قبل فترة تلقيت رسالة من أخت كريمة بدأتها بالثناء علي ولكنها اتبعت ذلك
الثناء بسؤالي عن سبب عدم تسخيري معرفتي لرد الجميل لوطني الذي بفضله ، طبعا
بعد الله ، حققت ما حققته في حياتي العلمية ، بل انها لم تتردد في معاتبتي على
تسمية موقعي بدار السلام في الوقت الذي اسير فيه كما فهمت من كلامها في طريق
آخر ، هذا على الأقل ما فهمته من رسالتها المختصرة . طبعا كان بامكاني ان ارد
على هذه الأخت برسالة مختصرة افند فيها نتائجها من باب تصحيح فهمها واشكرها على
رسالتها ، ولكنني اخترت بدل ذلك وتعميما للفائدة ان اخصص حديث هذا الشهر لتوضيح
قضية اساسية تضمنها سؤالها ، وهي قضية طالما ادت الى كثير من التصدع في علاقات
الأفراد في مجتمعاتنا الخليجية في السنوات الأخيرة ، الا وهي قضية الخلط بين
الوطن بسكانه وأرضة وثقافته وثرواته ، وبين الحكومة التي تعتبر احد مكونات هذا
الوطن والتي يفترض فيها ان تكون نابعة من ارادته وتكون حارسا امينا على مصالحه
وأمنه جنبا الى جنب مع بقية مكوناته كرجال الأعمال والعلماء والمثقفين والعمال
وبقية مؤسسات ما يطلق عليه المجتمع المدني ، وأسال الله ان يكون في هذا الحديث
تجلية لهذه القضية حتى يظل أبناء الوطن قادرون على الحوار العلمي الذي ينبني
عليه عمل نافع بدل ان يظل حوارهم اقرب الى الحوارالعقيم أو حوار الطرشان كما
يقال . لذلك اشكر الأخت الكريمة واتمنى عليها ان تتابع هذا الحديث ولها بعد ذلك
ان تحكم اذا كنت انا وامثالي ممن يطالبون باصلاح الحكومات الخليجية نقدم خدمة
للوطن أم اننا قد انكرنا حقوق هذا الوطن علينا وسلكنا طريق العاقين لأوطانهم
لاقدر الله . اقول لهذه الأخت ولغيرها من الغيورين على أوطانهم ان هناك فئات ،
ولاسباب تتعلق احيانا بقلة الوعي ، أو لأعتبارات مصلحية وقتية ، أو لغيرها من
الأسباب ، وعلى الرغم من ما يأمرها به دينها من التامل والتدبر، وعدم الأتباع
الأعمى والسعي لمعرفة الرجال بالحق ، لازالت تعتقد ان الفئات التي تحكم هي فئات
مقدسة وفوق النقد ، وان الحكم هو حق منزل لها وابدي حتى ولو عاثت في الأرض ظلما
وفسادا ، وان الشعوب ما هي الا مجموعة من الأتباع الذين لاحول ولاقوة لهم الا
القبول بما تفعله هذه القيادات سواء كان خير ام شر ، وبالتالي فهذه الفئة من
الناس تصر على ان تعرف الحق بالرجال ، وهذه نظرة في اعتقادي ، هي اقرب الى نظرة
العبد لسيده ، وهي نظرة ترفضها شرائع السماء والأرض ، ولكنها نظرة لها اتباعها
بيننا وان انكروا ذلك لأنهم تخلوا عن حقوقهم التي وهبهم اياها خالقهم وليس
لديهم مانع ان يتركوا غيرهم يقرر مصيرهم كما يشاء هو ، وليس كما ينبغي، وهم على
استعداد ان يعطلوا ابصارهم وبصائرهم وعقولهم الا في حدود ما تسمح به هذه
القيادات ، وهم لم يكتفون بتعطيل طاقاتهم وانكار حقوقهم ولكنهم يطالبون غيرهم
بقبول هذه العبودية والخضوع لغير الله ، وهو امر تنفر منه النفوس السوية ، وهم
يستخدمون في ذلك كثير من التبريرات الواهية والأحكام غير العقلانية التي تصل
الى حد التسفيه والقدح الذي يدل على عدم القدرة على تقديم الحجج المقنعة . اما
النظرة الأخرى التي يدين بها كثيرمن أبناء البشرية وأبناء هذه الأرض وكاتب هذه
المقالة منهم ، فهي نظرة من يعتقد ان الله خلقه حروطالبه ان يكون عبدا له وحده
ومتساويا مع غيره من بني جنسة ومؤمنا بان قيامه بدور خلافة الله في هذه الأرض
يحتم عليه ان لايقبل ان يسيس أمره ويقوده الا من هو أكثر الناس كفاءة وامانة
