gulfissueslogo
أ.د.علي الهيل
هل صحيح وجود سيناريو استئصالي في الخليج العربي للشعوب وإحلال شعوب أخرى بدلا عنها؟
أ.د.علي الهيل

 
2011-04-18
 
على خلفية الثورات الشعبية العربية، التي على ما يبدو وصلت إلى مرحلة اللاعودة وبالتحديد نتيجة لما حدث في البحرين وعمان، والتململ الذي ما يزال يتفاقم في مدن السعودية كرمال صحاريها المتحركة بقوة هذه الأيام، واحتجاجات (البدون) الكويتية وبتحديد أكثر الحدث الإماراتي المتمثل في اعتقال ناشطين سياسيين طالبوا في عريضة قدموها لرئيس دولة الإمارات بتغييرات سياسية واقتصادية، وأحاديث كثير من القطريين عن مثلا لماذا لا ينعكس الدور القطري الرسمي الرائد والبناء عربيا وعالميا في دعم الثورات الشعبية العربية على أحوالهم إيجابيا في دولة قطر، ومنها مثلا منحهم دورا قياديا في إدارة إعلام ومسرح وثقافة بلادهم، وهو دور يتم تغييبه وتهميشه في أحسن الأحوال لصالح استئجار خبرات أجنبية لا تقل عن خبراتهم، إن لم تكن خبرات القطريين أفضل ومساواتهم بالأجانب من حيث الرواتب والأجور والامتيازات، والاحتقان السياسي الشعبي الملاحظ بوضوح في الخليج العربي عموما وكسر حاجز الخوف من هيبة النظام الحاكم مدفوعا ومستنيرا بنجاح الثورتين الشعبيتين في تونس ومصر، وإصرار الليبيين واليمنيين والسوريين على تحقيق النجاح نفسه رغم التضحيات الجسام.
على ضوء ذلك كله بدأت تظهر إلى السطح تسريبات من بعض أروقة الحكم في الخليج العربي، وهي وإن ظلت حتى اللحظة في إطار الشائعة، غير أن كثيرا من دلائل الواقع الخليجي يمكن أن تعطيها بعض الصدقية والأرضية. وتفيد بعض تلك التسريبات وعلى ذمة من سربها ولدوافع يُحتمل أنها تحمل أجندة وطنية شعبية من أفراد من داخل الأسر الحاكمة نفسها، حريصة على سلامة النسيج والوحدة الوطنية وذات بُعد نظر ـ كما يكثر الحديث - أن بعض أفراد الأسر الحاكمة في الخليج من ذوي النظرة الضيقة، وبسبب الهلَع الناتج عن تحرك الشارع، بدأوا يضيقون ذرعا بمواطنيهم ويطرحون أفكارا وسيناريوهات من قبيل إذا كان المواطنون الخليجيون 'رافسين للنعمة وجاحدين وناكرين لها مثل قطط المطابخ التي تأكل وتنكر' وغير قانعين بالمستوى المعيشي الذي رفعتهم إليه حكومات الخليج العربي، كما تصدق حكومات الخليج العربي وأسرها الحاكمة جازمة (وأكثرها وضوحا ربما خطوة الدكتور ناصر بن غياث الأكاديمي الإماراتي أستاذ قانون الاقتصاد بجامعة السوربون في أبوظبي وزملائه). وهذا الجزم من منظور بعض أفراد الأسر الحاكمة يبقى شعبيا وإلى حد ما في خانة الافتراض الذي يفنده الواقع، وأنهم ـ أي المواطنين الخليجيين - سيسببون صداعا أكبر وقتيا أو مزمنا كما حدث في البلاد العربية، وما حدث في دول الخليج العربي مؤخرا، وفي سبيل الحفاظ على استمرارية وديمومة نظام الأسرة الحاكمة في الخليج العربي، فليتم إذن ـ وفقا للتسريبات - تهميش المواطنين وسجن من يجرؤ على تجاوز الخطوط الحمراء والإتيان بأقوام آخرين أفضل منهم ثم لا يكونوا أمثالهم، مستغلين حالة التوافق الدولي أمريكيا وغربيا على أن تظل الأسر الحاكمة الخليجية قوية ومُهابة الجانب من قِبل الشعوب لاستعمالها أي استعمال الغرب للأسر الحاكمة لدرء خطر إيران و'القاعدة' المحتمل والمبالغ فيه أحيانا من قبل الغرب و(إسرائيل) عن أغنى مناطق العالم وأكثرها إستراتيجية للغرب، وإن كنا في هذا الصدد لا نستبعد وجود أجندات وأطماع إيرانية في منطقة الخليج العربي، ولنتذكر وجود واحتلال إيران الفعلي لجزر (الشارقة ورأس الخيمة) وهما إمارتان في عقد الاتحاد الفيدرالي الذي ينتظم دولة الإمارات العربية المتحدة وهي جزر (أبو موسى وطنب الكبرى وطنب الصغرى) التي احتلتها إيران قبل قيام الاتحاد. وعودة إلى النقطة الأساسية وهو افتراض تصور استئصالي إن صح وجوده وتداوله خلف الأبواب المغلقة فإنه حتما سيسبب كوارث للمنطقة وسيوصلها بالتالي إلى نتائج لن تُحمد عقباها.
