26 كانون الثاني 2009
بعد أشهر من التكتم حول صحة ولي العهد السعودي الامير سلطان بن عبد العزيز آل
سعود، يتحدث رسميون سعوديون للمرة الأولى عن صحة الامير سلطان المتدهورة.
والسعودية، التي تعدّ حليفاً كبيراً للولايات المتحدة الاميركية، والزعيم
الأكبر للعالم الإسلامي، المصدّر الأكبر للنفط، ومؤخراً القوة الإقتصادية التي
يعوّل عليها في ظل الأزمة الإقتصادية الراهنة، تتجه الى تغيير في قيادتها.
ويبدو أن هوية اللمك السعودي المقبل لا تزال مبهمة وصعب التنبؤ بها.
ولي العهد السعودي الامير سلطان هو وزير الدفاع السعودي الذي تبوّأ هذا المنصب
للفترة الاطول بتاريخ المملكة.
وقد تحدث نجل الأمير سلطان الأمير خالد بن سلطان بن عبد العزيز آل سعود، وهو
مساعد وزير الدفاع، في تصريح مقتضب الأسبوع الماضي عن صحة والده، فأعلن أنه
سيتوجه الى الولايات المتحدة في وقت قريب لإجراء المزيد من الفحوصات الطبية.
ورغم تأكيد الأمير خالد بن سلطان أن والده "في تحسّن ووضعه الصحي يتقدم"، من
المهم الإشارة الى أن الأمير سلطان قد أجرى في العام 2005 عملية جراحية لإستصال
سرطان القولون وتوجه الى سويسرا في نيسان الـ2008 لما قيل أنه لإجراء فحوص طبية
روتينية.
إذا توفي الأمير سلطان (85 عاما)، قبل الملك عبدالله (86 عاما)، سيتم تعيين
ملكاً جديداً للمملكة العربية السعودية، الامر الذي كان في ما مضى من صلاحيات
الملك وحده حتى العام 2006 حين انشأ الملك عبدالله "مجلس الولاء" المكون من
كبار أبناء وأحفاد مؤسس المملكة عبد العزيز المعروف كذلك بإبن سعود، ويتولى هذا
المجلس مسؤولية إختيار ولي العهد.
تجدر الاشارة الى أن الملكية في السعودية، خلافاً للملكيات الاخرى، تنتقل من
خلال الإخوان لا من خلال الأب الى أبنائه. وقد تبوّأ العرش الملكي السعودي منذ
وفاة الملك عبد العزيز عام 1953 أول 35 من أبنائه من الأكبر سناً حتى الأصغر
سناً. وقد لا تطبّق هذه الطريقة في بعض الحالات حيث يكون المرشح لولاية العهد
غير قادر على تولّي هذا المنصب لأسباب عدة، أو إعتبر غير مؤهل للحكم. وتتيح هذه
الآلية للمرشح لولاية العهد أن يعمل جنباً الى جنب مع الملك ما يؤمن إنتقالاً
سلساً في الخلافة. لكن الآلية المعتمدة في إختيار ولي العهد المقبل سرّية، ممّا
يشكل نوعا من الابهام حول هوية ولي العهد المقبلة والسياسات التي سيتبعها.
خمسة ملوك في خمسة أعوام؟
المشكلة في النظام الملكي السعودي هو ان الملوك السعوديون يصلون الى العرش وهم
في عمر متقدم جداً، وإن لم يختر "مجلس الولاء" ولياً للعهد أصغر سناً من
المعتاد، فإن السعودية تواجه خطر تغيير في الملوك بشكل كبير في الاعوام
المقبلة.
سلف الملك عبدالله، أي الملك فهد بن عبد العزيز آل سعود، تبوّأ العرش الملكي في
الـ61 من عمره، بينما تسلّم الملك عبدالله قيادة المملكة في عامه الـ82، رغم
أنه كان الحاكم الفعلي من الـ1996 حتى الـ2005 بسبب إصابة الملك فهد بشلل نصفي
إثر سكتات دماغية ألمّت به.
