gulfissueslogo
سيادة القانون في دولة الإمارات العربية المتحدة : استعراض عام 2010
كريستوفر ديفيدسون

 10 يناير 2011
 ترجمة : قضايا الخليج


ثمة أشياء عظيمة تحدث في أبو ظبي، وأماكن أخرى في الإمارات العربية المتحدة. ويتم حالياً بناء اقتصادات نابضة بالحيوية، ويجري توفير فرص عمل، وإنشاء مشاريع مشتركة مع كبرى الشركات والمؤسسات الدولية. ونأمل أن ذلك سوف يؤدي يوما ما إلى نقل تكنولوجيا حقيقية للإقتصاد المحلي. هناك نقطة صغيرة لدي في تغطية أي مما ذكر  أعلاه، ومع ذلك، شأن معظم الأخبار السارة يجري تغطيتها بصورة وافية من قبل العديد من الصحف في الإمارات العربية المتحدة المملوكة للدولة والدولة التابعة لها. على وجه الخصوص، فإن (The National) في أبو ظبي تتحول بسرعة صحيفة المنطقة لتسجيل جميع الأمور المتعلقة بالأعمال التجارية والاقتصاد.
ما يتطلب التعليق هو سيادة القانون، وهو موضوع جري تجاهله من قبل وسائل الإعلام في الدولة ونادراً ما تتناوله منظمات المجتمع المدني العاجزة، الى حد كبير، في البلاد. والواقع، أن سيادة القانون في دولة الإمارات العربية المتحدة هو دائماً موضوع مؤلم ، كما لو أن أي شيء قد تآكل بدلاً من أن يكون قد تعزّزعلى مدى العام 2010. ثمة الكثير مما تحاول أبو ظبي ودبي أن تفعلاه إزاء اقتصاداتهما التي لها سمعة دولية سليمة، وأن الإساء الحالية أو غياب حكم القانون سيؤدي في القريب العاجل الى محاصرة قادة الدولة. وهذا قد يؤدي إلى تدهور سريع في الآفاق الاقتصادية للبلاد، وخاصة من حيث جذب الاستثمار الأجنبي المباشر، والسياحة، والشركاء في المشاريع المشتركة. في نهاية المطاف، وكنتيجة لذلك، فإن كل مواطني دولة الامارات العربية المتحدة والوافدين من (أصحاب المصلحة) سوف يخسرون ما لم يتم تدارك الوضع بصورة عاجلة.
وحتى الآن، كانت هناك بعض اختبارات الضمير لكبريات المؤسسات التعليمية والثقافية في الديمقراطيات الأكبر في العالم، التي لها فروع في مكان ما أو قيد الإنشاء في أبو ظبي، بما في ذلك جامعة السوربون الفرنسية ومتحف اللوفر، وجامعة نيويورك، ومتحف جوجنهايم من الولايات المتحدة. ولكن نظراً للمناخ المالي الحالي في الغرب، وحرص الساسة الغربيين، والأكاديميين، وقيادات أخرى للتملّق لها بفائض نقدي، فإن هذه المؤسسات بقيت قويّة. ومع ذلك، في حال صحّح الاقتصاد العالمي نفسه، وأن تمويل البحوث والمنح الحكومية بدأ في التدفق مرة أخرى في بلدان ذات قيادات منتخبة والتزامات إزاء حقوق الإنسان، فإن أزمات الثقة المستقبلية في دولة الإمارات العربية المتحدة ستكون عرضة للإختبار، حيث يجب تذكّر مخاطر حقيقية جداً في مجال السمعة، وأهمية العلامات التجارية العالمية النظيفة.
