في ظل ما تمر به الدول العربية من ثورات او المراحل الأنتقالية التي تعقب الثورات ، وبما ان الحكومات الخليحية لازالت في حالة انكار لما يحصل حولها ، بل ان بعضها لازال في سبات عميق ويمشي عكس تيار التاريخ وقيم المجتمع وروح الربيع العربي كما هو حاصل في الأمارات والسعودية حيث تزايدت وتيرة الأعتقالات غير المقيدة بالقانون والتجريد من الجنسية والمنع من السفر وغيرها من وسائل مقاومة التغييروالتشبث بالأوضاع الراهنة بما فيها من استبداد وتهميش المواطن ، ونشر الفساد المتمثل في القبول بالفن الهابط الذي تمثله مادونا وامثالها ، واستشارة فلول انظمة الفساد والأستبداد البائدة ، والأستقواء باجهزة الأرتزاق العالمي كبلاك ووتر التي تؤكد مصادر غربية ان مديرها صليبي حاقد يستبيح دماء المسلمين وتخويف الناس من حكم الأسلاميين في مصر وغيرها وكأن اهل الجزيرة غرباء على هذا الدين ، ومكارثية القرن الواحد والعشرين المتمثلة في محاكمة الأفكار الأصيلة النابعة من ثوابت هذه الأمة كل ذلك اتباعا للأهواء وحفاظا على المصالح الضيقة ورضوخا لرغبات الأعداء ، وهي ممارسات لن تحقق ، في اعتقادنا ، ما تريده هذه الحكومات من تكميم للأفواه ، وانما ستؤدي الى مزيد من التوترفي هذه الدول ومزيد من عدم الثقة بين حكومات تعودت ان لايسالها احد عن ما تفعل وبين شعوب استنشقت نسيم الحرية ولم تعد لديها قابلية للأستعباد ، وهي مستعدة لدفع اغلى الأثمان من اجل حريتها وحرية احفادها مهما طال الزمن ، نقول انه في ظل هذه المعطيات ، وبعد ان طالبنا الحكومات الخليجية في اكثرمن مقالة بالمبادرة بالأصلاحات المنشودة ، فاننا نخصص حديث هذا الشهر والشهر القادم للتأكيد على دور الشعوب في تفعيل المدافعة السلمية ، وذلك باخذ زمام المبادرة ومحاولة فهم الكيفية التي يمكن من خلالها الضغط على هذه الأنظمة الخليجية لأحداث التحولات المنشودة ، وذلك بوضع رؤية لمسارالأصلاحات المنشودة في هذه النظم من غير تكبد تكاليف الثورات التي وجدت الشعوب العربية الأخرى نفسها مضطرة لدفعها من اجل التحرر من انظمتها ألأستبدادية . وعلى الرغم من ان هناك من يعتقد ان مصير الأنظمة الخليجية لن يختلف عن مصير بقية الأنظمة ألأستبدادية ، اي انها ستصل الى مرحلة المواجهه مع شعوبها وما يعنيه ذلك من تشضي وتكاليف باهضة حتى تتأسس نظم بديله لأن النظام الأستبدادي ، كما يقول اصحاب هذا الرأي ، لايتعلم من اخطائه أو أخطاء غيره ، ويستشهدون بالبحرين وما آلت اليه الأوضاع فيها من مواجهات وعنف وبالأمارات والسعودية وتحولهما التدريجي الى دول بوليسية . ونحن بدورنا نذكر القيادات التي ادخلت دولها في نفق الدول البوليسية بان هذا المسار اذا لم يتم تداركه بسرعة فانه عادة ما ينتهي مهما طال الزمن الى نهاية النظام او انعدام الثقة برموزه كحد ادنى وياليت قومي يعلمون . وعلى نقيض هذا الراي التشاؤمي ، هناك رأي آخر يرى ان هذه النظم الخليجية وبحكم موقعها ألأستراتيجي واهميتها لدول العالم خاصة في ما يتعلق بالطاقة وكذلك بحكم تركيبتها القبلية ، هي بحسب هذا الرأي الثاني ستظل ولمدة طويلة بمعزل عن الربيع العربي لأنها قادرة على امتصاص انعكاسات هذا الربيع العربي من خلال آليات الترهيب والترغيب الداخلية ، وكذلك من خلال الأتكاء على بوليصة التأمين الخارجية . ونحن في الحقيقة وان كنا نرى شيء من الصحة في كل من الرأيين ، بل