gulfissueslogo
د.العبدالكريم
د. محمد العبدالكريم .. من المقال .. إلى الاعتقال..!
منصور القحطاني

 
 
2010-12-30
 
هل كان الدكتور محمد العبدالكريم يستحق الاعتقال من أجل مقال يُكتب ويطويه النسيان؟، وهل كان المقال يقتضي ردة فعل كهذه؟، هل يصح أن يُحقن الشارع المحتقن أصلاً من أجل مقال؟، وهل يليق أن توصد منافذ التنفيس من أجل مقال؟، وهل يجدر أن تُحبط آمال الإصلاح وتُذبح حرية التعبير في مهدها من أجل مقال؟، هل يسوغ أن تُلطخ صورة الدولة والمواطن ونصبر على كل هذه البيانات التي تندد بنا في الداخل والخارج من أجل مقال؟، هل نتحمل التقارير الحقوقية التي تقيمنا كل عام وتُعد مرجعاً للباحثين على مستوى العالم من أجل مقال؟، وهل سيعيد الاعتقال تساؤلات الرجل إلى رأسه بعد أن سارت بها الركبان؟، يقول فؤاد الفرحان "إذا أردت أن تنشر فكرة، فأقمع صاحبها"، ويقول عبدالرحمن الشهري " إننا باعتقال المثقفين نُرَوجُ لأفكارهم ورؤاهم ولا يمكن أن نحبسها بحبسهم, فبمجرد أن أُعتقل الدكتور العبدالكريم تناقلت وكالات الأنباء الخبر وذاع صيته وتبادل الشباب مقالتَه فانتشرت كانتشار النار في الهشيم، بعد أن كانت متداولة في وسطٍ نخبوي ضيقٍ جدا"، ويقول ممدوح محمد " كما أني لم اسمع بالفرحان في حياتي إلا بعد اعتقاله، فالكثير لن يعرفوا العبدالكريم إلا الآن"، وهذه هي الحقيقة شئنا أم أبينا، فقد قفز معدل الزيارات في مجلة رؤية بعد الاعتقال إلى أكثر من عشرة أضعاف في اليوم الواحد، وفي خدمة "جوجل تريند" قفزت كلمة البحث "محمد العبدالكريم" بعد اعتقاله لتحقق نسباً عالية جداً تضاعفت آلاف المرات عما كانت عليه في السابق، ثم إن هؤلاء الذين تعاطفوا معه لم يكونوا بالضرورة يوافقوه على مقاله، بل كان التعاطف ينبع من كونه يُعتقل ـ ليس لأنه مجرم وإنما ـ لأنه يعبر عن رأيه.
 
 "هل بقاء المملكة موحدة في كيان واحد مرتهن بوجود العائلة؟، كيف نضمن وطناً موحداً بعيداً عن الصراعات؟، كيف نضمن سلامة الشعب من التفكك والانهيار؟"
 بهذه التساؤلات الجريئة، أشهر الدكتور محمد العبدالكريم قلمه الأحمر ليسطر مقالاً نارياً، ألهب السجال حول ذلك المستقبل الغامض الذي ينتظر الدولة بمكوناتها الثلاث، فمن مستقبل العائلة المالكة، التي يجسد بقائها ضماناً لوحدة الوطن وسلامة الشعب، انطلق أستاذ الشريعة يحلق في العلن، ويشرّح واقعاً لطالما لاكته أفواه المرعوبين خلف أبواب مؤصدة، زاعماً بأن السفينة لا تمخر عباب تقدم ولا تنمية، بقدر ما تزحف على شفا جرف هار يوشك أن ينهار بها في ظلمات بعضها فوق بعض، غير أنه كان يرى في آخر ذلك النفق الحالك بصيصاً من مشكاة الأمل، لا يشرق على أبناء الوطن وحكامه إلا بعد أن تمتزج أرواحهم فيه، يتنازلون من أجله، ويتشاركون في إنقاذه، مشاركة ما راقت يوماً لجهاز المباحث، فرأى بأن يزوره في منزله، والرأي ـ طبعاً ـ ما يرى!.
 هو الدكتور محمد بن عبدالله بن علي بن عبدالكريم، قضى من العمر 40 عاماً، تزوج حنان البصيص وأنجب منها ثلاثة أبناء، ويعمل أستاذاً مساعداً بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، حصل على الماجستير في "العموم المعنوي عند الأصوليين"، ثم على الدكتوراه في "القواعد والضوابط الفقهية في علاقة الدولة المسلمة بغيرها"، وله بحث في الإعلام المقاصدي، وآخر في الاحتساب المدني "دراسة في البناء المقاصدي للاحتساب"، وقدم ورقة في مؤتمر غزة النصر في أسطنبول حول "الثوابت والمتغيرات في الصراع مع إسرائيل"، كما عمل مقدماً لبرنامج "مقاصد الشريعة" على قناة دليل الفضائية، وكاتباً في مجلة العصر ورؤية ومؤتمر الأمة وصحيفة المحايد وموقع الإسلام اليوم والعديد من الصحف المحلية، ويُعرف بعمقه التأصيلي وبُعده المقاصدي وميوله الإصلاحي، كما يُعرف بأنه ناشط حقوقي بامتياز، فهو عضو في العديد من المنظمات المحلية والعربية والدولية التي تُعنى بحقوق الإنسان، ومنها:
 
- جمعية الحقوق المدنية والسياسية بالسعودية.
- هيئة حقوق الإنسان في السعودية.
- المنظمة العربية للحريات والحكم الراشد.
- منظمة الكرامة لحقوق الإنسان.
- المنظمة العربية لحقوق الإنسان.
- الحملة العالمية لمقاومة العدوان.
- لجنة الدفاع عن القدس.
 وفي مقاله "أزمة الصراع السياسي بين الأجنحة الحاكمة في السعودية .. محاولة للبحث عن مصير الشعب السعودي" رأى الدكتور محمد العبدالكريم بأن حماية وحدة المملكة والخليج والمنطقة برمتها لابد وأن تتسنم رأس الأولويات التي تقض مضاجع أنظمتها ونخبها وشعوبها على حد سواء، تلك المنطقة التي ترزح على كاهلها أعباء التقسيم، وتحمل في داخلها بذور التفتت، أما داخلياً فكان أن رأى الدكتور بأن الدولة لم تواكب استحقاقات المرحلة لتحمي نفسها وشعبها من عوامل التفكك والانهيار، وأن بعض رجال الدولة تركوا المواطن والوطن يواجهان مصيرهما المجهول، وبالمرصاد وقفوا لكل تلك الإصلاحات التي تهدد فسادهم واستبدادهم، وأن رجال الأعمال ما فتئوا يجمعون الأموال ويقتطعون الأراضي ليحققوا مصالحهم الشخصية غير آبهين بمستقبل الوطن، وأن بعض النخب الشرعية استخدمت الدين لتبرر أخطاء السلطة، وأن بعض النخب الثقافية النافذة امتهنت النفاق والتزلف لترسم صوراً وردية لواقع مزري، وبين هؤلاء وهؤلاء كان الشعب دائماً وأبداً هو أكبر المتضررين، مأساة تطفو منها السلطة والنخب المستنفعة ويغرق في عمقها اللجي شعب بأكمله يغشاه موج من فوقه موج من فوقه سحاب، أفق مسدود لا ينفتق ما لم يشارك الشعب في بناء وطنه وتأمين مستقبله، لا ينفتق مالم يتحقق العدل والمساواة، ويُحفظ المال العام من النهب والتبذير، واغلال لا يجوز أن تمكث فيها الأمة، وأمة لا يجوز لها أن تنتظر صلاح الدولة، ودولة لمّا تدفع بعد استحقاقات المرحلة، ومرحلة تتنامى فيها صحوة الشباب السياسية، وصحوة تحمل في يدها مفاتيح الحل، هي إذا المشاركة الشعبية ولا شيء غيرها، هكذا كان يخط الدكتور ملامح الحاضر والمستقبل ويروي لنا شيئاً من حكاية الأزمة.
