استاذ السياسة المقارنة والعلاقات الدولية
قسم العلوم السياسية ـ كلية العلوم الادارية
جامعة الملك سعود ـ الرياض
العلاقات السعودية الغربية وبالذات بطرفها الأمريكي كانت تتسم بشكل عام
بالتميّز طوال العقود الخمسة الماضية وحتي بداية الألفية الثالثة الميلادية.
غير ان ذلك التميّزلم يكن، بالضرورة علي وتيرة واحدة إذ شهدت العلاقات الغربية
ـ السعودية، ومنها الأمريكية تحديدا، حالة من التوتر وعدم الاتساق وخاصة في
الفترة لما بعد 1995/1996 حيث تفجيرات الرياض والخبر ضد القوات الأمريكية والتي
أسست وأرخت لبداية تقلق شعبي من الوجود الأمريكي وكذلك عدم ارتياح رسمي من
التدخل في الشؤون الداخلية وخاصة في إطار التحقيقات في تلك الأحداث. تلك الحالة
العامة من العلاقات السعودية ـ الأمريكية والتي كانت علي ما يبدو متميّزة، وان
لم تخلو من توتر كما أسلفنا، بدأت تتبدد علي نحو لم يكن مسبوقا من قبل وذلك بعد
الهجمات المميتة في واشنطن ونيويورك وبنسلفاينا في الحادي عشر من ايلول
(سبتمبر) عام 2001.
ذلك الحدث وتوابعه في سباق ما سمي الحملة ضد الإرهاب بما في ذلك الحرب ضد
أفغانستان ـ ولربما مستقبلا، ضد دول عربية أو إسلامية وكل ذلك يشير الي ان
المسلمين ومنهم العرب تحديدا هم المستهدفون بدرجة واضحة من كل تلك الحملة
واتجاهاتها ـ فتح ملف العلاقات الغربية العربية ومنها السعودية ـ الأمريكية
تحديدا علي مصراعيه باتجاه إعادة صياغتها أو تغييرها وعلي نحو بدا أنه يؤسس
لأزمة ذات مخاطر علي البلاد العربية عموما ومنها الدولة والمجتمع في السعودية
تحديدا. تلك المخاطر تبدو هذه المرة مخاطر حقيقية وجدية وبالتالي تتطلب في
المقابل معالجة حقيقية وجدية ولكن علي أسس وصيغ جديدة لتتواكب وتتعامل مع مرحلة
جديدة ومختلفة تماما عن سابقتها.
ان ما يهمنا في هذه الورقة ليس معالجة العلاقات، الأمريكية السعودية بذاتها
وإنما ملاحظتها في سياق ارتباطها بأحداث الحادي عشر من ايلول (سبتمبر) لعام
2001 والحملة الأمريكية علي ما سمي الإرهاب وانعكاس ذلك علي أو ارتباطه في
المسألة الداخلية في السعودية ألا وهي علاقة الدولة بالمجتمع وما يرتبط بذلك
بما يمكن تسميته بالمستقبل السياسي للسعودية. ولكي نصل الي هذه وتلك الغاية
لابد من ملاحظة ما يمكن تسميته بالأزمة في العلاقات الأمريكية السعودية
وعناصرها ومدي صلة ذلك كله بمعادلة الدولة والمجتمع في السعودية وما هي
المعالجات لها ان وجدت ؟ وهل تلك المعالجة تمثل معالجة سليمة وشافية؟ أم أنها
تحتاج الي معالجات بديلة اكثر ملائمة مع تلك التحديات والتطورات وذلك من اجل
الامكانية والاستمرارية والبقاء للدولة والمجتمع علي حد سواء. من هنا فإن
المشاهد للازمة الداخلية وفي سباق الأزمة الخارجية واحتمالاتها المفتوحة تحتاج
الي تحديد بمافي ذلك المشاهد التي تمثل مخاطر حقيقية وكذلك المشاهد البديلة
للخروج من الأزمة علي الصعيد الداخلي.
أولا: في الحملة الامريكية علي السعودية واحداث الحادي عشر من (سبتمبر)
هجمات الحادي عشرمن ايلول (سبتمبر) 2001 والتي اسست لأولي حروب القرن الواحد
والعشرين، ـ وما انطوت علية من مزاعم امريكية بأن منفذيها هم في اغلبهم من
السعودية حيث اشير الي خمسة عشر شخصا سعوديا من بين تسعة عشر متهما بتلك
العمليات الهجومية ـ ولدت توجهات وانتقادات حادة من قوي ونخب اعلامية وفكرية
وسياسية ذات صلة قوية بمراكز صنع القرار في الولايات المتحدة الامريكية ضد
الدولة السعودية الي درجة التعريض بشخصيات سعودية رسمية كانت خلال العقد
المنصرم وحتي تلك الهجمات تحظي بقبول واحترام كبيرين داخل الادارة الامريكية
وقواها السياسية. تلك الحملة الامريكية وبصلة بعناصر قيادية رسمية وخاصة في
السلطة التشريعية، بدأت متواضعة في البداية ولكنها أخذت تكسب زخما وقوة مع مرور
الوقت وخاصة قبيل الحرب الامريكية علي افغانستان وما بعدها. ان تلك الحملة
المناهضة للسعودية والتي اسست لأزمة في العلاقة مع السعودية دولة ومجتمعا وكذلك
كشفت عن تراكم أزمة بين الدولة والمجتمع في السعودية ـ وتلك الاخيرة حرصت
القيادة السعودية وخاصة بقيادة الامير عبد الله علي محاولة احتوائها ـ تمحورت
حول عدة عناصر منها:
(أ) الزعم الامريكي بتورط سعوديين في الهجمات انفة الذكر مما فتح باب اسئلة
امريكية جديدة حول التفريخ السعودي للتطرف و الارهاب لعناصر مجتمعية ذات توجهات
اسلامية تحديدا ولكن بالاشارة الي كونها محفوفة بسياسات حكومية رسمية.
(ب) تم لاحقا المطالبة الامريكية بالمراقبة المالية وتجميد بعض الحسابات
والارصدة التابعة لمجموعات اسلامية بما فيها بعض الجمعيات الخيرية والمطالبة
بتعديل مناهج التعليم في سياقها الاسلامي والتي تزعم اطراف امريكية بأنها تحض
وتحرض علي التطرف والكراهية والعداء للاخر وخاصة للغرب.
(ج) ومع اقتراب الحرب الامريكية وعدوانها علي افغانستان بحجة مكافحة الارهاب
الاسلامي كانت الادارة تطالب بمزيد من التعاون السعودي الرسمي في السياق
العسكري وخاصة استخدام قاعدة الخرج كمركز للتحكم والسيطرة والقيادة للعمليات
الحربية ضد افغانستان.
(د) ترافق ذلك كله وتردد سعودي رسمي تجاه مسألة الرقابة المالية ومسألة الزج
باسماء السعوديين في الهجمات دونما تقديم دليل وكذلك الحرج من مسألة التعاون
العسكري العلني وخاصة السماح باستخدام قاعدة الخرج مما ولد ردود فعل عنيفة من
قبل القوي الاعلامية والسياسة الامريكية تجاه الدولة السعودية وكذلك المصرية
واتهامهما بأنهما تلعبان ادوارا مزدوجة في التعامل مع حرب امريكا علي الارهاب .
(هـ) ترافق ذلك كله مع حالة شعبية في السعودية غير مسبوقة من المناهضة للسياسات
الامريكية تجاه مزاعمها وكذلك مطالبها الرقابية المالية وتعديل المناهج وكذلك
السخط الشعبي من الحرب الامريكية علي افغانستان باعتبار تلك الحرب كما نظر لها
شعبيا ودعمت من علماء اسلاميين محليين ومن البلاد العربية الاسلامية علي انها
حرب صليبية ضد الاسلام والمسلمين وفي القلب منهم العرب .
(و) ومما زاد من السخط الشعبي ان معظم المعتقلين والمحتجزين داخل امريكا من باب
الشبهة وتحت ما سمي باستراتيجية البعثرة Disruptive Strategy داخل الولايات
المتحدة هم من العرب بما فيهم السعوديين وكذلك مالحق بالعرب الافغان والمجازر
التي ارتكبت ضدهم من قبل القوات الامريكية وقوي التحالف الشمالي الافغاني
وتوابعها لاحقا بما في ذلك مسألة الاسري العرب والمعاملة المشينة وغير
الانسانية التي تلقوها علي ايدي الامريكيين سواء في افغانستان اوفي معتقل
غوانتاناما في كوبا لاحقا.
(ز) ووصل الامر بالحملة الامريكية علي السعودية في منتصف ايار (يناير) عام 2002
بقيام عناصر من الادارة الامريكية (كارل ليفن مثلا) بالتلويح تهديدا باعادة
النظر بالتواجد العسكري الامريكي في السعودية او بسحب قواتها استنادا الي
تلميحات بأن تلك الخطوة مرتبطة بوجود رغبة سعودية غير محددة المصدر والتي لم
تدم او تصمد طويلا امام تصريحات سعودية رسمية او أمريكية علنية بعكس ذلك. اضافة
الي ذلك كله وفي سياقه ومنذ البداية وحتي الان كانت هناك تصريحات عن وتلميحات
الي وتهديدات بمسألة الاستبداد والفساد السياسي للنظام في السعودية والدعوات
الي الحاجة الي ايجاد صيغ اكثر ملائمة تأخذ بحسبانها حقوق الانسان والمشاركة
والحريات وان بشكل تدريجي وتلك الاشارات بدأت منذ خطاب بوش امام الجمعية العامة
للامم المتحدة في 17/11/2001 وفي كتابات وتعليقات وانتقادات اعلاميين ومفكرين
ودبلوماسيين.
ثانيا: الحملة الامريكية علي الارهاب
والسعودية: جذور الأزمة الداخلية
الموقف الرسمي السعودي من احداث 11/9/2001م ومابعدها، بدا انه ـ ورغم ادانته
تلك العمليات وتوظيف بعض التخريجات الدينية من بعض علماء الدولة يميل الي
التردد وخاصة في مسألة قبول الزج بأسماء سعوديين وكذلك تجاه التعاون الامني
والعسكري وكذلك المالي الرقابي ورغم ان السعودية من الناحية الرسمية كانت تعلن
تعاونها وموقفها ضذ الارهاب، الا انها كانت تشعر بالحرج من مسألة الموافقة علنا
علي اسخدام قاعدة الخرج وكذلك من التوجهات الشعبية الداخلية المعادية للولايات
المتحدة وخاصة بعد بداية العمليات الحربية ضذ افغانستان وحكومة طالبان مما
جعلها، وتحت ضغط اعلامي امريكي متزايد، الي ان تقوم بالطلب من ائمة المساجد
بوقف دعاء القنوت فجرا ومغربا ضد الولايات المتحدة والمساند لحركة طالبان
بالنصر.
في المقابل كانت التوجهات الشعبية تزداد حدة وعداء للولايات المتحدة الامريكية
منذ بداية الاحداث (11 ايلول (سبتمبر) 2001) حيث كان الملاحظ ان هناك نوعاً من
الابتهاج بما حدث في امريكا وضدها وذلك تشفيا بما يري للعناصر والفئات الشعبية
وشرائحها المتنوعة في السعودية بأن ذلك يشكل ردا علي امريكا وسياساتها المناهضة
للعرب والمسلمين وخاصة في فلسطين والعراق واماكن اخري. تلك المواقف الشعبية
اخذت بالزيادة المطردة ضد الولايات المتحدة من اغلب الفئات الشعبية بما في ذلك
الشرائح الليبرالية وخاصة مع بداية العمليات الحربية ضد افغانستان واحداثها
المتعاقبة وكذلك في سياق الحملة الامريكية علي السعودية وايضا في سياق التوجهات
الامريكية ـ الداعمة لحكومة وسياسات الكيان الصهيوني في عملياتها التدميرية ضد
الشعب الفلسطيني ومقدراته وممتلكاته ومقدساته ـ والتي اخذت بالتزايد الي درجة
ادراج حركات المقاومة الفلسطينية وخاصة حركة حماس والجهاد ضمن قائمة الارهاب
الامريكي عندما بدا لها (امريكا) انها تتجة الي حسم الامور في افغانستان مكافأة
للعدو واذلالا للعرب علي وجة الخصوص. الموقف الرسمي السعودي بدأ يستفيد من
الحملة الامريكية المتزايدة علي السعودية وذلك بتوظيفها وذلك للاحاطة بالمسألة
الداخلية وفي محاولة لردم الفجوة بينها وبين التوجه الشعبي والذي بدأ لاول مرة
بأنة بالفعل يتخذ مواقف متعارضة مع التوجهات الرسمية وخاصة فيما يتعلق بالموقف
من احداث ايلول (سبتمبر) والتعاون مع امريكا في مسألة مكافحة ما سمي بالحملة
علي الارهاب وكذلك في سياقها المسألة الافغانية بما هي حرب علي بلد مسلم خاصة
في سياق التوجة الاسلامي المدعوم من بعض القيادات العلمية الاسلامية المحلية
والعربية المناهضة للتعاون مع الاجنبي والتحالف مع الكفار والمشركين ضد العرب
والمسلمين. القيادة السعودية وخاصة توجهات الامير / عبدالله (ولي العهد)، بدأت
تتعامل مع الحملة الامريكية علي انها حملة ضد المسلمين وعقيدتهم، وكذلك مرتبطة
بحملة صهيونية ذات صلة بالجماعات الصهيونية الضاغطة (اللوبي الصهيوني) في
واشنطن والبلاد الغربية ضد مواقف المملكة من القضية الفلسطينية والاشارة الي ان
السعودية قد وصلت الي طريق مسدود مع الادارة الامريكية في مسألة موقفها من
وتحيزها مع الكيان الصهيوني في معالجة القضية الفلسطينية. وفي محاولة للاحاطة
بألمسالة الداخلية عن طريق بوابة الحملة الامريكية والبعد الصهيوني فيها، قام
الامير عبداللة بالاجتماع، وعلي مراحل، بعدد من الفئات والشرائح وبعض القوي
السعودية من اساتذة الجامعات والمعلمين والتجار والمشايخ والعسكريين وذلك في
محاولة لكسب تلك المجموعات من الحملة السعودية المناهضة للحملة الامريكية وفي
محاولة للتأكيد علي الوحدة الوطنية واهميتها للتعامل مع انعكاسات تلك الأزمة
وتوابعها علي الاوضاع الداخلية.