وكما أكدنا في سياقات مختلفة، فإن الجدوى الاقتصادية ـ دعك عن الجوانب الأخرى ـ منعدمة وليست فاشلة فقط في تصور شيطاني يظل مبدئيا في دائرة التخرصات ولا يبدو ـ وهذا ما نتمناه ـ أنه يمكن أن يرقى إلى مستوى القرار والتطبيق. العكس هو الصحيح. فالجدوى الاقتصادية والسياسية والاجتماعية ان تراجع حكومات الخليج العربي سياساتها البرلمانية التي لم تعد مستساغة أو مقبولة، والتي تجاوزها الزمن والمتمثلة في مجالس شورى وأخرى تُنعت (بالوطنية) فيها بصامون وظيفتهم أن يبصموا على كل ما تريده الأسرة الحاكمة أو الحكومة (وفي كثير من دول الخليج العربي لا تبدو الحدود واضحة بين هذين القطبين) من غير أن يفكروا في ما يفعلون فهذه ليست وظيفتهم وهم في واقع الأمر يتلقون رشاوى في أشكال كثيرة وباتت معروفة للجميع.
وإضافة إلى ذلك على حكومات الخليج العربي أن تقوم بجرد مفردات سياساتها الإعانية والإعاشية والتوظيفية وإدخال المواطن طرفا في صنع القرار، وفي ثروات بلاده الهائلة، فإنه لا يُعقل أن يذهب ما بين ثلاثين إلى ستين في المئة من دخل الدولة في الخليج العربي إلى أفراد الأسرة الحاكمة والمقربين قبليا إليها، في حين يُنظر إلى مواطنين تقدموا أو جرأوا على تقديم عريضة بصورة هادئة ومسالمة للحاكم ينبهونه فيها إلى أمور يمكن أن تكون غائبة أو مغيبة عنه، بأنهم جاحدون للفتات الذي يُلقى إليهم من ثروات بلادهم مقارنة بما يحصلون هم عليه. فكل الخليجيين تقريبا يعرفون أن أفراد البطانة في كثير من دول الخليج، إلا من رحم الله، هم مجموعة من الأشخاص الأنانيين الذين (يلهطون) ولا يتركون لغيرهم شيئا، وكثير من هؤلاء يعزلون الحاكم أو المسؤول عن المواطنين ويصورون له أن الأمور تمام التمام وعلى خير ما يُرام وأن المواطنين (ما ناقِصهم شيء طال عمرك)، والحاكم الذي غالبا ما يكون لديه التزامات خارجية كبرى، ينسى أو يتناسى أن مصدر شرعية وجوده على كرسي الحكم هو الشعب وليس توريثه الحكم من أخيه أو من أبيه، ويكتفي بتقارير أفراد بطانته من الوزراء والمستشارين وجلساء مجلسه الخاص (وعلى أساس ذلك يتخذ القرارات التي تخدم مصالح البطانة وتضر بالشعب وسمعة الحاكم قبل ذلك عند الشعب، وهو نصف خاطر كما يقول التعبير الخليجي) وهو أمر لا يبرر مطلقا عدم التأكد شخصيا وميدانيا من صحة تلك التقارير، التي في أغلبها مشوهة للواقع تماماً. مثل هذا الأمر المتعلق بالجدوى أو الجدوات هو الأقل كلفة على الإطلاق من ناحية اقتصادية محض من أن يُضطر المواطنون إلى اللجوء إلى الشارع، كما حدث في تونس ومصر، وما يجري حاليا في ليبيا واليمن وسورية والأردن، وهو أمر باهظ التكاليف كما أنه يعرض مصداقية البلاد للاهتزاز وانخفاض التصنيف الائتماني لها دوليا. ومن قال إن النزول إلى الشارع وتحمل التضحيات هو من قبيل الترف. ولو لم تجبر سياسات الأنظمة العربية في تونس ومصر وليبيا واليمن وسورية والأردن والسعودية وعمان والبحرين والمغرب والجزائر الشعوب على النزول إلى الشارع واتبعت الحكومات الأمر الأقل كلفة المشار إليه لَما حدث ما حدث.
 
 

copy_r