 المقال وما أن نشره الدكتور في صفحته على "فيس بوك"، ثم في مجلة رؤية ومجلة مؤتمر الأمة، حتى التهمته الصحف والمواقع والمنتديات، محدثة بذلك ضجة إعلامية هائلة، وردود أفعال في الداخل والخارج، حركت المياه السياسية الراكدة، ودقت ناقوس الخطر، الدكتور محمد الحضيف يرد على المقال مشيراً إلى أهمية المشاركة الشعبية فيقول "التوجسات والمخاوف التي ذكرتها حقيقية، والأسئلة التي طرحتها مشروعة ومنطقية، لا نجاة لهذا الكيان - بعد حفظ الله - إلا أن يتحول إلى دولة مؤسسات، وأن تكون هناك إرادة شعبية ممثلة من خلال هذه المؤسسات"، أما المذيع في قناة الجزيرة علي الظفيري فيصف المقال بأنه "أهم ما قيل في الآونة الأخيرة".
 تساؤلات كثيرة أثارها المقال حول انطلاق حرية التعبير بشكل نهائي في دولة كانت حكومتها تتحسس كثير من نقد العائلة المالكة، يقول عبدالعزيز الوهيبي مشيراً للدكتور "ماضرك ما فعلت بعد مقالتك الأخيرة، خلعت سقف الحرية وأتعبت من بعدك"، أما نواف القديمي فاستشهد بمقالة الدكتور على علو سقف الحرية في السعودية قائلاً "في ندوة شبابيّة بجده علّق أحد الشباب بحنق: ماذا يمكننا أن نفعل! من يتحدث وينتقد يتم اعتقاله وفصله من عمله، قلت له: الأمور ليست بهذا السوء، وخير دليل على ذلك المقال الجريء الذي كتبه د.محمد العبدالكريم قبل أيام ولم يحدث له شيء"، ذلك الإنطباع الذي تركه المقال لم يدم طويلاً إذ قررت المباحث العامة أن تقدم إجابات حاسمة لهذه التساؤلات وحداً قاطعاً لذلك التفاؤل فاعتقلت الدكتور في منزله عشية اليوم العالمي لحقوق الإنسان.
يبدو أن الدكتور محمد العبدالكريم كان يعرف بأن مسألة اعتقاله لم تكن سوى مسألة وقت، كانت المؤشرات كبيرة أمامه، زوجته قالت بأنه كان يتوقع الاعتقال، وصديقه عبدالله المالكي أشار لذلك قائلاً " الليلة التي سبقت اعتقاله كنا نتحدث سويا، حدثني عن نتائج مقاله وكان يتوقع الاعتقال، وتوقعت معه أيضا"، وفي بيانها أشارت مجلة مؤتمر الأمة بأن الدكتور بعد أن نشر مقاله بأسبوع واحد استدعاه عميد كلية الشريعة بجامعة الإمام مع ثلاثة من وكلائه ورئيس قسم أصول الفقه، وحققوا معه حول المقال، يوميان آخران ثم وصلته ورقة غير رسمية تطلب منه أن يمثل أمام عميد كلية أًصول الدين فتجاهلها، تلتها مجموعة من الإتصالات المجهولة، الأمر الذي استنكرته جمعية الحقوق المدنية والسياسية في بيانها واعتبرته إساءة كبيرة للجامعة التي انحرفت عن مسارها الأكاديمي لتتحول إلى " مكتب تحقيق تابع لأجهزة وزارة الداخلية ".
 
كان يعرف بأنه سيعتقل، فنظم وكالة بالترافع عنه للدكتور محمد بن فهد القحطاني والدكتور مبارك بن زعير والمحامي عبدالعزيز الوهيبي والمحامي وليد أبو الخير الذي علق على الوكالة قائلاً "محمد العبد الكريم كان على علم تام بأنه سوف يعتقل بعد أن تصاعدت التهديدات من حوله"، كان يعرف بأنه سيعتقل، ولكنه لم يصعد الأمر إعلاميا، لم يكتب تعليقاً واحداً في صفحته عن المضايقات التي تعرض لها، كان يعرف بأنه سيعتقل، ولكنه قرر أن يذهب إلى زنزانته بهدوء، فهل كان صمته رسالة للتهدئة وإثباتا لحسن النية؟، يرد الدكتور مبارك بن زعير قائلاً "غير واضح الربط بين التصرف والتفسير".
ومصداقاً لتوقعات الرجل، وفي ظهيرة يوم الأحد 29 / 12 / 1431 هـ، وعلى غير العادة كان رجال المباحث يقرعون باب منزله، زوجته تصف حادثة الاعتقال قائلة بأنه في تمام الساعة الثانية والنصف بعد ظهر الأحد حضر إلى منزلهم أربعة رجال مدنيين ومعهم بعض العسكر وطلبوا زوجها الذي كان نائما، وعندما أفاق وفتح لهم الباب طلبوا منه مرافقتهم، وبعد خروجه معهم بدقائق اتصل بها من هاتفه النقال ليخبرها أنه متوجه معهم إلى سجن عليشة وأنه سيعود بعد صلاة المغرب، ولكنه قطعاً لم يعد.
 في اليوم التالي يقوم أحد أشقاء الدكتور بالتوجه لزيارته في سجن عليشة فيخبرونه بأن "المذكور ليس عندنا"، وهي نفس الإجابة التي حصل عليها عندما ذهب إلى سجن الحائر، مما أثار القلق لدى ذويه، معاناة عائلة الدكتور لم تتوقف عند هذا الحد، فعندما خرجت زوجة الدكتور وأولاده من مسكنهم أوقفتهم نقطة تفتيش، وتصدى لهم رجل بلباس مدني، وصادر أجهزة الحاسب المحمول التابعة لهم، زاعماً بأنه من المباحث العامة، احتجت عليه زوجة الدكتور، فأجابها بأنه "عبد مأمور".
