مولاي سمعت فريقاً يقول " يسقط حمد" وآخر يهتف "الشعب يريد خليفة بن
سلمان"..
فهل يزدك خطاب الأولى إلا ارتياعاً وهل تجد من خطاب الثانية ارتياحاً !!
ولتخبرك شهرزاد ماذا تسمع عندما يهتف البعض "يسقط حمد":
ربما هو يريدون أن يقولوا يسقط من فصلونا واتهمونا ومنعوا عنا الماعونا..
أو يودون الهتاف يسقط وزير التربية الذي فصل العديد من المعلمين والمعلمات..
ومنع عن متفوقينا البعثات وأذاقهم الويلات..
أو يشتهون القول يسقط رئيس الجامعة الذي ألصق بالطلبة التهم وحقهم في الإنصاف
ألتهم..
أو يسقط وزير الدعاية لأنه حوّل الإعلام لأداة فتنة وإهانة للأنام..
أو يسقط وزير الداخلية ؛لأنه أطلق يد العسكر ليدوسوا البرية..
وربما يودون لو يهتفون" تسقط وزيرة التنمية لأنها لنصف الشعب عادية مستعدية..
أو يسقط وزير الخارجية الذي يهين معارضتنا الأبية..
يقولون يا مولاي "يسقط حمد" ليختصروا حنقهم على كل هؤلاء.. فمن يسيء لك يا
مولاي الهاتفون.. أم هؤلاء ؟!
شهرزاد
الشيخ سلمان.. فارس بلا جواد ..
التقسيمات " الخفية" داخل العائلة الحاكمة البحرينية لم تعد خفية بعد فبراير.
فقد تلمس الجميع، وتجرأ البعض على الحديث علنا للمرة الأولى، عن وجود ثلاثة
تيارات على الأقل في العائلة الخليفية لكل منها أجندتها ورؤيتها "وطموحاتها":
- هناك تيار الخوالد،
الذي يسير شئون البلاد منذ تولى جلاله الملك مقاليد الحكم في مارس/آذار 1999
ويتزعمه وزير الديوان الملكي الشيخ خالد بن أحمد وأخوه المشير خليفة بن أحمد
قائد القوات المسلحة ويمثل الشيخ أحمد عطية الله – ابن خالتهما وبطل مخطط
البندر لتشطير البلد طائفيا- الذراع الأيمن في هذا التيار، ويمكن إدراج الشيخ
ناصر بن حمد – النجل جامح الطموح لملك البلاد- ضمن الخط ذاته..
- وهناك تيار رئيس
الوزراء " وسنبدأ الإشارة له هنا بخليفة الكبير" والذي يتمتع بنفوذ واسع ضمن
العائلة الخليفية لكونه الأكبر سناً ومقاماً ولأنه - وعلى مدار 41 عاماً- كان
المتحكم الفعلي بكل مفاصل البلاد والذي لطالما أحسن خلق توازنات داخل العائلة
والعائلات القبلية المقربة فضمن ولاءهم المطلق له..
- وهناك تيار الملك
وولي العهد وهو التيار الأهم مقاما والأكبر أبهةً.. والأضعف مدداً..
الصراع الخفي على مدار الأعوام العشر الماضية كان
محصوراً بين الخوالد وتيار خليفة الكبير على أكبر قدر من السلطة والنفوذ حتى
بزغ نجم ولي العهد الشيخ سلمان في 2003م الذي رفض أن يكون صورة على جدار حتى
يصله الملك وطمح لدور حقيقي في إدارة البلاد. ولأن الملك – نفسه- كما يروى كان
مهمشاً ومحارباً من قبل عمه وحاشية والده عندما -كان ولياً للعهد- تعاطف ودعم
مساعي ولده الألمعي الذي تبنى مشروع إصلاح سوق العمل،بعد إصدار الملك لمرسوم
يقضي بإنشاء مجلس -برئاسته- للتنمية الاقتصادية، ثم عزز موقعه في 2006م
بعد إصدار قانون تنظيم سوق العمل وإنشاء الهيئة العامة وصندوق العمل لتزيد
المؤسسات الاقتصادية التابعة له ما اعتبره "الكبير" تعدياً على القطاع الأثير
لديه.. وهو القطاع الاقتصادي الذي هيمن عليه – وحده طيلة عقود- دون تدخل من
أخيه الراحل ولا من ابنه بعده !
ولأن خليفة الكبير رجل دولة محنك يعرف كيف
يدير صراعاته ويحمي سلطاته.. رحب بالقرار ووعد بدعمه ثم فعل لاحقا كل ما من
شأنه أن يؤدي لفشل الشيخ سلمان ومشاريعه.. ولم تظهر للعيان قمة جبل تلك الحروب
الباردة إلا في يناير 2008م عندما أرسل ولي العهد رسالة لوالده الملك /غريبة في
علنيتها وتوقيتها/ بثّ خلالها معاناته من وأقتبس " غياب الانسجام بين ما يراه
جلالتكم من قيم ومثل وطينة خالصة وبين السياسات المتبعة لدى بعض أجهزتنا
الحكومية" وقد رد الملك على رسالته بالقول بأن "القرار الاقتصادي لمجلس التنمية
الاقتصادية وحده" وتمت بعدها توسعة دائرة المؤسسات التابعة لولي العهد لتشمل "
المطار والطيران المدني وبابكو،ألبا، طيران الخليج وبتلكو" وكلها مؤسسات كانت
تابعة تاريخيا لرئيس الوزراء وابنه الشيخ علي، وهو ما اعتبره "جناح خليفة
الكبير" محاولة لإنشاء حكومة ظل، وتقليص صلاحيات رئيس الوزراء الذي أدرك ما
جرى، فهرع لدول الجوار ليوطن مكانه بفزعتهم.. وبعد ان أطمئن لوجود "كابح" لطموح
التيار الجديد، عاد ليدير بروية المشهد، فلم يصطدم مع أحد بل أحتّنك لولي العهد
منتظرا الفرصة للتضييق عليه واستعادة ما يراه.. ملكاً له.