مصداقا لقول الحق سبحانه وتعالى على لسان بنت النبي شعيب : " قالت احداهما يا
ابتي استئجره ان خير من استئجرت القوي الأمين" . ولكن لماذا تنص هذه ألآية على
القوي والأمين كمعيارين لأختيارالقيادات ؟ الأجابة بسيطه وهي أن القوي هوأكثر
اتقان لعمله ، اما الأمين فهو اكثر بعدا عن سوء استغلال السلطة لتحقيق اغراض
شخصية على حساب مصالح المجتمع . هذا يعني بأننا اذا اخترنا الأقل كفاءة وامانة
فاننا نحكم على انفسنا بالتخلف عن الركب الحضاري ونترك الشعوب الأخرى تتقدم
علينا، بل والأهم من ذلك اننا عندما نقبل بأن يقودنا الأقل كفاءة وأمانة نكون
قد تركنا المنهج الذي اختاره لنا خالقنا في بناء المجتمع والذي طبقه رسول الله
صلى الله عليه وسلم وخلفاؤه الراشدون واتجهنا بدل ذلك الى انظمة الأستبداد
والفساد التي كانت سببا في تخلف هذه الأمة وانحدارها . فقد رأينا هذا المبدأ،
اي اختيارالأفضل لقيادة المجتمع ، يطبق في فجرالأسلام ، وكذلك في كثير من النظم
التي تختار حكامها في العصر الحاضر . اذن فاول مرتكزات بناء المجتمع المستقر
والمزدهر هو ان يحفظ حق جميع المواطنين في اختيار من يحكمهم وبصورة صحيحة من
خلال صناديق الأقتراع الحر والعلني ، وليس بطرق مزيفة او مقنعة بلباس الدين او
الوراثة ، او نابعة من احتكار الثروة وتوزيعها على الأتباع والمؤيدين . اذن
فنحن نؤمن بأن مجتمع الأحرار تكون فيه السيادة للشعوب في ظل ثوابتها الحضارية
وليست للحكام ، وهذا يعني ان الحكومات الوراثية أوالثورية التي ابتلي بها
عالمنا العربي منذ زمن طويل وكانت سببا في تخلفه واذلاله وتحويله الى مجاميع من
البشرلاتعرف الحرية ، ولاتتذوقها ، وبالتالي فهي لاتطالب بها ولاتضحي من اجلها
، هذه الحكومات التي افرزت هذا الواقع المرير هي حكومات مستبدة لابد من اصلاحها
جذريا اوعليها ان ترحل والا فلن يكون هناك استقراراو ازدهار لأن الحياة
لايصنعها الا الأحرار والوضع الحالي لم يعد مقبولا ، ولن يغير من هذه الحقيقة
تزييف الحقائق او ارهاب الشعوب او الأستقواء بالأجنبي ، ولكن يغيرها الأعتراف
بها والتعامل معها بعقلانية وصدق . كما ان كون الحكومات الحالية غير شرعية ، اي
انها لم تختارها الشعوب ، يسقط بدوره تقولاتها وتقولات من يدور في فلكها من
السذج بأن فئة من الناس اسلامية كانت او غير اسلامية تريد ألأستيلاء على السلطة
، ذلك أن السلطة ، في نظر الأحرار من البشر ، هي حق لكل مواطن أو مجموعة من
المواطنين طالما انها اعطيت لهم من قبل الشعب نفسه ، وبالتالي فليس عيب ان تظهر
في المجتمع فئات تطالب بالسلطة طالما انها ستحصل عليها بطريقة شرعية وسلمية
وليس كما حصلت عليها الأنظمة الحالية . نقول ذلك لأن الحكومات الحالية عندما
تعجز عن الرد على اطروحات من يطالب بالأصلاح تتهمه بالرغبة في السلطة متناسية
انها آخر من يحق له هذا القول نظرا للكيفية التي اتت بها الى السلطة ، وكيف
تصرفت بهذه السلطة عبر عشرات السنين . غير ان بناء مجتمع الأحرار الذي يؤسس
لحضارة راقية لايتوقف عند حق شعوب المنطقة في اختيار الحاكم ذو الكفاءة
والأمانة وانما يتعداه الى محاسبته ومراقبته وعزله اذا لم يلتزم بالبرنامج الذي
تم اختياره على اساسه ، لماذا ؟ حتى لايعتقد هذا الحاكم ان الفترة التي انتخب
فيها هي فرصة للعبث والتكسب والتعدي وبناء النفوذ ، وحتى لاتكون سياساته فيها
اخطاء كبيرة توقع بالمجتمع اضرارا اقتصاية وأمنية مكلفة تدفع ثمنها الأجيال
