gulfissueslogo
د.أحمد عبدالملك
الانتهاكات الحقوقية وترويج الكراهية
د.أحمد عبدالملك

9-11-2010

المجلة العربية

تُجمع الأديان السماوية على أهمية التسامح كوسيلة للتعايش السلمي والاتصال الناجح بين البشر، ولقد أبرز الإسلام الحاجة إلى التسامح ليس بين أفراد المجتمع الإسلامي فحسب، ونذكر أنه إبان فتح مكة عندما هُزم المشركون وظنوا أن النبي صلى الله عليه وسلم سوف يعاقبهم على ما اقترفوه بحقه وحق أتباعه، لكنه فاجأهم بأن قال لهم: «اذهبوا فأنتم الطلقاء». وقد امتدت ثقافة التسامح في عهد الخلفاء الراشدين لتصل إلى الأمم التي دخلها الإسلام.
 
ولقد أجمعت الدساتير والقوانين الدولية على سواسية البشر، وضرورة أن يُعامِل الإنسان أخاه بالحسنى دون التعصّب للطائفة أو الجنسية أو الأصل أو المكانة الاجتماعية «أستعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحراراً»، وأن «الكلمة الطيبة صدقة».
وعرفت البشرية انتهاكات صريحة للتسامح تمثلت في أنظمة العبودية والسخرة التي مارسها الأباطرة؛ وعهود الاستعمار في الدول التي احتلتها الدول الاستعمارية. وصار أن انشطرت المجتمعات إلى طبقات اجتماعية كالنبلاء والتجار والخدم في أوروبا، والأمريكيين الوافدين والهنود الحمر، والطبقات الدينية، كالبراهمة والمنبوذين في الهند.
 
 
وفي العصر الحديث دخلت الأيدولوجية السياسية والطائفية المذهبية في تعاملات المجتمعات وروجت لثقافة الكراهية ورفض الآخر. ولاحظنا أن أفراد المجتمع الواحد لا يتسامحون مع إخوانهم الذين يختلفون معهم في المذهب أو الاتجاه الفكري. وتأسست طبقاً لذلك أحزاب تتطاحن وجمعيات يناصب أحدها العداء للآخر. وأثّر ذلك على صيرورة الحكم واتجاهاته في بعض النظم العربية والإسلامية. وتراجعت روح الوطنية والمواطنية وتقدمت روح الانتماء الأعمى للطائفة أو الاتجاه الفكري. وصار أن تخلفت بلاد عربية عديدة بسبب فقدان ثقافة التسامح ليس مع الآخر فحسب، بل مع أبناء المجتمع الواحد!. وظهرت الانقلابات والآراء المتطرفة التي أوجدت جماعات تتخذ من الكراهية وسيلة لترويج مبادئها أو أفكارها العداونية. ثم تحولت إلى نواد للموت أو التطرف العنيف. كما برزت ثقافة الكراهية بين الشعوب المختلفة أيديولوجياً وعرقياً، على الرغم من أن الأديان السماوية لم تفرق بين الناس، ودعت كلها إلى المحبة والتسامح والسلام. وقامت حروب طاحنة بين البلدان المختلفة عقائدياً وسياسياً وأدت إلى تدمير البلدان في بعض مناطق العالم. كما حصل في اليابان عندما ضربتها أمريكا بالقنبلة الذرية في نهاية الحرب العالمية الثانية (1945م). وكمثال آخر للكراهية بين الأديان قيام الكيان الصهيوني في فلسطين العرب عام (1948م) والبطش اللامحدود الذي تمارسه قوات العدو الصهيوني ضد الفلسطينيين منذ ذلك التاريخ وحتى اليوم. ولقد انشطر المجتمع الإنساني إلى قسمين (رأسمالي وشيوعي) وحاولت الدول التي لم تود أن تدخل في أي من المعسكرين الوقوف على الحياد وأسست حركة عدم الانحياز ليكون لها رأي في الاتجاهات الدولية أو لتكون على الحياد فيما يشجر بين المعسكرين من حروب أو اختلافات. ثم تطور الأمر ليكون العالم الفقير هو العالم الثالث ودارت بين هذا العالم والعالم المتطور (أوروبا وأمريكا) معارك ثقافية واقتصادية ودبلوماسية طاحنة، وصارت الهيمنة لمن يمتلك التكنولوجيا والقوة العسكرية والإعلام وهو العالم الأول أو المتطور. واتسعت مساحة الاختلاف وعدم التسامح بين المعسكرين لتصل إلى الثقافة، وحوارات اليونسكو بين الشمال والجنوب في السبعينات خير دليل على تلك الثقافة.
 
 
إن التسامح وسيلة للوصول إلى عالم جديد، عالم خال من الحروب والمنغصات وانتهاكات حقوق الإنسان أينما كان. والتسامح أسلوب تعامل بين الدول والأفراد من أجل تبادل المصالح واستغلال الموارد الطبيعية وتسخيرها لخدمة الإنسان دون اقتصارها على جماعة أو دول محددة. وفي مناخ التسامح تزدهر العلوم والآداب والفنون، ويشعر الجميع بالانتماء للجماعة الإنسانية ويتعاونون لدرء الأخطار عن كوكب الأرض.
 
 
نحن نعتقد أن هذه الثقافة (ثقافة التسامح) تلزمنا أن نؤسس لها! وهذا التأسيس يبدأ من المنزل في احترام من يخدموننا وأهلنا وأبنائنا. فلا انحياز أعمى لأفكارنا دون أن نسمح للآخرين بالتعبير عن أفكارهم، ولا فرض أساليب حياة محددة نؤيدها على جمهور أو جيل جديد ربما تكون له نظرة جديدة للحياة، فالتسامح يؤدي إلى تقدير الآخر ومناقشته وإقناعه أو الاقتناع بآرائه دون رفضه اعتماداً على نظرية الإقصاء.
 
 
ويدخل في  قضية التسامح العلاقات الأسرية والعائلية، والعلاقات الإدارية وآداب الحياة العامة في الشارع أو المؤسسة. صحيح إن الحياة (تُعصّبنا) أحياناً، ولكن (سعة الصدر) وتقدير المواقف والتحبب للآخرين من الأمور التي تهذّب الذات وتقربها من ثقافة التسامح. بل إن أسلوب المجتمع المدني خير وسيلة لدعم ثقافة التسامح لأنها تعني الانتماء للآخر دون النظر إلى الأصل أو القبيلة أو اللون أو الثقافة.

copy_r