الساحتان السياسية والإعلامية في الكويت وما يدور في أوساطهما من حراك يمكن
أن يكون مؤشرا على طبيعة الصراع بين الأطراف المختلفة، فما أن تقرأ تصريحا
لنائب في مجلس الأمة الكويتي أو مقالا لكاتب في إحدى الصحف المحلية مع بعض
الإستثناءات حتى تعرف ماذا يريد هذا أو ذاك من المختبئين خلف الكواليس ويديران
معاركهما بالوكالة على الساحة السياسية المحلية بعيدا عن الأضواء.
عندما يصدر تصريح من أحد النواب يتناول قضية ما تندرج في إطار ذلك الصراع
المفتعل بين تلك الأطراف تتحرك 'مجاميع' على الأرض سواء في الدواوين وهي خصوصية
كويتية أو في الساحات الإفتراضية للتغريد كما البلابل على أن ما ورد فيه شأن
وطني المفترض تبنيه ومن الخطورة تجاهله، وكذلك تفعل تلك الكتل الهلامية عندما
تكتب افتتاحية أو مقال نسج معظم مفرداته في غير ذلك المكان الذي نشر فيه، فهي
تملأ الدنيا ضجيجا للوصول إلى الهدف المتوخى من إطلاقها .
عادة ما يكون ذلك التصريح أو تلك الإفتتاحية أو ذلك المقال ردا على ما يجري
داخل أجهزة الدولة المختلفة فمرة يكون هدف ذلك التصريح أو الإفتتاحية أو المقال
'عرقلة' مناقصة أو ممارسة في إحدى الوزارات، ومرة أخرى يكون هدفهما 'تلميع' هذا
الطرف أو ذاك من أجل منصب يمكن جني الكثير من الثمار عندما يشغله أولئك، ومرة
ثالثة يعملان من أجل 'فضح' مؤامرة حسبما يرونها تستهدف طرفا ما أو العبث
بمكونات 'طبخة' كادت أن تنضج لولا تدخلات أولئك المتدخلين، الأهم أن يكون كل
ذلك مطلبا شعبيا .
كل ذلك الصراع يدور حول الثروة وتحقيق المراكز المتقدمة في لعبة السلطة
والسياسة وأدوات ذلك الصراع (نواب، مؤسسات إعلامية، كتل هلامية تجول الدواوين
والساحات الإفتراضية ليل نهار) وكل شيء بثمنه 'ولا يخدم بخيلا' كما يقال، وكلما
حققت تلك الأدوات اختراقا هناك أصبح الوضع التفاوضي لمن يديرها أفضل بكثير من
الآخرين وأصبح من الملائم أن يحظى بحصة بحجم قدرته على التأثير على الساحة .
عندما يصرخ أحدهم أن هناك 'سرقة' في صفقة تنوي الحكومة إبرامها لا يعني ذلك أن
من أطلق تلك الصرخة بعيد عن تفاصيلها أو على الأقل من دفعه إلى ذلك الصراخ،
وعندما ينتفض قلم ما من أن وزيرا أو مسؤولا في وزارة ما يعبث بالمال العام في
هذه المناقصة أو تلك لا يعني البتة أنه أكثر حرصا من غيره على الهدر، بل كل ما
يجري لا يعدو أن يكون لعبة تحولت رغم إتقانها من جانب البعض إلى لعبة مكشوفة لم
تعد تنطلي على أحد، فما بالك ببلد استهلك اللاعبون فيه كل أوراقهم .
ما يهمنا في كل ما يجري أن ذلك الصراع لم يعد صراعا جانبيا كما كان عندما بدأ
بل أصبح 'غولا' يكاد يطيح بكل مؤسسات الدولة الدستورية والقانونية ويخلق أنماطا
من المؤسسات الوهمية كبديل عنها، مما يدعونا كمواطنين أن نتحرك تجاه إسقاطه من
خلال عدة خطوات تبدأ بتجديد مؤسساتنا وإعادة صياغتها لتكون حاضنا للطموحات
الوطنية الحقيقية لا مرتعا للفساد والمفسدين ممن يجرعوننا أكاذيبهم كل يوم،
مرورا بمحاولة تعزيز إحساس المواطن بكل ما يجري من محاولات من أجل الإستيلاء
على مقدرات البلد، وإنتهاء بوضع الإجراءات الكفيلة بعدم عودتنا إلى مثل تلك
الأوضاع الخطيرة.
بقاء رئيس الحكومة الكويتية ناصر المحمد يجعل من محاربة الأجواء السائدة صعبا
على من يريد ذلك، لذا فان البدء بإصلاح السلطة التنفيذية يتطلب غياب رئيسها من
أجل شخصية وطنية قادرة على إعادة صياغة الساحة السياسية تجاه المشروع المفترض
بها حمل أعبائه دون النظر إلى من أي عائلة أو طائفة أوقبيلة ينتمي ذلك الشخص ثم
الإنطلاق نحو إعادة بناء ما دمره ناصر المحمد نفسه في مرحلة ثانية على ان تكون
المرحلة الثالثة نقل البلاد إلى الموقع المفترض بها وصوله منذ فترة طويلة .