وبتوافق ولربما تناغم مع تلك الحملة السعودية المناهضة للحملة الامريكية عليها
بدا ان السلطات السعودية تتيح لعناصر من الشعب السعودي ذات توجهات متباينة
وبعضها غير متسق مع الخط الرسمي للدولة للتحدث علنا في اطار الأزمة ورؤيتها لها
وخاصة من خلال الادوات والقنوات الاعلامية العربية وبالذات الفضائية منها
وبدرجة اكبر قناة الجزيرة الفضائية (قطر). في المقابل، بدا ان السلطات السعودية
وهي تواجة التحدي الامريكي وخاصة مع حسم الامور في افغانستان لصالح امريكا ـ
تتجة الي محاولة التخفيف من الضغط الامريكي عليها وذلك من خلال التناغم معها
وذلك بقبول المزاعم الامريكية بتورط سعوديين في الهجمات السبتمبرية علي امريكا،
وكذلك بالتعامل مع الساحة الامريكية مباشرة من خلال الاقلام الامريكية الزائرة
اوالمستكتبة من خلال شركتي الاتصالات والعلاقات العامة داخل الولايات المتحدة
الامريكية. وكذلك من خلال العناصر القيادية السعودية في سياق الوفد السعودي
الكبير لاجتماعات منتدي دافوس في اوائل كانون الثاني (فبراير) 2002 حيث رأس
الوفد رئيس الاستخبارات السعودية (الامير نواف بن عبد العزيز) ورافقة عدد من
الامراء والذين ادلي بعضهم بتصريحات واجري مقابلات تلفزيونية داخل امريكا
محاولين علي ما يبدو التأكيد علي الدور التعاوني للسعودية في الماضي وفي الحاضر
المستمر وفي القادم المحتمل. ويلاحظ مع ذلك كله، ان تلك الردود السعودية علي
الحملة الامريكية انتهت الي الدفاع عن علاقات السعودية مع امريكا والتعامل مع
تلك العناصر الاعلامية الامريكية الموصوفة بالمعادية للمملكة (مثلا، نيويورك
تايمز و واشنطن بوست تحديدا) والمتحيّزة للصهيونية، وصولا الي تقديم مبادرة
التطبيع الكامل مقابل الانسحاب الشامل لاسرائيل من الاراضي العربية المحتلة منذ
1967 رغم ما جري عليها لاحقا من تعديلات باتجاه السلام الشامل مقابل الانسحاب
الكامل نتيجة للردود العربية تجاهها، ثم اقرارها علي صيغة اكثر توازنا عربيا
بالاجماع في مؤتمر القمة العربية في بيروت 27 ـ 28 اذار (مارس) ـ 2002.
تلك المعالجة السعودية الرسمية اللازمة علي الصعيد الداخلي لايبدو انها طرقت
العناصر الاساسية للأزمة وجل مافعلتة انها لامست بعض منها ملامسة غلب عليها
الشكلية والمعالجة الانية (add-hoc) وغلبت البعد الخارجي (الامريكي والغربي
وتوابعه) علي البعد الداخلي المجتمعي المتصل بمسألة العلاقة بين الدولة
والمجتمع. وبينما بدا ان السلطات السعودية تشعر بالارتياح الي عدم تطور احداث
داخلية تتسم بالعنف وبالحدية ـ باستثناء احداث بدا انها عارضة (مثل التفجير
الذي وقع في الخبر، وكذلك محاولة التعرض لبعض الاجانب في الرياض) وكذلك الادعية
(القنوت) في صلوات الفجر والمغرب ضد الكفار والمشركين وتلك اوقفتها السلطات
السعودية عنوة لمن لم يتوقف طوعا، وكذلك بالارتياح الرسمي السعودي الي ما بدا
انه نهاية للمسألة الافغانية بأنهاء حركة طالبان وتدمير القاعدة وعناصرها بدرجة
كبيرة ـ وان كانت هذه و تلك مسألتين لازلتا فيهما نظر، مما خفف من الغليان
الداخلي والذي ترافق مع العمليات الحربية الأمريكية ضد أفغانستان والذي انعكس
بدرجة واضحة علي احاديث ومناقشات كثير من الفئات والشرائح الشعبية وما اتصل
بتقلقل الرأي العام المحلي بما في ذلك التوجه نحو الدعاء غير المحدد (الدعاء
بالنصر للمجاهدين من كل مكان دون تحديد أفغانستان) عندما اصبح الدعاء الصريح
ممنوعاً.وبالقدر الذي بدا للسلطات السعودية انها تحسم امرها بمزيد من التعاون
والاتساق مع الغرب وامريكا تحديدا بما في ذلك ما يبدو ان له صلة بطرح المبادرة
التطبيع الكامل مقابل الانسحاب الكامل ، رغم ما جري عليه من تعديل اقرته قمة
وبيان بيروت لاحقا، مضطرة او مقتنعة بذلك، فقد بدا للمجتمع وفئاته ان ذلك
الخيار تم علي حساب مشاعره وتوجهاته ودونما ان يكون له الصوت المسموع في تلك
السياسات والتوجهات مما زاد في سعة الفجوة بين الدولة والمجتمع وعكس بدورة
تراكم جذور ازمة في العلاقة كانت تتشكل منذ عقد ونيف ولكن تلك الاحداث افصحت عن
مظاهرها. وبالقدر الذي اخطأت فيه الولايات المتحدة الامريكية في معالجتها
لاحداث 11 ايلول (سبتمبر) باتباع استراتيجية ارهابية خارجية ودون الالتفاف
(مراجعة) حول سياساتها الخارجية والداخلية التي ولدتها، فان السعودية هي
الاخري، وبمراهنتها علي الخارج وعلي الوقت لتجاوز المسألة الداخلية، جازفت في
عدم التنبه الي مسألة الأزمة الداخلية وجذورها ومعالجتها معالجة حقيقية تنطلق
من رؤية صحيحة للخلل في العلاقة بين الدولة والمجتمع ومن ثم تصويبها بشكل صلب
يؤسس لمرحلة قادمة.
رغم ان تفاعلات الدولة والمجتمع في السعودية وفي سياق الأزمة، من حيث كونها
تفاعلات كانت تميل الي ان تكون غير متسقة وغير متوازنة ومتوازية وانما بدرجة
واضحة تبدو اكثر متعارضة او متفارقة، بدأت تخف مع مرور الوقت وما بدا انه
يتوافق مع حسم الامور عسكريا في افغانستان، الا ان الأزمة الداخلية والعلاقة
بين الدولة والمجتمع لا يبدو انها طرقت علي الاطلاق وما تم فيها كان معالجة
وقتية ظرفية ذات اتجاه واحد يركز علي التعبئة الاعلامية الرسمية ولكن بالنهاية
التوافق مع الخارج. ليس هناك علي، ما يبدو، رغبة او رؤية في النظر بان تلك
الاحداث وتوابعها ذات منبع ومكّون داخلي بحيث تحلل علي مستوي العلاقة بين
الدولة والمجتمع وبالبحث مع القوي الاجتماعية علي حلول لها. وكما كانت ازمة
الخليج الثانية، فأن المعالجة للازمة الداخلية المتصلة بأحداث 11 ايلول
(سبتمبر) كانت المراهنة علي الوقف مرة اخري وان الداخل ليس هو المشكلة وانما
الخارج والخارج فقط.
وحيث الامر كذلك من حيث ان جذور الأزمة في العلاقة بين الدولة والمجتمع وكونها
لم تعالج البتة، فان المسألة لازالت مفتوحة الاحتمالات والبدائل والتي قد تحمل
معها نذرا غير محمودة. ويبدو ان المشكلة في التحليل النهائي ترتبط بدرجة اكثر
تحديدا بان هناك اولا سوء تقدير اوتصور خاطيء لاهداف الحملة الامريكية علي
السعودية وحصرها ببعدها الصهيوني ـ اوهكذا قيل ـ والمسألة الدينية اوالتعليمية.
وثانيا ان هناك تجاوزا للمسألة الداخلية ذاتها والتركيز علي البعد الخارجي لها
وذلك في سياق التصور الخاطئ وعدم معالجة الشأن الداخلي معالجة تبدو فعلية وجدية
وذات جرأة بما يعني ويتضمن الملائمة مع متطلبات التكيّف للنظام السياسي في اطار
المحافظة علي استمراره واستقراره ولكن بصيغ أخري مستحدثة.
ثالثا: الدولة والمجتمع والغرب : في البدائل والاحتمالات
1 ـ في الحملة الامريكية علي السعودية ومشروع التقسيم
بداية يمكن التساؤل هل يمكن حصر الحملة الامريكية علي السعودية في مسألة اللوبي
الصهيوني والموقف العدائي من المواقف السعودية تجاه المسألة الفلسطينية؟
للاجابة علي ذلك يمكن القول بداية ان ذلك قد يكون جزئيا صحيحا ولكنة ليس الا هم
والابرز في الرؤية الامريكية من وراء تلك الحملة وعناصرها. ما هو مطلوب امريكيا
هو اولا، ان الدولة والسلطة السعودية علي مستوي القرار السياسي يجب ان لا تتردد
بل ويجب ان لاتفكر بذلك طالما ان الولايات المتحدة تري انها هي التي توفر
الحماية والامن للدولة والنظام وبالتالي فان التردد او الحرج بذاته لم يكن
مقبولا علي الاطلاق خاصة وان ذلك قد يعني ان التحالف في الحرب ضد الارهاب
سيتعرض للتشكيك والاهتزاز وهو مالم تكن الادارة الامريكية ترغب فية ولا العناصر
التي تقود تلك الحملة ـ ومن هنا كان التردد الظاهري للسعودية يمثل جرأة غير
مقبولة من دولة ـ هي مدينة، في الرؤية الامريكية، في وضعها الامني تحديدا
وتوابعه بما في ذلك الاقتصادي والنفطي للدولة والقوة الامريكية.وثانيا وهذا
يمثل النقطة الاهم والابرز،ان المخطط الامريكي اصلا في الحرب التي اعلنتها ضد
افغانستان وفي سياق ما أسمتة الحرب ضد الارهاب يتجاوز افغانستان الي الاحاطة
الكونية وبنقاط مركزية منها ذات صلة بالابعاد الاستراتيجية للنفط والغاز في
دائرة محورها يمتد من اسيا الوسطي شرقا وحتي منطقة الخليج العربي غربا. ومن هنا
فأن الحاجة ستكون لاحقة باتجاه اعادة صياغة الخرائط للمنطقة العربية تحديدا
وبالتالي فأن العودة لها ستكون امر قائما تتطلبه تلك المهمة خاصة وان المشروع
الامريكي هذا للمنطقة وبتوافق مع المشروع الصهيوني لها لم يتم بعد. واضافة الي
ذلك ثالثا، فأن صورة الشعب السعودي وفئاتة بدأت تتهاوي في الرؤية الامريكية
وخاصة في سياق ما سمي بالتفريخ للارهاب بشرا وعقيدة (الوهابية) وتمويلا خاصة
اذا ما قبلنا فكرة ان الذين قاموا بعمليات الحادي عشر من سبتمبر عام 2001 هم في
غالبيتهم من السعوديين. اضافة الي ذلك وفي صلبه فأن النظام السياسي السعودي بما
هو الحاضن لتلك التوجهات اصبح هو الاخر يمثل، في الرؤية الامريكية، عبئا لا
رصيدا وبالتالي فأن السعودية (دولة ومجتمعا) اصبحت مستهدفة في اطار المشروع
الامريكي للاحاطة الكونية والمتلاقي مع المشروع الصهيوني بالمنطقة والذي لم
ينجز يعد وبالتالي يحتاج الي تعويم ضمن اتمام المشروع الامريكي ذاته. هذا
الاستهداف للمنطقة العربية وبما هو تلاقي بين المشروعين الامريكي والصهيوني
يؤكده وزير الخارجية الامريكي كولن باول اذ، يقول، في خطابه امام جامعة لويزفيل
في 19ـ11ـ2001، ان الرؤية الامريكية لمنطقة الشرق الاوسط ستكون بعيدة المنال ما
لم تكن اسرائيل وجيرانها في حالة سلام .... .
ان الوصول الي هذه النقطة من تعويم المشروع الصهيوني في المنطقة باقامة المشروع
الشرق الاوسطي في اطاره الاقتصادي والمتداخل مع المشروع الامريكي للسيطرة علي
منطقة الغاز والنفط (السيطرة هنا قد تكون للاحتياج الذاتي اوللتحكم بالعالم من
خلال التحكم بالموارد النفطية) والممتدة من شرق افغانستان وبحر قزوين وحتي
منطقة الخليج العربي يتطلب بشكل اساسي ان تتواصل الحرب الامريكية علي الارهاب
بما في ذلك ازالة المعوقات القائمة في المنطقة وهي الحالة العراقية ومن ثم
السورية. ولكن قبل الوصول الي هذه الغاية لا بد من البدء من الحلقات الاضعف في
المنطقة العربية ( والتي قبلها او معها قد تكون الادراة الامريكية مشغولة في
احتواء او تصفية ما تسميه الارهاب و ارهاب القاعدة في حلقاته الاضعف علي
المستوي العالمي من الفلبين الي جورجيا وهكذا....) لتنفيذ المخطط الاستراتيجي
للمنطقة والعالم. وبالتالي ستكون البداية الصومال واليمن بدرجة احتمالية كبيرة
(والتي بوادرها بالفعل قد بدأت في الصومال حيث تضيق الخناق علي السواحل
الصومالية بالاساطيل الغربية الامريكية والالمانية تحديدا بحجة منع عناصر
القاعدة وكذلك محاصرة المؤسسات الاتصالية والمصرفية لشركة البركات بحجة علاقتها
بالتحويلات المالية للقاعدة، وكذلك ما يجري في اليمن منذ كانون الثاني (يناير)
2002 حيث القوات اليمنية وبدعم امريكي تطارد ما تسميه عناصر ذات صلة بالقاعدة
مع تأكيد امريكي بلسان بوش بأن امريكا تعمل علي منع ان يتحول اليمن الي
افغانستان اخري للقاعدة وهو ما رحبت به القيادة اليمنية وذلك كله للاحاطة
الجيوبوليتكية بالصومال و/ او بالنفط اليمني في تلك المعادلة الامريكية الكونية
وان تشكلا (الصومال واليمن) خلفية لمنطقة الجزيرة العربية ـ بما فيها وبدرجة
اساسية منها منطقة الخليج العربي ـ وكذلك لمحورها في اسيا الوسطي بحر قزوين
وافغانستان حاليا .
