gulfissueslogo
د.علي الهيل
في جزيرة العرب وخليجها وعلى خلفية الثورات الشعبية: تحريم الحلال وتحليل الحرام
أ.د. علي الهيل
04-04-2011

كأن تاريخ (الأعراب ولا نقول التاريخ العربي، لأننا نربأُ به عن الأعراب) يعيد نفسه أو يعيد إنتاج أحداثه. (فالأعراب) لا يزالون يتحججون بالبرد وحر الصيف، ولا يزالون يمسحون بالخِرقة حد السيف، وما زال كتاب الله يُعلقُ على الرمح العربي، وما زال (أبو سفيان) بلحيته الصفراء يؤلب باسم (اللاّت) العصبيات القبلية، وما تزال (شورى التجار) ترى الظُّلاَّم الفاسدين زعماءها وترى ثوار الأمة زعماء السوقية. والأعراب الغساسنة والمناذرة يظهرون من جديد وبتحالفات جديدة.
محرمو الحلال ومحللو الحرام، وذوو الخُطبِ الصفراء المعدة تسييساً وأُمٍّيُّو فقه الواقع المعلوماتي والإعلامي والسياسي، والمرجفون و(مُكَسِّرو المجاديف) ـ حسب اللغة الدارجة لأهل الخليج العربي ـ والمفعول فيهم إرعاباً وسلباً ووعيدا من الحاكم أن سيقطع معاشاتِهم إن لم يخالفوا صحيح القرآن والسنة، والبائعون دينهم وذممهم بعرض زائل من الدنيا وغير الفاعلينَ المبرمَجين الموجَّهين والذين تجاوزهم الزمن الشعبي الثوري العربي، وأصحاب الكهف الذين مرت بهم تكنوتقنيات الاتصالات والمعلومات المتمثلة في الشبكة الدولية (الإنترنت) ووسائطها (فيس بوك وتويتر) وغيرها، وهم لا علم لديهم ولا خبر، ضرب ملوكهم على آذانهم في الكهف سنين عددا حتى لا ينصتوا أو لا تتناهى إلى أسماعهم أنات الجوعى وأنين الثكالى وصرخات المظلومين، والمتكلسون المغسولة أمخاخهم من قِبَلِ سلاطينهم البائدين والذين سيُبادون والذين تحولوا منذ زمن طويل إلى حالات سلبية متلقية فحسب، ومع أنهم يبدون - لحسن الحظ - قلة بدأوا ينسجون على منوال الديكتاتورين اللذين سقطا وأولئك الذين ينتظرون السقوط مستنسخين العبارة الممجوجة ذاتها (مؤامرة خارجية). أحيانا يزعمون أن مصدرها (القاعدة) و(الإسلاميون) و(الطائفية). وأحيانا أخرى يشيرون بالاتهام إلى (إسرائيل) وحلفائها الغربيين، مع أن هؤلاء هم من يمدون حكامهم (الأعراب) بأسباب القوة للجثوم على صدر الشعوب، غير أنَّ (النسَّاجين الجُدد) يستخدمون الغرب و(إسرائيل) كفزاعة كلما أرادوا أنْ يفتوا بعدم جواز المظاهرات والاحتجاجات السلمية الشعبية المطالبة بالحقوق، وهو كما يُسرب توزيع أدوار بالاتفاق بين النظام الديكتاتوري (الأعرابي) والغرب ومعه (إسرائيل).
وغالباً ما تتم الإشارة إلى الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا وفرنسا وألمانيا بأنها هي الدول التي تقف وراء اندلاع الثورات الشعبية العربية الواحدة تلو الأخرى. وهم بذلك يستدلون بنظرية كوندوليزا رايس وزيرة الخارجية الأمريكية السابقة عن 'الفوضى الخلاقة'. وهو تحليل سطحي ارتجالي سلبي يفتقر - في تقديرنا - إلى معطيات تدعمه من الواقع. ولا بد من التنويه في هذا الصدد إلى أن 'الفوضى الخلاقة' لرايس مستقاة من مفهوم أمريكي ـ غربي قديم وهو 'الفوضى المنظمة'. والمقصود به تحويل مكان العمل إلى (خلية نحل) من النشاط الإنساني مع اتقان العمل بحسب المعايير المطلوبة من جهة العمل نفسها. بَيْدَ أن المواطنين العرب فاجأوا رايس. وبالنتيجة فاجأوا عبيد السياسة الأمريكية والغربية والإسرائيلية في تونس ومصر واليمن وليبيا والبحرين وعمان وسورية والسعودية، والمفاجأة مستمرة في البلاد العربية الأخرى بثورتهم الخلاقة السلمية التي