لولا وجود عدد من منظمات حقوق الانسان الاهلية في منطقة الخليج والعالم
العربي لما كنا نسمع بانتهاكات وجرائم يتعرض لها المواطنون والوافدون.. ولولا
تقارير «هيومن رايتس» وآخرين لكانت مؤشرات حقوق الانسان معدومة وتحت الصفر.
وفي هذا الامر يتساوى الى حد كبير حال الانظمة الدكتاتورية مع حال الانظمة
الديموقراطية، فكلتاهما تزخران بالخطوط الحمراء والصفراء وان كانت «الساحة
الديموقراطية» تبقى الاكثر امانا من غيرها، على الاقل من زاوية الضمانة بوجود
قضاء وحريات يتيحان الدفاع والمرافعة والتعبير عن الرأي ضمن الاطر القانونية.
في هذا الجزء من العالم، اعني منطقة دول مجلس التعاون الخليجي، يأخذ الكلام عن
حقوق الانسان بعدا دوليا، وان جرى توظيفه سياسيا من قبل البعض، وتسلط عليها
الاضواء اكثر من غيرها من «بؤر التوتر» كسوريا واليمن والمغرب وتونس وحتى مصر
ولبنان.
ربما كان هذا الوضع عائدا الى الــ 20 مليون وافد الذي يعملون في الخليج، وربما
عائد الى ادخال «حقوق الانسان» في اجندات سياسية، تشتعل تارة وبشكل عنيف وتارة
تخمد وكأنها شيئا لم يكن.
هيئات وصلاحيات
جردة الحساب لسنة 2010 ليست أفضل حالاً من سابقتها، فقائمة الاتهامات والادانات
تطال معظم دول الخليج التي تستنفر عادة لدى صدور أي تقرير يشير اليها، وان كانت
في سبيلها الى البحث عن انشاء لجنة استشارية عليا لحقوق الانسان وفق منظومة
مجلس التعاون، وهي مبادرة بحرينية ما زالت في طور المناقشة والدراسة.. الدعوة
هنا تذهب الى «توحيد الجهود» بالرد على التقارير الأجنبية وليس لمعالجة الموضوع
وما ينتج عنه من اساءات وفظائع وتعديات على حريات الناس وحقوقهم.
مستوى التعامل الخليجي الرسمي ما زال دون المستوى المطلوب، فهيئات حقوق الانسان
التي أنشأتها حكومات قطر والبحرين وعمان لم يمض عليها سوى أشهر، وهي في مرحلة
التكوين، لكن الموضوع يبقى في صلاحيات ودور هذه الهيئات وليس من حيث الشكل
والمبنى والمظهر، أي هل سيكون بمقدور هذه الهيئات ممارسة دور رقابي فعال يمكنها
من ضبط وتحجيم الفلتان الحاصل في التعدي على الحريات والحقوق التي تطال
المعارضين السياسيين، مثلما تطال العمالة الوافدة و«البدون» والأجانب الذي
يعيشون فيها.
لقد خطى المغرب واليمن والعراق بإتجاه خلق وزارات تعنى بحقوق الانسان، وهي خطوة
لا شك ايجابية، لكن السؤال هل استطاعت هذه الوزارات من توفير مناخ وبيئة
وتشريعات تعمل على اشاعة الحريات والمحافظة على الحقوق والتعبير عن الآراء
المعارضة للنظام؟ يكفي زيارة المواقع الالكترونية العائدة للمنظمات الأهلية
العربية التي تتساقط عليك بياناتها، بالمناشدة وبالابلاغ عن حالات التعذيب
والابعاد والسجن والاحتجاز ومنع السفر وهدر الحقوق المدنية والسياسية في تلك
الدول حتى تقف على حافة الهاوية التي تزداد توحشاً..
