في 23 تشرين الأول/أكتوبر صوت شعب البحرين في الانتخابات البرلمانية
والبلدية. وبعد خمسة أيام من ذلك التاريخ ستبدأ محاكمة أكثر من عشرين من نشطاء
الشيعة السياسيين المعتقلين منذ آب/أغسطس والمتهمين بالإرهاب والتآمر ضد
الحكومة. وستراقب واشنطن وعواصم الشرق الأوسط كلا الحدثين جيداً للتأكد عن وجود
أي دليل للتأثير أو التدخل إيراني لا سيما وأن إيران كانت ذات مرة قد ادعت أرض
الجزيرة لنفسها.
المنظور الطائفي
غالباً ما توصف البحرين بأنها دولة ذات غالبية شيعية تحكمها عائلة آل خليفة
الملكية السنية. لكن ربما لم يعد ينطبق عليها هذا الوصف. فوفقاً لمصادر في
المعارضة، تقوم الحكومة البحرينية منذ عدة سنوات باستعمال المسار السريع لمنح
المواطنة للسنة من باكستان وشرق إفريقيا ودول عربية أخرى. ووفقاً لمصدر سني
بحريني ربما تكون الحكومة قد أضافت بهذه الطريقة 200,000 مواطناً آخر إلى عدد
نفوس البلاد. وإذا كان هذا الرقم دقيقاً، قد يكون لدى البحرين قريباً -- أو
لديها بالفعل -- أغلبية سنية بين مواطنيها الذين يقدر عددهم بنحو 500,000 شخص.
يشكل التوازن السني الشيعي قضية حساسة. فقد أُجري إحصاء سكاني هذا العام سُئلت
فيه العائلات فقط إذا كانت مسلمة أم من دين آخر، ولم تُسأل إذا كانت شيعية أم
سنية. وعلاوة على ذلك، فإن السياسة غير المعلنة للحكومة حول تعزيز الطائفة
السنية قد اعتبرت على نطاق واسع بأنها جهد للحد من خطورة قيام إيران بإحياء
مطالبتها بالجزيرة.
كما يعتبر النشطاء المعتقلون أن كلاً من مجلس النواب المنتخب ومجلس الشورى
المعين في البحرين مجرد خدعة. وفي أعقاب اعتقالهم، انتشرت احتجاجات وحوادث
تخريب طفيفة مما أسفرت عن حالتي وفاة، إحداهما لضابط شرطة. وقد عُزيت حالة وفاة
ثالثة إلى قنبلة معطوبة محلية الصنع. وعند أخذ كل شئ في الإعتبار، فقد اعتقُل
حوالي 300 شخصاً في حملة القمع التي قامت بها الحكومة. وعلى الرغم من إطلاق
سراح بعض المعتقلين -- الذين شكوا لاحقاً من الاستجوابات القاسية والمعاملة
الفظة -- لا يزال هناك آخرون محتجزين.
ويشتعل الغضب في المناطق الشيعية، رداً ليس فقط على الاعتقالات بل أيضاً على
المظالم المؤسسية طويلة الأمد ضد الشيعة والفرص الاقتصادية الفقيرة المتاحة
لهم. كما أن استياءهم قد طفح ضد الامتيازات الممنوحة للمواطنين السنة الجدد
الذين يعمل الكثيرون منهم في قوات الأمن. وفي هذا الشهر وحده نشرت السفارة
الأمريكية في المنامة أربعة إشعارات تحذر الأمريكيين الذين يعيشون في البحرين
بأن [عليهم] تجنب المظاهرات التي يمكن أن "تتحول إلى مواجهة وربما تتصاعد إلى
أعمال عنف".
وتستمر الحياة
على الرغم من الاضطرابات الأخيرة، تبذل الجزيرة أقصى الجهود لترقى إلى مستوى
شعارها المتمثل بـ "بحرين الصداقة والعمل". إن قطاع الخدمات المالية للبلاد هو
جيد التأسيس حيث تستضيف البحرين المقرات الموسعة لـ "الأسطول الأمريكي الخامس".
