gulfissueslogo
أ.د. مضاوي الرشيد
السعودية وعدوى مصر الثورة والثروة
أ.د. مضاوي الرشيد

لسنا تونس في البداية واليوم لسنا مصر، عبارات مرتجفة على شفاه الدكتاتوريات الكثيرة المتبقية في العالم العربي. من يتشدق بها تفوته المعطيات المشتركة رغم الاختلافات الظاهرة. وان لم تتوحد الدول العربية بديمقراطياتها وقوانينها العادلة فهي بالفعل قد توحدت بأنظمتها البوليسية وفسادها المستشري واستهتارها بحقوق الانسان من حكم العسكر والجمهوريات مرورا بالامارات والملكيات. تكثر القواسم المشتركة والتي تعبر عنها تقارير منظمات حقوق الانسان والشفافية ومؤشرات الفساد الى ما هنالك من احصاءات وأبحاث تصب كلها في خانة واحدة. وان كان هناك من تميز فلقد تميزت مصر عن غيرها من مناطق العالم العربي بأمرين اولا الثورة الفكرية التاريخية في القرن العشرين وثانيا ثروتها البشرية الهائلة في الامر انتجت مصر ذخرا فكريا للعالم العربي لا تنافسها عليه اي دولة او منطقة.
جاءت مصر بموجة الحداثة في النصف الاول من القرن العشرين فعرفت الشعوب العربية معنى هذا المصطلح من خلال مفكرين مصريين معروفين وارتبطت هذه الحداثة الفكرية بانتاج ثقافي تمظهر في مراجعة الارث الديني وتمحيصه وتحليله من منطلقات عقلية جديدة ومن ثم تبلورت الحداثة المصرية في ثقافة الادب والفن المرئي والمسموع. وادخلت مصر العالم العربي في ثقافة الطرب والسينما والموسيقى فبثت في هذا العالم روح التجديد والتمرد على التقليد وبلادة الفكر. ومن ثم جاءت مصر لتنويع ارث الفكر العروبي والذي نفخ روحا جديدة وعلم الشعوب ابجديات مقاومة المحتل فكانت مصر محجة للمتمردين على الاحتلال الاجنبي لانها نبشت موروثنا الجمعي وفجرته لحظة الحسم فتحررت الشعوب بعد ان استلهمت تجربة مصر وقادتها ومن ثم انتجت مصر فكرا جديدا هو الآخر يبحث عن حلول تنفض غبار التخلف تنبش هذه المرة التراث الاسلامي لتعيد صياغته مستجيبة لنداء الحاضر والذي يبحث دوما عن الخلاص من التبعية والتقليد والسكون فأنتجت مصر المفكر الاسلامي وصدرت فكره الى ارجاء المعمورة وبغض النظر عن نجاح او فشل هذه التجارب الثلاث الحداثية والعروبية والاسلامية الا ان مصر كانت دوما مصدر ثورة فكرية تهز العالم العربي وتسمع اصداءها في اقصى بقاع العالم. ثورات مصر الفكرية ما هي الا نتاج شعب منغرس في الحضارات وصانعها لم يكن يوما ما متقوقعا خلف اسوار شاهقة بل هو المصري المنفتح على حضارات البحر المتوسط وافريقيا والمحيط العربي مما ادى الى تمازج وتلاطم وابداع ربما ثورة مصر الحالية ما هي الا حصيلة حاصلة لهذا التراكم التاريخي القديم. اليوم نتعلم من مصر ابجديات الاحتجاج السلمي وهي ثورة مصر الجديدة التي لن تكون حالة فريدة شاذة غير قابلة للتكرار لان تجارب مصر السابقة هي دوما قدوة للغير سيلتهمونها ويقلدونها ويستوعبون تكتيكها ويفعلونها في محيطهم المحلي تماما كما كانوا يفعلون في السابق سيشيدون ميدان تحرير في كل قرية ومدينة وسترون العدوى المصرية تنتقل وتمتد تماما كما كانت الثورات الفكرية السابقة تفعل وتشتعل في اكثر البيئات بعدا عن القاهرة ودمنهور والاسكندرية والسويس.