اننا لانستبعد منطقية الرأي الأول اذا لم تعد جميع الأطراف الى رشدها و اذا تراكمت التوترات بين الحكومات وشعوبها ولم يحدث الأصلاح المنشود في وقته ، الا اننا لنا رأي ثالث يتمثل في امكانية انتقال الحكومات الخليجية الى حقبة ما بعد الربيع العربي والأنسجام مع المعطيات الجديدة التي املاها الربيع العربي من غير دفع التكاليف الباهضة للثورات وما يواكبها من تدمير ومعاناة ، وذلك من خلال عمل سلمي جاد ومكثف وموحد ودائم تتبناه الكتل المطالبة بالأصلاح في هذه الدول لتعديل موازين القوى لصالح شعوب المنطقة. لذلك راينا ان يدورحديثنا هذا الشهر والشهر القادم حول آفاق ومتطلبات هذا المسار الذي نعتقد انه في الغالب هو مسار سلمي ، وان كان لن يخلو من بعض المطبات التي قد تفتعلها الأنظمة بين الحين والآخر ، وهو مسار يطلق عليه في كثير من الأدبيات " التغيير اللاعنفي" ونحن سنطلق عليه مسمى " المدافعه السلمية " انطلاقا من تراثنا وقناعتنا بان الله سبحانه وتعالى اخبرنا باهمية مفهوم المدافعة وحذرنا من العواقب التي تؤول اليها المجتمعات اذا تعطلت فيها هذه ألالية ، فالمدافعه ضرورية في حالة الأستبداد والفساد باشكاله لأنها تقلل من هذين الدآين ، وحتى عندما لاتكون هناك درجة كبيرة من الفساد والأستبداد فان المدافعة تكون بمثابة المناعة ضد حصولهما مصداقا لقوله تعالى : " ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لفسدت الأرض ولكن الله ذو فضل على العالمين " (البقرة :251) وقوله تعالى : " ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لهدمت صوامع وبيع وصلوات ومساجد يذكر فيها اسم الله كثيرا "(الحج : 40) . هذه المدافعه تمارس في الدول الغربية في ظل رؤيتهم الكونية من خلال برلمانات منتخبة واعلام حر وقضاء مستقل وحقوق اخرى تتفاوت ما بين الزام الحكومات بتوفير المعلومات الى السماح بقيام المليشيات لتجنب اي نزعة تسلطية من قبل الحكومات المنتخبة ، ومهما اختلفنا مع الفلسفة التي تقوم عليها تلك المجتمعات الا اننا نحترم ما حققوه من انجازات خاصة في ميدان حقوق الأنسان سواء كان ذلك بتعميق ثقافة الحرية أو ببناء المؤسسات الفاعلة لممارسة هذه الحرية . فهم يستخدمون المدافعه للحفاظ على ما انجزوه في مجال حقوق الأنسان ، اما نحن فاننا نسعى لأستخدام المدافعه من اجل الحصول على الحقوق الأساسية التي لم نحصل عليها بعد وان كان في اطار منظومة القيم والمعتقدات التي نؤمن بها ونستمدها من كتاب الله وسنة نبيه عليه افضل الصلاة والتسليم . ونظرا لأهمية الموضوع رأينا ان نطرحه على حلقتين ، نتطرق في الجزء الأول الى دحض بعض الشبهات التي تثيرها النظم الأستبدادية لمنع شعوبها من المطالبة بالحرية والسعي لتحقيقها ، مع التأكيد على ان النظم الأستبدادية بطبيعتها هي نظم غير مستقرة ، أما الجزء الثاني فنتوقف فيه عند اهم المنطلقات التي لابد لقوى الأصلاح ان تدركها وتعمل بموجبها لأحداث التغيير السلمي المنشود في منطقة الخليج والجزيرة العربية لأن الحكومات الخليجية لن تبادر باصلاحات جذرية اذا ظلت شعوب المنطقة بسلبيتها الحالية واذا ظلت غالبية سكان هذه المنطقة تنتمي الى الأغلبية الصامته ، بل ان صمت الأغلبية وعدم ترجيحها لكفة التغيير السلمي قد يكون سببا في رجوح كفة الفئات التي لاترى التغيير السلمي وسيلة ناجعة وهذا امر ستكون عواقبه خطيرة ولاشك .
