gulfissueslogo
ناصر العبدلي
'العدو الوهمي' إستراتيجية الأنظمة في الإبقاء على الملكية المطلقة
ناصر العبدلي
16-10-2011

قال الفيلسوف اليوناني الشهير أرسطو طاليس ذات مرة أن الديمقراطية لاتجلب سوى الدهماء والعامة إلى مواقع إتخاذ القرار وهي الكارثة بالنسبة له، لكن كل تلك السنوات التي تفصلنا عن زمن هذا الحكيم تؤكد أن الديمقراطية كنظام حكم هي الأفضل بين أنظمة أكثر سوءا ويمكن في هذا الإطار الإقرار أن بديل 'الدولة المثالية' غير قابل للتنفيذ على أرض الواقع.
مرت التجربة الإنسانية بعدة أشكال من الحكومات بلغت حسب التصنيف الفلسفي 14 حكومة ومايهمنا من هذه التصنيفات في دول الخليج الملكية المطلقة وهي 'شكل من أشكال الحكومة يكون للملك سلطة مطلقة على كافة جوانب حياة رعاياه، وليس ثمة دستور أو رادع قانوني للحد من سطوة ذلك الملك' وقد لخص لويس الرابع عشر ملك فرنسا هذه الأجواء بمقولته الشهيرة 'أنا الدولة'.
ولايغير وجود برلمانات أو مجالس شورى رمزية أو صورية عند تلك الحكومات 'الملكية المطلقة' من الأمر شيئا فكل ماحول الملك يسير في نفس الإتجاه، ويمكن رؤية هذا النموذج من الحكومات في كل دول الخليج العربية بشكل أو بآخر ماعدا دولة الكويت التي تميزت دون غيرها من تلك الدول بوجود طبقة تجارية واعية تمكنت من إنتزاع مكاسب شعبية واسعة أدت إلى إستقرار دستوري رغم أنها لم تصل إلى الملكية الدستورية كما هي في الغرب.
الحالة الخليجية على مستوى الدولة وهي محور هذا المقال تعيش أزمة منذ سقوط المشروع السوفياتي المنخرط في دفع الثورة العمالية إلى كل بقعة من بقاع العالم خلال القرن الماضي، عندما أنشغلت كل مكونات المجتمعات الخليجية مع إستثناءات بسيطة في معركة إسقاط الأيديولوجيا التي يحملها ذلك المشروع بتحريض من الأنظمة الخليجية وهي ملكيات مطلقة لايملك فيها أحد أبداء رأيه دون إذن من الملك أو الأمير وبتوجيه أيضا من دول الغرب الرأسمالية.
وتتمثل تلك الأزمة التي تواجهها دول الخليج العربية كأنظمة في أمرين أولهما إختفاء فكرة 'العدو' الشيوعي التي روجت لها الدول الغربية وبتواطؤ من دول الخليج دون النظر إلى المصالح الفعلية لشعوب الأخيرة، في أهمية وجود قطبين يسمح بوجود مساحة للمناورة يمكن من خلالها إنتزاع بعض الحقوق القومية والوطنية، فيما يتمثل الأمر الثاني في عدم وجود مشروع حقيقي للدولة والإستعاضة عنه بهياكل بالية تقوم في بعض الأحيان على 'الغلبة' وفي أحيان أخرى على التوافق الدولي. إختفاء فكرة 'العدو' جعلت دولة مثل المملكة العربية السعودية وهي الأكبر على صعيد الأزمة من دول الخليج الأخرى تبحث عن البديل الشيوعي لتكريس شرعيتها وشرعية الأنظمة الأخرى بعد سقوط الإتحاد السوفيتي، ويبدو أنها وجدت ضالتها في جمهورية إيران الإسلامية لكي تتمكن من إعادة تجميع الشعب السعودي على عدو مشترك وربما يلحق بها بعض الشرائح من الشعوب الخليجية الأخرى التي لديها قابلية لفكرة الإستبداد، فإيران تختلف في المذهب والقومية وقابلة للتحول إلى عدو مقنع بعكس الدول الأخرى في المنطقة كالهند وتركيا.
والبديل الجديد بالنسبة للمملكة العربية السعودية وبقية دول الخليج يمكن أن يؤجل إلى حين إستحقاق الدولة الحقيقي ربما لعشرات السنين، ويعطي فرصة أكبر لصياغة مشروع آخر يبقي على شرعية الأنظمة، ويعطي في نفس الوقت فرصة للشعوب الخليجية ومن بينها الشعب السعودي للتنفيس عما يدور في داخلها، لكن ذلك بالطبع لايمس العمق الذي يقوم عليه الواقع الحقيقي التي تقوم عليه تلك الدول ومن بينها السعودية 'أنا الدولة' بإستثناء دولة الكويت كما ذكرت سابقا.
دول الخليج تقودها المملكة العربية السعودية لن تتخلى عن فكرة الملكية المطلقة وستفعل ما في وسعها للإبقاء على الحالة الراهنة، وقد تمكنت فعلا من إقناع شرائح كبيرة داخلها من خلال أجهزتها الإعلامية المختلفة (قنوات تلفزيونية، صحف، منتديات) أن هناك عدوا مشتركا أخطر بكثير من إسرائيل والغرب يقع على الضفة الأخرى من الخليج العربي، كما تمكنت من إقناع الكثيرين أيضا أن ذلك العدو يمتلك ترسانة هائلة من الأسلحة النووية ولديه صواريخ قادرة على ضرب عمق دول أخرى في المنطقة، وأن كل تلك المقدرات المادية التي يملكها ذلك العدو الوهمي يديرها مشروع قومي وأحلام بإمبراطورية تضم كل تلك الدويلات الخليجية وشعوبها. ثورتا البحرين واليمن كانتا التعبير الأكثر وضوحا في تشبث الأنظمة الخليجية بفكرة الملكية المطلقة وعدم السماح بأية حوارات تفضي إلى تغيير فيهما مع أن النظام اليمني يبدو جمهوريا من الخارج، وما يجري فيهما من مذابح حاليا إنما يصب في نفس الحراك، وأية محاولة في المنطقة للترويج لنظام مختلف كما حدث في المغرب والأردن ستقمع بقوة بسطوة المال وإن لم تنجح فبتحريك بعض القوى داخل تلك الدولتين مما يؤدي إلى تخويفهما وتراجعهما، كما أنه لايمكن الشك لحظة واحدة في أن محاولة 'مزعومة' من جانب إيران لإغتيال السفير السعودي في الولايات المتحدة الأمريكية عادل الجبير تندرج في نفس السياق.


القدس العربي

copy_r