القادمة ، هذا يعني ان هذا الحاكم الذي اختاره الشعب هو بمثابة خادم لهذا الشعب
وليس فرعونا يستعبد شعبه ويذله ، ويجب ان يتقبل كل النقد والمقترحات من الذين
اختاروه لأنه يتصرف بسلطة وثروة هي ملك للمجتمع وليست ملك خاص له ولايتعدى دوره
دور الوكيل الذي يلتزم بشروط موكله ، واذا لم يعجبه ذلك فعليه ان يذهب الى بيته
. لذلك ليس مستغربا أن نقرأ في تاريخ المسلمين كيف ان رجل أو أمراة كان الواحد
منهم يقف امام امير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله ، وهو من هو في موازين
الكفاءة والأمانة ، ويقول له بملء فاهه : اصبت في كذا واخطات في كذا ،
فيقرالأمير بخطأه اذا كان مخطئا ، او يقدم اجابة مقنعة على سؤال السائل ، حتى
انه في حادثة معروفة قال عمررضي الله تعالى عنه بعزة المؤمن " اخطأ عمر وأصابت
امرأة " ، وفي حادثة اخرى عندما قال عمر في خطبة له : "اسمعو وأطيعوا " ، رد
عليه احد الصحابة قائلا : " لاسمعا ولاطاعة " وكأن في نفسه شيء على عمر ، فلما
استفسر عمر عن سبب مقولة الصحابي تلك ، سأل الصحابي عمر عن سبب لبسه لرداء طويل
- فقد كان عمر طويل القامة - معتقدا ان عمر قد اخذ اكثر من حقه من الغنائم ،
فطلب عمر من ابنه عبدالله ان يفسر اللبس الذي وقع فيه الصحابي ، وبالفعل وقف
عبدالله بن عمر واخبر الحاضرين بأنه اعطى رداءه لأبيه ليكمل به ثوبه لأن عمر
كان طويل القامة كما ذكرنا . فهذه الحادثة وكثير غيرها تؤكد ان افضل جيل في
تاريخ المسلمين وقدواتهم الشامخة قد تعرضوا للنقد والمساءلة حول قراراتهم
وكيفية استخدامهم للثروات وتقبلوه بنفوس راضية لأنهم كانوا باحثين عن الحق
وحريصين على العمل به للقاء الله يوم القيامة ، ولم يكونون كحكام اليوم الذين
غفلت قلوبهم وللأسف من كثرة فسادهم واستبدادهم واكلهم لشتى أنواع الحرام
والعياذ بالله ، فثروات الواحد منهم تقدر بالمليارات فمن اين أتوا بها ، ذلك في
الوقت الذي يعيش فيه ملايين العرب والمسلمين تحت خط الفقر وبامكانكم العودة الى
مقالة " غياب العدالة الأجتماعية " في نفس الموقع لتتأكدوا مما اقول ؟ وهل
تعتقد الأجيال الحالية انها ستعيش في استقرار وازدهار اذا تجاهلت احزمة الفقر
المحيطة بها ابتداءا من اليمن وانتهاء بالمغرب العربي ؟ هذه المساءلة للحكام
التي اختفت عندنا بسبب الأستبداد وتقديم الأقل كفاءة وأمانة نراها من اهم اسباب
تقدم وقوة الدول الغربية التي تنتخب حكوماتها من قبل شعوبها ، فهذا صحفي يكتشف
خطا وقعت فيه الحكومة فتتم معاقبة المسؤول بصورة أو اخرى قد تصل الى عزله ، كما
حصل للرئيس الأمريكي نيكسون الذي عزل على اثر فضيحة ووترغيت التي حاول فيها
استخدام منصبه للتجسس على الحزب الديمقراطي المعارض له . وما يقوم به الصحفي من
كشف الحقائق ومساءلة الحكومة يقوم به القاضي المستقل وعضو الكونغرس المنتخب
وأعضاء النقابات وغيرها من منظمات المجتمع المدني ، وهكذا يظل الأداء مرتفع
ويقل الفساد لأن الوطن كله في حالة حراك والحكومة جزء منه وتخضع له مصداقا
لقوله تعالى : " ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لفسدت الأرض" ، اي انه لولا
حسن اختيار المسؤولين ومساءلتهم ومتابعتهم المستمرة فانهم سيكونون اكثر ميلا
الى الوقوع في الأخطاء وسوء استغلال ثروات المجتمع . بل ان في الدستور الأمريكي
مادة تسمح لأبناء المجتمع ألأمريكي ان ينشئوا ميليشيات عسكرية تقوم بالتدرب
المستمر وتحمل السلاح وهي موجودة فعلا في كثير من الولايات ، اتدرون لماذا ؟