شبهات يجب اسقاطها من البداية
قبل ان ننتقل الى الحديث عن آليات تفعيل " المدافعة" لتحقيق الأصلاحات المنشودة
في منطقة الخليج والجزيرة العربية لابد لنا اولا من اسقاط عدد من الشبهات التي
طالما كانت بمثابة آليات التثبيط لأبناء هذه المنطقة عن المطالبه بحقوقهم
والسير على درب الأحرار كغيرهم من الأمم ، ولاشك ان اسقاط هذه الشبهات فيه
تعرية لأنظمة الأستبداد وكشفها على حقيقتها أمام المواطن الخليجي مما سيجعل هذا
المواطن اكثر ادراكا لقيمة الأصلاحات التي نطالب بها وسيرفع من اصراره على
تحقيقها والتضحية من اجلها والصبر على مشاقها ، وهنا لابد من تكرار ما قلناه
سابقا من اننا لانرى في الأسر الحاكمة في دول المنطقة اعداء لنا مهما اختلفنا
معهم ، وانما هم اهل لنا ومصيرنا مشترك معهم ، وهذه قناعة راسخة في عقولنا
وقلوبنا ويعلم الله اننا لانقولها خوفا منهم اوطمعا في ما عندهم ، هكذا كان
الحال وسيظل ، ولكننا عاهدنا الله سبحانه وتعالى ان لا نجاملهم وان نصارحهم بما
فيه خير هذه المجتمعات فارضاء الله يسبق ارضاء مخلوقاته بل انه شرط لأستقرار
وازدهار هذه المجتمعات ، كما اننا سنظل نخاطبهم بلغة واضحة وواحدة وهي لغة تعبر
عن فهمنا وقناعاتنا لمعطيات الواقع وكيفية التعامل معها . وحديثنا هنا عن
المنهج المطلوب للأصلاح يصب في هذا التوجه ، وهو حديث في غالبه يتعلق بما ينبغي
على الكتله ألأصلاحية عمله ، وقد سبق وان خاطبنا الحكومات عن ما هو مطلوب منها
فعله لأيجاد لحمة قوية مع شعوب المنطقة ولابد لنا في خضم التطورات الأخيرة في
الأمارات وما واكبها من اعتقال 51 اصلاحي نحسبهم من بين نخبة ابناء هذه الدولة
ان نؤكد لحكومة الأمارات مرة ثانية ان هذا الأسلوب في علاج الخلافات
حول مطالب ابناء الدولة هو اسلوب لن يؤتي اكله بل انه سينعكس سلبا على كل شرائح
المجتمع الأمار اتي بما في ذلك قيادات الدولة . ولذلك فاننا ننصح هذه
القيادات بان تسلك مسلكا ينسجم مع ظروف المنطقة وان تتعامل مع المطالب
الأصلاحية بايجابية وان تبتعد عن التلفيق المسبق للتهم باشكالها وان تدرك ان
كثير من مآخذها على التيارات الأصلاحية كالتنظيم والسرية وغيرها
هي نتيجة لسياساتها هي في المقام الأول ولو انها اوجدت قنوات طبيعية وشفافة
لنمو المجتمع المدني الحر لما اضطرت بعض شرائح المجتمع الى السرية كما وان
العمل حتى ولو كان سريا لايعتبر جريمة بحد ذاته اذا كان عملا يقوم على التعاون
على البر والتقوى ونشر الفضيلة ومحاربة الفساد الذي طالما غضت عنه حكومة
الأمارات الطرف وقد مارس الرسول صلى الله عليه وسلم السرية في دعوته عندما
حاربه قومه في بداية الدعوة ، باختصار اننا نتمنى على قيادات الدولة ان تدرك
بانها تتحمل مسؤولية ما ينتج عن بيئة الكبت وتكميم الأفواه وحرمان الناس من
حقوقها من آثار قد تراها هذه الحكومة ممارسات غير مقبولة لذلك فاننا نسال
قيادات هذا البلد : الا ترون ان المشكلة لديكم وليست في من يطالب بالأصلاح ،
فقد ضيقتم على العمل الدعوي بكل اشكاله سواء في ما يتعلق بتربية الأجيال أو
بالعمل الخيري او بخطب المساجد او بالعمل النقابي واخفقتم في الأرتقاء بدور
المجلس الوطني حتى يعبر بصدق عن آمال المواطنين وصادرتم الحريات الاعلامية
فتحولت هذه المؤسسة الى مرتع لنشر الرذيلة والجريمة والنفاق وتدخلتم تدخلا