لم يقطعوا فيها شجرة ولم يهدموا فيها مسجدا أو كنيسة أو معبدا، وتعاونوا مع جيوش بلادهم وقدموا للعالم أروع صورة لتحضر الإنسان العربي. وقد أحرج الثوار بسلوكهم الحضاري الرفيع أسياد الحكام (الأعراب) في دول الغرب و(إسرائيل)، ولم يسمحوا بالتالي للفوضى الخلاقة، التي إن حدثت وفق سيناريو رايس لَكانت في صالح (إسرائيل) والغرب، بل على العكس تطابقت سلوكيات نظامي مبارك وزين العابدين مع نظرية رايس وطبق (بلطجية) النظامين اللذين تهاوا 'الفوضى الخلاقة'. وكذلك تفعل الأنظمة التي تصارع من أجل البقاء حاليا.
مثل هذه الكائنات الطحلبية لمَّا تزل تعيش في مرحلة (نظرية المؤامرة) خلال الأزمنة الغابرة التي انعدم أو - في الحد الأدنى - غاب فيها الفعل الشعبي العربي، بسبب القمع السلطوي للديكتاتورية (الأعرابية شديدة الكفر والنفاق) ولا نقول (العربية)، التي باد بعض رموزها وبعضها الآخر مشاريع إبادة. خلال تلك الحقب ـ لا أعادها الله ـ كان كل شخص عربي يعاني وطأة الظلم وحده فرديا. ولماَّ كان لله في خلقه شؤون، ونواميسه في الكون وفي الخلق قابلة للتغير، كلما أراد الإنسان أن يتغير مغيراً ما بنفسه فقد تحول الظلم الفردي إلى ظلم جمعي بفضل - ولنعترف بذلك ـ تطور وسائط الاتصال عبر الشبكة الدولية (الإنترنت) ومنها (الفيس بوك) وظهور التلفاز القمري (الستلايتي) متعدد القنوات، محولا التفكير الفردي العربي والإرادة الفردية العربية إلى تفكير وإرادة جمعية أفضت إلى التغيير. وهو أمر لم يفهمه ولم يتفهمه أولئك الذين نزعوا عن الإنسان العربي - منذ مجيء حكامهم المستبدين إلى سدة الحكم - قدرته على الفعل الإيجابي. ولذلك لم يُعطوا الإنسان العربي (كريديت)، أي فضل في ما حدث من متغيرات دراماتيكية راديكالية في الشارع العربي، مع أن العربي الحديث ليس في حاجة إلى (كريديت) من كائنات فاقدة لكل شيء إلا مرض السلبية، وفاقد الشيء لا يُعطيه.
ويُعزى ذلك في جله كما يمكن أن يُلاحظ إلى نظرية المؤامرة المتجذرة في العقل (الأعرابي) الجمعي لأولئك (الأعراب)، التي قد لا نبالغ كثيرا إذا ما قلنا إنها متغلغلة في الجينات (الأعرابية) عموما. وربما يكون السبب تاريخا طويلا من التراكم السلبي لتفسير الأحداث التي يمر بها العرب منذ سيطرة العسكر (أسيادهم) على مقاليد الحكم على إثر اندحار الاستعمار القديم بفضل المقاومة الشعبية.
وللأسف ان تلك الثورات التي اندلعت في كل أرجاء العالم العربي خطط لها المثقفون العرب الشباب وقام بها الشارع العربي، ثم كانت النتيجة المخيبة للآمال أنِ استولى عليها الجبناء من الحكام (الأعرابيين) - أذناب الاستعمار القديم نفسه ووكلائه - الذين يتساقطون الآن تحت هتافات الثورات الشعبية العــــربية وتحت وابل من الإرادة الجمعية العربية. تكمن خطورة مثل هذا الأمر في أنه يجرد الإنسان العربي من القدرة على الفعل، ويكرس النظــرة التقليدية إلى العربي المتلقي السلبي الذي لا تصدر عنه سوى ردود الأفعال، هذا إن سُمح لها أن تصدر عنه. وللأسف يقود مثل هذا التوجه بعض (ولا نقول كلُّ) خطباء الحرم في بيت الله الحرام، محرمين المــــظاهرات السلميـــــة المطالبة بالحقوق المستلبة والمنهوبة، والداعية المواطنين إلى الــــصبر الســلبي. وهو مخالفة صريحة لمعنى الصبر الذي أمرنا الله به في القرآن. وهو الصبر مع الأخذ بأسباب التغيير، ومن لا يأخذ بها فهي أو هو آثم بنص الكتاب والسُنة.
 
 
 

copy_r