مؤشرات التحسن
الخليج ليس واحداً في هذا الشأن، فما يحدث في السعودية قد لا يحدث في الامارات،
وما يطبق في الكويت قد لا تجده في قطر، وهكذا مع الدول الأخرى، فنوع النظام
السياسي هو الذي يحدد سقف العمل بحقوق الانسان، ولذلك يكون صوت حقوق الانسان في
دول مثل الكويت أعلى بكثير من غيرها، نظراً للهامش الكبير من الحريات الذي
يوفره الدستور والصحف ووسائل الاعلام وغيرها من طرق النشر.
الدعوة إلى إنشاء «مكتب» لحقوق الإنسان على مستوى مجلس التعاون في قمة أبوظبي
الأخيرة لم تلغ مطالبة المثقفين والأكاديميين والحقوقيين من توجيه نداء لحث
المسؤولين فيه على معالجة ثمانية قضايا جوهرية تمس حقوق الإنسان والحريات
مباشرة والعمل على تحديث وتعديل القوانين واللوائح المتعارضة مع مبادئ حقوق
الإنسان والمواثيق الدولية التي وافقت عليها أو وقعت أو صادقت عليها الدول
الخليجية، الى ما هنالك من عناوين تتصل بالمواطنة وبالحريات الاعلامية وترسيخ
دولة القانون والمؤسسات.
مؤشرات التحسن ظهرت عام 2010 في مجال التدرج بإلغاء نظام الكفيل، وان كانت في
حدود الرغبة في التغيير إلى أنظمة أخرى بعيدة عن الاستغلال السيئ والبشع من قبل
«بعض الكفلاء»، هذا على ساحة العمالة الوافدة التي زادت بمقدار النصف تقريبا
خلال العشرين سنة الماضية، فبعدما كانت تسعة ملايين عام 1990 وصلت إلى 17
مليونا عام 2010.. أما ما يتصل بحريات المواطنين، سواء حق التعبير عن الرأي
بواسطة المدونات أو عن طريق النشر بالصحف، أو بممارسة الحريات النقابية والحقوق
المدنية والسياسية، فهي من العلامات «السوداء» في سجل معظم هذه الدول التي تنظر
إلى تلك المطالبات من الزاوية الأمنية والمهددة للأنظمة الحاكمة.
حالتا الكويت والبحرين
خلال عام 2010 كانت البحرين والكويت أكثر دولتين خليجيتين تشهدان حراكا سياسيا
واجتماعيا من بقية الدول الأعضاء في منظومة مجلس التعاون، وان حرضت السعودية
وقطر والبحرين في تقارير «هيومن رايتس ووتش» والاشارة إليها بكونها، لجأت الى
العنف وجلد الصحافيين الذين كتبوا عن الغضب الشعبي ازاء انقطاع الكهرباء وتعرض
خادمات المنازل للأذى والقتل والاحتجاز التعسفي للناشطين، والاتجار بالبشر.
بيد ان حالتي الكويت والبحرين تبقيان تحتلان مساحة واسعة من الحريات، وبالتالي
الكلام العلني عن انتهاكات حقوق الإنسان، لا سيما من قبل المعارضين وأصحاب
القلم والناشطين السياسيين.
خلو صحافة الخليج من أقسام لحقوق الإنسان ووجود محررين وصحافيين متخصصين في هذا
الجانب يتطلب العمل على ايجاد وسائل تمكن هؤلاء من العمل في هذا الحقل وبشروط
ومستوى من الدراية والكفاءة والإلمام بالقوانين والاتفاقيات الدولية، بحيث
تواكب التطورات في عالم الصحافة المتخصصة، وتفرز صحافيين محترفين لهم مكانة
ودور في تغطية النشاطات الخاصة بحقوق الإنسان.
دور الصحافيين في دعم الحريات وحقوق الإنسان لا يقل أهمية عن دور الجمعيات
الأهلية، بل يكاد يكون المدافع الأول، فبقدر ما تتاح له الفرصة والامكان
بالتعبير عن الحدث ونقله بأمانة وبمستوى من الفهم والاستيعاب ومعرفة القوانين،
بقدر ما يشيع ثقافة حقوق الإنسان لدى الرأي العام، وهذه مهمة ليست سهلة، وان
كانت غير مستحيلة.