سافرا في القضاء حتى فقد مصداقيته محليا ودوليا ثم سمحتم بتفشي الفساد والرذيلة
بانواعها وليست حفلة مادونا الا آخرها واستعنتم بمرتزقة العالم الذين ادانتهم
اكثر من دولة لجرائمهم ومنعتم كثير من علماء الأمة من زيارة هذا الوطن وتنشئة
الأجيال تنشئة سليمة ومعتدلة وفي المقابل اعتقلتهم ثلة من أبناء الوطن الأطهار
الذين يعرفهم القاصي والداني ليس فقط في الأمارات وانما في منطقة الخليج
بأكملها وحاكمتموهم في الأعلام والتوتير وادنتوهم بالخيانة والعمالة والتآمر
ولم تسمحوا لأحد ان يدافع عنهم ، وقد تمادت بعض الفئات المحسوبة على اجهزتكم
فبدات تشهر باسر وعوائل هؤلاء المعتقلين ولاشك ان هذا السلوك ان دل على شيء
فانما يدل على ان هذه الفئة من الكائنات ولا اقول البشر قد اكدت انه ليس لديها
احترام لنفسها ولاغيرة على اهلها ولاخوف من الله سبحانه وتعالى والا فكيف يرضى
الحر ان يتعدى على حرائر وطنه اذا كانت لديه ذرة مروءة ، ولازلنا نتأمل ان تكون
هذه حالات شاذة ولاتعبر عن اي جهاز من اجهزة هذه الدولة مهما اختلفنا معها والا
فاننا امام طامة كبرى . بل ان بعض من كنا نتعشم فيه العقل والخوف من الله
ولازلنا ، شطح شطحة لامبرر لها باتهام المعتقلين بالمرض من غير ان يقدمهم حتى
لأخصائي نفسي تبرئة للذمة على الأقل . ما هذا يااخواننا ؟ اليس هؤلاء ابناؤكم
واخوانكم ؟ وهل يعقل ان يتم هذا التشويه للحقائق من اجل مصالح آنية ؟ وهل
تعتقدون بعد كل هذا ان سياساتكم منطقية او عادلة او لها صلة بأمن وازدهار الوطن
ام انها ليست اكثر من مزاجية وقصر نظر وفقدان المشورة العاقلة التي لم يقدمها
لكم من حولكم ؟ اننا نقول لكم ، وبعكس ما تسمعونه من بعض الأنتهازيين
والوصوليين ، اننا نطالب بالحرية الكاملة التي يسمح بها ديننا وتتطلبها المرحلة
التي نعيش فيها وتجمع عليها غالبية المجتمع ، والمطلوب منكم ان تسيروا في ركب
غالبية أبناء المجتمع وان لاتنصتوا للأصوات الشاذة والكيس من اعتبر بغيره .
فبعض أصحاب هذه الأصوات يستخف بغالبية أبناء المنطقة ففي علاقاته مع الخارج
يتحدث عن الحرية باشكالها ولكنه في الداخل وعلى الرغم من تزايد الأعتقالات
والتعدي على الحقوق الأساسية لأبناء المنطقة يتكلم لغة المصالح والأقتراب من
السلطة وتبرير الواقع فتراه يتفلسف حول امور اجرائية كالتعددية والحزبية
وامكانية حدوثهما في دولنا ، بينما كان الأجدر به أن يدرك ان ابناء هذه المنطقة
يطالبون بامور جوهرية كالمشاركة في صنع القرار والحفاظ على المال العام
واستقلال القضاء وحرية الصحافة وهذه مطالب شرعية وحقوق اساسية ولاتستقر الأمم
وتنهض الا بها ، اما كيفية انزالها على الواقع فمسالة قابلة للنقاش والتنوع من
مجتمع الى آخر ، او كما قال علماؤنا ان العبرة في المقاصد والمعاني لا في
الألفاظ والمباني ، وكما قال القائد الصيني " لايهمني لون القطة ان كانت بيضاء
أو سوداء طالما انها تأكل الفئران" ، ونحن لاتهمنا اشكال المؤسسات طالما انها
تحقق الأهداف السابقة ولاتتعارض مع ثوابتنا الحضارية، ولكن هذه الفئة تابى الا
ان تتلون بتلون المكان والزمان وتستمر في اسلوبها التحريضي ضد من لايمارس
الأنتهازية مثلها . انها والله كلمات من القلب نقولها لقيادات هذه الدولة ولهذه
الفئات من انصاف المثقفين ونسال الله ان تصل الى قلوبهم ويتدبروها قبل فوات
الأوان . والآن دعونا نعود الى موضع هذا الشهر .