من الواضح ان الملك عبدالله بدأ التمهيد لعمل "مجلس الولاء"، ويلاحظ أن الأمير
مشعل، الأخ غير الشقيق للملك عبدالله، وهو رئيس هذا المجلس، يظهر بانتظام الى
جانب الملك عبدالله في الاجتماعات المهمة للمملكة.
ورغم أن مشعل كان وزيرا للدفاع في 1950 ، وحاكم مكة في 1960، غير أنه تجنب
الخدمة الحكومية لصالح تطوير مصالحه التجارية. ومن المرجح أن يكون دور مشعل
حاسما في تطوير عمل المجلس.
لكن الأمير مشعل، على الرغم من قربه من الملك عبدالله، تبدو حظوظه باكتساب
العرش الملكي ضعيفة.
ومن المتوقع ان تواجه الأمير مشعل تحديات كبيرة داخل "مجلس الولاء"، ومصدر هذه
التحديات "الفصيل" الأكبر داخل المجلس وهم آل السديري، وهم 6 أخوان من اب واحد،
أحدهم وزير الداخلية في المملكة الأمير نايف (ويقال أن صحته متدهورة أيضاً)،
وحاكم الرياض الأمير سلمان.
السيناريوهات المتوقعة في الأشهر القليلة المقبلة
وفاة الأمير سلطان ولي العهد
في حال وفاة الأمير سلطان ولي العهد، من المتوقع أن يمارس أمراء آل السديري
ضغوطاً لأختيار ولياً للعهد من بينهم. بعضهم من يطالب بالأمير نايف لكنه لا
يتمتع بالحيثية الشعبية الكافية ليتبوّأ هذا المنصب. الخيار الممكن الآخر هو
الأمير سلمان حاكم الرياض.
وفاة الملك عبدالله
على الرغم من ظهوره في العلن، يتردد في الآونة الأخيرة كلام حول "محدودية"
قدرات الملك عبدالله، وهو أكبر أبناء الملك عبد العزيز سناً، بسبب تقدمه في
السن.
إذا توفي الملك عبدالله قبل ولي العهد الأمير سلطان، يصبح هذا الأخير ملكاً.
نظرياً، يحق لـ"مجلس الولاء" بحسب قانونه الداخلي، أن يعين لجنة طبية تعلن عدم
اهلية ولي العهد صحياً لتولي العرش. لكن هذه الخطوة غير محتملة خصوصًا إذا ما
اتخذت ضد فرد قوي من أفراد العائلة المالكة. وبإمكان الأمير سلطان، في حال أصبح
ملكاً، أن يلغي المجلس ويعين ولياً للعهد بنفسه.
الخلافة إذا جرت كما هو متعارف عليه
البعض من الأبناء الـ18 الباقين للملك عبد العزيز غير مؤهلين لتولي العرش، إما
لأنهم من امهات غير سعوديات أو لأنهم بعيدون عن التوجه العام للمملكة أو
"يغرّدون خارج السرب". إذا استبعد هؤلاء، المرشحون الباقون لولاية العهد هم
الأمراء عبد الرحمن (78 عاماً)، نايف (76 عاماً)، عبد الاله (74 عاماً) وسلمان
(73 عاماً). كل هؤلاء، ما عدا عبد الاله الذي عين مستشاراً للملك في الـ2008،
يتحدرون من سلالة السديري.
الخلافة إذا تغيّرت وجرت خلافاً للمعتاد
الطريقة الأفضل لتفادي التغيير المتزايد في الملوك ووصول ملوك كبار في السن
وغير مؤهلين صحياً الى السدة الملكية هي في اختيار مرشحين لولاية العهد يكونون
أصغر سناً، إما من أبناء عبد العزيز الأصغر سناً أو من أحفاده.
إذا جاء الاختيار من بين الأبناء، فالأمير سلمان يعد من الخيارات المتاحة، كذلك
الأمير مقرن (66 عاماً)، الذي يترأس جهاز المخابرات الخارجي للمملكة.
وعلى الرغم من ان أحفاد الملك عبد العزيز يتمتعون انفسهم بخبرة عشرات السنين من
العمل الحكومي، تبقى سلالة آل السديري هي السلالة المسيطرة والتي من الصعب
تجاوزها في عملية إختيار ولي العهد المقبل.
