21-11-2011
صدرت رؤية قطر الوطنية 2030, عن الهيئة العليا للتخطيط التنموي عام 2008.
وبذلك تغطي هذه الرؤية عقدين من الزمن 2008 – 2030. و هذا يدعونا إلى التعرف
على أُفاق هذه الرؤية وما ينتظر منها من تغييرات مُستهدفة بعد عشرين عام ثمينة
وحرجة.
تبدأ الرؤية بالقول بأن " دولة قطر عند مفترق طرق " ... "وقد أضحى من الضروري
أن تختار قطر الطريق الأمثل الذي يتماشى مع رغبات قياداتها وتطلعات شعبها
"(ألرؤية ص (2) )
هنا نلاحظ أن اختيار الطريق يُعبر عن "رغبة قياداتها" و " تطلعات شعبها ". وإذا
كان من السهل على من كتبوا الرؤية أن يعرفوا رغبات القيادة ويمثلوها في الرؤية
فقد كان عليهم تقدير تطلعات الشعب, حيث أن شعب قطر لا يتمتع بحرية التعبير
وحرية التنظيم وبالتالي يصعب معرفة تطلعاته, وإنما تحتكر الحكومة التعبير عن
هذه التطلعات دون مشاركة سياسية فاعلة لشعب قطر في تحديد الخيارات واتخاذ
القرارات العامة. وبذلك فإن الرؤية تُعبر عن رغبة القيادة وتوجهاتها. أما
تطلعات الشعب فليس لدينا دليل على تمثلها في الرؤية إلا بقدر ما تقره القيادة
من تلك التطلعات.
وتستطرد الرؤية قائلة " تهدف الرؤية الوطنية إلى تحويل قطر بحلول 2030 م
إلى دولة متقدمة قادرة على تحقيق التنمية المُستدامة وعلى تأمين استمرار العيش
الكريم لشعبها جيلاً بعد جيل"( ألرؤية ص (3))
وهذا الهدف يغلُب عليه التعميم ويترك مجالاً لإخفاء المسكوت عنه. ومن بين
المسكوت عنه نظام الدولة السياسي وضرورة انتقاله إلى نظام حكم ديمقراطي, وكذلك
هويتها ولغتها وعدد ونسبة المواطنين في السكان ودور المواطنين باعتبارهم التيار
الرئيسي في الدولة. هذا إضافة إلى استمرار عدم الفصل بين المال العام والخاص
وعدم تكافئ الفرص بين المواطنين. وهذه كلها مقومات جوهرية سوف تُحدد الطريق
المُختار والنتيجة المرتجاة.
*رؤية قطر الوطنية 2030, الأمانة العامة للتخطيط التنموي, الدوحه, تموز/يوليو
2008
**هذه المقالة في الاصل كانت جزء من بحث نشر في مجلة المستقبل العربي,بيروت
العدد393 نوفمبر 2011.
وتؤكد الرؤية على الموازنة بين الخيارات التالية:-
*التحديث والمحافظة على التقاليد .
*احتياجات الجيل الحالي واحتياجات الأجيال القادمة.
*النمو المُستهدف والتوسع غير المُنضبط.
*مسار التنمية وحجم ونوعية العمالة الوافدة المُستهدفة.
*التنمية الاقتصادية و الاجتماعية وحماية البيئة وتنميتها.( ألرؤية ص
(3))
والرؤية هنا تترك هذه الموازنات الحاسمة في تشكيل مستقبل شعب قطر, لتقدير مُتخذ
القرار في المستقبل دون التزام واضح مُحدد, فلا نعرف على سبيل المثال, ما
المقصود بالنمو المستهدف والتوسع غير المنضبط, ولا حجم التنمية وضوابط حجم
وتركيب العمالة المستهدفة, ولا احتياجات الجيل الحالي واحتياجات ألأجيال
القادمة ومن المقصود بالأجيال القادمة, ولا أين يقف مد ما يسمى تحديث
ومتى تُشكل التقاليد خطاً أحمرا وما هو مقصود بالتقاليد؟.
فكل هذه الخيارات متروكة للتوجيهات الشخصية والآنية للقيادة عبر عمر الرؤية
حتى 2030.
وهذا الغموض والعمومية يسري على بقية الموازنات
وتُحدد الوثيقة أيضا "المبادئ الموجهة للرؤية الوطنية" قائلة " تقوم رؤية
قطر الوطنية على المبادئ التوجيهية للدستور الدائم وتوجيهات أصحاب السمو الأمير
وولي العهد والشيخة موزة. وعلى مشاورات واسعة مع المؤسسات الحكومية والخبراء
المحليين والدوليين. وتهدف الرؤية الوطنية إلى إرساء مجتمع أساسه العدل
والإحسان والمساواة"( ألرؤية ص (7))
ويلاحظ أولاً أن المبادئ التوجيهية للدستور لا تُلزم السلطات إلا بالقدر الذي
تريده القيادة, فالأمير في دستور قطر الدائم لعام 2004 هو مصدر السلطات, بالرغم
من نص المادة ( 59 ) على أن الشعب مصدر السلطات, وتأكيد المادة(60)على الفصل
بين السلطات. وقد ناقشت ذلك في بحثي حول حالة الديمقراطية في قطر، وبالتالي فإن
مُراعاة المبادئ التوجيهية للدستور هي من السلطات غير المُقيدة للأمير وتتوقف
على إرادته, لاسيما في غياب وجود محكمة دستورية واستمرار مجلس الشورى المعين.
