فرحنا كثيراً بثورات الربيع العربي ونقصد بنحن غالبية الأمة العربية وتمنينا
لو تمتد شرارة هذه الثورات الى كل قطر عربي ومنها نتخلص من أنظمتنا التي عبثت
بمقدراتنا المادية والبشرية وأصبحت من الدولة الراعية والحاضنة والمشجعة لكل
أشكال والوان الفساد بل أن بعض الدول العربية تندرج في قائمة الدول الراعية
والداعمة والحاضنة للارهاب الذي تشجعة الدولة العظمى ( أمريكا ) بهدف تحقيق
أجندة مصالحها الأسترتيجية وأهمها البقاء قرب حقول النفط العربية والسيطرة
التامة عليها .
فرحنا كثيراُ بثورات الربيع العربي إنطلاقاً من الواقع الذي كنا نعيش فيه
ولازلنا وهو واقع مشبع بالتناقضات وهي تناقضات عجيبة وغريبة في أن واحد : تناقض
إمتلاك أكثبر ثروة نفطية ومعدنية وبشرية مقابل تناقض غياب دولة النظام والقانون
وازدهار الفساد والأستبداد والتخلف والفقر والأمية ...وهناك ايضاً تناقضات
جديدة وغريبة مشوبة بالحذر والحيطة من جهة والبلاهة التاريخية من جهة أخرى
...وهي تناقضات التحول الثوري من الدول الجمهورية الى الدول الملكية أي أصبحت
الثورات الربيعية الحالية من تخصص الدول الملكية والأسرية وهذهه أمور بصراحة
تستحق التأمل .
ما أن أنطلقت ثورات الربيع العربي والتي فاجأت الأمة العربية والعالم أجمع في
24 نوفمبر 2010م بتونس و25 يناير 2011م في مصر و11 فبراير 2011م في اليمن و17
فبراير 2011م في ليبيا و20 مارس 2011م في سوريا وتلك بلدان عربية ذات طابع
جمهوري ثم تحولت الى جمهوملكية تورث فيها السلطة للأبناء والأقارب ، في البداية
كان الموقف العربي الملكي مناهض للثورات العربية في تونس ومصر ثم اليمن ولازال
هذا الموقف مستمر حتى اللحظة بينما الأمر مختلف مع الثورتين الليبية والسورية
فأصبح الملكيون ثوريون أكثر من الثوار وينظرون للثورات وكيفية دعمها بالمال
والسلاح ولابأس لو كانت الضحايا من غير شعوب بلدان الممالك والمشيخات وبالذات
من مملكة أل سعود ودولة قطر ، وهذان بلدان يقفان بكل قوتهما مع ثورتي ليبيا
وسوريا بينما الوضع في تونس ومصر واليمن فكان مغايراً أي غير مؤيداً للتغيير
الثوري في تلك البلدان بل مؤيدا للأنظمة الديكتاتورية والمستبدة وعندما تساقطت
الأنظمة في تونس ومصر بصورة درامية متسارعة غير متوقعة كون نظامي بن علي ومبارك
من أقرب الأنظمة الجمهورية العربية للأنظمة الملكية العربية وأمريكا والغرب
،فتسارعت جهود تلك الممالك وأمريكا وأوربا الى أحتواء الموقف الثوري في اليمن
وفرملة تحركها ولجم أنتصارها وتحييد عملية التغيير واقتصاره على التغيير في
الوجوه مقابل الأبقاء على النظام اليمني ومحاولة السيطرة على مجريات التغيير
الثوري العربي القادم وجعلة تحت السيطرة والهيمنة العربية الملكية وأمريكا
وأوربا كي لاتخرج عن سيطرتها ... فالتدخل الخارجي في اليمن تطلب أن يكون
التغيير لصالح النظام وقوى المعارضة على حساب الثورة والثوار ومطالبهم بأسقاط
النظام ومحاكمة رموزة الى بقاء النظام وحصانة رموزة من المحاكمات والتحقيقات ،
واصبحت المبادرة الخليجية ( مبادرة أل سعود ) المزمنة بالارادة الأممية الى
ألية حاكمة لليمن ملغية للدستور والارادة اليمنية ، والمتابع للمشهد السياسي
اليمني منذُ قيام الثورة حتى الان سيكتشف مدى التأمر الخليجي الأمريكي الأوربي
على ثورات الربيع العربي وبالذات ثورة اليمن خوفاً من أن يشكل إنتصارها تاثيراً
على شعوب جيرانها في ممالك وامارات الجزيرة والخليج العربي وبالتالي تغيير
الخارطة العربية في تلك المنطقة .
