gulfissueslogo
د.شفيق الغبرا
ديمقراطية الكويت تواجه الضغط من أجل الإصلاح
د.شفيق الغبرا




"الانتخابات التي جرت في الثاني من شباط/فبراير ليست سوى حلقة واحدة في التحول التدريجي والديمقراطي في الكويت."
في 2 شباط/فبراير وللمرة الرابعة في ست سنوات صوّت الكويتيون - رجالاً ونساء على حد سواء - لاختيار أعضاء "مجلس الأمة" الكويتي. وقد جاء التصويت الأخير نتيجة للجمود المستمر بين مجلس الوزراء المعين من قبل أمير الكويت صباح الأحمد الصباح والبرلمان المنتخب.
ورغم تقاليدها الديمقراطية إلا أن الكويت لم تكن بمنأى عن النشاط السياسي الذي يجتاح العالم العربي. فالبلاد تدخل مرحلة جديدة وصعبة تقودها حركة شبابية ملتزمة بإصلاح الحكومة. وفي عام 2011 تكتلت العديد من المنظمات الشبابية المستقلة - المدعومة من أعضاء المعارضة في البرلمان وتضم جماعات إسلامية وعلمانية على حد سواء - حول برنامج يركز على محاربة الفساد في الحكومة وتغيير رئيس الوزراء المعين ناصر محمد الأحمد الصباح الذي تولى السلطة منذ عام 2006.
وقد نظم قادة الحركة - مستلهمين من الحراك المحلي و"الربيع العربي" - اجتماعات أسبوعية في الفضاء العام بجوار مبنى "مجلس الأمة". وحيث بدأت في ربيع 2011 من خلال مشاركة بضعة مئات من الأشخاص فقط، توسعت الاعتصامات بحلول تشرين الثاني/نوفمبر لتشمل حوالي 60000 كويتياً بعد فضيحة طالت أكثر من اثني عشر من أعضاء البرلمان الخمسين حول احتمال تلقيهم رشاوى لدعم مواقف الحكومة. وقد أدى اقتحام الشباب لمبنى البرلمان في 16 تشرين الثاني/نوفمبر 2011 إلى حدوث انقسام بين أبناء الشعب واستقالة رئيس الوزراء في 28 تشرين الثاني/نوفمبر وحلِّ البرلمان في 6 كانون الأول/ديسمبر وتحديد موعد لإجراء انتخابات تشريعية في 2 شباط/فبراير 2012.
وبعد اقتحام البرلمان في 16 شباط/فبراير ألقت الحكومة القبض على عدد من الناشطين الشباب مما أدى إلى قيام اجتماعات يومية أمام وزارة العدل - نسَّقتها ناشطات شابات - طالبوا خلالها المحتجين بالإفراج الفوري عن جميع المعتقلين. وقد تعلم النشطاء هذه التكتيكات - التي هي جديدة بالنسبة الكويتيين - من خلال مشاهدتهم أحداث "الربيع العربي" التي تنكشف فصولها في جميع أنحاء المنطقة. وقد زار أساتذة جامعات وكتَّاب تلك الاجتماعات وشاركوا المحتجين في نقاشاتهم عن الديمقراطية وحقوق الإنسان والإصلاح.
وتتكون الحركة الحالية من هذه الجماعات التي يسيطر عليها الشباب مثل "حركة السور الخامس" و"حركة كافي" و"حركة نهج" إلى جانب شباب منتمين إلى جماعة «الإخوان المسلمين» وعموم الفصيل الليبرالي. وكصورة أكبر كان هدف هؤلاء الناشطين هو ببساطة مساءلة الحكومة عن أفعالها، إلا أن نقاشاتهم وجدلهم قد أوضحت أن هدفهم النهائي هو دفع الكويت باتجاه مجئ رئيس وزراء منتخب شعبياً ومجلس وزراء يرتكز على قوائم حزبية برلمانية تنافسية. وحتى الوقت الحالي ما تزال الأحزاب السياسية محظورة كما أن رئيس الوزراء ووزراء الدفاع والخارجية والداخلية يجب أن يكونوا من عائلة الصباح.