 وعندما أراد عدد من المتعاطفات مع زوجة الدكتور وأولاده أن يزوروهم فوجئن بنقطة تفتيش تستوقفهن، فريق الدفاع وصف التصرف الغريب لجامعة الإمام  بأنه حوّلها من مؤسسة أكاديمية يفترض أن تكون من المنافحين عن حق التعبير إلى ما يشبه "الثكنة العسكرية"، الجامعة لا يبدو أنها تعير اهتماماً للرأي العام، حالها كحال بقية المؤسسات الحكومية، فحتى اللحظة لم يصدر عنها بيان واحد يؤكد أو ينفي التهم عن نفسها، سواء كانت تلك التهم المتعلقة بالتحقيق مع الدكتور أو حتى المتعلقة بإيقاف عائلة الدكتور وزوارهم!، الكاتب الصحفي متعب العمري قال معلقاً على تصرف الجامعة " المؤسسات الأكاديمية أداة للتغيير والتطوير الاجتماعي، وبقاءها مستقلة ضمان لقيامها بهذا الدور، لكن الواقع يقول أن الدولة متحكمة بكافة المؤسسات الاكاديمية والتعليمية، وبالتالي هي تُعبّر عن وجهة نظر الدولة ومواقفها، أكثر من أن تعبر عن ذاتها أو عن المجتمع "، ويعتبر بأن المشاركة هي الحل قائلاً " لابد أن تكون هذه المؤسسات منبثقة عن الشعب من خلال نخبه الأكاديمية ليشارك في صياغتها بالوسائل الديمقراطية، لأنها أداة لتطوير المجتمع والرقي به في المقام الأول "، وهكذا يعود مجدداً غياب المشاركة الشعبية ليفسر لنا هذه السلبيات التي تغط فيها مؤسساتنا الحكومية.
 مثال آخر يشرح لنا كيف يمكن لمؤسساتنا الحكومية أن تخرج عن مهمتها الوطنية لتتحول إلى شيء آخر، شيء لا يدفع ثمنه سوى الوطن والمواطن!، هذه المرة كانت معاناة زوجة الدكتور مع المؤسسات الحقوقية التابعة للحكومة، معاناة تكشف كيف يمكن أن ينتهك الحقوقيون حقوق الناس، مفارقة لا تبدو غريبة هي الأخرى، بدأت المعاناة عندما قامت زوجة الدكتور بالاتصال بهيئة حقوق الإنسان والجمعية الوطنية لحقوق الإنسان، وأخبرتهما بأن زوجها تم اعتقاله لأنه عبر عن رأيه، فكان الرد " أنه ما كان على الدكتور أن يكتب مقالة عن هذا الموضوع، وأنه ليس من شأنه طرح مثل هذه القضايا، وأنهم لا يوافقون على ما كتب"، هكذا جاء رد المؤسستين الحقوقيتين، ليس من شأنه أن يعبر عن رأيه!، "ردٌ مخيبٌ للآمال" قالها فريق الدفاع عن الدكتور محمد العبدالكريم وأضاف " وفريق الدفاع يستغرب أشد الاستغراب رد الفعل هذا، حيث إن الدور المناط بمثل هذه المنظمات هو الدفاع عن معتقلي الرأي وعن حقوقهم التي كفلتها أنظمة الدولة، ومن أهمها ما ورد في مواد نظام الإجراءات الجزائية، وليس من مهام منظمات حقوق الإنسان إصدار الأحكام وإطلاق النصائح والمواعظ"، يقول الكاتب خالد الحسن ساخراً "هذا يا محمد يتحدث عنه توماس فريدمان وجورج فريدمان وسيمون هندرسون، ولست أنت، فهذا ليس شأنك "، أما الناشط الحقوقي المستقل فوزان الحربي فيرى بأن "هيئة حقوق الإنسان ما أنشأت أصلاً إلا لتلميع صورة الدولة أمام الرأي العام الدولي، فهي تستقبل وفود الأمم المتحدة وتقوم بتضليلهم، والهيئة في حقيقة الأمر لا تدافع عن حقوق الإنسان، وإنما تدافع عن انتهاكات الدولة لحقوق الإنسان، ومعظم أعضائها لا يملكون تاريخاً حقوقياً"، وأما الجمعية الوطنية لحقوق الإنسان فيرى الناشط الحقوقي بأنها " أفضل من الهيئة، وتعمل على تثقيف الناس، ولها نشاطات مشكورة في القضايا الاجتماعية والعمالية وإن لم يصلوا إلى الحد المرضي، ولكن عندما يتعلق الأمر بانتهاكات حقوق الإنسان التي تقوم بها الدولة يكون نشاطهم على استحياء".
 
وما أن ضُرب القيد في معصم الرجل حتى انهالت أخباره في مواقع التواصل الإجتماعي، ثم انتقلت بسرعة إلى المدونات والمنتديات قبل أن تنشرها وسائل إعلام محلية وعربية وعالمية، محلياً نشرته مجلتي رؤية ومؤتمر الأمة، وصحيفة واقع ووكاد وحوار وتجديد وسعودي ويف وغيرها، كانت جميعها صحف ومجلات ومواقع مستقلة، أما عربياً فقد نشرته "ميدل إيست نيوز" والمصري اليوم ومصر الجديدة والبديل والبشائر المصريتان، والإمارات اليوم، والسياسي الليبي، ووكالة أنباء يورو عرب برس وغيرها الكثير.
وعلى المستوى العالمي نشرته "فرانس برس الفرنسية" أقدم وكالة أنباء على الإطلاق وإحدى أكبر ثلاث وكالات أنباء على مستوى العالم، ونشرته "ياهو" الإخبارية، وذي واشنطن بوست، وذي واشنطن تايمز، ولوس أنجلوس تايمز الأمريكية، وتلفزيون سي تي في الكندي، وبرس تي في الإيراني، وسي بي إس نيوز الأمريكي، كما نشرته أيضاً هيئة الإذاعة البريطانيةBBC تحت عنوان "اعتقال أستاذ سعودي بسبب مقال عن الصراع على السلطة في المملكة" وجاء فيه بأن المحامي وليد أبو الخير قال "سوف نناشد الملك عبد الله لكي يأمر بإطلاق سراح الدكتور عبد الكريم"، كما ورد فيه أيضاً بأن المتحدث باسم وزارة الداخلية السعودية اللواء منصور التركي لا يعرف شيئاً عن اعتقال الدكتور محمد العبدالكريم، وفي موقعها العالمي قالتBBC تحت عنوان "اعتقال أستاذ جامعي بسبب مقال" بأن "موضوع الخلافة في المملكة العربية السعودية موضوع شديد الحساسية" وأَضافت بأنها "لا توجد أية تأكيدات رسمية من جانب السلطات السعودية حول اعتقال الدكتور محمد العبدالكريم" وفي مقابلة مع BBC قال رئيس جمعية حقوق الإنسان أولاً إبراهيم المقيطيب "أنه بموجب القانون السعودي لا توجد مسوغات لاعتقال الدكتور محمد العبدالكريم لأكثر من 24 ساعة بدون أن توجه له تهمة".