لأن مؤسسي المجتمع الأمريكي كانوا يعتقدون ان هذه المليشيات قد يحتاجها
المواطنون لأسقاط الحكومة المنتخبة ....نعم المنتخبة اذا اظهرت بوادرللأستبداد
والتسلط وسوء استغلال القوة والثروة التي اعطاها اياها الشعب ....انها احد
وسائل استعادة الشعب لسيادته ، علما أن الحكومات الأمريكية المتعاقبة لم تدخر
جهد في اقناع حكوماتنا ف المنطقة بسحب السلاح من ايدي الشعوب ، وكانها تقول بان
شعوبكم ليست بدرجة تحضر الشعوب الغربية فهي لاتؤتمن على حمل السلاح ، هذا في
الوقت الذي يتذكر فيه أبناء الجزيرة ان الرجل في السابق كان يعاب عليه...نعم
يعاب عليه ..الخروج من بيته من غير قطعة سلاح قد تكون بندقية او خنجر أو غيرها
. وهذا ليس امر مقصور على الغرب ، فهناك سوابق في تاريخ المسلمين لها سندها
الشرعي قام بموجبها علماء الأمة بحمل السلاح في وجه الحاكم الذي كان عنده بعض
التفريط في اقامة شرع الله والعدل في حق الناس وهو تفريط لم يصل الى مستوى
تفريط الحكومات الحالية ، فهل يعقل في ظل ما سبق ذكره ان تخرج اصوات من هنا
وهناك تمنعنا من محاولة اصلاح مجتمعاتنا بالكلمة الصريحة وبالحجة الدامغة
وبالمنطق السليم خاصة واننا امام حكومات استباحت ثروات المجتمعات وتملكت
الأراضي والبحار وهذا ما لم يحدث لا في تاريخ المنطقة ولا في غيرها من بقاع
العالم ؟ واليس هذا التسلط والفساد هو الذي ادى في مكانات كثيرة وفي فترات
مختلفة الى العنف والدمار ؟
الآن لو حاولنا تطبيق التحليل السابق للعلاقة بين الوطن والحكومة على واقعنا في
الخليج والجزيرة العربية سيتضح لنا اننا امام حكومات لم تنتخب من الشعوب
ولايمكن لهذه الشعوب ان تغيرها ، وليست هناك مؤسسات اعلامية او قضائية أو
تشريعية مستقلة تستطيع ان تساءل هذه الحكومات وتصحح مسارها ، هذا يعني اننا
حقيقة نعيش في مجتمعات الحكومات فيها تمتلك الأوطان وما فيها من شعوب بدل العكس
، فهذه الحكومات لاتأتي الى المناصب على اساس الكفاءة والأمانة ، ولايرتبط
بقاؤها في المناصب بفترة محددة يمكن تغييرها بعد انتهائها ، وليست هناك مؤسسات
مستقلة تستطيع ان تكشف عيوب هذه الحكومات او تعاقب القيادات المخطئة ، فما هي
نتيجة هذا الأختلال في علاقة المواطن بالحكومة ؟ لقد اصبحت هذه الحكومات تتصرف
بثروات المجتمع واراضيه ومناصبه وسيادته وكأنها املاك شخصية ، فالموازنات
لاتكشف موارد ووجوه انفاق ثروات المجتمع ، وصفقات السلاح غير المبررة تعقد
وتذهب عمولاتها الى جيوب هذه القيادات او من يدور في فلكها بينما ملايين العرب
والمسلمين يعيشون تحت خط الفقر كما ذكرنا ، والقضاء والأعلام والمجالس
التشريعية اصبحت جزء من الحكومة وبعيدة عن القيام بدورها الرقابي على هذه
الحكومة ، والقوى الأجنبية دخلت في المعادلة بجانب الحكومات لتحافظ عليها
وتشاركها في نهب الثروات ، بينما تظل بقية أبناء المجتمع متفرجة وتقبل ما تجود
به عليهم هذه الحكومات من فتات سواء كان ذلك على شكل خدمات طبية رديئة أو تعليم
لاعلاقة له بسوق العمل ، أو وظائف هامشية ، او غيرها من المساعدات المتناقصة
عبر السنوات كما ونوعا ، مما ينتج عنه انقسام المجتمع تدريجيا الى طبقتين ،
احداهما تكدس الثروة بطرق اغلبها غير شرعية في الداخل والخارج لأنها متنفذة
ومسيطرة على الثروة ولاتخضع لأي رقابة مجتمعية ، واخرى وهي الغالبية تجد نفسها
تنزلق تدريجيا الى الفقر والحاجة وعدم القدرة على مواجهة متطلبات الحياة .