التحديات التي تواجه السياسة الأميركية أمام هذا الواقع
إذا كانت الآلية التي يتم عبرها إختيار ولي العهد معروفة، لن تشكل هوية ولي
العهد المقبل مشكلة إذ أنه سيعرف من سيكون.
لكن المداولات التي تجري داخل "مجلس الولاء" هي سرية، والمعروف منها لا يتجاوز
الخطوط العريضة لهذه الآلية.
في حال وفاة ولي العهد الأمير سلطان وغيره من كبار أفراد العائلة المالكة، تفقد
الولايات المتحدة محاورين مألوفين لديها في العربية السعودية.
من المتوقّع أن يتسلم الأمير خالد بن سلطان وزارة الدفاع في حال وفاة والده،
كذلك الأمر بالنسبة للأمير محمد بن نايف الذي سيتولى وزارة الداخلية في
المملكة.
لكن السؤال المطروح هو هل سيتم الاعتراف بهذه "الإقطاعيات"؟ أو سيقوم الملك
الجديد بإختيار أمراء أقل شهرة للحلول مكانهم.
لا أحد من أفراد العائلة المالكة المعروفين بعلاقاتهم الجيدة مع الولايات
المتحدة مرشح لأن يكون ملكاً: وزير الخارجية الأمير سعود الفيصل يعاني من مرض
مزمن وهو الـ"باركنسون" وهو من أنواع الامراض العصبية التي تفقد المريض القدرة
على الحركة، أخوه الامير تركي الفيصل وهو سفيرالمملكة لدى الولايات المتحدة
الاميركية والمسؤول الاسبق عن الاستخبارات في المملكة. الأمير بندر بن سلطان
رئيس مجلس الامن القومي السعودي مستبعد كذلك لأن والدته خادمة افريقية، ورجل
الاعمال المعروف الامير الوليد بن طلال مستبعد كذلك بسبب سجلّه الحافل بإنتقاد
العائلة المالكة السعودية في العلن.
مرّت العلاقات الاميركية-السعودية بالعديد من المطبّات في السنوات الماضية. على
الرغم من التعاون المشترك بين الولايات المتحدة الاميركية والمملكة في مجال
مكافحة الإرهاب، غير أن العربية السعودية لم تكن متعاونة بالكامل في ما يخص
زعيم تنظيم "القاعدة" أسامة بن لادن قبل هجمات الـ11 من أيلول، حيث أن 19 من
خاطفي الطائرات التي اصطدمت ببرجي مبنى التجارة العالمية في نيويورك هم من
السعوديين، ولم تبد تعاطفاً كذلك حين ارتفع سعر برميل النفط ليصل الى 100 دولار
في العام الماضي. لكن علاقات العمل بين المملكة والولايات المتحدة استمرت، ومن
المرجح استمرارها كذلك.
كتب دينيس روس (الذي يرجح البعض أن يكون مبعوث الرئيس الاميركي باراك أوباما في
ايران) في مجلة "Newsweek" الأميركية الشهر الماضي مقالاً إعتبر فيه أن واشنطن
"بحاجة" للعربية السعودية في سياستها بفرض الخيارات على طهران.
تأمل واشنطن ان تتجنب نزاعاً داخلياً في العائلة المالكة السعودية كالخلاف الذي
حصل بين الابن الاكبر للملك عبد العزيز الملك سعود وخليفته الملك فيصل والذي
أدى الى شلل في الحكومة السعودية بين الـ1958 والـ1964.
العربية السعودية ستكون "حساسة" إزاء التدخل الخارجي أو حتى المشورة أو النصيحة
الخارجية في مثل هذه المسائل، لكن المؤكد هو ان مفاعيل ونتائج التحولات
المرتقبة في المملكة في الأشهر القليلة المقبلة ستكون محط اهتمام كبير من
الولايات المتحدة الاميركية وغيرها من دول العالم.
كاتب النص هو سايمون هندرسون، مدير برنامج "الخليج وسياسة الطاقة" في معهد
واشنطن، كاتب "الخلافة السعودية بعد الملك فهد" وسلسلة "الخلافة السعودية بعد
الملك عبدالله" المتوقع صدوره في ربيع الـ2009.