وعليه، ماذا كان يحدث في العام عام 2010؟ كانت هناك عدة، قضايا مقلقة وذات أهمية كبيرة، بما في ذلك اعتقال آذار/مارس لمدة ثلاثة أشهر لزوجين هنديين بتهمة (تبادل رسائل نصيّة عنصرية)، وحبس أبريل لزوجين بريطانيين في دبي، بتهمة تقبيل ولمس بعضهما البعض في مكان عام. في حين أن بشاعة "الجريمة" الأخيرة ربما هي محادثة ضرورية يتطلب اجراؤها في ما يفترض أن تكون مدينة منسجمة مع السياحة، ما يقلقني هو أن التحقيق كان مبنياً على شاهد وحيد (رضيع يبلغ من العمر سنتين) الذي لم يمثل أمام المحكمة. وثمة حالة أخرى مثيرة للقلق والاشمئزاز وهي أن امرأة إماراتية تبلغ من العمر 18 عاماً في أبو ظبي حاولت توجيه اتهامات ضد خمسة رجال إماراتيين وعراقي بالاغتصاب الجماعي. أدلة الطب الشرعي أيّدت تهمة الاغتصاب الجماعي، ولكن الفتاة اختارت إسقاط جميع التهم عندما جرى تهديدها بالسجن لمدة سنتين مع الجلد، لأنها ممارست الجنس قبل الزواج بطريقة غير شرعية. في رأيي، كان الحكم بمثابة تحذير للنساء الأخريات من مجرد التفكير بشكوى بهذا الخصوص.
وفي حالة توضيحية أخرى هي أن رجل إماراتي سُجِنَ لسنة واحدة بعد إخفاقه في تسديد الديون. ويستعد الآن لعقوبة أخرى تصل مدتها خمس سنوات بتهمة "إهانة الرئيس" في ديسمبر بعد قطع امدادات المياه عن السجن. وكانت الإهانة على ما يظهر قد سمعها أحد حراس السجن ـ  مرة أخرى، ثمة شاهد وحيد. قد يجادل البعض، بطريقة ساخرة، أن حكم القانون قد تمّ تأييده تماماً في مثل هذه الحالة، وبالنظر إلى أن إهانة رئيس دولة الإمارات العربية المتحدة (بحكم الأمر الواقع الحاكم الوراثي لإمارة أبو ظبي) هو في الواقع جريمة تحمل عقوبة بالسجن مدة خمس سنوات. ولكن حتى مع سفير الولايات المتحدة في برقيات ويكيليكس المسجّلة الأخيرة واصفاً إياه بأنه (شخصية نائية وغير جذابة)، هل تحتاج دولة خليجية متقدّمة مثل الإمارات العربية المتحدة حقاً إلى التمسّك بقوانين بالية من هذا القبيل؟
هناك بالطبع العديد من الحالات الأخرى المثيرة للقلق خلال العام الماضي، ولكن الى حد بعيد، فإن أحد كبار التجار كان هو الحالة التي أعادت الأمور جميعاً الى الوراء في يناير 2010. بالنظر الى أنها تتعلق بعضو بارز في العائلة الحاكمة، وكما يقول البعض، يشتم منه رائحة التدخل السياسي في العملية القضائية ، فإنه في رأيي يلقي بظلال على دولة الإمارات العربية المتحدة. ورغم ما حام حولها من تمتمات، وجرت مناقشتها في منتديات الإنترنت (المحظورة) من وقت لآخر، فإنها لا تزال من المحرمات الخطيرة. فقد تمّ القبض على عدة أشرطة فيديو تعذيب لموظفين آسيويين، على ما يبدو، بطرق خلاقة، للأخ الأصغر غير الشقيق لحاكم أبو ظبي الشيخ عيسى بن زايد آل نهيان وهو في الوقت نفسه أخ لولي العهد. أصبح موضوع إحراج كبير لأبو ظبي في عام 2009 ، كما بثّ العديد من أشرطة الفيديو على Youtube.com وعلى موقع www.uaetorture.com (الذي تم حظره على وجه السرعة).
في إحدى الحالات، تم ضرب الضحية، وجلده، وصعقه بالكهرباء، ودهس بسيارة دفع أمامي من نوع  4x4. في شريط الفيديو، كان عيسى يتلقى مساعدة من رجل يرتدي زياً كان لحارس أمن خاص، وفقا لتقارير وسائل الاعلام في وقت مبكر من الفيديو. ولكن الزي كان، مما لا شك فيه، لضابط شرطة أبو ظبي، وكان في المشهد سيارة تابعة للشرطة أيضاً. سوء الفهم كان على ما يبدو نتيجة إبلاغ مسؤول في أبوظبي وسائل الإعلام بأن المساعد لم يكن شرطياً.