فاولا لابد من اسقاط الشعار الذي طالما رفعته انظمة الأستبداد من المحيط الى
الخليج في وجه شعوبها بالقول بانه " لاصوت يعلو على صوت المعركة " أي المعركة
ضد اليهود ، ذلك أن تاريخ هذه الحكومات شاهد على أن معركتها لم تكن قط مع
اليهود ، واذا كانت معهم فهي معركة خاسرة لأن ما تسيطر عليه اسرائيل عندما بدات
هذه الأنظمة حربها معها قبل أكثر من ستين عاما كان أقل بكثير مما تسيطر عليه من
ارض فلسطين في الوقت الحاضر ، أي ان هذه الأنظمة فشلت في تحرير أرض فلسطين ، بل
وفرطت في المزيد من هذه الأرض لأنها استبعدت شعوبها من المعركة واكتفت بحروب
الشعارات . اما قضية الجزر الأماراتية فالجميع يعلم ان دول المجلس لم تستطيع
منذ قيام المجلس ان تتخذ موقفا موحدا تجاه ايران وتدعمه بتقوية الجبهة الداخلية
سياسيا واقتصاديا تجعل ايران تحسب لها حساب ، بل ان غياب هذا الموقف الموحد
يمتد حتى الى داخل الأمارات نفسها حيث ان بعض الأمارات تميل الى الأخذ بمواقف
صارمة تجاه ايران بينما تميل امارات اخرى الى عكس ذلك ، وقد بينا في اكثر من
مقالة وكتاب على أن استرجاع الجزر الأماراتية لن يتحقق بالتصريحات الأستهلاكية
التي لايواكبها تغييرفي موازين القوى مع ايران وتغيير موازين القوى يتطلب تقوية
الجبهه الداخلية على كل ألأصعدة واهمها الأصلاحات السياسية ، ويتطلب المضي
وبجدية نحو درجة متقدمة من التكامل الأقتصادي ، ويتطلب كذلك العمل على ايجاد
مظلة امنية عربية ، الا ان هذه الحكومات لاتريد ان تأخذ باسباب القوة لأن ذلك
يعني تنازلها عن احتكار السلطة والثروة سواء كان ذلك داخل كل دولة اوعلى مستوى
المجلس ، وهي لن تقوم بذلك الا بضغوط شعبية لأن الشعوب وليست الحكومات هي التي
تخسر من استمرار الأوضاع الحالية . والذي يؤكد اخفاق هذه الدول في ردع الخطر
الأيراني هو ان ايران استولت على كامل جزيرة أبوموسى عام 1992 وطردت رعايا
الشارقة منها واقامت في محيطها قاعدة عسكرية ، علما ان الأتفاق الذي وقعه حاكم
الشارقة السابق ، الشيخ خالد القاسمي ، مع الحكومة الأيرانية وبوساطة بريطانية
عام 1971 في ظل موازين قوى مختلة ، كان ينص على تقاسم ثروات الجزيرة وسيادتها
[1]. وبالتالي فلا بد من شعار جديد ترفعه هذه الشعوب في وجه انظمتها
الأستبدادية وهو " ان تحرير كل شبر من الأراضي العربية المحتلة يتطلب تحرير كل
انسان عربي من المحيط الى الخليج من كافة اشكال الأستبداد " ، ذلك أن الحكومات
المنتخبة من قبل شعوبها والمدعومة من شعوبها الحرة هي اقوى في مواجهة خصومها ،
ولاينبغي ان تنخدع هذه الشعوب بعد الآن بادعاءات حكومات الأستبداد بان اخمادها
للمعارضة المحلية تحتمه حاجتها لمواجهة الأعداء الخارجيين في الوقت الذي تعبث
فيه هذه الحكومات بالثروة وتستقوي بالأجنبي وتتواصل سرا وعلنا مع اسرائيل من
اجل القضاء على روح المقاومة الفلسطينية خاصة في غزة ، سواء كان ذلك عن
طريق الحصاراو باستخدام القوة كما فعلت اسرائيل اكثر من مرة ، وليست محاولة
دايتون الأنقلابية الفاشلة على حماس قبل سنوات والتي ايدتها اكثر من دولة عربية
ومعها القيادة الفلسطينية في رام الله عنا ببعيد . وهذا الهدف ، اي تفكيك
ألأستبداد والتخلص منه ، وبناء مجتمعات تسودها الحرية والمساءلة للحكومات ،