ومع اخضاع تلك الحلقات الاضعف، فعندها ولربما معها او بعدها سيكون العراق هو
المستهدف لالحاقه هو الآخر بالمنظومة الامريكية في اطار مشروعها الكوني وذلك من
خلال اقامة نظام حكم موالي لها كما هي الحالة الافغانية وتحت ذرائع ومسوغات
تتراوح بين التفتيش عن اسلحة الدمار الشامل وحقوق الانسان....الخ. ان الدائرة
النفطية وعناصرالطاقة الممتدة من روسيا ومرورا ببحر قزوين وافغانستان وايران
والخليج العربي بما في ذلك العراق تمثل الدائرة الاكبر والاهم للحياة
الاقتصادية العالمية المستقبلية. والعراق، اضافة الي كونة مع الحالة السورية
والفلسطينية يمثل عائقا للمشروع الصهيوني اصلا، يمتلك بذاته احتياطيا هائلا من
تلك الموارد، لذلك يبدو ان الهدف الامريكي، هو اختطاف هذا البلد ووضع اليد علي
موارده النفطية والحاقة تماما بالدائرة النفطية للنفوذ الامريكي. علية فان
الولايات الامريكية كانت منذ البداية ومع مرور الوقت تخطط للوصول الي استهداف
العراق تحت ذرائع محور الشر و اسلحة الدمار الشامل وبتنسيق متناغم بين كل من
بوش و بلير ورغم ما يتعرض له الاخير من ضغوط داخلية ـ بما في ذلك عناصر متزايدة
من حزبة ـ بعدم الانسياق التلقائي وراء مخطط الاول لضرب العراق.
من هنا فان المطلوب ان تكون السعودية وقرارها السياسي في نفس الاتجاه، بداية،
وكذلك فأن الخوف كل الخوف هو ان الحملة الامريكية علي السعودية ليست فقط حملة
صهيونية كما تراها السعودية وقياداتها وبعض من عناصرها الاعلامية، وانما هي
ايضا وبدرجة اكبر واخطر الضغط علي السعودية لكي تحصل منها امريكا علي ما يمكن
تسميتة الاسترضاء Appeasement السعودي تجاه العملية القادمة بضرب العراق. تلك
المسألة مسألة استرضاء السعودية نحو المسألة العراقية بدا انها في مراحلها
التحضيرية الاولي تقترب من تحقيق بعض من ثمارها حيث ؛ اولا ان تصريحات رئيس
الاستخبارات السعودي السابق (الامير تركي الفيصل ) ومقابلتة مع وسائل الاعلام
الامريكي تشير الي ان السعودية سوف تتعاون مع امريكا تجاه اسقاط النظام العراقي
وان شدد علي ان يكون ذلك من الداخل. وثانيا ان طرح المبادرة السعودية ـ في اطار
التطبيع الكامل مقابل الانسحاب الكامل ورغم ما جري عليها من ردودد فعل واتجاهات
بتعديلها وهو حدث بالفعل في مؤتمر القمة العربية في بيروت (27 ـ 28 اذار/مارس)
2002، بيروت) وكذلك رغم احتمال ربطها بالمسألة السياسية الداخلية من حيث محاولة
التأكيد علي تراتب السلطة والنفوذ ـ في هذا الوقت وعلي ما بدأت اول مرة علية
فانها تمثل لربما محاولة من قبل بعض القوي والتي قد تقف وراء الدفع بها الي
التعامل مع البعد الخارجي في سياق الحملة الامريكية او الصهيونية اوانها تمهد
للتطبيع القادم المحتمل. ومهما يكن من أمر حول مستهدفات ونوايا تلك المبادرة
وظروفها ومنابعها الداخلية او الخارجية، فان قبول ضرب العراق ـ او أي بلد عربي
آخر ـ والمساهمة في تغيير النظام بغض النظر عن طبيعة النظام والموقف منه، سيكون
بذاتة سابقة خطيرة وورقة ترفعها الدول الغربية وبالذات الامريكية في وجهة أي
نظام عربي بما في ذلك حلفاؤها في المستقبل ومنهم السعودية تحديدا. ومن هنا فان
المصالحة العربية التي تمت في اثناء مؤتمر القمة العربية في بيروت (27 ـ 28
اذار(مارس) ـ 2002م) وخاصة بين السعودية والعراق والي حد ما بين العراق والكويت
والاجماع العربي في القمة وقرراته علي الرفض القاطع لضرب العراق او أي بلد عربي
آخر، يشكل احد المداخل الاساسية لسد تلك الثغرة (ضرب العراق والملف العراقي
والحالة العراقية الكويتية) في وجة المخطط الامريكي المحتمل للمشرق العربي ومنه
ما يتصل باحتمال التعرض للسعودية لاحقا. ولذلك فان الخطوة التي اقدم عليها كل
من الامير عبد الله وعزت ابراهيم تستحق الاشادة، اذ انها تمثل الخظوة الاهم
والاساس في الطريق الصحيح والذي يحتاج الي مزيد من تلك الخطوات للبناء عليها
للوصول الي تطبيع العلاقات العربية ـ العربية ومنها وبدرجة اساسية السعودية ـ
العراقية وكذلك الكويتية ـ العراقية.
النار النووية والعراق
اذا تمت تلك العملية ـ عملية ضرب العراق ـ (وهو ما نتمني ان تكون القمة العربية
وقراراتها في بيان بيروت وفي اطارها المصالحة السعودية ـ العراقية وكذلك
الكويتية، قد اسست لارضية تحول دون حدوثه وان لازال هناك بعض المخاطر وكذلك
البدائل التي قد تستغلها امريكا لتنفيذ العملية مستقبلا) وفي سياقه او (معه
اوقبله الصومال والذي لا يبدويثير شجون وهموم العرب علي نحوكاف) واسقاط النظام
العراقي تحت أي حجة وهي ستكون سابقة خطيرة، كما اشرنا انفا، وقد تكون السلاح
الذي يشهر بوجه الحلفاء الحاليين مستقبلا ـ فان النقطة القادمة والابرز في
اتمام المشروع الامريكي من الهيمنة علي المنطقة وبما يتضمن من تعويم المشروع
الصهيوني ثم العودة الي استهداف الخليج والسعودية تحديدا ستكون سورية هي
المستهدفة ثانيا (بعد العراق) اذ ستكون محاصرة من جميع الجهات بقوي اما معادية
كما هي اسرائيل وتركيا او انها تقع في النفوذ الامريكي كما هوالأردن والعراق ـ
البديل اذا تم اوضعيفة وهي الحالة اللبنانية. عندها سيمكن اخضاع سورية طوعا او
كرها، اما طوعا فيتم الضغط عليها بتوقيع اتفاقية تسوية مع اسرائيل كما هي
اتفاقيات التسوية مع الاردن 1994ومصر 1979. واما كرها فان الامر ليس هوالاخر
مستبعدا وما لائحة الخيار النووي الا تمهيدا لذلك الخيار واحتمالاته رغم ان
الامر سيكون أسهل من ذلك بكثير اذا ما تم تحييد المسألة العراقية اصلا (في حالة
ضرب العراق وتغيير النظام واقامة نظام موال). ان خيار اللائحة النووية
الامريكية والذي سربته صحيفة لوس انجلس تايمز قبل فترة ورغم انه فيما ورد اصلا
في التقرير يستهدف سبع دول هي الصين وروسيا وكوريا الشمالية والعراق وسورية
وايران وليبيا الا انه من الواضح فان استهداف الصين وروسيا بقنابل نووية صغيرة
امر لا يمكن القبول او التصديق به ذلك ان اللعب بنار نووية وان كانت صغيرة مع
دولة نووية امر لا يمكن التحكم به وبالتالي فانه خيار لا يمكن الا ان يكون لدول
غير نووية اصلا وخاصة الدول العربية المعنية ومنها تحديدا سورية كما هي العراق
ولربما ليبيا ثم لاحقا المسألة الايرانية وحتي باكستان والتي يثير عدم ادراجها
اسمها في تلك القائمة علامات استفهام واستغراب في الوقت ذاته . فوق هذا وذاك
فان ذلك التلويح باللائحة النووية والخيار النووي المحدود وهويستهدف دولا عربية
(سورية العراق ليبيا)، قد يراد به دول عربية اخري كما هي مصر والسعودية تحديدا
للحصول علي الاسترضاء لكي يتم اخضاع تلك الدول العربية ومنها سورية ـ هنا ـ
عنوة ان لم يكن طوعا.
واذا ما تم اخضاع سورية عنوة او طوعا وفي اطار الاحاطة الكونية الامريكية
والمشروع الامريكي الصهيوني للمنطقة فان تسوية القضية الفلسطينية او تصفية لها
ستكون امرا ممكنا وان كان لايخلومن صعوبات ليست بالامر السهل. وفي سياق محاولة
تصفية القضية الفلسطينية يلاحظ ان الادارة الامريكية وفي ضوء عدم رضاها علي
نتائج القمة العربية وبيان بيروت وخاصة فيما يخص الاجماع العربي، بما فيه
الموقف السعودي والكويتي، الرافض لضرب العراق وبدرجة اكبر المصالحة السعودية
والكويتية مع العراق جعلها (الادارة الامريكية) تتآمر مع شارون للاطاحة بعرفات
وتدمير السلطة الفلسطينية بعدوانها الهمجي منذ صباح اليوم التالي لانتهاء مؤتمر
القمة العربية في بيروت وذلك للحصول منه علي تنازلات تحت الضغط وكذلك معاقبة
للعرب الاخرين وتعويضا ربما لتلك الخسارة الامريكية في المسألة العراقية . لذلك
ليس مستغربا ان توجه الادارة الامريكية وعلي لسان وزير خارجيتها كولن باول في
تصريحاته الصحافية (29 /3 /2002)، وبشكل اكثر وضوحا وفجاجة علي لسان الرئيس
الامريكي بوش نفسه، في تصريحاته (31 /3/2002)، الاتهام لعرفات وتحميله مسؤولية
العدوان الصهيوني الذي يجري منذ 29/3/2002، وتبدي في المقابل تعاطفها مع شارون
واسرائيل وان من حقها الدفاع عن نفسها.
السعودية والتطبيع
غير أن النقطة الاهم انه وفي سياق ذلك المشهد الاخضاعي ( اذا تم اخضاع سورية
بعد اخضاع العراق وهي حالات واوضاع نتمني ان تكون القمة العربية الاخيرة في
بيروت، اذار (مارس) 2002. وقياداتها قد وضعت قيدا قويا ومسافة بعيدة للوصول
اليها وتحقيقها) او في ثناياه ستكون المهمة الامريكية التالية هي اعادة ادماج
العناصر مع بعضها البعض وخاصة ادماج منطقة الخليج العربي ودوله بما فيها
السعودية تحديدا في ذلك التوجة وتلك الصياغة. واذا ما تمت تلك المشاهد اعتمادا
علي فكرة تكسير الحلقات الاضعف اولا، فعندها ستكون مصر والأردن ولربما لبنان
وكذلك العراق خارج المعادلة وبالتالي ستكون السعودية هي المستهدفة وفي وضع لا
تستطيع فية ان تقاوم ذلك الادماج. ان ذلك الاستهداف الامريكي للسعودية وبتناغم
مع الرؤية الصهيونية يعني ببساطة شديدة ان تقبل دول الخليج العربي وعلي رأسها
وفي المقدمة منها السعودية مسألة التطبيع مع الكيان الصهيوني (والذي يبدوان
السعودية في طرحها مبادرتها الاخيرة تحاول لربما اما التمهيد له ان لم تكن
تحاول التخفيف من الحملة الامريكية استرضاء والنتيجة النهائية في الحالتين في
حالة عدم التحصين الداخلي والعربي علي اية حال واحدة) واحياء فكرة الشرق اوسطية
وبالتالي تعويم المشروع الصهيوني مندمجا مع المشروع الامريكي. اننا امام عودة
الي الاصول والاساسيات للحملة الامريكية علي الارهاب والسعودية باعتبار ان
الاخيرة (السعودية في الرؤية الغربية والامريكية تحديدا) هي المركز للارهاب وهي
المشكلة وهي الخطر علي الغرب عموما وعلي الولايات المتحدة خصوصا وبالتالي فان
اعادة هيكلة السعودية اوتفكيكها هي المهمة الاساس المؤجلة في بداية الحملة
لضرورات اتمام المشروع الامريكي في سياق الاحاطة الكونية وضمن تكتيك انجاز
المهام مرحليا طبقا للحلقات الاضعف ولكنها المهمة الاساس الناجزة في نهاية مطاف
الحلقات الاضعف .
في حالة ممانعة السعودية لذلك التوجه في حلقاته النهائية وهوالتطبيع، فأن الأمر
سيكون بالتلويح بأمر اخر اكبر واكثر خطورة مما يتوقعه الكثيرون، انه مشهد
التقسيم والتفتيت للدولة والمجتمع في السعودية ولربما في منطقة الجزيرة العربية
كلها واعادة رسم خرائطها علي نحوآخر .