ومثال ذلك أن المبادئ التوجيهية للدستور وفق المادة(34) تنص على أن "المواطنون
متساوون في الحقوق والواجبات العامة." كما تنُص مواد أخرى على أن نظام الحكم
ديمقراطي واللغة العربية هي اللغة الرسمية ومع ذلك أصبحت اللغة الإنجليزية هي
اللغة الرسمية في التعليم وفي الكثير من قطاعات الإدارة وأستمر نظام الحكم على
طبيعته ولم ينتقل إلى نظام حكم ديمقراطي.
أما ما ذُكر من مشاورات فهي مع أجهزة حكومية وخبراء دوليين، وهي مجرد مشاورات
مع موظفين تابعين للسلطة التنفيذية وخبراء أجانب. و بذلك يلاحظ غياب الشعب عن
التأثير على مضمون الرؤية والمشاركة في تحديد المبادئ الموجهة لها و التي سوف
يمتد نطاقها حتى عام 2030. وجدير بالذكر أن رؤية قطر الوطنية لم يجري حوار
وطنيا حولها ولم تناقش في ألإعلام أو تقدم حتى لمجلس الشورى المُعين ليبدى
الرأي حولها.
ويتم ختام هذه الفقرة بالقول أن هدف الرؤية هو " إرساء مجتمع أساسه العدل
والإحسان والمساواة " ألرؤية ص (7))
وهذا كلام عام يصعب تحقيقه إذا لم يتم أخذ إصلاح أوجه الخلل المُزمنة في
الاعتبار, و يتم إرساء المجتمع على أسس تحفظ وجوده وتصون هويته ولغته ومصلحته
وتهىء له فرص المشاركة السياسية الفعالة ومتطلبات الأمن والنماء, حتى يتحقق
العدل والإحسان والمساواة.
وتحدد الوثيقة أركان الرؤية في:
التنمية البشرية :" تطوير وتنمية سكان قطر لكي يتمكنوا من بناء مجتمع
مُزدهر"(ألرؤية ص (8))ويلاحظ هنا أن التنمية البشرية لسكان قطر- مواطنين 12%
ووافدين 88% من إجمالي السكان-, وذلك دون وجود تميز إيجابي للمواطنين. وعند شرح
ذلك نجد أن الرؤية تؤكد على " بناء أنظمة صحية وتعليمية متطورة تُقدم أفضل
الخدمات التعليمية والصحية وتطوير قوة عمل مُحفزة تُشارك فيها العمالة الوطنية
بشكل فعال وتعزز بالعمالة الوافدة الماهرة "( ألرؤية ص (10))
وتُبرر ألرؤية اتساع نطاق التنمية البشرية لتشمل الوافدين على قدم
المساواة مع المواطنين, قائلة " عدد سكان قطر لا يكفي في الأمد المنظور للتعامل
مع النُظم والبني التحتية والمتطلبات الأخرى لنمو سريع في اقتصاد مُتشعب
ومُعقد، لذا فإن تحقيق طموحات الرؤية المستقبلية يتطلب سد النقص في قوة العمل
الوطنية بالعمالة الوافدة"( ألرؤية ص (11))
وهذا يُشير إلى أن الحاجة لزيادة قوة العمل الوافدة ليس بسبب قلة القطريين فقط,
ولكن لضرورات اقتصاد مُتشعب ومُعقد يعتمد على المعرفة!. وربما يكون شعار
المعرفة هو الأمر الذي أدى إلى تسريح عدد كبير من القطرين وفرض التقاعد المبكر
على ألاف المدرسات القطريات عندما أصبحت الإنجليزية هي لغة التعليم, ألأمر ألذي
أدى جزئيا إلى انخفاض مشاركة القطريين في قوة العمل من 14% عام 2001 إلى 6% فقط
عام 2010.
التنمية الاجتماعية: تطوير مجتمع عادل وآمن مُستند على الأخلاق الحميدة
والرعاية الاجتماعية وقادر على التعامل والتفاعل مع المجتمعات الأخرى ولعب دور
هام في الشراكة العالمية من أجل التنمية.
التنمية الاقتصادية: تطوير اقتصاد وطني متنوع وتنافسي قادر على تلبية احتياجات
مواطني قطر في الوقت الحاضر وفي المستقبل وتأمين مستوى معيشي مرتفع .
التنمية البيئية: إدارة البيئة بشكل يضمن الانسجام والتناسق بين التنمية
الاقتصادية والاجتماعية وحماية البيئة (ألرؤية ص (8))
ويلاحظ هنا غياب التنمية السياسية في ركائز رؤية قطر الوطنية.
ويتم ختام وثيقة الرؤية بعنوان " تحقيق الرؤية "حيث يتم التأكيد على أن "رؤية
قطر الوطنية قاعدة لصياغة إستراتيجية وطنية شاملة " و " ستتولى الأمانة
العامة للتخطيط التنموي وبتوجيه من القيادة العليا للبلاد تنسيق الجهود لصياغة
الإستراتيجية الوطنية الشاملة "( ألرؤية ص (2))
وإذا كان لا بد من كلمة ختامية لقراءتنا الاستطلاعية هذه فإنني أجد أن رؤية قطر
الوطنية 2030 تهدف لبقاء الوضع على ما هو علية دون إصلاح لأوجه الخلل المزمنة,
وإنما استمرار ألانفراد بتحديد الخيارات واتخاذ القرارات العامة دون مشاركة
سياسية فعالة ودون انتقال إلى نظام حكم ديمقراطي. وربما نجد إجابات عملية لما
هدفت الرؤية إليه, عندما تظهر لنا التوجهات الفعلية لإستراتيجية التنمية
الوطنية 2011-2016. وذلك عندما نقوم قريبا بتقديم قراه نقدية للإستراتيجية.
الدوحه 21-11-2011