وبالإضافة إلى ذلك، يزدهر قطاع الفنادق في البحرين ويتميز بالترحيب بالزوار
وبالأعراف الاجتماعية المتسامحة وفقاً لمعايير المنطقة. وعلى وجه التحديد، يبدو
أن السعوديين -- الذين يمكنهم أن يقودوا سياراتهم إلى الجزيرة عبر جسر طوله ستة
عشر ميلاً -- ينظرون إلى البحرين كما ينظر الأمريكيون إلى مدينة لاس فيغاس
[السياحية في الولايات المتحدة].
إن قيادة البحرين التي تشعر دوماً بالذعر نحو إيران، تبدو متقلبة بصورة خاصة في
نهجها الحالي نحو جارتها في الشمال. ورسمياً، لا يلقي المسؤولون البحرينيون
اللوم على إيران، لكنهم ينتقدونها بشدة، بعيداً عن الإعلام والنشر، ويُرجح أن
يعكس ذلك مخاوف من أن يؤدي طموح إيران المشتبه به لامتلاك أسلحة نووية إلى
إعطاء الجمهورية الإسلامية شعوراً بمنح الشرعية لهيمنتها الإقليمية. وفي الوقت
نفسه، عندما أكدت سفيرة البحرين في واشنطن (وهي بالمناسبة عضو في الجالية
اليهودية الضئيلة في الدولة) مؤخراً على خطورة امتلاك إيران لاسلحة نووية --
باستخدامها لغة مشابهة لتلك التي استعملها سفير الإمارات العربية المتحدة في
الولايات المتحدة في الصيف الماضي -- شعرت وزارة الخارجية البحرينية بأنها
مضطرة لإصدار بيان مُرضي، كما فعلت حكومة "الإمارات" قبل ذلك. وقد تفاقمت ردود
الفعل السلبية على تعليقات سفيرة البحرين -- تلك الملاحظات التي وصفتها الوزارة
لاحقاً بأنها "لم تُنقل بدقة أو .... أُسيء تفسيرها أو أُسيء فهمها" -- بعد أن
ذكرت حادثة من شهر شباط/فبراير 2009، قام فيها سياسي إيراني بالإشارة إلى
البحرين كمحافظة إيران الرابعة عشر.
وفي حين ارتفعت درجة الحرارة السياسية في الشهور القليلة الماضية، ظلت إيران
صامتة، باستثناء سفيرها في المنامة الذي انضم إلى الجوقة بإلقائه اللوم على قوى
خارجية [عن مسؤوليتها بإثارة] الاضطرابات. (وحتى أنه اشار، بصورة خبيثة، بأن
الدول الغربية وليست إيران هي المثيرة للاضطرابات).
نتيجة انتخابية يمكن التنبؤ بها
في انتخابات عام 2006، ظهرت "جمعية الوفاق الوطني" الشيعية كأكبر تجمع منفرد في
مجلس النواب البحريني، حيث حصلت على سبعة عشر مقعداً من المقاعد الأربعين
المتاحة. ومع ذلك، حصلت الجماعات السنية الأصغر على غالبية المقاعد. كما أن
السنة هم مفضلون أيضاً بسبب الحدود الفاصلة الانتخابية للدوائر الانتخابية في
البحرين. ويوجد ما يقارب من 20,000 ناخباً في المناطق الشيعية مقارنة ببضعة
آلاف في المناطق السنية. إن حالة عدم اليقين الوحيدة هي ما إذا كانت الأصوات
التي أدليت من قبل المواطنين السنة المتجنسين حديثاً ستخلق تناسباً أكبر في
النتائج أم لا.