ويمكن عزو بذور السخط في الكويت إلى مشاكل هيكلية - من بين مصادر أخرى - يرجع تاريخها إلى حوالي عام 1991. فخلال العقدين الماضيين مرَّت هذه الإمارة الخليجية بانهيار متواصل في حُكمها وأولوياتها ورؤيتها. وعلى طول هذا الطريق فقدت الدولة زخمها في تطوير مشروعات جديدة ذات رؤية مستقبلية (خاصة لو قورنت بالمبادرات الخلاقة التي اُتخذت في الإمارات العربية المتحدة وقطر). وثمة مجالات معينة من التي غابت عنها الإنجازات الكبرى شملت الطاقة والتعليم والرعاية الصحية والاقتصاد. وعلى الرغم من حق المرأة في التصويت في الكويت منذ عام 2006 فضلاً عن الحريات الأوسع وحقوق الإنسان مقارنة بدول خليجية أخرى إلا أن شباب الكويت يرى أن الثروة تُنفق دون ظهور مردودٍ للجهد.
كما أن حاكم الكويت، أي الأمير، هو دائماً عضو في عائلة الصباح، وحتى عام 2003 كان دور رئيس الوزراء يذهب إلى ولي العهد. لكن بناء على مطلب شعبي تم فصل منصب رئيس الوزراء كلية عن منصب ولي العهد في ذلك العام، إلا أن الأمير ما يزال هو الذي يختار رئيس الوزراء من بين عائلة الصباح.
ويتكون البرلمان كما هو شائع في دول أخرى من أفراد معارضة ومن مجموعات مختلفة موالية لحكومة. غير أن الصراع بين البرلمان والحكومة ليس جديداً في الكويت. وتتمتع السلطة التنفيذية بالسيادة بما في ذلك الحق في تشكيل الحكومة. والجدير بالذكر أن خمسة عشر عضواً من أعضاء مجلس الوزراء الستة عشر المعينين يُسمح لهم بالتصويت في البرلمان مما يمنح الحكومة تفوقاً تصويتياً هائلاً.
وعلى الرغم من أن سلطات البرلمان محدودة إلا أنه اعتاد استخدام الموارد القليلة المتاحة لتحدي قبضة الحكومة على السلطة وإضعافها. وبانتظام يقوم أعضاء البرلمان باستجواب الوزراء بطريقة فضة في جلسات الاستماع مما يجعل من الصعب على هؤلاء الوزراء أن يُنفذوا بكل سرور كل ما ترغب به الحكومة [غير مبالين برد الفعل]. ومؤخراً فإنه حتى أعضاء بارزين في عائلة الصباح قد تعرضوا لمثل هذه المعاملة بما في ذلك التصويت على حجب الثقة. وقد أدى هذا الموقف إلى قيام سلسلة من الأزمات الحكومية وحلٍّ متكرر للبرلمان مما أدى إلى إجراء انتخابات جديدة.
وقد ظهرت أزمة أعمق في هذه البلاد الإمارة من خلال سلسلة من الإضرابات في عام 2011. فقد نظم المعلمون وموظفو الجمارك والقضاة ومهنيون آخرون هذه الاحتجاجات التي تسببت في خسائر كبرى للتجار، ولم يكن أمام الحكومة من خيار سوى الموافقة على معظم مطالب قطاعات المضربين. ولعدم وجود إرثٍ أو نظام للموارد البشرية فإن حكومة الكويت ليست مؤهلة للتفاوض مع النقابات العمالية كما أن اقتراحها بإنشاء نظام قائم على الاستحقاق قد جلب البلاد نحو منعطف غير متوقع.
