gulfissueslogo
د.علي الهيل
لماذا ناقضت الإمارات نفسها؟ ولماذا تتحسس دول الخليج من أصحاب العرائض؟
أ.د.علي الهيل
14-04-2011

فوجئنا وفُجعنا بأخبار اعتقال الدكتور ناصر بن غياث أستاذ قانون الاقتصاد بجامعة السوربون الفرنسية في أبوظبي وزملائه على خلفية (عريضة) طالبوا فيها رئيس دولة الإمارات العربية المتحدة بصورة سلمية وشفافة وحضارية بإحداث إصلاحات سياسية واقتصادية بالدولة. ومن وجهة نظر اقتصادية فإن أمرا كهذا هو الأقل كلفة لأي حكومة رشيدة ولأي شعب رشيد.
لأن الحكومة (أي حكومة) التي تجبر شعبها على النزول إلى الشارع بعد أن قررت أن تغلق في وجهه كل الخيارات الأخرى للمطالبة بحقوقه الأساسية السياسية والاقتصادية والاعانية والإعاشية والتشغيلية والتوظيفية من خلال الإعلام والحوار، فإنها ستتحمل بلا أدنى شك تكاليف باهظة، لعل أقلها تعطيل الإنتاج وسوء السمعة. وسبب تفاجئنا بما حدث، هو أن دولة الإمارات العربية المتحدة مع دولة قطر، وهما الدولتان الوحيدتان في الخليج العربي اللتان تنادتا وتحمستا وقادتا مع دول (الناتو) الحملة السياسية والعسكرية لحماية الشعب الليبي من قمع كتائب (القذافي) الدموي، لا لشيء إلا لأن الشعب الليبي هب عن بكرة أبيه مدفوعا بنجاح ثورتي تونس ومصر الشعبيتين، وهو الذي حاله إن لم يكن في مستوى حالي الشعبين التونسي والمصري فهو ليس أقل سوءاً منهما. وكان إصرار دولة الإمارات كإصرار كل دول الناتو، على ضرورة رحيل (القذافي) ودعم المجلس الانتقالي الليبي الذي يجمع الثوار الليبيون والشعب الليبي كله على قيادته، والذي يستمد شرعيته من الشعب نفسه.
وسبب هذا الإصرار هو لأن (القذافي) وأبناءه حرموا الشعب الليبي من أبسط حقوقه الأساسية السياسية والاقتصادية، وجعلوا ما نسبته نحو عشرة في المئة من الشعب الليبي تحت خط الفقر، وهي الدولة النفطية الغنية التي دفعت المليارات كتعويضات عن حادثة تفجير طائرة (بان أمريكان) في الأجواء الاسكتلندية، وبالتحديد على مدينة (لوكربي) التي عرفت الحادثة باسمها. وكان الهدف هو شراء خواطر الغرب بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية. وسبب تفاجئنا الآخر هو حضور دولة الإمارات العربية المتحدة مؤتمر الرياض وإخراجها مع دول مجلس التعاون الخليجي الأخرى المبادرة الخليجية بشأن اليمن، التي نصت على رحيل الرئيس اليمني (علي عبد الله صالح) وتسليم السلطة بشكل سلمي نتيجة للمطالبة الشعبية الواسعة التي تُقدر نسبتها بثمانين في المئة من الشعب اليمني برحيل الرئيس اليمني ونظامه ومحاكمته على الجرائم التي ارتكبها أمنه في حق المتظاهرين السلميين.
وعليه، فإن دولة كهذه تؤمن بالمطالبات الشعبية السلمية، مع أن الشعبين الليبي واليمني احتكم إلى الشارع وتظاهر وهتف وما يزال يهتف لإسقاط النظام، تستكثر على ثلاثة من أفراد النخبة المثقفة في دولة الإمارات العربية المتحدة لم يلجأوا إلى الشارع ولم يهتفوا ولم ينادوا بإسقاط أي شيء غير أنهم مدفوعون أيضا كالليبيين واليمنيين والعمانيين والبحرينيين والسعوديين والسوريين والأردنيين وغيرهم من (الشعبيين) العرب بنجاح الثورتين الشعبيتين التونسية والمصرية، وقطعهما وبالأخص الثورة المصرية أشواطا بعيدة لم تكن قط متوقعة في تحقيق أهداف الثورة مع قصر عمر الثورة الشعبية في كل من مصر وتونس، تقدم الثلاثة بقيادة الأكاديمي أستاذ قانون الاقتصاد الإماراتي بجامعة السوربون في أبوظبي بتقديم عريضة إلى رئيس الدولة تمت مخاطبته فيها بتهذيب راقٍ وبأسلوب متحضر واعٍ بمصلحة البلاد والعباد. ورغم ذلك، ناقضت حكومة دولة الإمارات العربية المتحدة نفسها وخالفت مبادئها في ليبيا واليمن و(قلبت ظهر المِجنِّ) لأهل بيتها فلم تتحمل ولم تتفهم كيف أن ثمة مواطنين فيها يمكن أن يجرؤوا على أن يطالبوا بحقوق سياسية واقتصادية، كما أوردت محطة بي بي سي يوم الأحد الماضي.