اننا باختصار امام حكومات أو اقليات حاكمة اختطفت المجتمع لتحقيق مصالحها
الشخصية ، وبالتالي فلم تعد تمثل الا نفسها ، بل انها بممارساتها الحالية تقود
هذه الأوطان الى مستقبل مجهول خاصة بعد نضوب النفط ، وهذا يعني ان المصائب ستحل
على رؤوس الأجيال القادمة لأن الأجيال الحالية رضيت ان تكون انانية وان تهدر
الثروات وان تفشل في تطوير بدائل تعيش عليها اجيال المستقبل، وليكن في علم
القاريء انه ليس هناك فرق بين حكم زمرة عسكرية كما كان في ليبيا أو اقلية
طائفيةكما هو الحال في سوريا أو اقلية عنصرية كما كان الحال في جنوب افريقيا أو
اسرائيل او اقلية اسرية كما هو حال الأنظمة الوراثيةفي الخليج والجزيرة العربية
، لأن جميع هذه الأنظمة مع اختلاف في الدرجة تجعل نفسها طبقة فوق بقية شرائح
المجتمع سواء في القرار او في تملك الثروة أو في الخضوع لقوانين المجتمع ولكم
ان تتأملوا تجارب المنطقة لتتضح لكم هذه المقولة ، ولايقولن احد بأن الأنظمة
الوراثية هي افراز للمجتمع القبلي او تعبيرا عنه ، لأن المجتمع القبلي كانت له
ضوابطه التي تجعل الحاكم بين شيوخ القبائل الأول بين متساوين مما يعني ان هناك
ضوابط على ممارساته تبدأ بممارسة الفرد العادي لحقه في اختيار شيخ القبيلة الذي
يقوم بدوره بممارسة الرقابة على الحاكم ، وهكذا تحفظ حقوق وحريات جميع أبناء
المجتمع ، لذلك لايمكن مساواة النظم الوراثية الحالية بالنظام القبلي باي صورة
من الصور، ونلفت النظر هنا لمعلومة يجهلها البعض ويتجاهلها البعض الآخر وهي ان
من اعراف العرب الأصيلة ان الحاكم لايجوز له ان يعين ولي عهده احتراما لقومه
وقدرتهم على الأختيار وهو من الأعراف القريبة من روح ألأسلام ومن ممارسات الدول
الحرة اليوم وفيه كذلك نسف لشرعية النظم الوراثية الحالية التي طالما تغنت
بالقبلية وهي في الحقيقية تطمس اجمل ما في هذه القبلية من معاني ، ولو طبق هذا
العرف لما اصبحت دول المنطقة بين مطرقة تهور المراهقين الشباب وسندان جمود
الشيبان أو الكهول . فانظرو ماذا حدث في جنوب افريقيا عندما تحررت من احتكار
الأقلية البيضاء للسلطة ، وتأملوا ما حصل في تركيا من تقدم وامن لامثيل لهما في
تاريخ هذه الدولة عندما تحررت من قبضة العسكر ، وانظروا ماذا يحدث في تونس ومصر
وهما في طريقهما للتحرر من قبضة عصابات بن علي ومبارك ، وان كان على المصريين
التخلص من طنطاوي وشركاه الذين ظل موقفهم غامضا الى هذا اليوم واستبدالهم
بقيادات من الصف الثاني والثالث الذين لم تلوثهم سياسة الأستبداد ولم يستأثروا
بثروات الشعب المصري كما فعلت القيادات الحالية من خلال تملكها لكثير من
المؤسسات الأقتصادية التي جعلتهم طبقة من اغنى طبقات الشعب المصري وعلى حساب
بقية افراد الجيش المصري من جنود وضباط ، وانظروا ماذا يحدث في ارض المختار وهي
تلملم جراحها التي خلفها الطاغية واسرته ، وسترون بمشيئة الله ماذا سيحصل في
اليمن السعيد وفي ارض الشام وغيرهما من ربوع العالم العربي عندما تتلاشى قبضة
الأقليات باشكالها وتعود السلطة الى الشعوب وممثليها . ان عام الثورات العربية
كشف حتى الآن كثير من الحقائق للذي لديه الشجاعة والأمانة ان يتعلم ، ومن بين
هذه الحقائق انه ليست هناك حكومة عربية واحدة من التي سقطت حتى الآن كانت امينة
على ثروات الشعوب او حريصة على حرياتهم أو عادلة في تعاملها مع معارضيها ،وهي
حكومات من الصم البكم والعميان الذين لايتعلمون من اخطائهم أو أخطاء غيرهم حتى
