gulfissueslogo
محمد المنصوري
جهاز ... خارج التنظيم الدستوري والقانوني
محمد على صالح المنصورى

لا ينكر عاقل ووطني أهمية وجود أجهزة للأمن للحفاظ على الوطن مما يهدد أمنه من تهديدات داخلية أو خارجية، إلا أنه لا يستطيع أحد أن يفهم وجود جهاز أمن خارج التنظيم الدستوري أو القانوني للدولة لا تخضع إجراءاته وممارساته أو أفراده للقوانين أو المحاسبة.
عام ألفين وثلاثة ميلادية تحول جهاز أمن الدولة من جهاز خاضع للنظام القانوني والدستوري في الدولة، وجهاز من أجهزة الدولة التي لها نظام واضح ومُشهر ومعلوم، إلى جهاز سري هلامي أخطبوطي غير محدد الهوية والاختصاصات والمسئوليات وغير خاضع للمسائلة.
لقد صدر لجهاز أمن الدولة عدد من القوانين. ونُظم بالقانون رقم (4) لسنة1974 ، ثم بالقانون رقم (6) لسنة 1976، إلا أنه صدر القانون الاتحادي رقم (2) لسنة 2003 ولكنه لم يتم نشره في الجريدة الرسمية التي نشرت فيها القوانين رقم 1، 3، 4، و5، .... لسنة 2003 ، وهو القانون الذي لا يعرف مضمونه وأحكامه إلا عدد بسيط من أفراد الأمن ووكيلي النائب العام بنيابة أمن الدولة وأعضاء محكمة أمن الدولة. وبذلك يستطيع الأفراد الاعتذار بالجهل بهذا القانون- وأنََا لهم ذلك- حيث أنه من المعلوم في القانون بالضرورة أن القوانين تتضمن قواعد عامة مجردة وهي موجهة لأشخاص غير محصورين أو محددين بذواتهم ويجب أن يعلموا بها حتى يتسنى تطبيق تلك القواعد على المخاطبين بها ولا يكون ذلك إلا بالنشر ، فلا تكليف إلا بمعلوم . وقد نصت المادة (111) من الدستور في دولة الإمارات على أنه " تنشر القوانين في الجريدة الرسمية للاتحاد خلال أسبوعين على الأكثر من تاريخ توقيعها وإصدارها من قبل رئيس الاتحاد، بعد تصديق المجلس الأعلى عليها، ويعمل بها بعد شهر من تاريخ نشرها في الجريدة المذكورة ، ما لم ينص على تاريخ آخر في القانون ذاته" والواضح أن نفاذ القوانين رهن بنشرها وليس إصدارها فهو شرط لازم لإمكان تنفيذ القانون.
ولنا في كتاب الله قاعدة قرآنية حيث قال الله تعالى " وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا" 15 سورة الإسراء
ويمكن التأكد من عدم نشر القانون بالرجوع إلى جميع المشتركين في الجريدة الرسمية للاتحاد ومعرفة ما إذا كانوا يملكون الجريدة الرسمية التي نشر فيها هذا القانون. الجميع يعلم بصدوره ولكنهم لم يطلعوا عليه أو يروه أو يحصلوا على نسخة منه. وعدم نشر القانون أولى مظاهر عدم خضوع الجهاز للنظام الدستوري والقانوني في الدولة.
إنه من الأمور المحيرة أن المنتسبين إلى الجهاز ينكرون أنهم ينتسبون له، فمره يقولون أنهم ينتسبون لوزارة الداخلية وفي أحيان أخرى يقولون أنهم موظفين في إحدى المؤسسات الأخرى (كما حدث في المؤتمر الصحفي للمنظمة الدولية في دبي حيث قالوا أنهم من موظفي الدائرة الاقتصادية).
لماذا هذا الخوف من الانتساب إلى هذا الجهاز؟؟!! يمكن لعدم قانونيته عمله ومخالفته للنظام الدستوري والقانوني بالدولة؟!.
وعليه نكون أمام (جهاز سري) نحس به ولكن لا يمكن الوصول إلى القانون المنظم له أو حتى قياداته أو أفراده .
إن ممارسات جهاز أمن الدولة تمس حقوق المقيمين في الدولة من مواطنين و وافدين. فنسمع أن الجهاز قام باستدعاء أشخاص والتحقيق معهم وتوقيعهم على أوراق بعدم الأخبار عن ما دار في التحقيق أو الاستدعاء أصلا، أو باعتقال فلان من الناس أو باقتحام عدد من بيوت المواطنين منتهكاً حرمة ساكنيه، دون إظهار أي نوع من احترام القوانين المرعية في الدولة في مثل هذه الظروف، كما سمعنا كثيرا عن المدد الطويلة للاعتقال حيث تمتد بالشهور بل بالسنوات دون محاكمات، وأساليب التحقيق التي فيها امتهان لكرامة الإنسان والمساس بسلامة المعتقل النفسية أو الجسدية. كل هذه الممارسات فيها خرق ونسف للضمانات التي وضعها الدستور بعدم المساس بحقوق الناس في الدولة إلا وفق الدستور والقوانين.وهذا مظهر ثاني لعدم خضوع الجهاز للنظام الدستوري والقانوني في الدولة.