****
احتجاجات شباط تعيد هيكلة التحالفات..
تفجّر الاحتجاجات في 14 فبراير وحّد فريقين وقوّى – مؤقتاً- فريقا واحدا.. فرغم
تنافر تياري الخوالد وخليفة الكبير إلا أنهما اتحدا على ضرورة ضرب هذه التحركات
ودفنها في المهد والتهم جاهزة من خمسين عاماً: الولاء والعمالة للخارج.. وبذلك
اتحدت قوى الجناح التقليدي والجناح المتشدد في العائلة على القمع والتصفية وكان
من السهل إقناع الملك " الذي لا يميل للعنف ويجنح للتسامح بطبيعته" بالإذعان
لرؤيتهم كأغلبية..
ولكن القمع كان يزيد نار الاحتجاجات حطباً، وصورة الحكم التي صقلها الملك
بعناية بدأت تتلطخ "وهي جزئية تهم الملك ولا تعني الكثير لهم " وسط هذا المأزق
الذي كان الكل يصرخ فيه " أضرب" كان صوت واحد يقول " فلنتحاور معهم، فلنجد
مساحة مشتركة".. هذا الصوت كان صوت ولي العهد الذي مُنح – لمدة شهر- صلاحية
كاملة من الملك الذي أغلق – للمرة الأولى ربما- سمعه عن نصائح الخوالد وضغوطات
تيار خليفة الكبير استمع لابنه الحبيب الذي وعده بتدبر الأمر وإيجاد حل سريع
وفاعل للأزمة على المستوى العام لينقذ والده وملك أجداده وعلى مستوى شخصي ليثبت
إمكانياته المكبلة..
****
تراجع التيار المتشدد وتحمل استفزازات الشارع التي بلغت
ذروتها بالوصول لمبنى مجلس الوزراء ورفع الكارت الأحمر للشيخ خليفة تعبيراً عن
طرده من" اللعبة".. ولكن خليفة الكبير كان أذكى من أن يسقط في فخ الاستفزاز أو
يكشف استياءه من منح هؤلاء " الأوغاد" هذه الحرية ولكنه فعل ما يجيده وما زاده
المران عبر السنوات قوة عليه: انتظر ودبّر..
****
مطالبة ولي العهد للمعارضة بالجلوس على طاولة
الحوار وقتها كانت فرصة ذهبية لطالما علمت أننا سنبكي عليها دماً.. لقد كانت
الأجواء مهيأة وفتح المجال للحوار بسقف مفتوح كان من الممكن أن يجنبنا عذابات
الأشهر اللاحقة ، وكان من الممكن أن يخفق، ولكننا لن نعرف أبداً لأننا لم نقتنص
هذه الاحتمالية ولكن ما نعرفه – على الأقل- هو التالي:
إن عدم دخول المعارضة في الحوار أضعف موقفها دوليا ومحليا، وأضعف موقف ولي
العهد الذي فشل في المهمة التي تصدّى لها وخسر الكثير بعد أن تم "الانقضاض" على
المؤسسات التابعة وتقليص دوره، كما وتغولت قوة التيارين "التقليدي والمتشدد"
حتى على حساب الملك نفسه..
****
لا تبريراً لغلطة الوفاق بل قراءه لورطتها..
ما لا يدركه البعض أن طرح ولي العهد لمبادرة الحوار بهذه السرعة " طرحها في 19
فبراير" باغت المعارضة التي لم تكن قد بلورت مطالبها بالكامل بعد، ولم تكن قد
نسقت مطالبها مع الشارع الثائر ولا حركة 14 فبراير لذا تلكأت في دخول الحوار
لكسب الوقت وتنظيم صفوفها.. عقبة أكبر عرقلت الفرصة ،وهي أن صوتاً غضاً على
السياسة انطلق ليقول " لا للحوار" وأن الحوار "خيانة لدم الشهداء".. وبوضع هذه
العناوين العاطفية أمام الشارع الغاضب وجدت الوفاق "التي تمثل المعارضة –
انتبهوا- ولا تقودها فعلياً" نفسها في مأزق جعلها تنكمش وتتثاقل في دخول الحوار
خشية أن تعاندها الجماهير وتنتفض عنها وتخسر قواعدها.
المخرج الذي وجدته الوفاق لهذه المعضلة تمثل بوضع شروط مسبقة/مستعصية للحوار.
إقالة رئيس الوزراء وحكومته على رأسها واضعين بذلك " العقدة ف المنشار" على رأي
إخوتنا المصريين.. فإن وافقت السلطة – وهذا مستبعد- على الشروط فقد كسبت الوفاق
الصراع دون خسائر، وإن رفضت فهي في حّلً من لوم التاريخ والنخب على ما سيحدث
بعدها.. غلطة الوفاق هنا أنهم أذعنوا لأمر الشارع ولم يقودوه: والقائد يتخذ
القرار الصحيح ويتحمل تبعاته ، يأخذ بيد الشارع لما فيه الصلاح ولا يخاف ردات
الفعل وإلا.. فما الفرق بين القائد وسواه !
****
صارت العربة قبل الحصان نقول:
وأطاع القادة رغبات الفلول وبقينا في ذهول.. حتى هجم علينا الغول !!
وها قد غمز الديك لشهرزاد التي بدأت تشوف.. أن جوهر ترك السيف وصار يحمل
كلاشنكوف !!
13- سبتمبر - 2011