يتساقطون بصورة أو بأخرى ، بل أن اكثر هذه الأنظمة قد جندت نفسها لحماية ثقور
الأعداء ، فمما يذكر ان وزيرة خارجية الولايات المتحدة حضرت حفل تنصيب بشار
وانها قالت بصريح العبارة : أن بشار يعرف ما عليه فعله . ونحن على يقين من ان
السنوات القادمة ستكشف زيف بقية الأنظمة من المحيط الى الخليج وسيرى المواطن
العربي والخليجي ان حكوماته التي انشغلت بكيل الأتهامات لمعارضيها لم تكن
وللأسف أكثر من مجموعة مافيات لديها هوس في نهب الثروات وتكديس المسؤوليات
والرضوخ للأعداء ومعاداة كل مجموعة نزيهة او واعية او مستقلة من أبناء الأمة ،
ونحن وان كنا لسنا ممن يشمت أو يشهر باحد كائن من كان لأن هذه الأمور لاوجود
لها في قاموسنا الفكري والسلوكي ، الا اننا لاتستغرب ان نشاهد في السنوات
القادمة كثير من رموز وقيادات ومؤيدين الأنظمة العربية البائدة والباقية ،
ولحكمة ربانية تكررت عبر التاريخ البشري ، تبدا بتصفية الحسابات مع بعضها البعض
، وقد سمعنا قبل فترة كيف هددت سوزان مبارك بنشر مذكراتها أو بشيء من ذلك .
ولاشك أن اقبح هذه ألأقليات هي عصابة الأسد في سوريا وذلك الحزب الطائفي الذي
يطلق على نفسه لقب حزب الله في لبنان ، وقد شاء الله سبحانه وتعالى ان يكشف
القناع عن نزعتيهما الطائفية ، فالمعروف ان والد الطاغية الحالي في سوريا قد
سلم الجولان بصورة أو بأخرى الى اسرئيل ، وهو الذي قتل في حماة الأبية في
الثمانينات اكثر من ثلاثين الف وها هو اليوم ابنه ، الذي عدل دستور سوريا في
يوم ليتولى الحكم ، يكرر المجازر في حق اهلنا في كل بقاع سوريا ، اما حزب الله
فقد ابى الا ان يكشف عن طائفيته البغيضة وتبعيته العمياء لأيران وذلك من خلال
مواقفه تجاه الثورات العربية خاصة في سوريا ، وقبل ذلك تجاه القيادات الشيعية
التي تآخت وتضامنت مع قوات المارينز الأمريكية لتدمر وتقتل اهلنا في الفلوجة
وغيرها من مدن العراق تمهيدا لسقوطه في الفلك الأيراني ،ففي الوقت الذي يرتفع
فيه صوت حسن نصر الله بشعارات المقاومة والممانعة والتضامن مع الشيعة في
البحرين والسعودية والعراق وحتى باكستان ، ونحن لانؤيد اي ظلم يقع على اية فئة
في عالمنا العربي والأسلامي ، نراه لايكتفي بالصمت على ما تفعله عصابة الأسد في
الشعب السوري وانما يبرره ويؤيده ، وهو بذلك يتعلم وللأسف من نفس مدرسة النفاق
التي تأسست منذ قيام الثورة الأيرانية التي طالما تشدقت بالحرية بينما يصر
الفرس الشيعة على فرض دستور طائفي على الأقليات الأخرى في ايران من عرب واكراد
وتركمان وبلوش وهي اقليات تشكل ما يقارب من نصف سكان المجتمع الأيراني ، وهو
النظام الذي طالما اطلقت ابواقه شعارات التحرير وهي تستمر في احتلال جزر عربية
تابعة للأمارات ، كما وانها دولة لا تمانع من التعاون مع اسرائيل وامريكا في
الخفاء ، وهكذا يكون نصر الله قد اختار ان ينسف ما بناه من مصداقية لدى العرب
والسنة عندما وقف امام اسرئيل في عام 2006 ، ونحن الذين ايدنا موقفه تجاه
اسرائيل نقول له اليوم : ياشيخ نصر الله لقد اعمتك الطائفية فاخطات في الحسابات
وكان الأولى بك ان تصطف الى جانب الشعب السوري الا اذا كنت من السذاجة بأن
تعتقد ان ابادة الشعب السوري هي محطة مهمة لتحرير الجولان ، أم انها خطوة لمزيد
من التوسع الأسرائيلي حتى تتفكك سوريا وتتحول الى دويلات طائفية يتحول بموجبها
العالم العربي الى فسيفساء من الدويلات ، فهنا اقلية يهودية ، وهناك اقلية