لقد تابعنا ماحصل مع ثورة ليبيا وكيف كان للتدخل العربي الملكي والدولي من
تأثير على الوضع اللليبي بعد سقوط نظام العقيد القذافي ومدى التنافر والتخبط
السياسي الليبي نتيجة للتدخل الخارجي المباشر حيث الكل يبحث عن مواطئ قدم لهم
على حساب مصالح وتطلعات الشعب الليبي في الحرية والأستقلال والنماء والأستقرار
الأمني والاقتصادي والسياسي ... وإذا لم يتوقف التدخل الخارجي في الشأن الداخلي
لبلدان الربيع العربي فسوف تتحول الأفراح الى أتراح عند الشعوب العربية
والأحلام الى أضغاث أحلام وأوهام وهذا على ما نعتقد هو ما تسعى اليه الممالك
والمشيخات العربية ومعها ماما أمريكا والجدة أوربا ... ولولا تدخل حلف الناتو
لكانت الأوضاع في ليبيا في حالة حرب أهلية .
وعندما نتابع اليوم المشهد السوري ( كل الأنظمة العربية تستحق التغيير ) فسوف
نجد حماسة عربية ملكية وحنية أمريكية وأوربية لأسقاط النظام السوري والسيطرة
على مجريات الثورة وجعلها تحت السيطرة وإذا مانظرنا الى المشهد السوري فسوف
نلحظ عداء مزمن للنظام السوري من قبل أطراف التدخل العربي الخارجي ونرى النظام
السوري يواجه تهديدات مستحكمة من قبل أطراف كثيرة وخصوصاً دول الجوار ومنها
دويلة أسرائيل ... فهناك أستحقاقات عربية ودولية في سوريا تتطلب أسقاط النظام
السوري وهذة الأستحقاقات لاتنطبق على تونس ومصر واليمن رغم سقوط نظامي تونس
ومصر .
وإذا مانظرنا الى وضع مملكة البحرين فالمشهد هنا لايحتمل النقاش ولا الكلام
وطبعاً هذا يعود لموقع البحرين في الخريطة الخليجية والدولية ومن خلال هذه
المشاهد فسوف نجد أن شرارة الربيع العربي قد أوشكت على التجمد أو الخفوت في
البلدان العربية الخمس والأكتفاء عند هذه الحدود والعمل على زرع مفاهيم اليأس
والأحباط من التغيير السلمي أو الثوري في العقل الشعبي العربي ولا بأس لو تم
العمل بالنهج الديمقراطي ولاخوف من ذلك مادام الأطراف العربية الملكية وأمريكا
وأوربا تتحكم بخيوط اللعبة الديمقراطية عبر التمويل المالي لجماعات سياسية
معينة وممارسة الضغوط المختلفة على الأنظمة الربيعية .
لقد بلغ التدخل الخارجي في شؤون الربيع العربي وخاصةً من مملكة أل سعود وقطر
الى حد إعلان وزراء خارجيتهم بأستعدادهم في تسليح الشعب السوري للدفاع عن
كرامتة وحريتة بينما تسليح الشعب الفلسطيني ليس له ضرورة ولا جدوى ، فهنا هم
يطالبون بأسقاط النظام السوري كما فعلوا مع النظام الليبي ...إنها أزدواجية
مقرفة ووقحة وتستحق من الجميع التأمل والبحث فيها وفيما إذا كانت هذة هي
النتيجة التي تتطلع اليها الأمة العربية من أقصى المحيط الى أقصى الخليج العربي
وبحيث نصبح أمة قادرة على حماية نفسها وثرواتها والأستفادة من ثرواتهم وطاقاتهم
البشرية وليس أمة منتجة لثروات ثمينة وحامية لها فقط ... وسيبقى أمامنا سؤال
مهم وضروري لاينبغي تجاهلة وهو : سقط النظام السوري وتعثرت العملية السياسية في
سوريا بعد السقوط ، كيف ستكون سوريا الجديدة في علاقتها بالجيران وعلى وجه
الخصوص دويلة إسرائيل التي تدعمها ماما أمريكا وجدتنا أوربا والجميع يعرف
الموقف الأمريكي والأوربي من قضايا الصراع العربي الأسرائيلي ؟
أن أزدواجية التعامل الخليجي مع ثورات الربيع العربي ينم عن التخبط السياسي
لتلك الحكومات والمغريات التي حاولوا تقديمها لمملكتي المغرب والأردن متجاوزين
أقرب دولة لهم وهي اليمن مكتفين بالفتات وبعد تدخل دولي وان قدموا لها دعم
فيفرضون عليها شروط تعجيزية تمس من السيادة اليمنية والقرار اليمني المستقل
وتلك سياسة ليس لها علاقة بمنطق الأخوة الواحدة والعقيدة واللغة الواحدة ولا
ندري ماهي مبررات الرفض الخليجي لليمن ؟ ولماذا لاتكون اليمن ضمن إتحاد
كونفيدرالي خليجي ؟ .
أن دول الخليج العربي بحاجة الى مراجعة سياساتها الراهنة والسابقة والخروج من
شرنقة الحيطة والحذر والعداء غير المبرر لبقية الشعوب العربية من منطلق الحسد
والحقد العربي للغناء الخليجي مقابل الفقر العربي الأوسع ... الوقت أمامهم
ليراجعوا مواقفهم ويعلموا أن التغيير قادم لا محالة مهما طال الزمن أو قصر ، بل
كل الأنظمة العربية عليها مراجعة مواقفها وسياساتها بما يخدم شعوبهم العربية .
باحث وكاتب من اليمن