ان فكرة مشهد التقسيم والتي لا تبدوفي عناصرها جديدة، تقوم في توجهاتها
ومرتكزاتها الجديدة، والتي حاولنا منذ عدة سنوات خلت الاشارة لها ولفت انظار
المعنيين من صناع قرار ومثقفين في البلاد العربية، علي امكانية استغلال معطيين
اساسيين هما: النفط والاسلام (الاماكن المقدسة).ان النفط موجود بدرجة اساسية
بالمشرق العربي من العراق شمالا ومرورا بالسعودية ومنطقة الخليج العربي جنوبا .
واما الاماكن المقدسة (الاسلام) فانه في الجزء الغربي من المشرق العربي من
الحجاز (المنطقة الغربية) في غرب السعودية بدرجة كبيرة وحتي فلسطين (القدس)
شمالا. وبقدر ما يتعلق الامر بالخليج العربي عموما والسعودية بدرجة اكبر خصوصا،
فان مشروع التقسيم سيكون في مشهده الاحتمالي علي النحوالتالي: اقامة مناطق
اودويلات عازلة اولا: في المنطقة الشرقية وما يتصل بها من مناطق بترولية خاصة
بامتداد الربع الخالي (ولربما تربط بالشرق العربي من جنوب شرق الجزيرة وحتي
العراق شمالا في مرحلة من المراحل ) وحتي مشارف وادي الدواسر، ثانيا: في الحجاز
دولة اسلامية مفتوحة للجميع لاداء المشاعر الاسلامية وهذا الخيار الأخير ربما
قد تفعله امريكا لاقناع اواكراه بعض من المسلمين و/ او دولهم لربما قد يجد صدي
عند بعض المسلمين من الناحية الاسلامية ولربما سيكون مرحبا به من قبل بعض الدول
علي الاقل. وقد تسند تلك التوجهات بمدينة القدس مدّولة لكل الاديان بما في ذلك
الاسلام و بحلول مفروضة علي العرب والفلسطينيين ان امكن ذلك . ثالثا: اما
المناطق الشمالية والوسطي والجنوبية فانها تترك لقدرها تتطاير اوتتذرذر وبالشكل
الذي تريده اويراد لها، اما علي شكل امارات اومحميات اوعلي شكل ملاحق لكيانات
اخري. عندها سيكون الجميع خاسرا دولة ومجتمعا ومناطق بما في ذلك الوضعية
العربية وتلك حالة لا احد يرغب بحدوثها ولكن الرغبة شيء والعمل علي تفعيلها
بممانعة جادة شيء آخر.
ولعل السؤال الاكثر اهمية في ذلك السياق، هوهل هذا المشهد التقسيمي واحتمال
حدوثه امر ممكن ام لا؟ ان الاجابة عليه باليقين امر ليس ممكنا ولكن الاقتراب
منه امر قد لا يكون عسيرا. ان ذلك احتمال قد يحدث وقد لا يحدث ولكن كل المؤشرات
والدلائل تشدد علي ان الولايات المتحدة الامريكية لن تترك السعودية في مرحلة ما
قادمة علي ما كانت عليه وان اعادة هيكلة السعودية ستكون امرا قادما لامحالة وان
كان مؤجلا للمرحلة الاتية وهي الانتهاء من الحلقات الاضعف . وبينما كان هناك من
يصرح بان هناك توافقا امنيا استخباراتيا امريكيا ـ روسيا للتخلص من الحالة
العراقية والايرانية اولا ثم التفرغ للمهمة الاهم في النهاية في الجزيرة
العربية وتحديدا في السعودية و الارهاب السعودي حتي وان تطلب ذلك التخلص من
انظمة الحكم القائمة وهو ما اشــــــير الي ضرورته في النهاية، فان هناك من طرح
فكرة اقامة سياج حول المنطقة الشرقية من السعودية Fencing Eastern Province.
وفي سياق تلك الامكانية وذلك المشهد علي اية حال، ليتركز الامر علي بعض من
تصورها في سياق مشروطياتها: انطلاقا من تلك التلميحات والتصريحات، ماذا لو قررت
الولايات المتحدة واعلنت خطوط الطول واجزاء من العرض ـ (بدلا من خطوط العرض كما
هي الحالة العراقية) ـ لشرق الدهناء وغرب الحجاز، فمن الذي سيمنع الولايات
المتحدة الامريكية من تنفيذ ذلك؟ هناك من لا يصدق اولربما لا يريد ان يصدق بان
ذلك قد يكون ممكنا باعتبار ان ذلك وفي سياق المسألة النفطية السعودية
والاستقرار السياسي في المنطقة لن يكون في مصلحة هذا الخيار. ولكن في المقابل
يمكن القول انه ورغم ان مصلحة الولايات المتحدة الامريكية هي في الاستقرار
السياسي للمنطقة في اطار المسألة البترولية وهو ما تراهن عليه عناصر واطراف
عربية وغربية واهمة اومتوهمة ان امريكا سوف تتركها وشأنها علي ما كانت عليه،
فان هناك ايضا من يري ومن عناصر متنفذة في الغرب وفي الولايات المتحدة
الامريكية تحديدا ـ (وخاصة في سياق الفكرة المهيمنة بان ترك الحالة السعودية
علي ما كانت عليه امر لايمكن القبول به ويجب معالجتها معالجة جذرية والي الابد)
ـ انه من الممكن وفي المصلحة الامريكية تنفيذ ذلك المشروع التقسيمي وان ذلك امر
ممكن وفي اطار صياغة التقسيمات الصغيرة والضامنة للمسألة البترولية. أو ليست
الولايات المتحدة الامريكية هي القوة ـ علي الارض الضامنة حاليا لتلك المسألة
البترولية؟
يجب ان نقول ان المسألة ليست في تهويلها ولا في تضخيمها ولا في القول بان تلك
الامكانيات لن تلقي مقاومة اوممانعة محلية اواقليمية اوحتي دولية ولكن ايضا
نشدد علي القول بان ذلك اولا :احتمال ومشهد مستقبلي ويمكن اذا ما تمت لحظة
الحسم باتجاه السعودية والخليج العربي وفي سياق الادماج في المشروع الامريكي
والمتناغم مع المشروع الصهيوني عندها لن تكون المسألة تخيّلية وعند هذه
اللحظـــــة لربما تلتقي الرؤية الصهيونية بالحملة الامريكية علي السعودية
تحـــديدا كما يتصورها الرسميون السعوديون حاليا. اما لماذا الامكانية لتحقيق
مشروع التقسيم فالامر يرتبط اساسا بعدة عناصر منها ما هوخارجي مرتبط بدوافع
القوي الكبري وحلفائها بالسيطرة علي المنطقة وكذلك بالقوي الاقليمية وخاصة في
سياق العلاقات العربية العربية وطبيعة عناصر ومكونات القوة العربية وفاعليتها
وعدم متانتها اوتمتينها، ومنها ما هوداخلي يرتبط بالاوضاع الداخلية تحديدا.
ورغم اهمية العناصر الخارجية والتي قد نتعرض لبعض منها لاحقا، فان ما يهمنا
هوالبعد والعناصر الداخلية في امكانية تحقيق مشروع التقسيم. ونود التأكيد بداية
علي ان ذلك المشهد وعوامله العربية والداخلية تحديدا بالقدر الذي يمس ويفسر
الحالة السعودية ومستقبلها فانه لربما يقترب زيادة اونقصا من ذلك القدر الذي
يمس ويفسر الحالة العربية لمعظم الدول العربية ان لم يكن كلها وخاصة تلك الدول
التي تتعرض لتحديات داخلية مترافقة مع ضغوط خارجية.
بناء عليه فان ما هوداخلي يتصل ويمس مسا جوهريا مسألة ازمة الدولة والمجتمع
اوالعلاقة بين الدولة والمجتمع علي ضوء عدم قدرة اورغبة تكيّف النظام السياسي
اوالقائمين عليه وما يرتبط بذلك من مقومات لانجاح المشروع التقسيمي وخاصة في
سياق ضعف اوهشاشة ما يتصل بمسألة الاندماج وغموض فكرة المواطنة وغياب
الشــــعور بالمســــؤوليات لدي الافراد والجماعات في البلد وذلك لان سياسات
الدولة اتسمت بعدم التوازن من حيث التنمية وتوزيع مخرجاتها وذلك لغياب أصلاً
الإشراك المتوازن في المسؤوليات في انتاج تلك السياسات المتوازنة المطلوبة.
وتتداخل تلك الامور مع تزايد تلك المشاكل الاقتصادية والفساد المالي والاداري
في سياق استشراء المصلحة الخاصة وعلي حساب المصلحة العامة او مؤسسات لمواجهة
تلك التحديات.
ان كانت تلك تحديات حقيقية، فمن الذي يمنع الولايات المتحدة اذا ما اعلنت ان
شرق الدهناء من شمال الخليج الي جنوبه، علي سبيل المثال منطقة محظورة علي
التجاوز؟ من الذي سوف يحارب الولايات المتحدة الامريكية ؟ هل ابناء تلك الدول
لديهم الاحساس بتلك المسؤولية ويتوافرون علي القدرة والتعبئة المطلوبة؟ ان
المواطنين في بلدان الخليج العربي ومنهم ابناء السعودية، لربما لايقلون عن
اقرانهم الاخرين في العالم في رغبتهم في الدفاع عن بلادهم. ولكن لكي يحصل ذلك
فلابد من مقومات وتلك المقومات لايبدومتوفرة اذ ان المواطن العادي لايعرف بشكل
عام استخدام المسدس فكيف بمقاتلة دولة كبري وتحدي قرارها؟ الم تستطيع امريكا ان
تفرض مناطق عازلة في شمال وجنوب العراق وعلي بلد هو العراق وهو يعتبر اقوي
بكثير من السعودية مثلا ؟ وفوق هذا وذاك اننا امام مناطق ومجموعات لم تتولد
لديها فكرة الدمج و المواطنة وبسبب من السياسات التنموية غير المتوازنة
والقائمين عليها. انها مناطق ومجموعات تبدو معزولة اكثر عن بعضها البعض ولدرجة
ان كثيرا من الاهالي، افرادا وجماعات لا يعرفون ولم يزوروا تلك المناطق اومدنها
علي الاطلاق، بل ان هناك من لاحظ وباستغراب وتساؤل عن ان ابناء البلد يعرفون
مدنا عربية واجنبية اكثر بكثير من معرفتهم لمدن ومناطق بلدهم وبالتالي فهو يري
الحاجة ماسة الي التواصل الاجتماعي والثقافي. واذا ما تم تواصل بينها فان ذلك
لبعض ضرورات العمل اوالمرور. وحتي المدن الرئيسية والتي تستقطب معظم سكان البلد
(وهي الرياض ومكة وجدة والدمام والخبر)، فأنها ورغم انها تستقطب مجموعات من
مناطق مختلفة وتبدو ظاهريا اكثر اندماجا اودمجا من الناحية الشكلية، الا ان
واقعها الاجتماعي يشير الي انها مجتمعات مسكونة بتقاسمات مجموعات غير مندمجة.
ورغم ان الموروثات الاجتماعية قد تكون مسؤولة الي حد ما عن تلك الوضعية الا ان
السياسات التنموية غير المتوازنة بين المناطق والمجموعات وحتي في المدن
واطرافها والرؤية الاستراتيجية للقائمين عليها بما هي منظومة ناظمة ضاغطة قد
تكون بدرجة اكبر مسؤولة عن تواصلها وبالتالي بالتعاضد مع عوامل سالبة لبيئة
وبنية نظام تتسم بالجمود، تقفان وراء تكّون البنية ـ التحتية الانقسامية ومن ثم
البذرة التي قد تسهل عملية مشروع التقسيم في حالة الاصرار علي تنفيذه وفي غياب
مشروع الاصلاح واستمرار مشهد الانهيار وهو ما نعالجه ونفصل فيه تاليا.
2 ـ في طبيعة الأزمة الداخلية ومشهد (بديل) الانهيار
ان طبيعة الأزمة الداخلية ليست عارضة كما بدت وتبدوللوهلة الاولي او انها متصلة
فقط في سياق الموقف من السياسات الامريكية ذات الصلة بالحملة علي الارهاب
والمشكلة الافغانية في سياقها. ان تلك الاحداث منذ الحادي عشر من ايلول
(سبتمبر) 2001 وصاعدا وحتي هذة اللحظة ـ ولربما تتصاعد مستقبلا علي ضوء التقدم
علي مسار المشروع الامريكي في اطار الحلقات الاضعف وبالذات ما يخص المنطقة
العربية ـ هي بعض منها اومظاهرها وقواها المحفزة. ان طبيعة الأزمة تتصل
بالعلاقة بين الدولة والمجتمع علي خلفية عدة محاور منها محور الشرعية ومصادرها
ومحور التنمية والعدالة و الادماج ومسألة الفساد المالي والاداري ومحور الامن
والعلاقة بالاجنبي ومحور المشاركة السياسية وما يتصل بالتكوينات الجديدة وصناعة
القرار والميدان السياسي ونطاقه عموما. كل هذة المحاور تتصل اساسا وبدرجة كبيرة
بمسألة بناء الدولة وما يتصل بذلك من مسألة قدرة الدول والانظمة السياسية
ونخبها علي التحول اوالتكيّف مع التحديات الداخلية والخارجية. ان واقع الدولة
السعودية من حيث النظام وقدراته وامكانياته الحالية هوالذي يقبع وراء الأزمة
الداخلية أوانعكاسات الأزمة الخارجية (العلاقات السعودية ـ الغربية ومنها
الامـــريكية وحملتها تحديدا).
