قضية عبد الهادي الخواجة - الناشط الحقوقي والسياسي البحراني - هي قضية
سياسية قبل ان تكون انسانية، أي ان البعد الانساني لاحق وليس سابقا للبعد
السياسي.
فهو اذْ يضرب عن الطعام فإنما يمارس ممارسة سياسية بامتياز ويخوض صراعا سياسيا
يستحق الاعجاب بجدارة ضد النظام البحريني من جهة، ويلفت نظر العالم من خلال
شخصه على محنة هذا الشعب الذي ينتمي اليه من قمع وظلم مستمرين من جهة اخرى،
ودون ان يحرك العالم ساكنا كما يحصل في بلدان اخرى. فهو باضرابه لا يستعطف ولا
يستجدي رحمة من النظام، ولا من غيره، انما يستعمل امضى سلاح سياسي في مواجهة
جبروت النظام الحاكم، محتجا ومقاوما لسجانيه، فإما الموت او الحرية، فهو القائل
احب الحياة، لكن احب الحرية اكثر.
لذلك فإن المطلوب هو حل سياسي لقضية الخواجة، والحل السياسي يجب ان يكون شاملا
لكل القيادات السياسية التي تشارك الخواجة السجن، فالى جانبه هناك اكثر من 21
معتقلا سياسيا، من المفترض ان يكونوا احرارا لأنهم قادة سياسيون وقادة رأي ولم
يقوموا بما يبرر سجنهم اصلا. بل ان تقرير لجنة بسيوني طالب بضرورة اطلاق سراحهم
ولا يوجد مبرر لاعتقالهم، سوى عناد الحكم الخليفي من جهة والدعم الاقليمي /
السعودي، والدولي / الامريكي الذي يستند اليه ويغطي جرائمه من جهة اخرى.
وإلا ماذا يعني عدم استجابة النظام لدعوات العديد من الدول باطلاق سراح الخواجة
وعلى رأسها الدنمارك التي يحمل الخواجة جنسيتها والسويد والمفوضية الدولية
لحقوق الانسان والالمان وامين عام الامم المتحدة ومنظمات حقوق الانسان وغيرها.
ما هذا النظام الذي يستطيع مقاومة هذه النداءات والضغوط. بالتأكيد انه يحظى
بدعم اقليمي وتغطية دولية تجعله قادرا على رفض كل هذه النداءات والمناشدات
والضغوط لاطلاق سراح الخواجة، و شعور النظام بالاطمئنان بعدم محاسبته (الافلات
من العقاب).
وهنا يظهر بشكل جلي مدى تواطؤ القوى الدولية ليس على قضية الخواجة فقط بل على
قضية الشعب البحراني في صراعه المرير مع النظام الحاكم، وذلك بسبب المصالح
السياسية والاقتصادية الاستراتيجية للولايات المتحددة الامريكية في المنطقة،
حيث حقوق الانسان وقضية الخواجة مثلها الصارخ - وحقوق الشعوب في الديمقراطية
والحكم الرشيد في هذه المنطقة الغنية بالنفط ليست ضمن اجندة السياسة الامريكية.
هذا على الرغم من ان الامريكان قادرون على ممارسة الضغط على النظام البحريني
لاعادة النظر في كل سياساته القمعية والاستبدادية تجاه المعارضين السياسيين،
فهم يقررون في هذه المملكة الصغيرة ولديهم من النفوذ ما يستطيعون فعله، لكنهم
قد اتفقوا مع النظــــام على السكوت عما يجرى من انتهاكات يندى لها الجــــبين،
وهو مطمئن لذلك ولاحسيب ولا رقيب على قمعه واستبداده، طالما ان العم سام غير
منزعج لما يقوم به من خروقات فاضحة تجاه مواطنيه ويحظى بمساندة منه.
الحل في قضية الخواجة ليس في البعد الانساني على اهميته انما في البعد السياسي
والمتمثل في اطلاق سراحه وبقية القيادات من قبل النظام فورا ودون قيد اوشرط،
والاعتذار له / لهم، ليمثل ذلك خطوة سياسية في الاتجاه الصحيح يخطوها النظام،
ودون ذلك فإن الوضع في هذا البلد آيل الى المزيد من الاحتقان السياسي، وسيمثل
استشهاد الخواجة خطأ استراتيجيا يرتكبه النظام، سوف يعجل بنهايته، فقضية
الخواجة هي قضية شعب وليس قضية شخص. فهل يعي النظام ذلك أم يكابر؟ هذا ما
ستجليه الايام القادمة.