gulfissueslogo
د.عبدالوهاب الافندي
قمة الإهانة للمواطن الخليجي
د.عبدالوهاب الافندي
03-03-2011

 
(1)عندما بدأت نذر الاحتجاجات في البحرين خلال الشهر الماضي، أصدرت الحكومة هناك قراراً بتوزيع منحة مالية قدرها ألفا دولار على كل الأسر في المملكة. ولدى عودة الملك عبدالله بن عبدالعزيز إلى السعودية بعد غيبة دامت عدة أشهر، أعلن من سلم الطائرة قرارات بمنح وعطايا للمواطنين السعوديين بلغت قرابة 36 مليار دولار. ومع تفجر الاحتجاجات في سلطنة عمان ذات التراث الثوري العريق السابق للحداثة، أعلنت الحكومة هناك حزمة إجرءات تهدف إلى دعم الدخل ومساعدة العاطلين عن العمل.
 
(2)
في إحدى افتتاحياتها خلال هذا الأسبوع، انتقدت صحيفة 'الرياض' السعودية موقف دول الخليج الأكثر ثراءً من شقيقاتها في البحرين وعمان، داعية إلى إنشاء صندوق خليجي لدعم التنمية طويلة الأمد في الدولتين الأفقر، بدلاً من نظام المنح والعطايا المتبع حالياً، والذي يفتقد المنهجية والاستمرارية.
 
(3)
ما يجمع بين هذه المواقف والآراء هو الجزم بأن مطالب المواطن الخليجي هي اقتصادية في الأساس، وأنه يختلف عن بقية إخوانه العرب وكل البشر في العالم في أنه لا يطلب الكرامة والعزة في وطنه، وإنما يريد الخبز والرفاهية فقط. وعليه فإن إغداق العطايا على هذا المواطن (إن صحة التسمية، لأن المواطنة تعني الشراكة الكاملة في الوطن) سيجنب الحكام أي مطالب أخرى مثل الحرية والكرامة والمشاركة في الشأن العام.
 
(4)
إذا صح هذا الزعم فإن مثل هؤلاء 'الرعايا' لا يستحقون حتى الخبز. وكنا قد كتبنا في هذا الموقع، ولدى تفجر الثورة التونسية، نرفض الزعم بأن المواطن العربي لا يطلب من حكومته سوى الخبز، وأن غاية ما يصبو إليه العرب هو أن يأكلوا ويتمتعوا كما تأكل الأنعام. وقلنا وقتها: ' إن الشعوب لو ارتضت لنفسها صفقة الأنظمة بالعيش في مزرعة للسوائم فإنها تكون غير مستحقة للخبز، فضلاً عن الحرية.'
 
(5)
في الرواية المعروفة أن الزبرقان حينما شكا الشاعر الحطيئة إلى عمر الخطاب بعد أن هجاه الحطيئة بالبيت المشهور: دع المكارم لا ترحل لبغيتها/ واقعد فإنك أنت الطاعم الكاسي، استشار عمر حسان بن ثابت في الأمر، متسائلاً عما إذا كان هذا البيت هجاء، فرد حسان: إنه لم يهجه وإنما 'سلح عليه'، أي تغوط فوق رأسه. فحبس عمر الحطيئة عقوبة له.
 
(6)
حكومات الخليج وصحفها وبعض أهل الرأي فيها لا يرون في مطالبة المواطن الخليجي بأن يقعد طاعماً كاسياً أي هجاء أو إهانة، حتى حين لا يجد المواطن المعني الطعام والكساء، ويحرم من العمل وتسد في وجهه أبواب كسب الرزق الكريم. ولعمري إن هذا، كما قال حسان عن هجاء الحطيئة، هو قمة الإهانة للمواطن الخليجي.
 
(7)
ليس هناك ما يبرر سوء الظن هذا بمواطن الخليج، والزعم بأنه ينتمي إلى فئة دنيا من البشر تقنع بالعيش في مزرعة حيوانات يغدق عليه المالك فيها الرزق متى شاء، ويحبسه عمن يشاء. فالمواطنون الخليجيون لا يقلون في شيء عن بقية إخوانهم العرب. وقد مضى زمن كان المواطن الخليجي يحتل مرتبة دنيا في مجالات التعليم والأهلية المدنية والاطلاع على أحوال العالم. فالخليج يزخر بالجامعات، بينما حظي عشرات الآلاف من مواطني الخليج بفرص الدراسة في أرقى جامعات العالم. وتزدحم مدن الخليج بالمهنيين من كل تخصص، وقد حاز الخليج الريادة في مجالات الإعلام والاتصالات وغيرها.
 
(8)
حكومات الخليج هي الوحيدة التي لا تعتقد بأن المواطن الخليجي قد بلغ سن الرشد، وتصر على حرمان مواطنيها أبسط الحقوق المتاحة حتى في بقية الدول العربية المستبدة. فقبل أسابيع هاجمت الشرطة الكويتية اجتماعاً عقده نواب برلمانيون في دار أحدهم لمناقشة الشأن العام، وفعلت بهم ما لا تفعله شرطة نتنياهو بأهل رام الله. وعندما سطرت مجموعة صغيرة من المواطنين السعوديين مذكرة إلى ولي العهد السعودي وقتها الأمير عبدالله بن عبدالعزيز تطالب فيها بإصلاحات متواضعة، اعتقلت المجموعة وحكم على ثلاثة منها بالسجن إلى مدد وصلت إلى تسع سنوات.
 
(9)
إذا كان البعض يعتقد أن ما تتمتع به دول الخليج من ثروات يبرر للحكومات التعامل مع مواطنيها بهذه العنجهية فإن هذه حجة عليه لا له. فالثروات التي أنعم الله بها على دول الخليج هي ملك لكل أهلها، وليست للحاكم يستخدمها كيف يشاء، وبالقطع لا يحق للحاكم أن يستخدمها لقمع أصحابها الحقيقيين وحرمانهم حتى من حق الاجتماع داخل بيوتهم أو التعبير عن آرائهم، حتى في رسالة موجهة لـ 'ولي الأمر'، وهي عبارة يجب حذفها من القاموس العربي، لأن الحاكم ليس ولي أمر أحد، وإنما هو خادم من خدام الأمة، تحدد هي أجره، وليس قاطع طريق يستولي على أموال الأمة ثم يساوم أهلها عليها.
 
(10)
على حكام الخليج أن يستيقظوا مثل غيرهم إلى أن حقبة استعباد الناس قد ولت إلى غير رجعة، وأن معاملة الدول على أنها مزرعة للسلطان، وسكانها أنعام وسوائم في ملكيته، أمر لم يعد ممكناً ولا مقبولاً في هذا العصر. والخيار الآن ليس بين أن يتم الإصلاح أو لا يتم، وإنما هو بين النماذج الروسية والفرنسية في التغيير، التي انتهى مصير العائلات الحاكمة فيها إلى المقصلة أو الرمي بالرصاص، وبين نماذج بريطانيا وبقية دول أوروبا الشمالية التي رضي فيها الملوك بالتنازل طواعية عن الأمر لصالح الشعوب، فحظيت الأسر المالكة بالتكريم والاحترام وما تزال.
 

copy_r