ان العلاقة بين الدولة والمجتمع في السعودية كانت بداية وفي بداية التأسيس
علاقة تقوم علي فكرة المساهمة والمشاركة بين الفاعليات والتكوينات الاجتماعية
انذاك سواء كانت حضرية قروية اوقبلية اومناطقية من جهة وبين السلطة السياسية
ممثلة بالملك عبد العزيز انذاك والذي مثل الزعامة التاريخية ونال شرعيتها. تلك
المعادلة وصياغتها كانت ترتكز علي عملية التوازن بين السلطة وتلك القوي وكأنها
عقد اجتماعي غير مكتوب يترك القرار السياسي وصناعته للملك والاسرة الحاكمة
(المحدودة انذاك) ولكنه في نفس الوقت يترك مجالا للتوازن مع تلك القوي من حيث
فكرة المساهمة والمشاركة علي الطريقة الخلدونية.
تلك الصيغة يبدوانها وخلال العقود الخمسة الماضية عبرت عن تلك المرحلة وقواها
الاجتماعية، غير ان التحولات في طبيعة القوي الاجتماعية والمتصلة بالتحولات
المادية والتحديثية ذات الصلة بآثار مداخيل النفط بدت وكأنها تتغير من طرف واحد
الا وهو تشكل وتكون قوي جديدة بتطلعاتها ورغباتها (رغم ما لحقها هي الاخري من
تآكل او فساد اوانحرافات نتيجة تعطل قدراتها اوتعطيلها بسبب جمود الطرف المقابل
والابعاد الاجتماعية المتداخلة معه) ، بينما الطرف الاخر وهوالمجال السياسي
ولمن الحق في المشاركة فيه بقي كما هودون تغير يذكر عدا لمسات تجميلية شكلية
(النظام الســـياسي ـ ومجلس الشوري ـ والمناطق) وهذه الاخيرة لم تكن تتوافق
وتغيرات العلاقة الجديدة المتكّونة. وخلال تلك الفترة السابقة بدا ان المعالجة
المالية للأمور تأخذ الحيز الاكبر من عملية تعديل الاختلال في العلاقة علما بان
ذلك ايضا تركز علي فكرة الاحتواء التوظيفي وبعض المشاريع والبني الاساسية غير
المتكاملة اصلا وبشكل عام وغير المتوازنة تحديدا وبشكل خاص علي مستوي او بين
المناطق والمجموعات.
ومع ازمة الخليج التالية 1990/1199 وتوابعها بدأت الاسئلة المجتمعية في البروز،
وخاصة من قبل القوي والفئات والعناصر الجديدة وسواء كانت ليبرالية اواسلامية
وحتي التقليدية، عن الامن والعلاقة مع الاجنبي وكذلك ادارة موارد الدولة
وتوازنها والحاجة الي مؤسسات سياسية وقانونية عصرية. ومع ان تلك الأزمة كانت
فرصة ثمينة لتكيّف النظام السياسي بصياغة اكثر استجابة مع تطلعات القوي الجديدة
واستمرار تقدم المجتمع ككل واستقراره، الا ان المراهنة علي الوقت كانت لها
الاولوية. ومع تزايد الانكشاف الامني المتصل في العلاقة مع الولايات المتحدة
وفي سياق المسألة العراقية وتواصلها وخاصة منذ 1995 فصاعدا، بدا ان هناك توجها
لتقلقل من فئات اجتماعية وصل بها الامر الي قضية التفجيرات في 1995/1996. تلك
التفجيرات ورغم اعدام بعض مرتكبيها وخاصة منفذي عملية 1995، بدأت تؤسس لموقف
شعبي معاد للوجود الامريكي في الخليج وفي السعودية تحديدا. ورغم ان السلطة
السعودية نفسها بدأت هي الاخري تتقلقل من تأثيرات ذلك الوجود ومسألة التدخلات
في الشؤون الداخلية (مسألة التحقيقات في التفجيرات وخاصة تفجير الخبر 1996
والذي لم تكن التحقيقات في اطاره قد انتهت حتي احداث الحادي عشر من ايلول
(سبتمبر) 2001) وكذلك رغم الاتفاق الناتج عن تلك التفجيرات بين السعودية
والولايات المتحدة الامريكية علي اعادة نشر القوات الامريكية وتجميعها في منطقة
الخرج تحديدا الا ان تلك المعالجات لم تكن تكفي لردم الفجوة الداخلية بين رغبات
وتطلعات الفئات والقوي الشعبية وبين رؤية النظام وضروراته اوخياراته للتعامل مع
تلك القضية.
ان الحل الامني لتلك المسائل وخاصة الاعدامات للعناصر المعارضة والمتصلة
بالتفجيرات لم يحل المشكلة بل ان المسألة اخذت بالتطور وخاصة بعد 1996 ثم لاحقا
بعد احداث 1998 بضرب العراق والسودان وافغانستان ثم انفجار الانتفاضة ضد
الاحتلال الصهيوني منذ 28 ايلول (سبتمبر) 2000 وما رافق ذلك كله من بعض
التقلقلات علي صعيد بعض الاحداث الاجتماعية كالمظاهرات التي حدثت في الجوف والي
حد ما في جدة والرياض والدمام وان كانت الاخيرات قليلة في حجمها) وكذلك اختطاف
الطائرة الي بغداد. كل ذلك ـ مع استمرار الانتفاضة الفلسطينية ضد الاحتلال
والحملة الوحشية الصهيونية المتواصلة، وصلة ذلك كله بالسياسات الامريكية
الداعمة للكيان الصهيوني بدون حدود، ـ ادي، بالتعاضد مع التراجع الاقتصادي وقلة
فرص العمل وتزايد البطالة وصلة ذلك بموارد الدولة وادارتها، الي تكوّن وتعزز
بيئة تتنامي فيها اسئلة مجتمعية مفتوحة عن تلك الاوضاع وكذلك الي تزايد العناصر
المعارضة للوجود الامريكي ولسياسات امريكا في المنطقة والمنحازة للكيان
الصهيوني. ثم وفي اعقاب احداث الحادي عشر من سبتمبر واتهام السعوديين بالهجمات،
بدا ان الامر يتعلق بمسألة اساسية لم يفكر فيها كثيرا الا وهي ان هناك مجموعات
سعودية تجاوزت مجموعة الـ1995 عددا وعدة وتخطيطا ومتجاوزة، فوق ذلك الدولة
السعودية من حيث اعطاء الانتماء والولاء السياسي لمجموعة ومركز غير الدولة وهذه
الاخيرة لا تعترف بها بل وتناصبها العداء. واذا افترضنا ان هولاء الخمسة عشر
مهاجما بالفعل سعوديون ـ كما يبدوان السلطات السعودية اقرت به مؤخرا كما سبقت
الاشارة اليه ـ وكذلك مابدا من تفاقم الازمة الافغانية وما بعدها من اعداد
متزايدة متعاطفة مع تلك المجموعة من تنظيم القاعدة وزعيمها اسامة بن لادن فان
الامر يعني فيما يعنيه، ولا يقتصر فقط عليه، ان الدولة السعودية من حيث هي سلطة
ومركز سياسي تعاني بالفعل من ما يمكن تسميته بـ ازمة الشرعية . ان الافتراق
الشعبي مع الحكومة السعودية في اطار سياساتها الخارجية والمستند علي اختلالات
في السياسة الداخلية خاصة في سياق انغلاق الافق السياسي واختلالات في التنمية
وعدم توازنها خاصة بين المناطق اضافة الي مشاكل اقتصادية عامة ذات صلة بادارة
الموارد بشكل عام، قد اصبح واضحا جدا في ثنايا ازمة احداث ايلول (سبتمبر) 2001
وما بعدها.
ان الشرعية لاي نظام سياسي غالبا ما تأتي من رضاء وقبول الناس لذلك النظام
وسياساته ومخرجاته. ومصادر الشرعية عادة ما ترتكز الي عدة عناصر منها الزعامة
التاريخية، العقيدة والدين (الايديولوجيا) والهوية وكذلك الانجازات التنموية
وتوفير الحماية والامن وبشكل عام قدرة النظام علي التعامل والتكيّف مع
الاحتياجات الشعبية والتحديات بكافة تجلياتها. وحيث ان الزعامة التاريخية
(الملك عبد العزيز) للدولة السعودية لم تعد هي الماثلة والقائمة في المرحلة
الحالية وذلك بانقضاء مهامها اصلا مع بداية تكوين الدولة، وكذلك مع تغليب
المصالح السياسية علي مسألة العقيدة والدين والهوية وخاصة بالانسياق وراء
العلاقات الدولية وبالذات الغربية والامريكية تحديدا، وكذلك حيث ان الدولة منذ
1990 فصاعدا بدأت وبشكل مكثف تعتمد علي الحماية الاجنبية والامريكية تحديدا
وبالتالي عدم قدرتها او لربما رغبتها في توفير الحماية الذاتية، ومع تنامي عجز
الدولة في اداء متطلبات التنمية وتوازنها بين كافة المناطق والمجموعات وعلي اسس
تحقق العدالة والكرامة والرفاهية للجميع وبشكل متوازن، وكذلك مع تزايد البطالة
والتي سوف تتفاقم مع تزايد السكان، ومع انعدم الشفافية والمكاشفة تجاه تلك
القضايا والمسائل، فان ازمة الشرعية للدولة السعودية لم تعد منطقة غير واضحة.
وبغياب الانظمة والقوانين المؤسساتية والتي توازن بين تلك الحاجات وتحقق الرضا
والتوازن والاستقرار، ومع سيطرة قوي ونخب مغلقة ذات امتدادات عائلية (عدد من
العائلات والاسر) ومناطقية بعينها (وعدد من قري اومدن من تلك المناطق وليس
بالضرورة كلها) علي صياغة السياسيات التنموية وتوزيعات مخرجاتها وعلي نحو يأخذ
في حسبانها مصالحها هي بدرجة اساسية او امتداداتها المناطقية الي حد ما، فان
الفساد والمحسوبية اصبحت هي الاخري مستشرية في الدولة والمجتمع علي حد سواء.
وبموازاة ذلك كله، اصبحت المصلحة الخاصة والخاصة جدا هي معيار العمل وعلي حساب
المصلحة العامة وخاصة في مرافق الدولة ومؤسساتها . كل ذلك ادي الي انحرافات من
قبل فئات اجتماعية متنامية سواء علي مستوي الافراد اوالمجموعات اوالمناطق وتلك
الانحرافات بدأت تأخذ اشكالا متعددة بما في ذلك الانحرافات الاخلاقية والمادية
وكذلك الانحرافات في الولاءات السياسية وتجاوز الدولة. وحيث ان الافراد
والمجموعات الشعبية ليست مشركة في العملية السياسية علي نحو واضح ومحدود بحيث
تدخل في عملية صناعة القرار وانتاج السياسات المطلوبة وتتحمل مسؤولياتها، فأنها
لن تكون بمنأي عن تلك الانحرافات وبالذات السياسية منها بما في ذلك التطرف
والنزوع للعنف ضد الدولة وسلطتها وسياساتها وارتباطاتها الخارجية ومنابعها
الداخلية. وبالتالي فان الأزمة الداخلية، ان لم يتم تداركها علي نحويقترب مما
سوف نفصل فيه تاليا، سوف تتفاقم مع الوقت ولربما تعجل بنمو بذرة الانهيار وبروز
مشهده.
3 ـ الاحاطة بالأزمة الداخلية والخارجية وبديل الاصلاح
ان جوهر الأزمة بين الدولة والمجتمع يرتبط كما اسلفنا بانغلاق الافق والنطاق
السياسي للنظام في وجه القوي والفئات الاجتماعية والشعبية وما ولدته تلك الحالة
من افتراق بين الطرفين. ان معالجة الازمة الداخلية لا تتم من خلال المعالجة
لبعدها الخارجي مع الغرب بمزيد من الاتساق معه وهو ما يعمق ذلك الافتراق ويزيد
ازمة الشرعية للنظام تعقيدا، وليس عن طريق الحلول الامنية والقسرية ومحاولة
المراهنة علي الوقت بمعالجات وقتية وظرفية. ان معالجة الأزمة الخارجية وكذلك
الأزمة الداخلية تتجه جوهريا الي الاحاطة بمسألة ذلك الافتراق وما يتطلبة
بالفعل من الاتجاه الي اصلاح الدولة واعادة بنائها بصياغة جديدة للابعاد
السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والاعلامية.
ان نظريات التنمية السياسية بكافة تياراتها وتشعباتها (مدخل بناء الدولة
القومية، ومدخل معضلة الخيارات ومسألة التحديث والاستقرار السياسي ومدخل قوة
وضعف الدولة) تؤكد جميعها، وبرغم الملاحظات عليها، ان قدرة النظام السياسي لاي
دولة علي الاستمرار والبقاء والارتقاء بالمجـتمع ومقدراته، تقوم علي قدرة ذلك
النظام والدولة علي التكيّف مع التحديات الداخلية والخارجية وضروراتها. كل ذلك
مرهون بمرحلة من المراحل بقدرة ورغبة النخب الحاكمة علي المضي في ذلك الاتجاه
وليس الوقوف عند فكرة اللحظة التاريخية لتولد ذلك النظام باعتبار انها
وصياغاتها فكرة خالدة اويجب ان تستمر كذلك.