 أما رويترز فنشرت الخبر تحت عنوان "جماعة حقوقية: احتجاز أستاذ سعودي بسبب مقال" وقالت فيه "وسئل منصور التركي المتحدث باسم وزارة الداخلية عن أنباء الاعتقال فقال انه ليست لديه معلومات"، الأمر الذي علق عليه محمد البجادي عضو جمعية الحقوق المدنية والسياسية قائلاً "من الطبيعي أن يكون المتحدث لا يملك معلومة عن اعتقال شخص معين أو حتى يكتم علمه مالم يصرح له بالكلام، وسبق له أن قام بهذا يوم اعتقالي الثاني"، وعن غرابة أن تصل المعلومة إلى الإعلام الغربي بينما لا تصل للمتحدث باسم وزارة الداخلية التي باشرت الاعتقال بنفسها قال البجادي "اللواء منصور التركي يعرف بالاعتقال من ناحية الإعلام ولكن لم تصله المعلومة من وزارته، فهو مجرد متحدث يقول ما يصرح له بقوله فقط".
الإعلام السعودي الرسمي، وشبه الرسمي، وحتى الكثير من وسائل الإعلام المستقلة، لم تتحدث عن المقال ابتداء، ولم تنقل خبر الاعتقال فيما بعد، برغم ما صاحبهما من جدل شعبي وصخب إعلامي في الداخل والخارج، مفارقة ثالثة تأتي بعد مفارقتي المؤسسات الأكاديمية والحقوقية، مفارقة تطرح بإلحاح سؤالاً بعينه: على طريقة اللواء منصور التركي هل إعلامنا السعودي الرسمي وشبه الرسمي ومعظم المستقل لم يسمع بذلك الخبر الذي نشرته وسائل إعلام عالمية؟، أم أنه لم يكن سوى مثال ثالث على عمق المأساة؟، إعلامنا الذي يفترض أن يكون أول المنافحين عن حرية التعبير يسقط على محك القيم، يقول الكاتب والصحفي إبراهيم النوفل " الإعلام السعودي بصفة عامة سواء منه الرسمي أو غير الرسمي، يعلم أن بينه وبين الموضوع الذي طرحه الدكتور محمد العبدالكريم، عدد كبير من السنين الضوئية للاقتراب منه، سواء نشر مقالته، أو نقاش تداعياتها، ولا غرابة في ذلك فإعلامنا يعيش خارج العصر، ويشغلنا بقضايا ليست لنا أو على الأقل ليست قضايانا الأساسية، وهذا كله يعود لغياب كامل لحرية الكلمة في الإعلام الرسمي وغير الرسمي، وأعتقد أن الشعب السعودي أصبح لا يحتاج هذا الإعلام، مع انتشار الانترنت بشكل واسع بين فئات الشعب، وسيكون للإعلام الأنترنتي الأثر الأكبر في التأثير على كافة المجالات الإعلامية".
 فريق الدفاع عن الدكتور محمد العبدالكريم أمهل المديرية العامة للمباحث أياماً ثلاثة قبل أن يخاطب مديرها بضرورة الإفراج عن الدكتور فوراً، زاعماً بانتفاء المسوغ النظامي لهذا الاعتقال، ومشدداً على التأكد من سلامة الدكتور وعدم تعرضه لأي أذى كان، وبالإطلاع على أمر الاعتقال وسببه ومدته، ومطالباً بإحالة الدكتور الفورية لهيئة التحقيق والإدعاء العام، على أن يحضر الفريق كافة إجراءات التحقيق.
 وكانت أسرة الدكتور محمد العبدالكريم قد تلقت منه اتصالاً بعد أن اعتقل بيومين يخبرهم فيه بأنه موجود في ضيافة سجن الحاير، خمسة أيام أخرى تمضي بعد الاتصال فتزوره أسرته في معتقله، حيث يبلغها الدكتور بثباته وارتفاع معنوياته وأنه في حالة طيبة ويتم التعامل معه بشكل لائق، وأنه يشكر المتضامنين معه، ويرفض أي شكل من أشكال التصعيد الخارجي لقضيته، حيث يجب أن تبقى في إطارها الوطني الصرف كما جاء ذلك في بيان الأسرة.
 
جديرٌ أن يذكر أنه وبعد اعتقال الدكتور محمد العبدالكريم صدرت عدة بيانات من مؤسسات إعلامية وحقوقية محلية وعربية وعالمية، وأكدت جميع البيانات على حق الدكتور في التعبير عن رأيه، وفي محاكمة عادلة علنية، ونددت بالاعتقال التعسفي، وأشارت إلى أنه تم بدون حكم قضائي، وبدون توجيه أي تهمة، وطالب بعضها بإطلاق سراحه فوراً، مرصد حقوق الإنسان في السعودية كان أول مؤسسة حقوقية تصدر بياناً حول اعتقال الدكتور، وقد جاء في بيان المرصد "ومرصد حقوق الإنسان في السعودية إذ يؤسفه هذا التعسف البين في استعمال القوة ضد أبناء هذا الشعب سيما الغيورين عليه فإنه يؤكد في الوقت نفسه بأن اعتقال الدكتور محمد عبد الكريم هو مخالفة صريحة وواضحة لأسس الحكم الرشيد ومبادئ حقوق الإنسان وحق حرية التعبير، كما هو أيضاً شرخ في وثوقية العلاقة بين الحاكم والمحكوم القائمة على مبدأ الوضوح والشفافية، ثم هو يزيد من احتقان الرأي العام الذي هو محتقن الآن كما لم يكن من قبل جراء انعدام مناخات الحرية"، أما مجلة مؤتمر الأمة فقد جاء في بيانها "إن مجلة مؤتمر الأمة إذ تعلن هذا النبأ لتعلم علم اليقين أن محاصرة الفكر بالقيد والاعتقال لن يزيده إلا قوة وانتشارا، وإن لناشطي الإصلاح والتحرير حقوقا على أمتهم وأهلهم بالوقوف معهم بالنصرة والتأييد والدعم".
 من جانبه أصدر فريق الدفاع عن الدكتور محمد العبدالكريم بيانه الذي جاء فيه "إن فريق الدفاع إذ يتقدم للرأي العام بهذا التقرير ليأمل أن تتفهم الجهات المختصة أن تغييرًا كبيرًا قد حدث في العالم كله إزاء حرية التعبير، وأن محاولة قمع نشطاء الإصلاح عن بيان الحق لن يجدي نفعًا، وأن المتغيرات الدولية والمخاطر التي تحيط بالمنطقة لتدفع - لزومًا- لإحداث تغييرات وإصلاحات لابد منها، وأن الإبطاء بالتغيير، والتجافي عن مطالبات الشعوب بحقوقها الشرعية التي طالما تعرّضت للتهميش والإقصاء وانتهاك الكرامة؛ لهو نذير شؤم يدفع لمخاطر جمـّة بزغت نُذُرها، فيما يحاول المصلحون دفعها، والتقليل من تبعاتها قدر الإمكان، وإن الدكتور محمد العبدالكريم قد جهر بكلمته مجتهدًا في البلاغ مدفوعًا بحرصه ومحبته لبلاده، فإن لم يحظ بالتقدير والتكريم، فلا أقلّ من حمايته من القمع والتعزير"، أما جمعية الحقوق المدنية والسياسية فقد أدانت اعتقال الدكتور قائلة "إن الجمعية تدين اعتقال الدكتور محمد العبدالكريم، وتحمل وزارة الداخلية ضرورة الالتزام بأحكام نظام الإجراءات الجزائية وحقوق الإنسان الذي يكفل حق الزيارة، وتوكيل فريق دفاع قانوني، وعرضه على هيئة التحقيق ولإدعاء العام فوراً، وضمان كافة حقوقه النظامية، إن على السلطة في السعودية وقف هذه التجاوزات التي لا تزال تصفع وجه البلاد، ومواطنيه وتخدش الكرامة الوطنية التي يجب ألا تكون موضعاً للتطاول من أي مؤسسة أو جهاز حكومي، أو فرد مهما كان موضعه".