إن تصوير نتيجة الانتخابات يمكن أن يكون حاسماً لمستقبل الوفاق السياسي في
البحرين. ويرجع ذلك جزئياً إلى أن واقع المجتمع المدني في البحرين هو أكثر
تعقيداً من الصورة التي تشير بأنه مجرد توزيع شيعي سني. فالشيعة في الريف
والحضر لهم مواقف مختلفة التي غالباً ما تعكس وجود تفاوت في فرص العمل. كما
تختلف أيضاً درجة الألفة نحو إيران والتقارب إليها -- وفي الحقيقة، فإن حتى
نشطاء الشيعة السياسيون الناقدون لحكم آل خليفة، غالباً ما يؤكدون رغبتهم في
الحرية السياسية ورفض أية مطالب إيرانية بالسيادة.
وفي داخل بيت آل خليفة، يقال إن الخلافات قائمة بين الملك الإصلاحي نسبياً حمد
بن عيسى آل خليفة -- الذي يدعمه نجله وولي العهد الأمير سلمان بن حمد آل خليفة
-- وخال الملك ورئيس الوزراء الشيخ خليفة بن سلمان آل خليفة، الذي يشغل منصبه
مدة طويلة ويعتبر أكثر محافظة من الملك. لكن يقال أن الثلاثة متحدون حول
التحديات الراهنة المرتبطة بالاضطرابات الأخيرة وتلك المحتملة.
الدور الأمريكي
نظراً للروابط الأمريكية الطويلة مع البحرين، لدى واشنطن مصلحة في نزع فتيل
التوتر ولعب دور محتمل على حد سواء. فقد كان بعض المتحدثين باسم الشيعة قد
انتقدوا المسؤولين الأمريكيين، وخاصة في لومهم للسفير آدم إيريلي لما يقال أنه
أعطى الضوء الأخضر لاعتقال النشطاء الذين تحدثوا بصراحة خلال زياراتهم إلى
واشنطن ولندن، وهو الانتقاد الذي استمر على الرغم من نفي السفارة. ويبدو أن
المسؤولين الأمريكيين قد تبنوا موقف الحياد. ففي 13 تشرين الأول/أكتوبر أخبرت
نائبة مساعد وزيرة الخارجية الأميركية لشؤون الشرق الأدنى جانيت ساندرسون
المراسلين أنها قد ناقشت وضع حقوق الإنسان مع القادة البحرينيين لكن واشنطن لم
تضغط على البحرين حول هذه القضية. وأضافت: "بصراحة، نحن لسنا هنا لفرض آرائنا
على الآخرين لكن لتشجيع دول المنطقة على الوفاء بأولوياتها في هذا المجال. إن
الحوار الذي قمنا به في مجال حقوق الإنسان يمكن أن يكون صعباً، لكنه مفتوحاً
ومستمراً وجزءاً من علاقتنا".
وفي سياق تهم الضرب والاعتقالات والإرهاب التي تعرض إليها النشطاء السياسيين
فإن الطرد الأخير لجماعات المجتمع المدني مثل "المعهد الديمقراطي الوطني" الذي
مقره في واشنطن وغياب التدخل الإيراني الواضح، يوحي بأن الكلمات الحذرة مثل تلك
التي نطقت بها ساندرسون هي أقوال مترددة جداً. وفي حين يتعين في الواقع على
المسؤولين الأمريكيين حماية "الأسطول الخامس" ومنشآت قاعدة "القيادة المركزية"
المرتبطة به، التي توجد بصورة رئيسية في منطقة شيعية من الناحية التاريخية، يجب
عليهم أيضاً تجنب الظهور بمظهر تأييد التكتيكات شديدة الوطأة التي قامت بها
قوات الأمن البحرينية. وقد رفضت حكومة البحرين وجود أي دور لمراقبين دوليين في
الانتخابات. ومع ذلك، يجب على واشنطن الضغط على المنامة لضمان أن تكون المحاكمة
القادمة مفتوحة وأن يعطى حق الوصول الكامل إلى وسائل الإعلام الأجنبية
والمنظمات غير الحكومية.
سايمون هندرسون هو زميل بيكر، ومدير برنامج الخليج وسياسة الطاقة في معهد
واشنطن.
الخميس 18 تشرين الثاني/نوفمبر, 2010