار الدولة- تعريض وحدتها للخطر- تعطيل النظام الأساسي للحكم- الإساءة إلى سمعة هذا البلد ثم ختمها بقوله: وكل ما من شأنه إيجاد الأسس الفكرية والعقدية لهذه الجرائم! يا إلهي، لا يمكن أن تكون هذه المصطلحات صريحة تحدد العقوبة وتنص على الجريمة. ستؤدي هذه العمومية في المصطلح إلى إصدار العقوبات في حق الأفراد بشكل واسع وقد يخضع الفرد للعقاب والتجريم على تهم هزيلة مجردة من كل معاني العدالة. مثل هذه العموميات في التجريم لم تحدد الفعل المجرم بشكل واضح ومعناه أن أمر التجريم والعقاب سيكون متروكا لأهواء ورغبات والحالات النفسية والظروف المختلفة التي قد يمر ويخضع لها المحقق والقاضي على حد سواء. وحيث كان مطلبنا وجوب تقنين نظام العقوبات وإنهاء حالة الانشقاق الفقهي الذي يجنح إلى قولين فقهيين مختلفين في كل مسألة وفي كل قضية، يفاجئنا مشروع النظام الجديد باستخفاف إنساني وحقوقي رهيب ويخضعنا لعقوبات عصية على الإدراك لفضاعتها وبعدها عن الإنسانية والمنطقية. إن في الاتكاء على المادة الفلانية والمادة الفلانية الأخرى من النظام لا يعني بتاتاً سلامة ومشروعية التجريم. لا يمكن للمادة القانونية أن تكون سليمة دستورياً وهي تفتح الشهية للقضاة والمحققين للتفنن في تجريم وسلوكيات الإنسان السعودي كما لا يمكن الارتهان في ذلك لعدالة القاضي ونزاهته.لما كان مثل هذه المشروع عبارة عن توصيات واقتراحات مختلف أجهزة ووزارات الدولة، كان من الطبيعي جداً أن تسعى وزارة الداخلية من خلالها إلى توسيع صلاحياتها وإطلاق مساحة حركتها نظامياً في مقابل تضييق مصالح وحقوق الأفراد وذلك تحت دوافع حفظ الأمن والاستقرار في المجتمع. ليس في ذلك ما يقلقني على الإطلاق، لكن ما يقلقني أنه في حال شعر المواطن أن هذا النظام يضر صراحة بحقوقه الوطنية، للأسف لا سبيل قضائياً للطعن في هذا النظام لغياب مرجعية قضائية يمكنها النظر في قضايا كهذه أسوة بالدول الأخرى التي تتشكل هرم منظومتهم القضائية من محكمة دستورية مهمتها النظر في الطعون الموجهة ضد القوانين والتشريعات. لقد تُركنا في فراغٍ دستوريٍ مفزعٍ مع عجز السلطة القضائية في تحمل واجباتها في حماية الأفراد من مثل هذه النصوص (القانونية) الجائرة.لقد أصابنا الوطن هذه المرة بجرح غائر وهو يحاول تمرير مشروع قانون لا يقضي فقط على حقوق المواطن بل يسفك دم الإنسان وحريته وعقله وفكره بسكين غليظه استعارها من أنظمة الاستبداد وعروش القهر والجبروت. يا وطني: لم يكن هذا المشروع القانوني مشروعك ولم تعرف به ولا يليق بك لا دينيا ولا سياسيا، إنه ليس لباسك يا وطني فلا تلبسه إنه لباس الأنظمة البالية والأنظمة التي سقطت للتو والأنظمة التي في الطريق إلى السقوط. لقد ولى زمان الصمت يا وطني، ولى الى غير رجعه، لقد ولى بكل تجلياته الخانقه على كرامة الإنسان وحريته...فلا

copy_r