ان ادارة البلد وعلي الطريقة التقليدية حتي وان استندت الي تكنوقراطية و
بيروقراطية تبدوحديثة ـ لم تعد تتناسب والتغيرات المجتمعية المحلية وكذلك
المعطيات الدولية والاقليمية المحيطة. كانت تلك الادارة مناسبة ربما لفترة ما
قبل نهاية الثمانينيات من القرن الماضي اما منذ العقد الاخير للقرن الماضي
وبدرجة اكبر منذ دخولنا الالفية الثالثة فان تلك الادارة ليست فقط غير مناسبة
بل ان استمرارها يشكل عبئا وتكلفة باهظة ليس علي القائمين عليها فقط وانما علي
البلد دولة ومجتمعا. ورغم ما يقال عن ديموقراطية الصحراء لتلك الادارة ومجالسها
فان تلك لم تعد تمثل الاطار المناسب وكذلك فان مرتاديها هم في الغالب من كبار
السن وليسوا من الاجيال الجديدة والذين قد لا يجدون فيها الخلاص. ورغم الجانب
الانساني في تلك المجالس بان يقابل اعلي قيادي في البلد مواطنيه (وبعض منهم
بشكل دوري كما هي الحال مع سموولي العهد الامير عبدالله) فان الامر لا يخلومن
اثار سلبية في الوقت ذاته، ذلك ان عددا من الذين يرتادون تلك المجالس غالبا هم
من كبار السن والشيوخ والذين يأتون من اماكن بعيدة للبحث عن حلول لمشاكلهم
والتي لووجدت الاليات والاجراءات والمؤسسات المركزية والمحلية ذات الصلاحيات
والاطر القانونية، لما كان لهذه المعاناة ان تحدث وتستمر. اضف الي ذلك حقيقة
بشرية وهي عدم امكانية وقدرة ان تستطيع القيادة، أي قيادة مهما أوتيت من قدرات
ورغبات في ذلك الاتجاه (رغم احتمال وجود مستوي عال من الرغبة في ذلك)ان تحل
مشاكل افراد المجتمع وفئاته بهذه الطريقة والتي ايضا، ان وجدت، قد تبقي اسيرة
للحاجب والوسيط والذي يتحكم بمن يدخل ومن لا يدخل ثم بعد ذلك للشارح والمنفذ
والمتابع وكلها حلقات يصعب التحكم بكفاءاتها وبالتالي اضعاف تلك الادارة عموما
لدرجة انها تولد نقيضها من حيث عدم قدرتها علي الاستجابة لتلك الحاجة
الاجتماعية العامة وبالتالي تصبح فعليا غير ملائمة.
ولحل الأزمة الداخلية في السعودية ـ ولربما في البلدان العربية الاخري المماثلة
قياسا ـ وبما هي علاقة بين الدولة والمجتمع فان المخرج هوبديل الاصلاح والذي
يتطلب التفهم وامعان النظر فيه من قبل المعنيين ببقاء الدولة والمجتمع علي حد
سواء. وحيث ان بديل الاصلاح يتطلب اصلاح بنية الدولة واعادة صياغة العلاقة بين
الدولة والمجتمع علي اساس تكيّف قدرات النظام في المجال السياسي والاقتصادي
والاجتماعي، فان الامر يحتاج الي تحديد الخطوط العامة للاصلاحات المطلوبة في
تلك المجالات.
في المجال السياسي
يجب الانطلاق من فكرة جوهرية وهي الانطلاق من المواطن نفسه واعادة الاعتبار
اليه والثقة فيه بحيث يكون الاساس والجوهر هو اشراك المواطن في الحكم بمعني
ادخال المواطن الي دائرة الحكم وصناعة القرار بدلا من ان يكون خارجها كما هو
حاليا. تلك تقتضي معالجة مسألة المشاركة السياسية وهذا يتطلب ايجاد صياغة
حقيقية لفصل السلطات (التشريعية، والتنفيذية، والقضائية) منطلقة من قيام نظام
دولة ملكية دستورية بحكومة رئاسية وهذا يعني ويضمن بقاء واستمرار الملك علي قمة
هرم الدولة وهو ما يعني ايضا التأكيد علي بقاء الاسرة السعودية باعتبارها القوة
الاعلي في هرم قيادة وادارة هذه الدولة. وهذا يعني ايضا ان الملك ستكون له
سلطات سياسية اصيلة واضحة تعطيه الحق الدستوري عن طريق الارادة الملكية في
تكليف تشكيل الحكومة اواقالتها اذا لم تنسجم مع السلطة التشريعية والقيام
بمهامها أي برنامجها الحكومي بحيث تكون الحكومة اصلا مسؤولة امام السلطة
التشريعية وبحيث يمكن للاخيرة التصويت علي الحكومة بالثقة من عدمها وبمحاسبة
الوزراء وكذلك المساءلة القانونية ومناقشة الميزانية والمصادقة عليها اورفضها.
واما من يكون الملك وهورئيس هذه الدولة فهذا امر يترك للاسرة السعودية وقد يكون
من المناسب ان يقوم مجلس الاسرة والذي يفترض ان يتشكل بآلية ترضي الاغلبية عنها
اوتتوافق عليها بعملية اختيار الملك. وتلك العناصر السابقة واللاحقة يجب ان ينص
عليها دستور محدد النصوص وبموافقة شعبية عليه استفتاء شعبي ثم يربط ذلك الدستور
للمراجعة اوالتعديل اواية اضافة اوحذف فيه للسلطة التشريعية باعتبارها صاحبة
الصلاحية في تلك الامور . وتلك السلطة التشريعية والتي تأتي عن طريق آلية
الانتخابات هي المؤسسة التي يتم من خلالها اشراك المواطن في الحكم وصناعة
القرار. والسلطة التشريعية تلك يمكن ان تتكون من مجلسين بحيث يمكن ادخال القوي
الاجتماعية الجديدة والشعبية وكذلك ايجاد التوازن مع القوي الاجتماعية
التقليدية والاعيان والمشايخ وبعض الاقليات والعلماء. ولاتمام تلك العملية فان
مجلس الشوري الحالي يتطلب التطوير الي سلطة تشريعية اصيلة وتحويله الي مجلسـين،
مجلس شوري منتخب للشعب وآخر للاعيان. ويمكن للاخير ان يتم اختيار اعضائه
بالتعيين بحيث يضمن دخول تلك القوي التقليدية ومن في حكمها من اجل الموازنة
وكذلك للاحاطة بالمسألة الاجتماعية.
وفي سياق تطوير مجلس شوري منتخب لربما هناك من يثير مسألة التخوف او التخويف من
الابعاد القبلية والطائفية وكذلك الاشارة إلي عدم وعي الشعب في تلك الاتجاهات.
وتلك حجة ليست قوية اذ ان بعض البلدان العربية (لبنان ـ الاردن ـ الكويت ـ
اليمن ـ) وكذلك الافريقية وحتي في الهند ومناطق اخري اتاحت المجال للانتخابات
رغم التنوع القبلي اوالطائفي والعرقي ولم تتعطل العملية السياسية. فوق هذا ،
فاننا نزعم ان القبيلة، كمؤسسة ناظمة مهيمنة علي ومحركة لمن ينتمون اليها، في
السعودية قد ضعفت وضعفت بدرجة كبيرة. وهذه الوضعية تنسحب علي كافة القبائل في
السعودية وان كانت بنسب متفاوتة اذ هي بالشمال اضعف منها في الجنوب والوسط.
وبغض النظر عن الفوارق تلك واسبابها (ولعل هذة النقطة الاخيرة بما هي ظاهرة
تحتاج الي اعمال النظر والدراسة المعمقة لها) فان فاعلية القبيلة في السعودية
لم تعد واضحة الا في مسألة الانتساب الاجتماعي وحل بعض المشاكل مثل الديات وتلك
الاخيرة ليست اساسا مسألة سلبية بل انها قد تكون اضافة في اطار بعض التكوينات
للمجتمع الاهلي.
ومهما يكن من امر فان فاعلية القبيلة من حيث حركتها السياسية ومدي تحكم شيخها
في تلك الحركة لم تعد محسوسة تماما. كذلك فان القبيلة من حيث هي بنية ذات نظام
سياسي واجتماعي وقانوني عرف ودينامكية في اطار الحمي الاقليم والغزو باعتبار
الاخير احدي وسائل الحياة والعيش التي لم تعد قائمة ابدا ذلك ان الدولة اصبحت
ليست فقط المنافسة بل المهيمنة خاصة وان الاخيرة هي المتحكمة بالموارد بكافة
عناصرها. اضافة إلي ذلك فان الانتخابات ومسألة البعد الاجتماعي منها انما تحتاج
إلي مزيد من الولوج باعتبار ان تلك تجربة تحتاج إلي المساهمة في انضاجها. ان
ذلك يتطلب البدء فيها وليس الانتظار لانه ليس هناك نقطة نهائية للقول بالوصول
عندها. اضف إلي ذلك كله ان تلك المخاوف يمكن تحييدها عن طريق آلية ايجاد
المجلسين لكي تعطي الفرص المتوازنة لتلك القوي التقليدية مع القوي الاخري وذلك
من خلال مجلس شوري الاعيان وعن طريق التعيين لنسبة ما من اعضائه ان كان ذلك
ضروريا وخاصة في المراحل الاولي من العملية السياسية بصيغتها الاصلاحية. اضافة
إلي ذلك كله فان هناك من يري وبناء علي ملاحظة التجارب العالمية تاريخيا وحاضرا
بان التركيب القبلي او الطائفي لم يكن عائقا تجاه التحول إلي المشاركة السياسية
الانتخابية ذلك ان التوازنات القبلية بحد ذاتها وهي في سياق الندية والمساواة
ستعمل علي موازنة بعضها البعض وبالتالي قد تكون دعامة قوية ضد الطغيان
والاستبداد ذاته.
اضافة الي السلطة التشريعية بشقيها (شوري الشعب والاخر للاعيان) فان الحكومة
(السلطة التنفيذية) يجب ان تشكل دائما بناء علي اتجاهات الانتخابات في السلطة
التشريعية ويكلف الملك الشخصية سواء احد الامراء او احد ابناء الشعب ويفضل
الاخير وذلك بما يعفي الاسرة من مسؤوليات وتبعات اخفاق الحكومة وادائها التي
تشكل الحكومة من المجموعات او القوي او الكتل الاكثر وزنا (عدد المقاعد) داخل
السلطة التشريعية لمجلس الشوري المنتخب. وبغض النظر عن من يرأس الحكومة فان
تشكيل الحكومة يجب ان يربط ببرنامج محدد ومسؤولية قانونية امام مجلس شوري الشعب
والاعيان بحيث يمكن التصويت علي الحكومة وبرنامجها بالثقة او سحبها ومساءلة
الوزراء ومحاسبتهم وكذلك مناقشة الميزانية والموافقة عليها او رفضها. وفي حالة
تشكيل أي حكومة سواء في اعقاب الانتخابات التشريعية او في حالة احلال حكومة بدل
اخري نتيجة التصويت والاخيرة يجب ان تقدم استقالتها امام الملك فان ذلك يستند
إلي صدور ارادة ملكية وبخطوط عامة للبرنامج الحكومي والذي يتحدد لاحقا بشكل
تفصيلي لاقراره من السلطة التشريعية. ويمكن التأكيد علي ان يحتل بعض المناصب
الوزارية عدد من افراد الاسرة السعودية وخاصة بعض الوزارات السيادية (مثل
الداخلية والدفاع والخارجية) وعلي نحو متعارف عليه والي فترة تشعر فيها الاسرة
بنوع من الاطمئنان بان الاصلاح لا يستهدف الاقصاء وانما يستهدف التطوير وتمتين
العلاقة بين الدولة والمجتمع بحيث يكون الاخير جزءا ومركبا اساسيا من اساسيات
النطاق السياسي واتخاذ القرارات ومصدر مشروعيتها. وفي حالة التوجه إلي هذا
البديل الاصلاحي فانه علي مستوي برنامج الحكومة، فان مكافحة الفساد بكافة
اشكاله وتجلياته باعتبار ان الفساد اصبح سرطانا يشمل الجميع ولا يستثني احدا
تقريبا وخاصة في الابعاد المالية والادارية والمحسوبية وكذلك التأكيد علي تغليب
المصلحة العامة علي المصلحة الخاصة يجب ان تحظي بأولوية قصوي لاي حكومة بهذا
الاتجاه.
ارتباطا ببديل الاصلاح في بعده السياسي والذي يرتكز علي فكرة قيام نظام ملكي
دستوري رئاسي وهو ما يعني تنمية سياسية مطلوبة للتكيّف مع التحديات الخارجية
والداخلية فان قيام نظام وسلطة قضائية مستقلة يعتبر من مكونات ذلك البديل
واركانه الاساسية. ان هذا يعني فيما يعنيه قيام وايجاد نظام قانوني دستوري يحدد
تلك السلطات والاختصاصات وعلاقاتها وبما يؤكد علي سيادة القانون والذي يتمحور
حول الانسان وكرامته وحقوق الافراد وحرياتهم الاساسية في مقابل الواجبات
الملقاة عليهم. ولكي يصار إلي هذا النظام القضائي فيمكن الدمج بين المصادر
التشريعية الاسلامية باعتبارها المصادر الاساسية ولها الأولوية وبين المصادر
القانونية الانسانية وتلك الاخيرة اصبحت ضرورات الحياة تحتاجها ولا تقوم بدونها
ولا تتعارض بالمطلق مع الاولي.
وفي سياق تلك المسألة وتحقيقها فان هناك حاجة ماسة إلي اعادة هيكلية وتأهيل
الطاقم القضائي كاملا بحيث يجمع بين متطلبات الشريعة وضرورات القوانين العالمية
وان يكون لدي القاضي المام قانوني فقهي اسلامي وعالمي مقارن. وفي هذا السياق
يؤكد علي مساهمة كافة العلماء والمشايخ من كافة المدارس والمذاهب الاسلامية في
تلك المؤسسات القضائية وبما يعني الانفتاح علي المذاهب الفقهية الاخري وان لا
يكون حكرا علي فئة اومدرسة فقهية بعينها.
وينطبق هذا علي التوجه بالانفتاح الديني علي كافة الاتجاهات العامة بحيث يمكن
للمواطنين من مختلف المدارس والمذاهب الفقهية المساهمة في المسألة الدينية
وشعائرها بما في ذلك مهام الدعوة والارشاد وكذلك الامر بالمعروف والنهي عن
المنكر وكذلك في امامة الصلوات وخاصة في قائمة ائمة وخطباء المساجد وبالذات
الجمع. ان تلك الاصلاحات القضائية والدينية ذات الصلة في سياق بديل الاصلاح
وخاصة وجود نظام قضائي دستوري متطور ومنفتح هو ايضا اصبح من متطلبات التوجهات
العالمية وخاصة فيما يتعلق بتسهيل انضمام المملكة إلي منظمة التجارة العالمية
والتي تشترط اساسا حدوث اصلاحات جوهرية في تلك الابعاد وبما يضمن الحقوق
والممتلكات للمستثمرين ويسهل من مهمتهم ، قبل قبول الانضمام.
