دعوة الملك عبدالله «دول» الخليج العربية الى الاتحاد، دعوة لا شك نبيلة
ومسؤولة ايضا، خصوصا في هذه الايام التي تتقارب فيها الامم، وتتحد الشعوب،
وترتبط جميع شعوب العالم بمصير وعلاقات متقاربة. والملك عبدالله، الذي هو بلا
شك اخبر منا بالامور، وجّه دعوته، مشكوراً، لدول الخليج كي تتحد. واذا كان هذا
هو الهدف فلا مانع ولا داعي للاعتراض او حتى المناقشة. فهذه الدول متحدة «خلقة»
في انظمتها وفي اقتصادها وفي تخلفها السياسي وموقفها غير الحضاري من شعوبها. هم
اصلا متحدون علينا ـــ نحن الشعوب ـــ منذ زمن، واذا كانت هناك نية لتجديد او
تعديل هذا الاتحاد فنحن الشعوب ليس لدينا مانع، فالدعوة هنا في النهاية تحصيل
حاصل.
أما اذا كان الهدف من الدعوة هو الوحدة الشاملة بين شعوب او حتى انظمة الخليج
العربية، فليسمح لنا خادم الحرمين هنا بالاعتراض، خصوصا ان السبب او الداعي الى
الوحدة الخليجية الملحة التي صورها الملك عبدالله، هو الخطر الخارجي الذي يتهدد
هذه الانظمة، والذي لسبب ما.. لا يمكن مواجهته الا بالوحدة.
لقد قرر العرب، هكذا، تبني مشروع الوحدة العربية، لمواجهة اسرائيل.. هذا
الاقرار في الواقع هو اقرار بالعجز والضعف وانعدام الحيلة. فمصر، اكثر من عشرين
مليوناً وقتها، اي عشرة اضعاف اسرائيل، تقرُّ بعجزها عن مواجهة مليوني يهودي،
وهي التي صدت جيوش الغزو الفرنسية في يوم من الايام. وسوريا والعراق والمملكة
العربية السعودية ــــ في ذلك الوقت ــــ كذلك. وكان هذا الاقرار او الشعور
بالعجز هو الذي مكّن اسرائيل من الاستقواء ومن الاستمرار، بل ان العرب لا
يزالون مشتتين، وأمن اسرائيل ووجودها تحميهما مائة قنبلة نووية، تُمكّن اسرائيل
من املاء سياساتها ليس على العرب وحدهم، بل على العالم اجمع بفضل التهديد
النووي.
دعوة خادم الحرمين على ما يبدو هي لمواجهة الخطر الايراني، وان لم يسمه. اذا
كانت اسرائيل دولة مغروسة «عنوة» بالمنطقة، ولهذا وجبت، من وجهة نظر الدول
العربية، وجبت الوحدة من اجل محاربتها، فإن ايران دولة كانت في يوم من الايام
هي اساس المنطقة، ومهد حضارتها ومصدر رخائها واستقرارها. لهذا من حق الشعب
الايراني ان يبقى، ومن حق الشعب الايراني ان يكون له، مثلنا، تخوفه وهواجسه.
لكن مهما تعددت المصالح واختلفت السبل فإننا في النهاية نعتقد ان الايرانيين
مثلنا يدركون ان مصيرنا واحد، وان الافضل ان نشحذ الهمم للتعايش ولنبذ المخاوف
والهواجس بدلا من اذكائها او بالاحرى اختلاقها، وهو ما يفعله البعض، مع الأسف،
على ضفتي الخليج هذه الايام.
إن العالم كله يتجه الى التعاون والتسامح الانساني، ولا نعتقد ان الشعب
الايراني يختلف عن بقية شعوب هذا العالم، اللهم الا بنظرتنا الضيقة وهاجسنا
الطائفي له. لا نثق بحكومات اي من دول الخليج العربية او الفارسية.. لكن نعتقد
ان الشعوب هذه الايام هي من يحكم وهي من يقرر.. والشعوب هذه الايام تتجه بقوة
وعناد نحو السلام والاستقرار... والايرانيون يا خادم الحرمين ليسوا باستثناء.
القبس الكويتية