gulfissueslogo
د.فوزية ابو خالد
قمة الخليج واستحقاقات التحولات
د.فوزية ابو خالد
2-01-2012

أتت قمة مجلس التعاون الخليجية مع نهاية عام حافل بالأحداث الجسام والتغيرات الجارفة على المستوى العربي بشكل عام. بما يعنيه ذلك من تصعيد للتحديات المحلية والإقليمية والدولية التي تواجهها هذه المنطقة بالذات وذلك لاعتبارات موقعها الحساس على فوهة بركان النفط من ناحية ولتعقد علاقة جوارها اللوجستي من ناحية ولطبيعة بناها السياسية داخليا من ناحية أخرى.
والواقع أن تحديات دول مجلس التعاون التاريخية قد تضاعفت منذ اللحظات الأولى لإندلاع الربيع العربي بما خلقه من نشوة الإنتصار الشعبي على حكم الطغاة بوسائل سلمية بسيطة إلى تعقد الربيع العربي وخشية تحوله في بعض مساراته إلى جحيم عربي.
إذ ليس لقيادات مجلس التعاون الا تقلق وإن ارادت من تلك التحولات التي هزت عروشا خالج أصحابها حلم الخلود.
كما أن ليس لها أن تطمئن مما يلوح في الأفق العربي من نذر الإنحدار إلى درك الكيانية أيا كانت عرقية، جهوية، قبلية، طائفية، مذهبية أو أي أشكال أخرى من التعصبات السياسية والتشدد الإيديولوجي.
مع ما يفتحه ذلك من كمائن الإرتماء في أحضان التبعية الأجنبية من جانب وما سيلقيه من تبعات إضافية على كتف المنطقة لجهة متطلبات تلك التبعية من جانب آخر.
بالإضافة لما قد يلقيه الوضع من ظلال مخاوف استقواء التطرف الديني بمرجعية القاعدة. مما قد يجعل أنظمة المجلس بين مطرقة الربيع وبين سنديان بعض مساراته الجهنمية. وإذا أضفنا لما تقدم المزيد من تعقيدات الوضع الناجمة عن مركب تسييس المال والدين السياسي والتدخل الخارجي ونذر الإشتباك الأقليمي، فإن واقع تلك البؤر الملتهبة على المستوى العربي لا بد أنه ينعكس بقوة على لقاء قيادات مجلس التعاون الخليجي لا لتنظر حولها وحسب بل ولتعيد النظر داخلها ايضا وبمنظور لا يستكبر على نقد الذات ومراجعة الإستراتجيات. إذ لا شيء يعفي هذه القمة أمام مواطني مجلس التعاون من أن يكون اجتماعها على أقل تقدير بالقدر الذي يتحمل فيه المجتمعون مسؤولية الأمل الذي يحدو شعوبهم بالديموقراطية والإصلاح. وكذلك بالقدر الذي لا يجعل منطقة الخليج خلفية لمسرح أحداث تخرج عن إرادة ومصالح تلك الشعوب.
فمن العراق الذي لا يرحل عنه الإحتلال الأمريكي اليوم إلا بعد أن أمتصه نفطيا وتركه ريشة أو بالأحرى عظمة في مهب ما يعصف بالمنطقة من رياح الحرائق الاقليمية إلى ليبيا وما يطوقها إقتصاديا من مطامع الأحلاف العسكرية والسياسية عدا مأزقها الجهوي الداخلي، ومن اليمن في مساره الدامي المتعثر للتحولات إلى سوريا بين مجازر النظام وبين ما يتخطى رقاب الشعب السوري من أطواق نجاة عبثا تمتد للنظام، لاتظهر الخريطة العربية إلا ملونة بالأحمر أو إحتمالات التحول إليه دون أن يكون أي كان بمنأى عن ضراوة الأحداث إلا بالقدر الذي تدار التحولات سلميا بإتفاق على المصلحة الوطنية بين القيادات وبين الشعوب.
لقد خلق فوران التنور لما جاء في أعقاب الربيع العربي بشقيه الحلمي عند الحالمين والجحيمي عند المعادين للحرية عددا كبيرا من الاستحقاقات خاصة في دول مثل دول الخليج التي استطاعت أنظمتها إلى هذه اللحظة التعايش التهدوي مع المتغيرات دون مواجهة صدامية تذكر بينها وبين شعوبها.
