جميع ما تناقلته وسائل الإعلام الرسمية وشبه الرسمية خلال الأيام الماضية يمثل وجهة نظر حكومية للأحداث ونقلت ما يراد له أن يصل في رسالة نصها أن " ما حدث يستدعي الضرب بيد من حديد حتى لا يتكرر" ، تلك المعالجة الإعلامية للحدث طغت عليها الصبغة الأمنية وابتعدت كل البعد عن المهنية الإعلامية ، وزاد الحدث اشتعالا دخول المتطرفين من الطرفين على خط الأحداث لينشروا إشاعات من قبيل ما شاع على الألسن وبكثرة من قبيل قطع الخدمات الأساسية عن منطقة القطيف إن لم يتوقف "المخربين" ، و زج باسم الديوان الملكي في هذه الإشاعة لنشر الذعر . تلك المعالجة الإعلامية للحدث الذي لا يتعدى زوبعة في فنجان ، تذكرنا بما يقال عن ما يجري في سوريا و اليمن وما قيل عن مصر و تونس من أن هناك قوى خارجية تسعى لزعزعة الأمن وأن أيادي أجنبية تحرك الأحداث ، والأمر أن كان كذلك فلما هذه الأيادي الخارجية والقوى الأجنبية لم تظهر في تظاهرات لندن وأميركا لترفع العلم الإيراني والكوبي والكوري الشمالي ؟ .
و إذ ذاك يصرخ الصارخ بأن " لا مكان في بلادنا لمن يحمل السلاح ويثير الشغب " ،
وكأنما يراد لمن يخطئ أن يعدم أو ينفى من الوطن ، دون النظر إلى كون
الخطأ مبررا أو غير مبرر ، هذا والحدث لم يصل إلى أقل عمليات القاعدة من حيث
النتائج والمخاطر والتبعات ، إلا أن هناك من يفرز المواطنين على الهوية
الطائفية ، فأين كل هذا الضجيج والصخب من معالجة السلطة لموضوع القاعدة
وخلاياها ؟ ، ألم تجند الطاقات والأموال والمراكز البحثية والعلمية ومنها "مركز
الأمير محمد بن نايف للمناصحة والرعاية " ، كل تلك عملت وما زالت على معالجة
الأسباب والدوافع التي تلقي بخيرة الشباب في حضن فكر ضال . وكل هذا في إطار أن
المنتمين لفكر القاعدة أبنائنا وبناتنا وإخواننا وأنهم مغرر بهم ، فلماذا هناك
أبنائنا وبناتنا وإخواننا ومغرر بهم ، وهنا يراد لهم أن تقام عليهم الحرابة ؟
فأين آليات المناصحة؟
وحين نسلم بأن الخطأ لا يولد إلا خطيئة "فلن تجني من الشوك العنب " فمنذ
سنوات طويلة نسمع أن الجهات المختصة تدرس السبل الكفيلة بمعالجة أسباب ما وصلت
له الحال في العوامية ، غير أن ذلك لم يترجم على الأرض بأي مشروع تنموي أو حتى
وعود بمشاريع تنتشل العوامية وغيرها من المدن والقرى التي تحتاجها في الخروج من
عنق الزجاجة، وعلى فرض أن يكون من وراء الأحداث قوى خارجية ، الأمر الذي لا
يقبله منطق ولا عقل ، ولنفرض جدلاً بصحته "فرض المحال ليس بمحال" ، فإن ذلك
يرجع إلى إهمال حكومي أبسط ما يقال عنه أنه ممنهج ، ولنضرب أمثلة تقرب الصورة ،
لما جمعيات البر بالمنطقة الشرقية تستثني القطيف ومدنها وقراها ؟ ، لما لا توجد
ولا جامعة أو فرع لجامعة في محافظة القطيف ؟ لما بعض الوظائف والجامعات تضع
فيتو على دخول مواطني القطيف فيها و لها؟ لماذا وضع تحديد أربعة أدوار كحد أقصى
للبنايات السكنية رغم أزمة السكن الخانقة ؟ ولماذا .. ولماذا ..، فجميع
ذلك وغيره من الظروف التي تهيئ الأرضية الصالحة لأن يستفيد منها العابثين
وأعداء الوطن .
ولتكون المنطقة عامة والعوامية خاصة عنوان الحل وليس رمزاً للأزمة لا مناص من
التنمية فهي تعاني فقر مدقع وبطالة سرطانية وشيوع أمية وشعور بالاضطهاد خالقة
مناخاً صالحاً لكل ما حدث وغيره من الأحداث القادمة إن لم توجد حلول
تراعي الأسباب والعوامل التي أفرزتها ، وأكرر ما ذكرته في غير مكان " المواطن
حين يكون قطب الرحى في عين النظام ويُخْدم به سيصبح قطعاً أول من يخدم الوطن،
فالشراكة تعني في جميع الأحوال والأزمان تبادل المصالح وترابطها، فليكن المواطن
أولاً ليكون الوطن أولاً وثانياً وعاشراً." عندها فقط ستكون العوامية عنواناً
للحل لا رمزاً للأزمة.