ينبغي ان يكون هدف راسخ في قلوب الأحرار كما وينبغي على هؤلاء الأحرار ان
يكونون على استعداد للتضحية من اجله بكل غال ورخيص مهما طال الزمن أو قصر، ويجب
ان تدرك انظمة الأستبداد ان نيل الحرية وانهاء نظم ألأستبداد هو هدف استراتيجي
للشعوب ، اي انه غيرقابل للمساومة أو التاجيل اوانصاف الحلول . اما الشبهة
الثانية التي طالما روج لها الأستبداد واعوانه فهي ان الشعوب العربية ليست
مؤهلة للحكم ونحن بدورنا نؤكد ان الشعوب العربية هي في الحقيقية أكثر من مؤهلة
ولدى ابناؤها جميع المعارف الحديثة والتخصصات بانواعها ولكن المشكلة هي في ان
بيئة الأستبداد تبعثرالطاقات وتحطم الطموحات وتقتل الأبداع لأنها تعتمد الولاء
الأعمى بدل الكفاءة والأمانة . بل ان الثورات العربية قد كشفت ان غالبية
القيادات التي حكمت العالم العربي خلال ما يعرف بمرحلة الأستقلال كانت تابعة
للخارج وتنهب ثروات شعوبها ولدى بعضها نزعة اجرامية كشفت عنها احداث الثورات
فلم يسقط نظام عربي حتى الآن ، الا واتضح ان رموزه كانت منشغلة بهمومها
ومصالحها وبعيدة كل البعد عن آمال وآلام شعوبها ، بل ان ارتباطاتها مع بلير
وبوش وتشيني من خلال مؤسسات اقتصادية وسياسية عالمية هي اكثر من ارتباطاتها
باوطانها وشعوبها . وحتى لو افترضنا جدلا ان هذه الحكومات مثالية ، وهي ليست
كذلك ، فان من واجبها ان تسمح لشعوبها ان تمارس حريتها على كل الأصعدة ، لأنه
لايمكن للأنسان ان يكون فارسا من غير ان يتدرب على ركوب الخيل ، كما وان
السباحة لايمكن اتقانها الا بالممارسة . الشبهه الثالثة التي ينشرها اعداء
الحرية في زوايا عالمنا العربي ، هي ان الديمقراطية الغربية تتعارض مع الدين او
ان هناك تضارب بين الشورى والديمقراطية ، وهنا نشير الى ان النظام الديمقراطي
المشاهد في الغرب هو اقرب الى الشورى الأسلامية الملزمة من النظم الأستبدادية
الحالية لأنه يحترم كرامة الأنسان ، ويجعل الجميع متساوون امام القانون في ظل
مواطنة واحدة ، ويتم فيه تداول السلطة بين كافة شرائح المجتمع ، وتحفظ في ظله
الثروات من النهب ، ولاشك اننا لو اخذنا بهذا النظام في اطار ثوابتنا الدينية
فاننا سنكون قد خطونا الخطوة الأولى الصحيحة نحو بناء مجتمعات معاصرة وحره .
واخيرا ، طالما حاولت انظمة ألأستبداد ان تلعب بورقة الخلافات بين اطياف
التيارات المطالبة بألأصلاح اما عن طريق التحالفات الوقتية مع تيار ضد الاخر ،
او من خلال اتهام هذا التياراو ذاك بالتشدد اوالعمالة للخارج ، او من خلال
تشويه الحقائق وتزوير مواقف الأصلاحيين خاصة في ظل هيمنة هذه النظم ألأستبدادية
على الأعلام الرسمي وشبه الرسمي . وفي اعتقادنا ان اسقاط هذه الورقة من ايدي
النظم ألأستبدادية في الخليج يتطلب التوصل الى اجماع بين الكتل أو الفئات
المطالبة بالأصلاح على اعتبار ان جميع هذه التيارات قد ولدت في ظروف مختلفة
لمواجهة ألأستعمار الأجنبي أو الأستبداد الداخلي ، ولاشك ان فكر وممارسات هذه
التيارات فيهما الأيجابي وكذلك السلبي ولكنه يبقى ارث لهذه الأمة تستطيع
ان تبني على ايجابياته وتتجاوز سلبياته ، بدل ان يكون هذا الأرث اداة أخرى
يستخدمها الأستبداد لتفتيت المعارضة ومنع ظهوراي جبهه أصلاحية تحقق أهداف
النهضة المتمثلة في نقل سلطة القراروادارة الثروة الى ايدي من يمثل ارادة شعوب