في المجال الاقتصادي
ورغم ان هذا مرهون بعمل الحكومة وبرنامجها الحكومي لفترة عملها فان التأكيد هنا
يكون علي التشديد علي مسألة التعامل مع قضية التنمية الاقتصادية وابعادها كافة
بما يحقق العدالة الاجتماعية والرفاهية والتقدم والكرامة للجميع افرادا وجماعات
ومناطق وهذا يتطلب ان تعاد صياغة اولويات التنمية والخدمات المتصلة بها
(تعليميا ـ اجتماعيا ـ صحيا ـ مائيا ـ زراعيا...الخ) بحيث يكون هناك توزيع عادل
ومتوازن للموارد وان تتاح الفرصة الكاملة والمتساوية لابناء البلد ومناطقها
للحصول علي تلك الخدمات والحاجات من خلال؛ اولا، توزيعها علي المناطق وليس
حصرها في مناطق او مدن منها بعينها والذي يعني، في حالة استمرار انحرافها كما
هي عليه الان ، المزيد من التشوهات الاقتصادية والاجتماعية وبما يزيد من
الهجرات من مدن ومناطق بعينها وبما يراكم مشاكل ومتطلبات لا تستطيع معها تلك
المدن اصلا ولا اجهزتها سواء خدماتية او امنية السيطرة عليها. وثانيا اشراك
المواطن علي مستوي الدولة المركزية وعلي مستوي المناطق والمحافظات والمراكز
بعملية صياغة السياسات التنموية ومخرجاتها وتقويمها. وفي هذا السياق فان وجود
لامركزية في المسائل المالية والصلاحيات في اتخاذ القرارات علي مستوي المناطق
قد يكون هو الخيار الافضل مع توفير قدر كاف من الموارد المالية للمناطق حسب
احتياجاتها التنموية حتي تصل إلي درجة معقولة من التوازن مع المناطق الاخري ثم
تصبح المسألة لاحقا حسب الاحتياجات النسبية لكل منطقة.
ان الاختلالات التنموية بين المناطق وخاصة التدني في مستوياتها في المناطق
الجنوبية والشمالية هو الذي يفسر إلي حد ما نزوع بعض الافراد والجماعات من تلك
المناطق إلي العنف او تجاوز الدولة وهذا الربط بدأت تلحظه حتي المصادر الغربية.
ورغم ان الدولة وقياداتها وخاصة بتوجيهات الامير عبدالله تحاول منذ اكثر من
سنتين توجيه الاهتمام إلي تلك المناطق وبالذات الجنوبية علي اثر انتشار حمي
الوادي المتصدع، وبدرجة اقل الشمالية ، فان الامور لازالت تسير ببطء. ان حالة
نزوع الافراد إلي العنف نتيجة الفقر والافقار والاختلالات الاقتصادية لايجب ان
ينظر اليه في بعد التظلم الفردي للفقر والافقار وتلك حالة وان كانت عامة، الا
انها وفي سياق الربط بالتظلم الجماعي او المناطقي ـ قد تكون هي المحرك لذلك
النزوع العنفي حتي وان كان بعض الافراد المنخرطين فيه من موسري الحال. وفي سياق
المعالجة الاقتصادية فان معالجة البطالة والتوظيف والديون وتطوير ادارة موارد
الدولة يجب ان تحظي بأولوية قصوي لحكومة الاصلاح.
في المجال الاجتماعي
وفي المجال الاجتماعي هناك حاجة ماسة لتطوير قوي ومكونات المجتمع الاهلي في
كافة القضاءات والاشغالات الاجتماعية وان لاتربط بتشكيلات رسمية او قيود وبما
يعني ويضمن انهاء الوصاية الفوقية علي تلك التكوينات (الجمعيات) الاجتماعية
بحيث يمكنها القيام بمهام وادوار اصبحت الحاجة اليها في هذا العصر وفي سياق
تقديم خدماتها في كافة المجالات التنموية المعنوية والمادية لكثير من الافراد
والمجموعات ـ ضرورة من ضرورات الحياة والعيش المشترك خاصة مع تراجع قدرات
الدولة في تقديم تلك الخدمات ومع تزايد الادوار والمهام للقطاعات الخاصة
الاهلية في كافة الدول وبما يتماشي واتجاهات العولمة وتحدياتها. ان ذلك التطوير
والتفعيل لمكونات المجتمع الاهلي في كافة القضاءات والاشغالات الاجتماعية يعني
فيما يعنيه وبدرجة جوهرية تفعيل جمعيات اهلية مستقلة للانسان في مجال الحقوق
والحريات وكذلك البيئة والصحة والاستهلاك إلي جانب وجود جمعيات رسمية
اوحكومية.ان اعلان الحكومة السعودية منذ اكثر من سنتين عن تشكيل جمعيات حقوق
انسان اهلية ورسمية خطوة في الطريق الصحيح والتي يجب ان يؤكد عليها مرة اخري
ولكن بشكل يتطلب فكرة اكتساب المشروعية الاهلية والقانونية وذلك بان يشرع لها،
من قبل السلطة التشريعية المتكونة في سياق بديل الاصلاح، وبما يحدد مهامها
اوضوابط عملها انطلاقا من صدور تشريع اوقانون لتلك الجمعيات وقوي المجتمع
الاهلي. وفي سياق الاصلاح الاجتماعي، يجب التأكيد علي مراجعة جدية وحقيقية
لاوضاع وادوار المرأة في العملية التنموية بكافة ابعادها وكذلك في الابعاد
الاخري ذات الصلة بالعملية الاصلاحية.
رابعا: معوقات بديل الاصلاح ومحفزاته
ان تلك العناصر والتي فصلنا في بعضها، تشكل في شموليتها مشروعا يبدو هائلا
وثقيلا ولربما من الصعب تحقيقه في كلياته وفي ان واحد. ومع ذلك فاننا وان كنا
لا نقلل من اهمية المصاعب التي قد تواجهه وبالتأكيد ستواجهه، فاننا نري في
الوقت ذاته ان تنفيذ العناصر الاساسية من بديل الاصلاح امر جوهري لانقاذ البلد
سلطة ومجتمع والا فان مشهد الانهيار سيكون البديل ـ الامكانية. ومشهد الانهيار
هو استمرار الاوضاع كما هي عليه اعتقادا من القائمين علي اتخاذ القرار بان
الأزمة تم تجاوزها من خلال المعالجات الظرفية والمؤقتة ذات الصبغة المهدئة
والمسكنة والتي ترافقت لربما وحالة سكون ظاهرية لكنها قد تكون حالة خادعة ذلك
بان تلك المعالجة لم تكن معالجة فقط شكلية وانما كأنها واصحابها لا تعترف او لا
تريد ان تعترف بوجود أزمة بالفعل في العلاقة بين الدولة والمجتمع والتي وصلت
الي حالة يمكن وصفها بانها شجرة وصلت الي شيخوختها قبل أوانها بفعل النخر الذي
بدأ يسري فيها من الفروع الي الجذع والعكس صحيح وانها فقط مرحلة اخري لربما لن
تطول لكي تأتي بعض من الرياح (ازمة اخري) لتودي بها لكي يتأكد مشهد الانهيار.
هذا المشهد بالانهيار يمكن تجاوزه فعليا ببديل الاصلاح وكذلك قطع مشهد التقسيم
او التفتيت اذا وصل الامر اليه قبل مشهد الانهيار وهذا الاخير سيكون الحافز
والعامل الحاسم في مسألة التسريع والتسهيل بتنفيذ مشهد التقسيم. ويجب التشديد
هنا ان طرح ومناقشة بديل الاصلاح انما يعكس توجهات ونقاشات عامة وخاصة ودعوات
فردية ضمن مقابلات ومنابر واطر اعلامية متنوعة. في هذا الصدد ولربما حتي بين
افراد الاسرة السعودية المالكة وخاصة دعوات الامير الوليد بن طلال والذي دعا
الي ايجاد نوع من الانتخابات لمجلس الشوري وان قصرت في مراحلها الاولي علي
الرجال دون النساء قياسا بالتجربة الكويتية وكذلك دعوات والده الامير طلال بن
عبد العزيز والذي كان ولا يزال في كثير من مقابلاته وتصريحاته يدعو الي تطوير
واصلاح تلك المؤسسات السياسية في السعودية. ومما قاله الوليد بن طلال، في دعوته
للديمقراطية في السعودية 30/11/2001 في حوار مع صحيفة نيويورك تايمز ، انه
لمعالجة عدم الرضي الداخلي خصوصا بعد التطورات الاخيرة فانه اذا سمح للناس
الحديث بحرية ومشاركة بقدر اكبر في العملية السياسية فسيكون بالامكان احتواؤهم
وجعلهم جزءا من العملية ، وقال انه كلما تمت عملية انتخابات مجلس الشوري بسرعة
كلما كان افضل للمملكة. وقل انه يفضل الغاء المخصصات الملكية السنوية والتي قال
انها تصل الي 180,000 دولار امريكي وذكر بانه وهو يطرح تلك الافكار فانة يساهم
في النقاشات داخل الاسرة حول فكرة الانتقال الي ديمقراطية محدودة والتي تطرح
علنا فيما بين افرادها وان لم تطرح علنا اعلاميا. وذكر في النهاية ان الاسرة
لازالت بصدد دراسة ان تقول (نعم) او (لا).
ورغم ان الوليد لم يكشف مواقف افراد الاسرة المالكة تجاه تلك الديمقراطية
المحدودة، الا انه يبدو ان هناك عناصر من الاسرة المالكة، وان لم يكن بالامكان
حصرها اما انها تشاطر هذا التوجه او أنها لا تمانع من سلوكه. ويبدو ان تلك
العناصر والتي يصعب حصرها او تحديد اعدادها تنطلق من مواقفها هذه من فكرة ان
توسيع دائرة المشاركة السياسية في صنع القرار لا يمس فقط الابعاد الشعبية وانما
يمسها هي كذلك اذ انها وعناصر اخري داخل الاسرة تشكل حلقات بعيدة او مبعدة عن
مراكز القرار وبالتالي عن دائرة ومقتسمات الثروة و/ او النفوذ. وكذلك يبدو ان
لهذه العناصر مصلحة في توسيع دائرة المشاركة انطلاقا من مصالح المصالح ليست
بالضرورة مادية وقد تكون معنوية أو ذات صلة بالمكانة والنفوذ) تبدو غير محققة
في ظل الوضع الراهن حتي وان حصلت علي بعض الامتيازات الهامشية بالمقارنة
بالامتيازات الضخمة للحلقات ومراكز القوة الاساسية. والبعض الآخر منها ينطلق من
ادراك ووعي بأن الامور اخذت بالفعل بالتغيير في اطار علاقة الدولة بالمجتمع
ومكونات الاخير وقواه، وان افضل طريقة لتماسك البلد بما هو دولة ومجتمع هو
التنازل عن بعض الاشياء مقابل الاحتفاظ بالاشياء الاخري او ببعضها علي الاقل.
عناصر منفتحة .. عناصر مغيبة
ومع ذلك فان هذه العناصر المنفتحة علي التغيير وولوج الاصلاح، لا يبدو انها
مسموعة في صوتها او انها كما هي العناصر الشعبية مغيّبة او غير قادرة علي البوح
والمخاطبة والدفع بهذا التوجه، ولربما تشعر بالضغوط والقوة الممارسة عليها ضد
هذا التوجه. في هذا السياق يلاحظ ان الامير طلال والذي يبدو اكثر الاصوات داخل
الاسرة ارتفاعا في اطار التوجه الاصلاحي، هو الاخر يشعر بتلك القيود ولربما بعض
من معاناتها عندما يقول في حلقة ضمن برنامج بلا حدود (قناة الجزيرة الفضائية/
قطر) والتي خصصت لردود الفعل علي حلقات شهادته علي العصر، وذلك في 6/12/2000
انة بعد هذا اللقاء فانه لا يريد ان يتكلم عن الشأن العام وذلك لانه: الان
عرف...؟ ان هناك ثلاثة اشخاص مصرح لهم بمثل هذا الحديث وهم الملك فهد والامير
عبد الله والامير سلطان . ورغم ان احداث الحادي عشر من ايلول (سبتمبر) 2001
وتوابعها وصلة ذلك بما سمي الحملة الامريكية علي الارهاب وعلي السعودية، قد
اتاحت حديثا آخر للأمير طلال، الا انه وفي مقابلة في برنامج بلا حدود ـ مرة
اخري (قناة الجزيرة الفضائية/ قطر) (في 23/1/ 2002) لم يشأ الخوض بالشأن العام
الداخلي وركز جل همه علي معالجة الأزمة من طرفيها الخارجي (الامريكي تحديدا)
عارضا فكرة استخدام ضغط المجمع المدني العربي ومن خلال شركة للعلاقات العامة
تؤمن الدخول الي الساحة الامريكية ، علما بأن الامير طلال يعلم بأن مؤسسات
المجتمع المدني العربي ليست موجودة في عدد من البلدان العربية ومنها بالذات
السعودية، وبالتالي فان الاصلاح لا يكون من الخارج بل من الداخل بما في ذلك
تفعيل ذلك التوجه (تنشيط عمل مؤسسات المجتمع المدني او الاهلي كما نفضل تسميته)
داخليا وأولا وقبل كل شيء.