مع ضرورة الإلتفات بقوة عند الحديث عن هذه الاستحقاقات إلى أمرين يتعلقان بهما ولا يمكن تناول تلك الإستحقاقات جديا دون الشروع في معالجة كل منهما بعقلانية وبراغماتية معا. أحدهما يتعلق بمركب الملف الإيراني الأمريكي ولعبة التوازنات في مياه الخليج أو بتروله.
فعلى ما يبدو من إختلاف في علاقة دول مجلس التعاون بكل من طرفي ذلك الملف إلا أن التشابك بينهما تاريخي على الأقل في عمر مجلس التعاون وإن اختلف مده وجذره مع ترسخ اوضاع الثورة الإيرانية الإسلامية وليس إنتهاء بحروب الخليج الثلاث، وتصاعد السؤال النووي بين امريكا وإيران .
أما الأمر الآخر الذي يرتبط بالحديث عن الإستحقاقات التي يصعب على المواطن الخليجي أن يثق بقمة اليوم دون طرحها فهو تلك الجذوة الكامنة في أحشاء المنطقة وإن أسفر بعضها بوضوح أو على إستحياء كما في البحرين والكويت والإمارات وعمان تجاه إستحقاقات الربيع العربي. ومن هذه الإستحقاقات التي لا تجعل مطلب استقرار الخليج مجرد حالة أمنية على شفا جرف سياسي عتيق، هو فيما نجتهد الإستحقاقات التالية :
1 ـ توسيع صيغة التعاون الخليجي من تعاون بين الأنظمة إلى تعاون بين الشعوب ليس عن طريق الإكتفاء بالحديث عن رومانسية المشتركات ولكن بمأسسة العمل على تعزيز تلك المشتركات على المستوى المدني والسياسي .
2 ـ الإلتفاف إلى ملفات المطالب الوطنية الاجتماعية والسياسة وإخراجها من حالة 'النشوز' أو التعليق الطويل إلى حيز التطبيق بمشاركة جميع القوى الاجتماعية على اختلاف خلفياتهم أو مواقفهم الفكرية والسياسية.
3 ـ نزع الصيغة الطائفية والمذهبية والقبلية وأي صيغ كيانية ضيقة في التعامل مع مطلب الإستحقاقات على مستوى داخلي وفي علاقتها مع بعضها البعض على مستوى القيادة والمجتمع.
4 ـ الخروج على المفهوم التقليدي للسيادة الوطنية لصالح مفهوم جدل الوحدة والإستقلال في علاقات الجوار الخليجي بما يتطلبه ذلك من تنازلات في جانب ولامركزية ديموقراطية على الجانب الآخر.
5 ـ عدم الإحتكام في التعامل مع البنى الأمنية على حس إدارة الازمات وتحت ضغوطات موازين القوى في اللحظات التاريخية الحرجة على حساب وجود رؤية إستراتيجية تحدد الأولويات وتفصل السلطات بما لا يؤدي إلى تأليب العسكري على السياسي كلما علت وتيرة الأحداث.
6 ـ عدم الإرتهان للعلاقة الأمنية على حساب ما يجب تطويره في جانب العلاقة السياسية والثقافية لدول مجلس التعاون.
7 ـ عدم التآزر في التردد والمراوحة للإكتفاء من استحقاقات الإصلاح السياسي والدستوري وبناء المجتمع المدني وضمان الحريات وإقرار المشاركة السياسية بالوعود بل التآزر لصالح عملية إصلاح حقيقية تكفل تحولات سلمية تطور علاقة أنظمة مجلس التعاون بمجتمعاتها وقياداتها بشعوبها كما تطور علاقات دول مجلس التعاون ببعضه البعض وتخرجها على صيغ التعاون المحدودة القائمة.
8 ـ الخروج من الصيغ الفضفاضة لقرارات قمة مجلس التعاون التي لا تأتي أحيانا إلا على شكل أمنيات تقال ولا تطال حتى يصاغ من الخاتم خلخال إلى صيغة قابلة للترجمة العملية في إستراتجيات وبرامج وحزمة من القوانين والإجراءات القادرة على أحداث نقلة نوعية على مستوى الوفاء بأطروحة الإصلاح الداخلي وعلى مستوى إصلاح البنى والعلاقات داخل المجلس نفسه.


copy_r