المنطقة بدل ان تظل هذه المنطقة اسيرة المصالح الشخصية والخارجية الى ما لا
نهاية . هذا يعني ان المطلوب من كل الأحرار في هذه المنطقة مهما اختلفت مشاربهم
الفكرية ان يعملوا على المشتركات بينهم ، والتي من اهمها وجود مجالس تشريعية
ورقابية منتخبة ، وقضاء مستقل يتساوى أمامه الجميع ، وصحافة حرة تكشف الحقائق
وتساعد المواطن على ترشيد قراراته ، وحكومات خاضعة لمساءلة المجالس المنتخبة في
قضايا الأمن والتنمية ، ونحن على يقين ان هذه المشتركات في حال تحققها ستوجد
بيئة صحية وعقلانية لعلاج كافة القضايا الأخرى المختلف عليها ، وكل ما تعجز
النخب عن التوصل الى اتفاق حوله يمكن عرضه على شعوب هذه الدول لتحسم الأمر فيه
من غير ان تفرض فئة ارادتها على ألأخرى ، ولايمنع ذلك ان تثري هذه المدارس
الفكرية بعضها بعضا بحوارات جادة لتطوير رؤية اصلاحية تحقق الأستقرار والأزدهار
ولاتتصادم مع قيم هذه المجتمعات . وهكذا نكون قد وضعنا اللبنة الأولى لنهضتنا
المنشودة التي عجزت النظم ألأستبدادية عن السير فيها لأنها لم تخضع لأرادة
شعوبها وانما تقوقعت على مكاسبها ونفوذها وهمشت غالبية شعوبها ، وليس هناك خيار
آخر لهذا البديل السلمي سوى مزيد من الأستبداد والظلم ومزيد من التخلف ومزيد من
احتمالات العنف في المنطقة . ولابد من التأكيد مرة أخرى هنا ان الأنظمة
الخليجية الحالية اذا تركت من غير ضغوط شعبية تتمخض عنها مشاركة ومساءلة فعلية
، فان الفزعات والهبات التي تظهرها هذه النظم بين الحين والآخر كالحديث في
الوقت الحاضرعن اتحاد بين السعودية والبحرين ، ماهي الا فقاعات وقتية
يعرفها الخصم قبل الصديق ، ولن تؤثر على موازين القوى مع الأعداء ، وان كانت
ستنفع هذه الأنظمة للأستهلاك الداخلي ، فقد مضى على جهود هذه الحكومات
التكاملية اكثرمن ثلاثين عاما ولازالت تراوح مكانها ، فلا ينبغي ان ينخدع احرار
هذه الأرض بشعارات هذه الحكومات بعد الآن بل يجب مطالبتها بترجمة شعاراتها على
ارض الواقع حتى تدور عجلة التغيير نحو مستقبل أفضل .
حكومات الأستبداد غير مستقرة
لقد اتضح لنا من مما سبق أن التحرك الأصلاحي في منطقة الخليج ينبغي ان يظل
بعيدا عن العنف ولكنه كذلك لابد ان يكون تحركا واعيا وممنهج ودائم حتى يؤدي الى
تحقيق الأصلاحات المنشودة في اطار بعد زمني واضح الى حد ما ، لأن الحكومات
الخليجية لن تبادر وحدها بالأصلاح ما لم تشعر بمطالبة جدية بالأصلاح من قبل
شعوب المنطقة وتاريخها شاهد على ذلك . فجوهر ألأصلاح المنشود هو تصحيح موازين
القوى بين الحكومات الخليجية وشعوبها ، ففي الدول التي تحكمها ارادة الشعوب
تكون الشعوب هي سيدة القرار وهي التي تمارس ، من خلال حكومات منتخبة ، الرقابة
على الكيفية التي تصنع بها السياسات وتصاغ بها التشريعات ، والكيفية التي تجمع
بها الموارد والصورالتي تنفق بها ، الأمر الذي يعني ان الحكومات تكون خادمة
لأجندة كافة شرائح المجتمع واذا اخفقت في تحقيق ما وعدت به شعوبها فانها تستبدل
من خلال صناديق الأقتراع التي تتم بصورة دورية ، كما وان هذه المجتمعات تتصف
بالفصل بين السلطات القضائية والأعلامية والتشريعية والتنفيذية ، مما ينتج عنه
تدافع دائم بين هذه المؤسسات حتى يرتقي اداؤها وتحقق اهداف المجتمع المتنوعة .