 وبدورها جمعية حقوق الإنسان أولاً أدانت اعتقال الدكتور محمد العبدالكريم كما ورد في بيانها "وجمعية حقوق الإنسان أولا بالسعودية إذ تدين اعتقال الدكتور محمد دون إذن قضائي لتطالب السلطات الأمنية بسرعة مثوله أمام قاض أو أن يتم إطلاق سراحه فورا صيانة لسيادة القانون في المملكة"، أما اللجنة الأهلية السعودية لحقوق الإنسان فقد أدانت بدورها الاعتقال وطالبت بإطلاق سراح الدكتور فوراً، كما جاء في بيانها "أننا في الوقت الذي ندين فيه اعتقال الدكتور محمد العبد الكريم، نطالب فورا بإطلاق سراحه، أو تحديد التهمة الموجهة إليه، وتطبيق مواد نظام الإجراءات الجزائية عليه والذي يكفل له كحد ادني حق الزيارة من ذويه وتوكيل محام للدفاع عنه وتحديد موعد لإحالته إلى محاكمة علنية عادلة" مؤكدة بأن هذه الممارسات لا تخدم مصلحة الوطن وتقدمه وتعزيز مكانته الدولية "إننا نؤكد أن مثل هذه الاعتقالات والممارسات المتعارضة مع مبادئ حقوق الإنسان لا تخدم مصلحة الوطن وتقدمه وتعزيز مكانته الدولية، بل وتتعارض مع كل المناهج والخطط الإصلاحية التي ينشدها جميع المخلصين لهذا الوطن".
 أما منظمة الكرامة لحقوق الإنسان فذكرت بأن الاعتقال يدخل في سياسة السلطات السعودية لقمع كل رأي سياسي مخالف لها، قائلة في بيانها "لا شك أنّ اعتقال الدكتور عبد الكريم يدخل في سياسة السلطات السعودية لقمع كل رأي سياسي يتعرّض لطبيعة السلطة وتنظيمها وآلياتها، في بلد كل تظاهرة سلمية تهدف إلى تقديم تحليل سياسي تزعج السلطة، والدافع وراء اعتقال الدكتور محمد عبدالكريم يتعلّق بممارسته لحقه في التعبير بحرية وبشكل سلمي عن آرائه السياسية وبصفته مدافعا عن حقوق الإنسان يقوم بإدانة التجاوزات وانتهاكات حقوق الإنسان في بلده" كما تقدمت بنداء عاجل لبعض الهيئات الأممية "وتقدّمت منظمة الكرامة اليوم 10 ديسمبر 2010، الموافق لليوم العالمي لحقوق الإنسان، بشكوى على شكل نداء عاجل للمقررة الخاصة للأمم المتحدة عن أوضاع المدافعين عن حقوق الإنسان، بشأن التوقيف والاعتقال التعسفي للسيد محمد العبدالكريم في المملكة العربية السعودية، كما قُدّمت الشكوى أيضا إلى فريق العمل الخاص بالاعتقال التعسفي والمقرر الخاص بحرية الرأي والتعبير، وطالبت منظمة الكرامة الهيئات الأممية بالتدخل العاجل لدى السلطات السعودية من أجل إطلاق سراح الدكتور محمد العبدالكريم، أو تقديمه برفقة محاميه أمام هيئة قضائية ذات صلاحية لإبلاغه قانونيا عن سبب توقيفه واعتقاله والتهم الموجهة إليه".
 
المنظمة الدولية مراسلون بلا حدود كان لها هي الأخرى بياناً في هذا الصدد، فقد استنكرت اعتقال الدكتور محمد العبدالكريم في بيانها إذ قالت "تستنكر مراسلون بلا حدود توقيف محمد عبدالله آل عبد الكريم، أستاذ القانون البالغ من العمر 40 سنة"، وذكر البيان بأن "الرقابة على الإنترنت معمّمة في البلاد. وتتحمّل السلطات مسؤولية حجب نحو 400000 موقع أبرزها تلك التي تعالج قضايا الدين وحقوق الإنسان"، مضيفاً بأن السعودية "تحتل المرتبة 157 من 178 دولة في التصنيف العالمي لحرية الصحافة لعام 2010 الذي نشرته مراسلون بلا حدود وتنتمي إلى (أعداء الإنترنت)"، إلا أنها لم تكن المنظمة الدولية الوحيدة التي استنكرت اعتقال الدكتور محمد العبدالكريم فقد تلتها منظمة "هيومن رايتس ووتش" التي قالت بأن اعتقال الدكتور محمد العبدالكريم يأتي مناقضاً لتوجهات الملك الإصلاحية التي يروج لها منذ توليه العرش في عام 2005.
 حكاية الرأي والقيد، حكاية لطالما امتزجت فصولها بمرارة التضحية، شجون تمزّق شغاف المهج، ترتلها أفواه ملؤها الإخلاص والوفاء، وعبق يفوح على وقع المأساة، ليملأ المكان والزمان، هكذا كانت أقلام المخلصين تتحدث، مقالات بدأها أولاً الأستاذ مهنا الحبيل بحكمة بالغة فقال " لا يوجد وطني يتمنى تصاعد الاحتقان السياسي وكان بالإمكان أن يحال الملف لتفسير تعبير القلم الغيور د محمد العبد الكريم إلى جهات إعلامية، كنا نأمل أننا ننتظر الإطلاق في جدة وإذا بالاعتقال يعود مجددا من الرياض، وكنا نتمنى أن تخلق أجواء حوار تعبر هذا الاختناق ولو بثقافة المصالح المشتركة بين المجتمع المدني وبين الدولة، وما كنتُ ارجوه أن يفسح الطريق لوصول الصوت أمام المسئول لتخرج البلد من الأزمة، ويخرج المعتقلون إلى أسرهم".