اما ثروة مصر البشرية السكانية فهي ايضا في كل مكان فكوادر مصر هي من علمتنا الابجدية في مدارسنا حيث خلقت هذه الكوادر الجيل الذي يفكك طلاسم حرف الضاد من الجزائر الى الرياض مرورا بالكويت ومسقط فكم تلميذ تتلمذ على ايدي مصر وكم وزارة قامت على اكتاف مصر وكم دستور عربي كتبته مصر وكوادرها وكم منهج وكتاب مدرسي صدرته مصر لمحيطها لقد اسكرت مصر العرب بلحنها وفجرت عقولهم بكتبها وهي اليوم تفسر على ذراع شبابها لتستعرض دروس الصمود والمقاومة السلمية لا لم نقل عنكم 'شعب جبان' من قال هذا هو العدو الغيور من ثورات مصر السابقة وافكارها التي تفجر الركود والمستنقعات الساكنة في الوطن العربي. هذا الغيور المتربص يخاف مصر اليوم كما كان يخافها في السابق يريدها جبانة جائعة حتى لا تقلق سكونه وسكون شعبه ثروة مصر بشعبها وليس بمواد خام انها ثروة حقيقية لا تنضب او تستبدل لحظة وجود بدائل هي الثروة الدائمة والتي لن تختطف اذ انها ليست بحاجة الى تأميم او اعادة الملكية أنها ثروة شبابية متجددة لا تخضع لمفهوم السوق والبيع والثراء والاسعار المتذبذبة فثروة مصر لا تباع ولا تشترى بل هي تشع اينما وجدت وتنير الدروب في لحظات العتمة. فمن يخاف مصر الثروة والثورة اليوم. فلو جاء موسى مصر وشق بعصاه ذلك البحر لتتدفق مفاهيم الثورة الجديدة الرافضة للدكتاتورية وصور الاعتصام السلمي الى عالم لا يزال يحاول 'كسر حاجز الخوف' في بلد كالسعودية فما ستكون تداعيات الحدث على المنطقة العربية يا ترى؟
الاحتجاج السلمي ثقافة جديدة لا تعرفها السعودية بل هي تمنعها وتحاربها وتسن القوانين ضدها مستندة الى تفويض الهي يعتقد الكهنوت السعودي انه يفهمه دون غيره من الشعوب المسلحة وعنده اجتهادات غريبة عجيبة عن بعبع الفتنة. وفي مخزونه مصطلحات الخنوع المطعمة بالتراتيل الدينية التي يفعلها دوما في مواجهة التغير نحو الافضل حيث انه يعلم شعبه ابجديات السمع والطاعة حتى في السجون عندما تكسر الظهور او في البنوك عندما تسرق الاموال فالكل يجب عليه غض البصر حتى تبرأ الذمة ستصطدم موجة ثقافة مصر الجديدة بثقافة السعودية المبنية على مزيج من الثقافة الشعبية والدينية تحت امرة النظام التسلطي والشمولي والذي هو قد افرز وكرس هذه الثقافة البائدة. ما زلنا نعتقد ان شبابنا يحتاج لان يكسر حاجز الخوف. نعم رجال الجزيرة العربية يخافون اليوم ان يخرجوا في مظاهرة سلمية احتجاجا على سيل جرف نساءهم واطفالهم وممتلكاتهم فخرجت امرأة واعترضت، نساؤنا هن من سيتعلم من ثورة مصر الجديدة وان كان شباب مصر هم ثروتها فنساؤنا هن ثروتنا الجديدة.
هن لا يعرفن الخنوع وقد نمت شخصيتهن بعيدا عن غطرسة صاحب القرار لذلك جاءت هذه الشخصية قوية مدوية لا تهادن الظالم اما رجالنا فحتى تنزاح عنهم اوبئة الخوف سينطلقون يتلعثمون ويطأطئون رؤوسهم يتزلفون عند عتبات السلطة علها تجود عليهم بكسرة من موائد فانية فارغة حتى من المضمون. خلال اسبوع واحد خرجت امرأة بعد صلاة الظهر لتهتف هتافات لا تروق للسلطة وبعدها بأيام خرجت اخرى تقابل الامير بثوبه الابيض متعطرا يستمع لشكاوى النساء ويعد باجراءات سريعة حتى لا تتكرر كوارث السيول المتدفقة.
قالوا عنها امرأة ولكنها ليست ككل النساء جاءت بنبرة عالية متعالية مشحونة بعاطفة صاحب الحق فانبهر الرجال من حولها استدارت اعينهم وارتفعت حواجبهم وراحوا يثرثرون ويتلون تراتيل التهدئة فيطوفون حولها بغية تهدئة عدوى مصر الثروة والثورة ولكن نستطيع ان نجزم انها وصلت واصابت النساء قبل الرجال.
وكنساء لن نقبل ان يكون بيننا جبان وان لم يستجب رجالنا لثقافة الاحتجاج السلمي فهذا يرجع الى عوامل منها انهم لم يتعلموا ابجديات العمل السياسي لان نظامهم قطع عليهم وقطعهم عن ثقافة العصر الحديث.
كل ما يريد منهم هو العنف والتفجير ولغة السيف عندما جندهم لحروبه الشخصية مطلع القرن العشرين ومن ثم صدرهم الى خارج الحدود حاملين نفس السيف الاول ولكنه يعلم ان ثقافة التفجير هذه هي من تحصنه من الغضب الشعبي السلمي فهو يفضل لغة المؤخرات المفخخة على لغة الاعتصام لان في الاول فرصة للشجب والقتل وسحب البساط من تحت اقدام من يقوم بهذه الاعمال ولكن ان اعتصم شاب في ميدان كيف يبرر قمعه وقتله امام رأي عالمي وداخلي لم يعد يقبل بالبندقية تصوب على صدور شباب مسالم رافض للقهر. انها طبائع الاستبداد الذي يراوغ ويضلل من اجل البقاء وان كان رجالنا يحتاجون لكسر حاجز الخوف فهناك اسباب كثيرة اما نساؤنا فها هم قد بدأوا يستلهمون من ثورة مصر وثروتها.

copy_r