أما في دولنا الخليجية فالحكومات هي التي تسيطر على المجتمع لأنها تهيمن على
الثروة وتحتكر القرار وتتحكم بالقوى الأمنية والعسكرية ، كما وانها تسيطرعلى
الأعلام والقضاء والمجالس التشريعية المعينة ، كل ذلك من غير ادنى رقابة او
مساءلة مجتمعية تضمن ان هذه الحكومات تخدم شعوبها ، وبسبب غياب هذه الرقابة فان
سجل هذه الحكومات يشهد بأنها حرصت دائما على خدمة مصالحها على حساب مصالح
شعوبها ، حتى اصبح المواطن يستجدي حقوقه من هذه الحكومات وهي قد تعطيه أو تمنعه
، واذا منعته فليس امامه الا الصمت والقبول بالظلم ، بينما عندما تقصر الحكومات
في الدول الديمقراطية فان المواطن لديه القدرة على طرح قضيته على اكثر من جهة
ابتداء من البرلمان المنتخب مرورا بالأعلام الحر وانتهاء بالقضاء المستقل
فلايضيع حقه .
هذه المعادلة المختلة في علاقة الشعوب وحكوماتها في منطقتنا العربية والخليجية
جعلت هذه المجتمعات غير مستقرة لأن العدل اساس الملك وصمام الأمان ، وغيابه
يؤدي الى عدم ألأستقرار لأن اصحاب الحق يستمرون في محاولة استرجاع حقوقهم مهما
طال الزمن والنظام المستبد بدوره يسعى الى حرمانهم من ذلك وهكذا ينشغل المجتمع
بقضية العدل ولايتفرق لتحقيق التنمية ، وهكذا فالنظام المستبد يخفق كذلك في
تحقق التنمية الفعلية بابعادها المحتلفة لأن الأستقرار بالمفهوم الذي ذكرناه
سابقا هو شرط للأزدهار. والذي يؤكد عدم استقرارانظمة الأستبداد باشكالها
الثورات والأرهاصات التي حدثت منذ بداية عام 2011 ، اما ما يؤكد فشلها التنموي
فهو وقوع العالم العربي في ذيل قائمة مؤشرات التنمية بين دول العالم ، وبالتالي
فلا بد لحكومات دول مجلس التعاون ان تدرك بانها لاتستطيع ، خاصة على المدى
المتوسط والبعيد ، ان تحافظ على هذه العلاقة غير المستقرة مع شعوبها مهما
استخدمت من وسائل الترغيب والترهيب ، ومهما شوه اعلامها الرسمي الحقائق ، ومهما
استقوت بالقوى الخارجية ، وبالتالي فلن تستطيع هذه الأنظمة ان تصل الى نقطة
التوازن او الأستقرار الذي يمثل نقطة ارتكاز للتنمية الفعلية والأمن الشامل الا
اذا بادرت بالأصلاحات المطلوبة وفي الوقت المناسب لأن الزمن ليس في صالحها
وانما في صالح الشعوب لأن هناك كتلة بشرية ضخمة تفصل اليوم بين الحكومات
ومؤيديها وبين المطالبين بالأصلاحات ، وهذه الكتلة تتحرك في الغالب مع النواميس
الكونية والتي في مقدمتها ميل الشعوب الى التحررمن الظلم والفساد ، كما وان هذه
الكتلة ستدرك مع زيادة وتيرة المدافعة بين الحكومات والكتلة المطالبة بالأصلاح
بان مستقبل ابناؤها مرهون بحصول هذه الأصلاحات ، وبالتالي فان هذه الكتلة سترجح
ان آجلا أو عاجلا كفة المطالبين بالأصلاح وان كان ذلك سيعتمد على ادارة كتلة
ألأصلاح للمدافعة مع الحكومات الخليجية . لذلك فاننا نعتقد ان تصحيح العلاقة
غير المستقرة بين الحكومات الخليجية وشعوبها لايمكن ان يتحقق بالصورة المطلوبة
حتى ولو بادرت هذه الحكومات بالقيام ببعض الأصلاحات وانما يتطلب الأمر ضغوط
ممنهجة ومستمرة وفي ظل رؤية واضحة من قبل القوى المطالبة بالأصلاح حتى يحدث
الأنتقال المطلوب باقل كلفة وباسرع وقت ، وهذا الضغط المجتمعي على الحكومات هو
ما نتوقف عنده في بقية حديثنا في الشهر القادم .