gulfissueslogo
ناصر العبدلي
أزمة الكويت.. ما الذي يحرك الأبرة؟
ناصر العبدلي

القدس العربي - 15-09-2011
تعيش الكويت هذه الأيام أزمة خانقة ومايجعلها أخف وطأة أنها متوقعة منذ فترة طويلة بناء على معطيات يتحمل الجزء الأكبر منها السلطة الحاكمة ويتحمل بقيتها المواطن الكويتي وربما يكون لتلك الأزمة إمتدادات خارجية لكنها في نهاية الأمر مسؤولية محلية مهما حاولنا التهرب من تداعياتها .
منذ تولي أمير الكويت الشيخ صباح الأحمد مقاليد الإمارة في التاسع والعشرين من شهر ينايركانون الثاني عام 2006 والبلاد بحاجة إلى ' مبادرة ' يلتف حولها الكويتيين من جديد بعد حالة من الجمود والمراوحة على أن تشمل تلك المبادرة إستيعاب أفراد الأسرة الحاكمة في مشروع مصالحة يضمد الجراح التي خلفها صراع الخلافة ويعطي دورا حيويا للقوى السياسية الفاعلة على الساحة المحلية لكن شيئا من ذلك لم يحدث وظلت البلاد رهينة الجمود والمرواحة مرة أخرى .
غياب ' المبادرة ' وإستمرار حالة الجمود والمراوحة أدى إلى تضييع الكثير من الفرص لإنتشال البلاد من كبوتها ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد بل خلق هذا الغياب المزيد من أجواء الإنشقاق في أوساط الأسرة الحاكمة حتى ' تمرد ' بعض مكوناتها على ' تفاهمات ' تاريخية صبغت تحركات الأسرة منذ تولى الشيخ مبارك الصباح مقاليد الإمارة قبل مايقارب قرنين من الزمان ، وربما جرت هذه الإنشقاقات في طريقها ملف الوحدة الوطنية وغيره من الملفات الحساسة إلى مواقع ماكان لها أن تبلغها لولا الحالة الراهنة .
على صعيد الأسرة الحاكمة كانت الأوضاع كما ذكرتها وعلى صعيد العلاقة مع الشعب الكويتي بدا واضحا أن هناك رفضا واضحا لفكرة التمثيل الشعبي ( البرلمان ) ترشح بين الحين والآخر على شكل بالونات إختبار تجاه تعليق دستور عام 1962 وإيقاف العمل ببعض مواده على الأقل لمدة عامين بهدف ترتيب أوضاع البيت الداخلي تارة وعلى شكل تعديلات جذرية على نصوص الدستور نفسه تارة أخرى وعلى صعيد المتطلبات المالية أيضا كزيادة الرواتب ودعم رواتب المتقاعدين لكن أجواء الرفض تلك لم يكتب لها النجاح رغم أنها أبقت الوضع المأزوم مستمرا .
فيما حالة الجمود والمرواحة هي السائدة ويزداد عمقها يوما بعد يوم فوجئ الجميع بهجمة شرسة لم يسبق لها مثيل طالت جميع مكونات المجتمع الكويتي أبطالها مؤسسات إعلامية وشخوص لا أحد يعرف من يحركها في بداية الأمر شرعت بتحريض تلك المكونات على بعضها البعض وأنتهت بالتشكيك بولائها من منطلقات قومية ومذهبية كادت أن تنقلنا من الحالة التي كنا بها إلى حالة التشرذم والتقاتل لولا تدخلات أهل الحكمة من هذا الطرف أو ذاك ولولا التحولات التاريخية في العالم العربي .
وقف المواطن الكويتي في حيرة أمام هذه الهجمة الشرسة فمرة يرجعها إلى ترسبات تاريخية من هذا الطرف أو ذاك وأخرى يرى فيها ' تحريض ' خارجي ربما من دول مجاورة إلى أن أختفت فجأة ودون مقدمات كما ظهرت بعد سقوط نظامي تونس ومصر وإشتداد إرهاصات الربيع العربي في كل مكان ليحل مكانها إنفتاح سياسي ومالي غير مسبوق تمثل في توزيع المكرمات الحكومية على شكل منح مالية وغذائية لمدة عام كامل وبالتعهد تلو الآخر أن الدستور والديمقراطية قدر الكويت الأبدي ، ولازالت نفس الحكومة تسير في نفس الإتجاه .
مع كل هذا الإنفتاح لازالت الأزمة باقية والمبادرة غائبة وكل ماحصل أن الأمور عادت إلى المربع الأول في الجمود والمراوحة بعد أن قضت ردحا من التأزم لكن أجواء الجمود والمرواحة محملة هذه المرة بفاتورة الخوف من إمتداد الربيع العربي وهي في حقيقتها لاتختلف كثيرا في جوهرها عن مايحيط بها فالخوف يشل الأنظمة ويجعلها عاجزة عن التفكير كما ينبغي وإلا فأن مايتردد من أن الكويت بلد مؤقتة إستنادا إلى كل تلك الإجراءات أقرب للحقيقة .
حملت وثائق الويكليكس جزءا من حقيقة الوضع في الكويت فهي تقول أن هناك صراعا على السلطة على صعيد أجنحة الأسرة الحاكمة وعلى صعيد مكونات الجناح الواحد وأن النموذج المفترض ليس موجودا فالصراع يشمل الجميع دون إستثناء حتى ممن يملكون الجزء الكبير منها ، وأصبح كل شئ مباحا وعلنيا بصورة تكاد تطيح بما بقى من هيبة وإحترام للأسرة الحاكمة لدى رجل الشارع العادي .
هناك من يقول أن مايجري مرتبط إلى حد كبير بالنهج الحكومي وأن تغيير رئيس الحكومة الشيخ ناصر محمد الأحمد سيخرج البلد من عنق الزجاجة ، وهناك أيضا من يقول أن العلة ليست في رئيس الحكومة بل من تدخلات ' أبوية ' من هذا الطرف أو ذاك والرجل خجول وتبعات ذلك الخجل كثيرة تصل في بعض الأحيان إلى فرض هذا الوزير أو ذاك عليه ، وهناك من يقول أيضا أن تفسير مايجري ستجده فقط في برقيات السفارة الأمريكية فهي الوحيدة القادرة على قول ماتريد دون خوف .
كل تلك المبررات كما يبــــدو لا قيمـــــة لها إذا كان هناك جــدية من الشعب الكويتي بتبــــني عملية إصلاح شاملة مادامت كل المبـــــادرات المفترضة غابت عن الساحة فالأمر يتطلب المضي قدما في مطلـــب تحويـــــل البلاد إلى إمارة دستورية تكون فيها الأمة مصدر السلطات من خلال إنتخابها للبرلمان والحكومة وطي كل أجواء الجمود والمراوحة فالبــلد بحاجة إلى مبادرة إن لم تكن من السلطة فلتكن من الشعب.


copy_r