 وأطلقها الدكتور سليمان الضحيان في ملحمة تجسد إقدام الرجل إذ قال " إذا كتب محمد فكأن قلمه رأس حربة في معركة مصيرية، يكتب بأسلوب حارق، يسكب روحه وحرقته في كتابته، تشعر وأنت تقرأ له أن ما كتبه عصارة من قلب ودم، يقفز على كل الحواجز، وقد أطلق رصاصة الرحمة على الرقيب المنزوي في عقله، تتحول الخطوط لديه كلها إلى خضراء، ليس في قائمته أية إشارة مرور حمراء يتوقف لديها، فهو أشبه بالبلدوزر الذي يجرف كل شيء أمامه".
 ثم يسكبها طالبه يزيد الحقباني في قالب من الحنين والألم " لا أدري ما الذي إعتلجني الآن وجعلني أجهش عليك باكياً يا أبا عبدالله وقد مر على وأد عبيرك خمسة أيام !، لا أدري كيف مرت علي تلك الأيام الخمسة وأنا أحاول أن أستوعب بأن ذلك الصوت الأجش، تلك الروح الكبيرة، ذلك الوجه المضيء، تلك الابتسامة الساخرة، ذلك الضمير اللاهب، تلك الأنامل الغاضبة، ذلك العزم الفتيٌ، تلك المشاعر المتوقدة، تلك الحروف التي لا تسكن ذلك العالم كله من الحرية والإشفاق والمنطق والجنون، ذلك الإنسان الذي كنت أشعر به يسكنني في كل لحظة يبوح فيها بما يسكبه عليه ضميره من ترجمان القهر والفاقة التي تغلي بها مسامات الجوعى والمستضعفين من الطبقة الكادحة، من دون أن يقووا على النطق بها، وكنت أنت تصرخ بها بطبقة صوتية عالية حطمت كل المقامات ومزقت آذان الموسيقيين، في وقتٍ سكنت فيه شهوة الغِناء وأنشغل فيه الجميع بمقاومة آلام الجوع وتضميد جراحات الغبن والقهر!".
 وشهادة يقولها صديقه وائل الحارثي ويُشهد الله عليها " الدكتور محمد الذي تشرفت بصداقته ومحبته أعواما عديدة، واستمتعت بصحبته في السفر، وخبرته بما يبين معادن الرجال، فوجدت معدنه أصيلاً رفيعاً نقياً صادقاً وافياً، ناصحاً واضحاً شفّافاً لا يداهن ولا ينافق، يجري ما في قلبه على لسانه، مهموماً حقاً وصدقاً بحال أمته، ويعلم الله أني أشهد له بغيرته على أمته ووطنه، وتبنيه ودعوته لمشروع الإصلاح السياسي، الذي آمن بمركزيته وأولويته وفق المنهج السِّلْمي والنصح الصادق والمباشر للأمة والحاكم، مع نبذه ورفضه القاطع لمنهجية التغيير بالعنف والغلو في التكفير والتشدد الديني"
 ومبدأ يؤكده الكاتب عبدالرحمن الشهري " ومن هنا قام الدكتور محمد العبدالكريم بواجبه نحو وطنه ومجتمعه بقوله: " نقولها بكل صدق، وخوفا على بلادنا الغالية" فتم اعتقالهُ نتيجة لصدقهِ وخوفهِ على بلاده الغالية!، وسواءٌ اختلفنا معه أم اتفقنا، فالدكتور العبدالكريم لم ينادِ بالعصيان، أو التمرد، أو العُنف، لا سمح الله، بل قام بدوره الطبيعي كمثقف وأكاديمي، واعٍ ومؤتمن على رأيه، كُل ما قام به هو التعبير عن رأيه ونصيحته لبلده الغالي، قدمها بكل شفافيةٍ ووضوح، لم يحابِ أي شخص، ولم يكتبها مستخفٍ خلف اسمٍ مستعار، فهو مثقف شريف في زمنٍ قلَّ فيه الشرفاء!"
 وصدق يراهن عليه الدكتور مسفر القحطاني " اليوم نفتقد كتاباته ومساهماته ومشاركاته واهم من ذلك نفتقد حريته بل نفتقد وقفته الوطنية وغيرته علي مكتسبات بلده وطمأنينة مجتمعه من تقلبات الزمان وتحولات الظروف، فكم دافع ونافح عن الاعتدال ورد علي أفكار التطرف و الانحراف، كل ذلك لن يذهب عند الله و أهل الحق العارفين بالصادق الأمين من الدعي الدخيل الكاذب".
 
من يستحق الآخر.؟، وإن شئت فقل: من يسحق الآخر؟، ومن الاستحقاق إلى السَحق، ضريبة يدفعها الأحرار تسحق أرواحهم وتنكأ جراحهم عندما يكون الاستحقاق غالياً لمن لا يستحقون!، يقولها الأستاذ عبدالعزيز الشاطري " لكن من عاتبني لا يعرفك معرفتي بك، لا يعرف نبلك، وسمو روحك، ووضوح طرحك، وأجزم أني أعرف عنك سراً سأبديه ظهر لي من معاشرتي لك وهو أن ما تخفيه عن الناس أفضل وأنقى مما تُظهر، لست ألومك، ولا ألوم صراحتك الجارحة، ولا ألوم وطنيتك المفرطة، وإنما ألوم المجتمع الذي يعد النفاق ذكاءً، والصدق غباءً، يمدح الجبناء، ويزري بالشجعان، إنه مجتمع لا يستحق أمثالك."
 ويقاسمه فيها الدكتور وليد التميمي قائلاً " عن أي شعب تتحدث يا سيدي، وهو يرمي بالأحرار والشرفاء على الأرض ويدعهم لوحدهم يتصدون للضربات والويلات وهم متهاونون متلذذين في المذلة والمهانة، هناك صف طويل في البلد يتصدى للضربات تلو الضربات ويضحي من أجل هذا البلد (العزيز على القلب)، من أجل حقوقه، مصالحه، مستقبله، أمنه، ثم هو في المقابل لا يسمع من الشعب إلا: قلوبنا معكم وسيوفنا عليكم".
 تلك المقالات التي نُشرت لم تكن سوى فوهة البركان التي قذفت الحمم عالياً، بينما كان جوفها يشتط سخطاً وتعتمل فيه حملات التضامن الغاضبة، عبدالله محمد العبدالكريم، الابن البكر للدكتور محمد، أنشئ منتدى للحوار (http://mb-2011.mam9.com/forum ) اسماه " منتدى الدكتور محمد العبدالكريم"، وطالب الكتاب والمتضامنين بأن يسجلوا في المنتدى ويضعوا مقالاتهم وانطباعاتهم حول اعتقال والده، أما أحمد باقضوض، فنشر فلماً قصيراً على موقع "يوتيوب" وهو يضع على فمه شريطاً لاصقاً يعبر فيه عن ظاهرة تكميم الأفواه بمناسبة اليوم العالمي لحقوق الإنسان وتضامناً مع الدكتور، كما أنشأت صفحتين على "فيس بوك" الأولى بعنوان "الحرية للدكتور العبدالكريم" وتتضمن 970 عضواً، وبدأت بنقل مقالة الدكتور المثيرة للجدل، ثم أخبار اعتقاله والبيانات التي صدر عن جهات حقوقية، وعبر فيها الكثير من الأعضاء عن تضامنهم مع الدكتور محمد العبدالكريم، يقول حمد العتيبي "من بوادر عصر الحرية المرتقب تضحية الأحرار بحريتهم من اجلها، ليبقوا أحرارا في سجونهم، ويمنحونا ابلغ دروس الحرية"، وعبير الشمري " يبدو أننا سنصبح بعد سنوات بلد المليون سجين"، وصلاح الدين "تحياتي لمحمد العبدالكريم الإنسان، ورسالتي لمن أعتقله ردوا الحجة بالحجة فالقوة ليست تصرف العقلاء، وتكميم الأفواه لن يُخرس الألسنة ولكن سيؤلم القلوب ويملؤها بالأحقاد، واعتقال عقلاء البلد ومفكريه لن يُصلح الأوضاع بل سيفاق المشاكل"، وعبدالعزيز العبدلي يعلق قائلاً "نحن ضد الاعتقال بدون أمر من محكمة".