درزية ، وبقربها دولة ....اسماعيلية ، وهكذا لايعود هناك مارد سني يهدد أحد ،
ولامانع بعد ذلك ان تولد دولة صفوية بطبعة القرن الواحد والعشرين يقودها
المعممون في ايران ، وهذا التفكير ليس مستغربا على الشيعة خاصة الأثناعشرية
منهم ، الذين يرون ايران محور كل شي بل محور الكون ، وقد سبق وان صرح الشيخ حسن
نفسه في احد تسجيلاته "بأنه لايقبل بلبنان دولة اسلامية وانما يريدها تابعة
لأيران كذلك" ، لا ، هذا لن يتحقق يا شيخ نصر الله ، وسينتصر الشعب السوري
بمشيئة الله ، فالحق ابلج ، وسترون انه شعب عريق وليس انتهازيا كغيره ، وسيأخذ
كل ذي حق حقه ولن تكون سوريا ما بعد الأسد طائفية بل انها ستكون لجميع السوريين
باختلاف مشاربهم والا فلا فائدة من الثورة ، وستبدأ موازين القوى تميل ضد دولة
يهود التي كان ألأسد احد المحافظين على بقائها بشهادة الغرب نفسه . اذن هذه هي
حكومات الأقليات باشكالها والوانها من المحيط الى الخليج ظلت تتحدث عن قضايا
الأمة عبر عشرات السنين من قضية فلسطين الى قضيةالجولان والجزر الأماراتية ،
الى قضية التنمية ، والى قضايا الحرية والأمن ...الى غيرها ، ولكن حديثها هو
للأستهلاك فقط وللضحك على عقول هذه الشعوب المسكينة بينما ظل الهم الأول لهذه
الحكومات هو الحفاظ على الكراسي والتسلط على الرقاب وتبذير ثروات الأمة في ما
لايرضي الله والخضوع لأرشادات وسياسات ألأعداء . في ظل كل هذه المعطيات هل من
الوطنية في شيء ان نساير هذه الحكومات أو او نسكت عن ما تقوم به حتى نكون شركاء
في مصائب المستقبل ، ام ان حب الوطن والحرص على اجياله المتعاقبة يحتم علينا ان
نصدع بالحق والحجة وبكل شجاعة ، ونتكل بعد ذلك على الله حتى نكون بذلك ممن غير
ما في نفسه وواقعه واستحق رحمة ربه ورضاه مصداقا : لقوله تعالى " ان الله
لايغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم" . نعم اننا نسعى لتغيير ما بانفسنا بفهم
الحق وتطبيقة ونشره حتى يغير الله احوالنا ، ونقول للأخت التي بدأنا حديثنا
بسؤالها : لسنا ممن يزكون انفسهم لأننا متجهون بأعمالنا لله وحده ، ولكن من حق
هذا الباحث وغيره من الأصلاحيين على الأخت ان تكون قد نظرت الى سيرته الذاتية
الموجودة في هذا الموقع وكذلك سير الآخرين قبل اصدار أي حكم عليه أو على غيره ؟
ولاندري ماذا كانت ستقول هذه الأخت عني وعن بقية المطالبين بالأصلاح لو اننا
اخترنا الدعة وتربعنا على أو تسلقنا المناصب وحققنا مكاسبا شخصية كما فعل ويفعل
غيرنا ؟ لانقول ذلك للتبجح ولا منة على أوطاننا التي سنظل نتعامل معها كالأم
الحنون ونخدمها بكل ما اوتينا من طاقة ، ولانقول ذلك ندما على مسارنا ، فاننا
نحمد الله ان وفقنا الى السير في طريق الحق ونسأله ان يثبتنا عليه ، ولكننا
لانريد ان تظل الأجيال بعد الأجيال فريسة لأنظمة الأستبداد وما تبثه من تزوير
للحقائق وما تصنعه من تخلف ، فهي تحرص على استمرارالتسلط ، ونحن نطالب باستعادة
الناس لحرياتهم وممارستها من غير خوف من احد ، فقد قال عمر الفاروق مقولته
الشهيرة " متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم امهاتهم احرارا " وهاهي دساتير الدول
الغربية تؤكد ان " المواطنون متساوون أمام القانون" ، اما في دولنا فالحكومات
تعتبر نفسها طبقة فوق الجميع وتحرص على تنشئة اجيال مكبلة العقول ومقيدة الطموح