ونتساءل لماذا تتحسس الحكومة في دولة الإمارات، وهو تحسس مشترك يجمع بين كل دول مجلس التعاون الخليجي، وبدرجات متفاوتة ربما، من مطالب عامة الشعب وكأن دول المجلس أو هي كذلك تؤمن بأن مواطنيها ليست لديهم مبررات الاعتراض على أي شيء ولو بشكل تقديم مجرد عريضة، لأنها حكومات ـ كما تصدق هي ـ وكما يقول الخليجيون (كفَّتْ ووفَّت)، وأن الذي دفع التوانسة والمصريين والليبيين واليمنيين وسائر العرب الشعبيين لا ينطبق على الشعب الإماراتي وبقية شعوب الخليج. يقول الشاعر العربي القديم: لا تنهَ عن خلُقٍ وتأتي بمثلِهِ عارٌ عليكَ إذا فعلتَ عظيمُ. ودولة الإمارات التي اشتركت بطائراتها لفرض الحظر الجوي على ليبيا مدافعة عن الثورة الشعبية الليبية، واشتركت في مؤتمر الرياض مع دول مجلس التعاون الخليجي الأخرى للدفاع عن مكتسبات الثورة اليمنية، ينبغي لها أن تنصت أو على الأقل تستمع إلى مطالب شعبها. وبدلاً من أن تعتقل أولئك النفر النبيل الذين لم يحرضوا طلبتهم وبقية الناس على النزول إلى الشارع أو إلى التظاهر أو الهتافات وإنما آثروا، إدراكا منهم لحساسية الوحدة الوطنية والإنجازات العملاقة العمرانية والتجارية والصناعية والسياحية، وإدراكا منهم كذلك لخصوصية مجتمعهم المحافظة والهادئة تقدموا بعريضة مطالب.
لا شك أن المجلس الوطني الإماراتي المكون من أربعين عضوا معينا من قِبَل حكام الإمارات السبع بقيادة (أبوظبي) و(دبي) الإمارتين الأكثر فاعلية في الاتحاد الفيدرالي الإماراتي، وهم يفعلون ما يُؤمرون لا زيادة ولا نقصان. وأنى لهم أن يفعلوا عكس ذلك طالما أنهم يتقاضون رواتب ضخمة من قبل الدولة ناهيك عن (الشَّرْهات أو العِينيات) أي العطايا التي يتكرم بها الحكام عليهم، بالإضافة إلى (بِشْتْ) أي عباءة الشتاء وأخرى للصيف والامتيازات غير المحدودة في تراخيص التوكيلات التجارية وغير ذلك من امتيازات جعلت من كثيرين منهم أغنياء وأثرياء على حساب بقية أفراد شعب الإمارات العربية المتحدة.
إذن أليس من حق الدكتور ناصر بن غياث وزملائه الذين ما من شك في أنهم ضحوا من أجل ونيابة عن عامة الشعب الإماراتي وتجاوزوا الخطوط الحمراء، أن يعترضوا على ذلك وحرصوا على أن يكون شكل اعتراضهم هادئا ووديا وحضاريا، وبصورة لا يعرض البلد لأي فوضى يمكن أن تحدث لولا حكمتهم وحبهم لبلدهم. إن دولة الإمارات العربية المتحدة التي تحتضن في (دبي)، عاصمتها التجارية، (ملتقى الإعلام العربي) كل عام، والذي كان لي شرف المساهمة فيه قبل ثلاث سنين، والذي تُــــــناقش فيه بحرية (وإن كانت نسبية ومحدودة وحذرة) قضايا الإعلام العــــربي، أن يصدر عنها مثل هذا التصرف غير الحضاري باعتقال مواطنين مثقفين يقودهم أكاديمي لمجرد أنهم كتبوا إلى رئيس الدولة يطالبون فيه بإحداث تغيـــيرات سياسية واقتصادية. وكم فرح الخليجيون لموقــــف دولة الإمارات الداعم للثورتين الشعبيتين في ليبيا واليمن واستبشروا خيرا كثيرا، ولكن الفرحة للأسف لم تتم نتيجة للتعسف الإماراتي في حق أصحاب العريضة.
 
 

copy_r