 أما الصفحة الثانية فكانت بعنوان "كلنا محمد العبدالكريم" وتتضمن 563 عضواً، وقد نشرت مقال الدكتور أيضاً ونشرت معه الكثير من الأخبار والبيانات والمقالات، وحملت بدورها عبارات تضامنية كثيرة، تقول أحدى المتضامنات مع الدكتور "كلمة الحق تعتقل وسط ضوضاء الباطل والنفاق، لتعلو نوراً يدحض ملايين الكلمات الخافتة"، أما ناصر الحجازي فيقول "يجب على حكومتنا الرشيدة أن تعلم أننا نعيش في عام 2010 وأن عصر الحريات والديمقراطيات لم يعد مطلباً لكل الشعوب فقط وإنما أصبح مثل الماء والهواء لا تستغني عنه الشعوب"، وخالد العمري "ما قاله الدكتور يتداوله البسطاء في مجالسهم، طرح أسئلة مشروعة وهموماً مؤرقة، لم يتملق ويطبل، بل صارح وواجه، ليس لغاية شخصية، وإنما لمصلحة ومصير شعب"، وحنان مسلم تشير بأنها لم تكن تعرف الدكتور "لم أعرف الدكتور قبل مقاله الأخير، آمل أن لا يمكث طويلا، آلمني الخبر، وأيقظني على حقيقة كنت أرفض النظر باتجاهها، كيف تعتقل الكلمة بعدما خرجت"، وتقول هند عبدالرحمن في نفس الصفحة "ما أبسط ما ذكره الدكتور محمد العبدالكريم في مقاله؛ فيما لو كان طرح المقال في الكويت أو مصر مثلاً، بالرغم من أن كلتيهما لم تحقق ديمقراطية حقيقية بعد!، فماذا لو كان طرح مقال كهذا في بلد ديمقراطي حقيقي؛ تـُـرى أي وسام سيناله هذا الرجل؟".
 أما الصفحة التضامنية التي أنشأت على موقع التواصل الاجتماعي "تويتر" فقد شهدت بدورها عبارات تضامنية كثيرة كان من بينها ما قاله إبراهيم فلقي "من يفكر في مصلحة الشعب والوطن لا يمكن بأي حال أن يقرأ مقال العبد الكريم على انه ضد الشعب"، والبراء العوهلي "بينما كنا ننتظر اعتقال المتورطين في كارثة جدة وسرّاق المال العام والثروات، إذ بنا نفاجأ باعتقال هذا الصوت الوطني الصادق"، وهاشم الرفاعي " الوطن الذي يسجن المخلصين من مواطنيه ، كالأم التي تنبذ أولادها البارين بها، آه يا وطن"، وخالد العرفج " شكرا لكل مخلص يدفع الثمن غالياً في سبيل حرية الرأي والكلمة، وشكرا لكل مخلص يخاف على مستقبل بلد أحبه"، وعصام الزامل " من يخاف على مستقبل الوطن يسجن خلال أيام، ومن يسرق الوطن ويدمر مستقبله لا يسجن أبدا".
 
إلا أن هذه الصفحة بالذات شهدت سجالاً ساخناً بين المحامي وليد أبو الخير وعضو مجلس الشورى الدكتور عبدالرحمن العناد، عندما علق الأخير قائلاً "العبدالكريم منذ أن حلق لحيته ولبس العقال صار ما يركز، هذا اللي اعرفه"، دار السجال حول شرعية الاعتقال، وطلب المحامي من عضو مجلس الشورى أن يعتذر فرفض، الأمر الذي احتدم من أجله السجال، ولم يتوقف إلا عندما قال الدكتور عبدالرحمن العناد للمحامي وليد أبو الخير "كل تبن"، توقف هناك، ولكنه انعكس على شكل موجة من التعليقات والمقالات التي تسخر مما قاله الدكتور عبدالرحمن العناد، لتبدأ حملة أخرى موازية لحملة التضامن مع الدكتور محمد العبدالكريم، حملة طرحت تساؤلات كبيرة حول مجلس الشورى، حقيقته، أداءه، نظامه،  وكفاءة أعضاءه الذين جاؤوا بالتعيين لا بالاقتراع.
مثال رابع يضم المؤسسة التشريعية إلى المؤسسات الإعلامية والأكاديمية والحقوقية، مؤسسات حكومية في غاية الأهمية تفتقد لأبسط مفاهيمها العملية، يقول هادي عثمان في مقاله (عزيزي المواطن السعودي: كل تبن) " إلا أن عائقا وحيدا يقف في سبيل ثقافة التبن من أن تتحول إلى ثقافة عالمية، ومحور اهتمام من قبل القادة العالميين، وهو أنهم لم يأتوا إلى مناصبهم عبر بارشوتات كما يفعل العناد وغيره ممن يمثلون من لم يخترهم!، فالناس هنا جدير بها أن تأكل التبن، لأنه لا يوجد تاريخ مثل الثالث من نوفمبر موعد انتخابات مجلس الشيوخ في الولايات المتحدة كل أربع سنوات تعاد فيه أكياس التبن لمستحقيها الأصليين"، مرة أخرى هي المشاركة الشعبية ولا شيء غيرها، هكذا كان يشعر الناس في كل مرة يشاهدون فيها عمق المأساة التي تجسدها مؤسساتنا الحكومية.