وهي بفعلها هذا تحاول ان تمنع اشراقة الحرية عن شعوبها ، وهذه الحكومات التي
تجاوزها الزمن تسعى كذلك لأحتكار الثروة والعبث بها ، ونحن نؤكد على ضرورة
حماية هذه الثروة لجميع شعوب المنطقة من المحيط الهادر الى الخليج الثائر بما
في ذلك ألأجيال القادمة ، وهي حكومات لاتتردد في تشويه الحقائق وتسميم العقول
والأخلاق ونشر الرذيلة من خلال اعلامها الرسمي ، ونحن نصرعلى كشف الحقائق
لتعرفها الشعوب وتنطلق منها الى بناء حضارة شامخة عملا بقول رسولنا الكريم " من
راى منكم منكرا فليغيره بيده ، فان لم يستطع فبلسانه ، فان لم يستطع فبقلبه
وذلك اضعف الأيمان " ، انه زمن حذرنا رسولنا منه بقوله يأتي زمن يخون فيه
الأمين ويؤتمن فيه الخائن ، فهل يا ترى عندما يطالب ألأصلاحيون بكل شرائحهم من
اسلاميين وقوميين وليبرالين بالحرية والعدالة والتوحد يكونون قد ارتكبوا خطا أو
خطيئة في حق اوطانهم ؟ وهل هم أم حكومات الأستبداد والفساد وتزوير الحقائق
والتبعية اقرب الى اجندة الشعوب وطموحاتها ؟ وأي الفريقين احرص على مصالح الوطن
والمواطن وأقرب الى رد الجميل لوطنه ؟ ما لكم كيف تحكمون ؟ اننا لانعادي احد
بذاته فجميعنا ركاب سفينة واحدة ولكننا قررنا أن نعيش احرار وان نبني مجتمعا
يعيش فيه ابناؤنا بعزة ورغد لاتخضع جباههم الا لله وحده ، فحالنا مع هذه
الحكومات هو حال ركاب السفينة التي تحدث عنها رسولنا عليه افضل الصلاة والسلام
، فممارسات وسياسات هذه الحكومات ستؤدي الى غرق هذه السفينة وهلاك من فيها ،
بينما الأصلاحات التي نطرحها نحن ستمنع السفينة من الغرق وستنقذ من فيها . ورحم
الله شيخنا الدكتور مصطفى السباعي الذي اجاد التعبير عن حقيقية ما يدعو اليه
جيل المصلحين اليوم وما يتصفون به من انفة واباء وثبات لاتزعزعه الأبتلاءات
ولاتضعفه الملمات والمصائب عندما قال تحت عنوان اطلق عليه " رويدك" :
ومنتظر موتي ليشفي غيظه
رويدك ان الموت أقرب موعد
كلانا سيلقى الله من غير ناصر
فيحكم من منا الشقي ومن هدى
اغاظك مني شهرة ومحبة
من الناس أولتني قلادة سؤدد
لعمرك ما ذاك الذي قد أهاب بي
الى دعوة ألأصلاح في ظل أحمد
ولكنه الأخلاص والعلم والظمأ
وطول عناء الأمس واليوم والغد
أبي المجد أن يعنوا لكل مضلل
تسيره الأهواء خبطا بفدفد
فان تكن ألأيام أودت بصحتي
وعاقت خطى عزمي بكل مسدد
فما كنت خوارا ولا كنت يائسا
ولست بثاو في فراشي ومقعدي
سأمشي الى الغايات مشي مكافح
ألوذ بعز الله من كل معتد
وأحمي لواء الحق من أن يدوسه
طغاة غدوا حربا على كل مرشد
فمن ساءه عزمي على السير انني
الى الله ماض فليطل هم حسدي
وان يأس أحبابي علي من الردى
لطول السرى ، فالموت في الحق مسعدي
وختاما نؤكد لأختنا الكريمة " هند" التي طرحت السؤال ولغيرها من أبناء هذا
الوطن ومعهم بقية ابناء المنطقة الأخياران موقع دار السلام سيظل منبرا للكلمة
الصادقة والحوارالهادف الذي يقوم على الحجة الناصعة والمنطق السليم والقيم
الثابتة لايحابي احد ولايدعو الى العنف ولايمارس التشهير أو التسفيه وسيساهم في
تنشئة الأجيال الحرة التي تصنع الحياة ، وسيظل شعارنا هو شعار كل مصلح موحد
وسائر على درب الرسل الطويل والأصيل والمتمثل في قوله تعالى " ان اريد الا
الأصلاح ما استطعت وما توفيقي الا بالله عليه توكلت واليه انيب " ، وهكذا تمخر
سفينة دار السلام عباب البحر الهائج لتصل ان شاء الى مبتغاها ، أي دار السلام
أو الجنة ، جعلنا الله واياكم جميعا من اهلها.
موقع دار السلام