وحيث تلك هي التوجهات داخل الاسرة وخاصة في اطار عدم الافصاح عن مدي حجم وعدد
الاصوات تجاه دعوات الاصلاح وكذلك عدم خروجها الي العلن من اصوات عناصر واضحة،
اضافة الي ان المسألة كانت لا تزال تدور في اطار دراسة هل نقول نعم ام لا لفكرة
الديمقراطية المحدودة وخاصة الوصول الي سلطة تشريعية منتخبة، وكذلك مع حالة
السكون وما تعكسه من شعور بهدوء الاوضاع، فان ذلك كله يشير الي ان هنالك ما
يبدو انه معوّق بنيّوي ضد الاصلاح والديمقراطية المحدودة في ثنايا وأطر العائلة
المالكة وحلقاتها.
وعليه، فان الامر يبدو انه وفي ثنايا تلك الحلقات من العائلة، فان معوقا كبيرا
للاصلاح والديمقراطية يبدو مرتبطا بعناصر من الاسرة والتي تسودها وتطغي عليها
رؤية او عقلية مغرقة بالماضوية؛ تلك هي عقلية ملكية الجميع ، بمعني ان البلد
ومن فيه بشر وارض وموارد ومؤسسات ومخرجات هي ملك خاص في قبضة اليد والتي لها
الحق دون غيرها بالتصرف بما تشاء وكيفما تشاء ومتي تشاء. تلك العقلية بالملكية
الخاصة للجميع تستند الي وتنطلق من مقولة اخري اكثر ضيقا في رؤيتها الا وهي ان
اقامة الكيان والدولة السعودية انما تمت (بالقوة وبحد السيف) وان من يريد اخذ
شيء فليستخدم نفس الاسلوب والاداء، ان كان يستطيع طبعا. وتلك مقولة خطيرة لا من
حيث التلويح بالقوة ولا باستعداء الاخرين بالولوج لها باعتبار ان الاصلاح باب
مقفل. فوق هذا وذاك فان تلك العقلية تنسي او تتناسي ان تلك القوة التي كانت
وراء تكوين الدولة السعودية (في السياق الداخلي فقط مع عدم اغفال اهمية العامل
والقوي الخارجية في ذلك) لم تكن الا من القوي المجتمعية والشعبية آنذاك سواء
الحضرية منها القروية والفلاحية في بداية النواة الاولي للتكوين ام من القوي
القبلية (رغم التصادم مع بعضها لاحقا عندما قامت شوكة الدولة) وكذلك دور بعض
العائلات في المدن والارياف والتي تحالفت مع الملك عبد العزيز وسهلت تلك المهمة
بدرجة كبيرة في القصيم وحائل والاحساء والحجاز وعسير والجوف في مرحلة التمدد
والتوحيد. لذلك تميزت المرحلة الاولي لقيام الدولة السعودية بالمشاركة
والمساهمة لتلك القوي او من يمثلونها في مقابل الاستقرار وانهاء حالة الصراع
الاهلية البينية المتعددة والمتواصلة قبل ذلك.
وفي اطار ذلك التوازن كانت تلك العقلية بالملكية لربما مقبولة قي الفترة
الماضية فترة التكوين وحتي لربما نهاية السبعينيات واوائل الثمانينيات من القرن
العشرين اما في المرحلة الحاليه وخاصة منذ أزمة الخليج الثانية 1990 فصاعدا ومع
التحولات في تركيبة المجتمع وقواه ـ والمتصلة بحركة التحديث منذ نهاية عقد
الخمسينيات من القرن العشرين فصاعدا وكذلك مع التطورات المحلية والاقليمية
والدولية بما في ذلك ثورة المعلومات والاتصالات ـ، فان تلك العقلية ورؤيتها
ليست فقط غير صالحة للمرحلة بل انها ستكون عبئا علي الجميع دولة ومجتمعا بمن
فيهم اصحاب وعناصر تلك الرؤية والعقلية.
عقبة بنيوية
اضافة الي تلك العقلية المهيمنة والمنتمية الي الماضي ولكنها فاعلة في الحاضر
ولو الي حين، فان هناك عقبة بنيوية اخري لربما تصل الي ان تكون متساوية مع ان
لم تكن اكبر من عقبة عقلية الملكية وبالتالي ستكون الاكثر فاعلية ضد بديل
الاصلاح. تتمثل تلك العقبة الاخري بالقوي المتنفذة في اجهزة الدولة ومؤسساتها
البيروقراطية وخاصة في مستوياتها العليا وايضا حول عدد من العناصر القيادية في
الدولة. هذه القوي المتنفذة هي ذات امتدادات مناطقية محددة وترتبط بعائلات
بعينها من مدن او قري محدودة من تلك المناطق المحدودة رغم انها ليست بالضرورة
ممثلة لها او لأهلها علي الجملة.
تلك العائلات وابناؤها وامتداداتها بدأت تسيطر علي المناصب الرئيسية في
القطاعات المهمة من الدولة وتستحوذ بالتالي علي نفوذ لربما يتجاوز كثيرا من
افراد الاسرة المالكة، بل ان اعدادا من الاخيرة لربما لا يجدون مفرا من التعامل
مع تلك الاسر وعن طريقها للوصول الي دائرة القرار في مدخلاته او مخرجاته. تلك
القوي المتنفذة والمرتبطة بعائلات بعينها وذات امتدادات بقري او مدن من مناطق
بعينها وان كانت لا تمثلها بالضرورة، اخذت تستحوذ علي النفوذ ورسم السياسات
وتوزيع المناصب داخل الهياكل الحكومية وبالتالي اصبحت وبشكل متعاضد هي التي تعد
وترسم وتنفذ سياسات الدولة وخاصة الداخلية منها. من هنا يمكن ملاحظة ان
السياسات التنموية لم تكن متوازنة بين المناطق واشغالاتها الاجتماعية. لذلك فان
ما يتضح من تلك الاتجاهات هو انه رغم ان الاسرة السعودية لا زال بيدها القرار
النهائي لتلك السياسات الا ان من يقوم بالفعل بادارة البلد هي تلك القوي من
العائلات المتنفذة.
ان تلك القوي المتنفذة هي ما يمكن ان يطلق عليه الحرس القديم ـ الجديد . اما
كونه قديما فليس المقصود به هو انه من القوي القديمة من الناحية الزمنية وانما
لأنه يمثل الاعتراض علي الجديد الاصلاح ؛ واما كونه جديدا فالمقصود به ليس لانه
يمثل التكوينات الاجتماعية الجديدة بالضرورة، وانما لانه في مرحلة ما وهي
السبعينيات من القرن العشرين كان قد أخذ يحل وبشكل تدريجي محل النخبة السابقة
والتي كانت تنتمي الي عائلات من منطقة اخري بعينها التي كانت لها الهيمنة في
بيروقراطية الدولة انذاك. تلك القوي المتنفذة هي التي تنعم بمكتسبات الدولة
وخدماتها من مالية وخدماتية ومعنوية بما في ذلك وبدرجة مهمة مسألة النفوذ
والمكانة، باعتبار ان النفوذ ذاته جالب للخيرات والملذات كما يقول بذلك ابن
خلدون. انها تحصل علي مرتبات ومخصصات عالية، وتحصل علي تعليم عال ولربما خاص،
وتحصل علي خدمات صحية عاليه حكومية وخاصة ولربما علي حساب الدولة ونفقاتها
وكذلك تحصل في مناطق سكنها علي خدمات بلدية لايمكن ان تجدها في أي من الاحياء
الاخري غير المشغولة بتلك الفئات وعناصرها. لذلك فان تلك الفئات والعائلات
وقواها المتصلة بها لن تكون مع الاصلاح بل انها ستكون العائق الاكبر لربما في
هذ ا الاتجاه.
من هنا فان استمرار تلك العقبة ذات الصلة بالقوي المتنفذه والمتعاضدة
والمتحالفة مع العقبة الاولي عمداً او جهلاً منهما او كلاهما، سيشكل العامل
الحاسم والمحوري في تواصل عملية النخر في ظل تواصل عقبة اخري هي الفساد بكافة
تجلياته وبالذات المالية والادارية والمحسوبية واستشراء المصلحة الخاصة علي
حساب المصلحة العامة وفي غياب القانون والمحاسبة وبالتالي ستكون تلك العقبات
وخاصة الاولي والثانية المسؤولة عن تعويم بديل الانهيار او الوصول بالبلد الي
مشروع التقسيم والتفتيت.
وحيث الامر كذلك، فان بديل الاصلاح المطروح ينبه الي ضرورة الالتفات الي خطورة
تلك العقبات وبالتالي معالجتها معالجة تفضي الي ايقاف مخاطرها تلك. وعليه في
هذا السياق فان الحاجة ماسة الي معالجه المعضلة المتمثله بتلك القوي المتنفذة
ووقوفها ضد العملية الاصلاحية وما تمثله تلك العقبات ومواقفها من بقاء الاوضاع
كما هي . وتلك الاخيرة تمثل البيئة التي تترعرع وتنمو فيها بذرة الانهيار
ولربما تمهد في تنامي فرص مشهد التفتيت خاصة وان الغرب وتحديدا الولايات
المتحدة عازمة جازمة هذه المرة علي ان لا تترك السعودية علي ما كانت عليه وان
ذلك فقط يحتاج الي الانتهاء من الاولويات في سياق مشروعها الكوني وتسلسل
حلقاته.
والمعالجة تلك وامرها لا يجب ان يفهم منهما بأن ما هو مطلوب هو استبدال تلك
العناصر بعناصر اكثر طيبة ونظافة ونزاهة لتقويم الاداء الحكومي والذي بدا ان
القيادة بدأت تلحظ قصورا واضحا فيه وتحذر منه واثاره علي المواطنين وذلك امر
محمود بذاته كما فعل ونبه اليه الامير عبد الله ولي العهد وخاصة مؤخراً، وانما
الامر في الاصلاح يتركز علي الاحاطة بجوهر المشكلة.
ان المعالجة لها والوصول اليها ليس فقط بالرجال الاكفاء وان كان ذلك مهما ولا
يقلل من شأنه في ذاته، وانما بوجود مؤسسات وآليات ذات صلة بالتكيّف السياسي
للنظام وابعاده الاخري بحيث تتكون اليات ومؤسسات تستطيع القيام بمهام المسؤولية
والمحاسبة القانونية تجاه تلك العناصر والممارسات أي كان مصدرها وبغض النظر عن
أصحابها وذلك ضمن اطار قانوني ودستوري يعتمد علي اشراك المواطن في دائرة الحكم
ولا يقصيه او يستثنيه كما هو قائم حالياً. ان الثقة في المواطن واعادة الاعتبار
اليه في كل تلك الحلقات هو الذي يؤسس الي اقامة علاقة متوازنة بين الدولة
والمجتمع والتي تستطيع بالتكيّف للنظام طبقاً للاتجاهات وظروفها ان تصمد امام
التحديات داخلية كانت ام خارجية، خاصة وان القادم منها وبالذات الامريكي منها
علي وجه التحديد ـ وفي سياق توجهاتها المستقبلية للمنطقة وهي تشدد علي ان
الحالة السعودية يجب لا تبقي كما كانت حتي ولو تتطلب ذلك تفكيكا لها او اعادة
هيكلة علي نحو ما ـ هو اكبر مما يتصوره البعض. ان الخوف كل الخوف ان تستمر
عقلية التوهم بان الخطر زال وان الأزمة انقشعت وان الاوضاع واطرافها ساكنة
هادئة وبالتالي لا ضرورة لمعالجة او لاصلاح.
ان الانتظار مطولاً عند فكرة الاصلاح او التردد تجاهها قد يكلف البلد (الدولة
والمجتمع) ثمنا باهظاً قد يصل الي فنائه وبالتالي يجب عدم الانتظار حتي تفرض
الامور من الخارج بهذا الاتجاه او ذاك. أليس الاجدي والاكثر كرامة ولربما
استحقاقاً للتقدير ان تأتي الاصلاحات من وعي ورغبة وقدرة وجرأه للنخب الحاكمة؟
ان الامل معقود علي ان هناك عناصر من النخب المسؤولة من لديهم بالفعل من
العقلانية والحكمة والرشاد ما يؤسس لمثل هذي التوجهات الاصلاحية. ان الامر
بدرجة كبيرة يرتبط بوجود رؤية لمشروع دولة بحيث انها لا تقصي ولا تستثني وانما
تقوم علي فكرة المساهمة والمشاركة للجميع افرادا وجماعات ومناطق وبصيّغ وآليات
ومؤسسات عصرية تصون الحقوق وتحفظ الكرامة وتحقق العدالة والرخاء والتقدم.
في النهاية نقول ان هذه الورقة، وبما تضمنته من افكار انطلقت من تصورات
ومتابعات اكاديمية موضوعية وايماناً بالمكاشفة والمصارحة للمساهمة في انقاذ
البلد والامة، لاتدعي ان صيغة الاصلاح المقدمة، هي الصيغة الوحيدة او الكاملة.
ان هناك بالتأكيد طاقات وقدرات في أبناء هذا البلد وابناء البلاد العربية عموما
والذين اذا ما اتيحت لهم الفرصه فانهم بلا شك سيعملون علي صياغة مشروع وعقد
(ميثاق اجتماعي جديد) لبلدانهم وامتهم. ان كل ما تسعي اليه هذه الورقة هو انها
تريد ان تلفت الي المخاطر والتحديات ومنها الداخلية بدرجة اكبر وكذلك الخارجية
ذات الصلة ببنيان وتماسك الدولة والمجتمع والامة في الحاضر والمستقبل. وثانياً
فانها وبتلك الافكار تفتح المشروع والاسئلة ذات الصلة بالدولة والمجتمع في
السعودية تحديداً ولربما في البلاد العربية الاخري قياساً علي الاخرين
المناصرين والمناهضين وسواء من اهل الثقافه او الفكر او اهل القرار وقواه وذلك
للتعامل معها وبالطريقة التي قد تصل بهم الي الاجوبة وابوابها التطبيقية او
لربما لفتح مزيد من الاسئلة والبحث في النماذج الاصلاحية.
نشرت الدراسة في (القدس العربي) بين 26 أبريل والأول من مايو 2002