 يوم أن خط الدكتور محمد العبدالكريم مقاله، يومها كانت تقرع ذهنه بعض الأسئلة، جاءت إجاباتها بشكل حاسم كالشمس في رابعة النهار، أحداث دراماتيكية تعيد الذاكرة لمقالة الدكتور، وتتناسل على وقعها علامات الاستفهام في كل الأرجاء، أسئلة مبادئية تنقلها الأحداث إلى الواجهة، إذا كان إعلامنا لا يعبر عنا، ولا يملك من الجرأة ما يقول به الحقيقة، ثم يتسلط علينا، فيضللنا ويجهلنا ويراقبنا، وهو يقتات على أموالنا، فأين تكمن المعضلة؟، وإذا كانت منظماتنا الحقوقية لا تدافع عن حقوقنا، ولا تتحدث عن مظالمنا، ثم تلمع صورة من ينتهكون حقوقنا، وهي تقتات على أموالنا، فأين تكمن المعضلة؟، وإذا كانت مؤسساتنا الأكاديمية لا تعلمنا ولا تثقفنا، ثم تحقق مع من يريد أن يثقفنا، وهي تقتات على أموالنا، فأين تكمن المعضلة؟، وإذا كانت مؤسساتنا التشريعية لا تمثلنا، ولا تناقش همومنا، ولا تدافع عنا، وهي تقتات على أموالنا، فأين تكمن المعضلة؟، أسئلة تفتح الباب على مصراعيه للتكهنات، ويجيب عليها الدكتور محمد العبدالكريم في رأس المقال وعموده وذروة سنامه، في جوهره، وعمقه الغائر ومقصده الحقيقي الذي يتجلى في قوله أن المشاركة السياسية هي ضمان الاستقرار الذي ينشده الشعب والدولة على حد سواء، هكذا يرى الدكتور بأن مشاركة الشعب ستعيد الاعتبار للشعب وللدولة ومؤسساتها.
 كان الدكتور محمد العبدالكريم وهو يشدد على المشاركة الشعبية ـ بوصفها الحل ـ يناقش حالة خاطئة، كما تجلى في تساؤلاته، ولكنه لم يكن يعارض وجود العائلة المالكة، بل كان يرى بأن وجودها ضمان لوحدة الوطن، كان يخشى أن يحدث ما لا يحمد عقباه فتذهب العائلة، ويذهب معها الشعب والوطن، يقول الدكتور عبدالله الغذامي "المعارض العاقل الذي يعي حق الوطن وحق الأمة وحق الأمان والسلم الاجتماعي حينئذٍ يكون كلامه لبناء هذه القيم وليس لتهديمها، الذي يخيفني هو المعارض المتهور، المعارض المجنون الذي يقول علي وعلى أعدائي، هذا هو الذي يدمر كل شيء، لكن الذي يضع حقوق الأمة وحقوق التاريخ وحقوق المستقبل وذمته أمام الله، وضميره أمام نفسه وأمام المجتمع ثم يتكلم بعد ذلك فهو يتكلم بحصانة رمزية قوية تحميه وتجعل الذي يسمعه يصدّقه ويكبره".
 فهل كان الدكتور محمد العبدالكريم يستحق الاعتقال من أجل مقال يُكتب ويطويه النسيان؟، وهل كان المقال يقتضي ردة فعل كهذه؟، هل يصح أن يُحقن الشارع المحتقن أصلاً من أجل مقال؟، وهل يليق أن توصد منافذ التنفيس من أجل مقال؟، وهل يجدر أن تُحبط آمال الإصلاح وتُذبح حرية التعبير في مهدها من أجل مقال؟، هل يسوغ أن تُلطخ صورة الدولة والمواطن ونصبر على كل هذه البيانات التي تندد بنا في الداخل والخارج من أجل مقال؟، هل نتحمل التقارير الحقوقية التي تقيمنا كل عام وتُعد مرجعاً للباحثين على مستوى العالم من أجل مقال؟، وهل سيعيد الاعتقال تساؤلات الرجل إلى رأسه بعد أن سارت بها الركبان؟، يقول فؤاد الفرحان "إذا أردت أن تنشر فكرة، فأقمع صاحبها"، ويقول عبدالرحمن الشهري " إننا باعتقال المثقفين نُرَوجُ لأفكارهم ورؤاهم ولا يمكن أن نحبسها بحبسهم, فبمجرد أن أُعتقل الدكتور العبدالكريم تناقلت وكالات الأنباء الخبر وذاع صيته وتبادل الشباب مقالتَه فانتشرت كانتشار النار في الهشيم، بعد أن كانت متداولة في وسطٍ نخبوي ضيقٍ جدا"، ويقول ممدوح محمد " كما أني لم اسمع بالفرحان في حياتي إلا بعد اعتقاله، فالكثير لن يعرفوا العبدالكريم إلا الآن"، وهذه هي الحقيقة شئنا أم أبينا، فقد قفز معدل الزيارات في مجلة رؤية بعد الاعتقال إلى أكثر من عشرة أضعاف في اليوم الواحد، وفي خدمة "جوجل تريند" قفزت كلمة البحث "محمد العبدالكريم" بعد اعتقاله لتحقق نسباً عالية جداً تضاعفت آلاف المرات عما كانت عليه في السابق، ثم إن هؤلاء الذين تعاطفوا معه لم يكونوا بالضرورة يوافقوه على مقاله، بل كان التعاطف ينبع من كونه يُعتقل ـ ليس لأنه مجرم وإنما ـ لأنه يعبر عن رأيه.
 
جراحات آل محمد ما انفكت تملأ الآفاق شوقاً وحنيناً وحزناً وألماً تتقطع لها نياط القلوب، وتدمى منها مآقي المقل، وتنتظر يوماً قريباً بحول الله يعود فيه الرجل إليهم، وتنبلج البسمة في ملامحهم الشاحبة، يقول شقيقه خالد العبدالكريم "محمد..أنا لا يبعد الزمان عنى إذ يبعد اللقاء فيطير قلبي إلى قلبك، قلي بربك: أي شغف من قطعة انتظار نلوكها بعيداَ عنك، أمك يتصحر البؤس بصدرها ثقة بالله أن تراك ذات لحظة!، وأبوك يخيط الكف بالكف داعيا من الله بلحظة عناق، وطفلك راكان ذاك القريب إلى قلبك تغشو سحنته آيات اللقاء، وحبيبك بدر المسالم يناديك في يقظته وأحلامه، وعبودي البكر يعكف ظهره المكسور حباً بك، وزوجتك المكلومة تنادي بدموعها بحى على الرثاء، يا أيها الذي يمسك ببقايا أمل هؤلاء، قلي بربك متى تتعانق الأرواح بعد طول الانتظار، أما آن الأوان لتعود البسمة تطل على بقايا هذا العمر، وإنّا جميعاَ حين رؤياك لمنتظرون، كن بألف خير، وإلى لقاء قريب يجمعنا بك"
 وهكذا كان الدكتور محمد العبدالكريم، مثقل بهموم الإصلاح أينما حل وارتحل، كانت روحه تشتعل غيرة على أمته، وتضطرم في جوفه نيران الجحيم، أتون ما تخبت يوماً إلا ليتقد أوارها، وهو يدرك بأن حدثاً جللاً لا محالة واقع، حتى حانت لحظة الحقيقة، فيتجلى حينها ما كان يعتمل في فؤاده، يشق صفوف الخوف وقوائم الحسابات المرعبة، ويسمو على حظوظ النفس وأهوائها، فيستل عزمه إلى الإقدام، ويمتشق قلمه الحر، ويكتب "بصدق ووضوح وخوفاً على بلادنا الغالية"، فبأي جريرة أخذوه؟
 
 

copy_r