إذا ما وقفنا للنظر في حقوق المتهم من قبل جهاز أمن الدولة، فإن هذا المتهم قد انعدمت جميع الضمانات والحقوق التي كفلها له الدستور والقوانين والمواثيق والأعراف الدولية. نجد أن هذا المتهم في سجون ومعتقلات الجهاز السرية غير الخاضعة للتفتيش أو الرقابة من قبل النيابة العامة، حيث لا يعرف عددها ولا أماكنها فضلا عن ظروف المتهمين والمعتقلين فيها، هو أكبر انتهاك لحقوق المتهم حيث ينفرد فيه هذا الجهاز ليفعل فيه ما يريد، دون أن يكون له حول ولا قوة لدفع ما يصيبه من أذى أو امتهان لحقوقه، ودون أن يستطيع هذا المتهم أن يحفظ كرامته أو إنسانيته التي تهدر في هذه المعتقلات والسجون السرية. ومن يريد أن يعرف شيء مما يحدث للمتهمين في معتقلات الجهاز السرية فليتابع ما يكتبه سالم البلوشي في تويتر (@salemalbaloushi ) ليقف على حجم الانتهاك الذي يقع على المتهمين في مثل هذه المعتقلات مما يدعوا إلى الخوف على مصير المتهمين لدى الجهاز. وهذا مظهر ثالث من عدم خضوع الجهاز للنظام الدستوري والقانوني في الدولة.
الكثير من المُحقق معهم في نيابة أمن الدولة والمحالة قضاياهم من جهاز أمن الدولة يرون أن هذه النيابة غطاء قانوني، وجهة مُتسترة على الممارسات غير القانونية للجهاز تجاه المتهمين ، وتساهم مساهمة ايجابية في استمرار انتهاك حقوق المتهم في مثل هذه القضايا، حين تتساهل مع ممارسات الجهاز في انتهاكاته وتستمر في ترك المتهم في أيديهم دون التحقق في الانتهاكات التي مورست عليه أثناء الاعتقال والتحقيق حيث توجد قاعدة لدى وكيل النائب العام بنيابة أمن الدولة بعدم الالتفات إلى كلام المتهم بشأن الانتهاكات التي وقعت عليه، وعدم التوسع في الأسئلة في التحقيق في هذا الشأن.
كما أن محكمة أمن الدولة كما يعرف الجميع هي محكمة من درجة واحدة، أحكامها نهائية وباته أي لا يجوز الطعن عليها بأي طريق من طرق الطعن. ويعد هذا انتهاك كبير لحق المتهم بقضايا أمن الدولة، حيث أن المتهم في المحاكم العادية تتوافر له ضمانة الطعن على الحكم الصادر ضده ، وهي ضمانه لا تتوفر للمتهم بقضايا أمن الدولة التي أحكامها وآثرها كبيرة على المتهم. والغالبية يوقنون بوجود تأثير كبير في أحكام هذه المحكمة بسبب عدم استقلال القضاء واستقلالية القضاة. أعان الله المتهمين بقضايا أمن الدولة حيث لا تتوفر لهم أي ضمانه من الضمانات التي كفلها الدستور لهم.
يستغرب الكثير من الناس في الدولة وكذالك المتابعين من الخارج، التدخل غير المقنع والمبرر لجهاز أمن الدولة فيما يتعلق بحقوق المواطنين المتعلقة بالوظيفة العامة وحق العمل والتجارة والتعليم كل هذه الحقوق التي تحتاج إلى الموافقة الأمنية من الجهاز في ظل غياب كامل لقانونه كما ذكرنا آنفا. وكل هذه الحقوق في العالم لا تدخل في إطار عمل أجهزة أمن الدولة. وهذا مظهر رابع بعد خضوع الجهاز للنظام الدستوري والقانوني في الدولة.
كل ما ذكر سابقا هو تأكيد أنه لسنا أمام جهاز من أجهزة الدولة المتعارف عليها في النظام الدستوري والقانوني بالدولة يسعى إلى الحفاظ على الأمن ويحقق الاستقرار كما يدعي، إنما أمام جهاز مٌمارس للقمع والإرهاب والتخويف للمواطن والمقيم ويعمل خارج نطاق القانون وأحكام الدستور.إذا فلا شرعية قانونية لوجوده.

عن:  مركز الامارات للدراسات والاعلام

copy_r