وتتمثل المشكلة الرئيسية لسوق العمل الكويتي بذلك أن معظم خريجي الجامعات في البلاد يعملون في وظائف حكومية. وفي الواقع، توظف الحكومة نسبة مذهلة من قوة العمل الكويتية قدرها 90 بالمائة. وقد نصح خبراء استشاريون دوليون بتشجيع النمو في القطاع الخاص، بيد تم تنفيذ هذا الانتقال بدرجة محدودة فقط. إن معظم الكويتيين هم أنفسهم ما يزالون منجذبين إلى ساعات العمل الحكومية الخفيفة فضلاً عن رواتب الحكومة السخية ولوائح إجازاتها.
وكما ألمحنا من قبل، فُتح صندوق باندورا [الذي وفقاً للأساطير الإغريقية يتضمن جميع شرور البشرية الجشعة] في خريف 2011 عندما سربت مصارف معلومات تكشف عن حسابات طائلة لحوالي خمسة عشر برلمانياً، شملت ممتلكاتهم ودائع بملايين الدولارات وفي بعض الحالات لا توجد إشارة إلى مصادر الأموال. وقد اتهم زملاؤهم والعديد من أبناء الشعب أعضاءَ البرلمان بقبول رشاوى مقابل التصويت للحكومة. وفي تشرين الأول/أكتوبر استقال وزير الخارجية محمد الصباح احتجاجاً على الأموال المحولة عبر وزارته من دون علمه.
على أن هذه الفضيحة والتوتر الذي خلفته إنما يعكسان نموذج العلاقات المتغيرة بين الفئات الاجتماعية في الكويت. ففي النصف الثاني من القرن العشرين خسر رجال أعمال مرموقون سلطة كبيرة لصالح هذه الدولة المنتجة للنفط. والآن لدى هؤلاء التجار وحلفائهم اهتمام بالإصلاح والاقتصاد المبني على الاستحقاق. وعلى صعيد آخر جاءت التركيبة السكانية المتحولة في البلاد لصالح الصحراء، ذلك أن القبائل ذات التوقعات العالية وربما المطالب الأعلى تشكل الآن حوالي 65 بالمائة من السكان. وقد ظهرت تلك القبائل كقاعدة قوية لمرشحي المعارضة الذين وافقوا على أن يكونوا صوتها. وقد حشد الشباب دعمهم أيضاً وراء أعضاء من المعارضة في المجلس التشريعي المنحل.
إن انتخابات شباط/فبراير هي ليست سوى حلقة واحدة في التحول والديمقراطية في الكويت. وعلى الأرجح سوف تجلب صناديق الاقتراع المزيد من أعضاء المعارضة إلى "مجلس الأمة" وتدفع بالإصلاح خطوة إلى الأمام. وسيكون الأمر المحوري لسياسات الكويت الجديدة هو تشكيل أحزاب سياسية، ومواجهة الفساد في الحكومة، وتحويل الكويت إلى دائرة انتخابية واحدة، واستقلال البرلمان عن الفرع التنفيذي، والتعديلات الدستورية التي تعمق الديمقراطية على جميع المستويات، ورئيس وزراء منتخب شعبياً. وستكون القضايا أوضح بعد الانتخابات كما ستستبين على نحو أفضل معالم الخطوط الفاصلة بين أنصار التغيير وأولئك الذين يريدون المحافظة على الوضع الراهن. وفي حين سيكون البرلمان أقوى في معارضته، ستستجيب الحكومة من خلال محاولتها تحسين أدائها. ومع ذلك، فمن المحتمل أن ينتهي المطاف بكلا الطرفين إلى نفس المأزق الذي مرَّ به قادة سابقون بسبب الصلاحيات المحدودة للبرلمان والقدرات المحدودة للحكومة.
ومع ذلك، لو عالجت الحكومة بمهارة الرغبة في الإصلاح السياسي فيمكن حينئذ أن تخرج الكويت من هذه الأزمة بسلاسة. وإذا لا تقوم بذلك، فمن المرجح أن يعود شبابها إلى الشوارع للقيام باعتصامات وتجمعات ومظاهرات سلمية أخرى. وحيث اكتشفوا قدرتهم على تحريك الحكومة فسوف يواصلون دفع الطبقة السياسية في البرلمان وعلى الصعيد العام نحو إصلاح حقيقي.

copy_r