عندما قامت أيه بي سي نيوز وسي إن إن بتغطية القصة في الولايات المتحدة دفعت سلطات أبو ظبي للرد، وقالت بأنها استعرضت شريط الفيدو، وأقرّت بتورط عيسى. وقال مسؤولو أبوظبي بأن (الوقائع المصوّرة في الفيديو ليست جزءاً من نمط السلوك)، وأن (كل القوانين، والسياسات، والاجراءات قد تم إتباعها بطريقة صحيحة من قبل قسم الشرطة)، وقال محامي عيسى: (إن القصة التي نعتقد أنها نقلت الى أيه بي سي مضللة إلى حد بعيد، بل هي من الواضح غير صحيحة إلى حد كبير، وأنها تشهيرية للشيخ عيسى). وذكرت وزارة الداخلية في الإمارات العربية المتحدة أن جميع الأطراف المعنية، والتي يحال إليهم غالباً بالضحايا، قد قامت بـ  "تسوية القضية بصورة خاصة"، على النحو المسموح به بموجب القانون في إمارة أبو ظبي.
أثارت هذه الاستجابة، التي لم تعد بمحاسبة عيسى والمسؤولين الآخرين، إنتقادات من منظمة هيومن رايتس ووتش، التي  ذكرت بأنه (إذا كان هذا هو ردّها النهائي، فمن المؤسف ـ القول ـ إنها عملية احتيال وعار...(وبذلك) إنها الدولة التي تقوم بالتعذيب...اذا لم تقم الحكومة بالتحقيق ومحاكمة هؤلاء الضباط، ومن يأمر الضباط). وأرسلت هيومن رايتس ووتش رسالة إلى حاكم أبو ظبي طالبت فيها بتشكيل هيئة مستقلة للتحقيق في كل من قضيتي التعذيب و(فشل وزارة الداخلية في تقديم هؤلاء المسؤولين الى العدالة). وبنفس القدر، كان الرئيس المشارك لهيئة حقوق الإنسان التابعة للكونغرس الأميركي نقدياً للتقاعس عن عمل أي شيء في هذا الصدد: (ثمة تسليم بأنهم يحتلون موقعاً استراتيجياً في جزء أساسي من العالم، ولكن من الصعب أن نتخيّل بأننا ذاهبون الى الاستمرار كما لو كان هناك عمل كالمعتاد عندما يحدث هذا النوع من القضايا..حدسي هو أن هذا هو مجرد غيض من فيض).
قوة رد الفعل الدولي هذا، تزامنت مع تعليق مؤقت للمفاوضات من جانب الولايات المتحدة بشأن اتفاق التكنولوجيا النووية بين الجانبين الأميركي ـ الاماراتي، وكان ذلك، على ما يبدو، كافياً لإجبار سلطات أبو ظبي على إعادة النظر في قضية تعذيب عيسى. وضِع عيسى تحت الإقامة الجبرية حتى محاكمته التي جرت في ديسمبر 2009. نصف المحاكمات (بما في ذلك إفادات شهود الادعاء) الذي أجراه قاضي مغترب، قد جرت في السر، حيث بدأت صحيفة (The National) تغطية المحاكمة في منتصف الطريق – حيث لم تكن تغطي/تنقل سوى تصريحات الدفاع. يفترض ذلك، على مايبدو، محاولة لتهيئة سكان دولة الإمارات العربية المتحدة على الحكم القضائي الذي لا مفر منه. فقد تمّ الإفراج عن  عيسى في يناير 2010، على الرغم من كونه صور وهو يستعمل مدفع رشاش، وعصاة كهربائية، وهو يقود سيارة، ويحشو الرمل في حنجرة رجل – وقد قيل بأنه وضع في غيبوبة من قبل موظفين غير شرفاء، صدرت بحقهم أحكام غيايبة بتهمة الإبتزاز والتلاعب.
ذكر تقرير (فريدوم هاوس) في سنة 2009 حول دولة الإمارات العربية المتحدة أن (القضاء غير مستقل، مع خضوع الأحكام الصادرة عن المحاكم للمراجعة من جانب القيادة السياسية...وعلى الرغم من حظر الدستور التعذيب، وهناك أدلة دامغة على أن أعضاء العائلة الحاكمة والشرطة في البلاد استخدموا التعذيب ضد الخصوم السياسيين والشركاء التجاريين).
في ضوء ماسبق، على ماذا يحتوي تقرير 2010؟

نقلا عن :http://www.currentintelligence.net/gulfstream

copy_r