إن السياسة الخارجية للدول العظمى تغازل مصالحها القومية وفق مبادئ وطنية
ثابتة في خدمة مواطنيها و قد تتخذ سياسة تدخلية أو انعزالية وفقا لإمكانياتها
وقدراتها في رعاية مصالحها القومية تحت دعاوي الرايات البيضاء والسلام
والانسانية وحقوق الانسان في جنوب السودان وليبيا والعراق وفلسطين. بينما النظم
العربية تغازل مصالحها الخاصة مع الدول العظمى و تتحالف معها على بعضها البعض
في سلسلة معاهدات ثنائية قد تكون امريكا حليفا لكلا الدولتين المتعاديتين،
وتحالفا آخر ضد شعوبها
بينما تغض القوى العظمى وداعية الحقوق الانسانية المنتهكة في جوانتانامو طرفها
امام انتهاكات حقوق الانسان في البلدان العربية والاسلامية و يسعدها رعاية
القضايا الاسلامية بين اسلامي متشدد واسلامي ليبرالي اوبين عقائد شيعية واخرى
سنية وربما الطائفية والاقلية وغيرها من سفن السلام التى تجرها الزعامات
العربية بقيادة امريكية وعندما تغضب القدرة الامريكية او ينتهي فترة الصلاحية
مع نظمها العميلة تتخذ لها خادما جديدا يكون مناسبا لمتغيرات القادمة.
السعودية الدولة الوليدة في جزيرة العربالتى قامت تحت رعاية بريطانية بقيادة
رجل الجزيرة العربية الذي انتهج طريق الشرعية الاسلامية والفتاوى الوهابية
والتجديد الاسلامي فاتخذ اخلاص الأمام محمد بن عبدالوهاب مطية لتأسيس الدولة
السعودية . والسياسية في العرف المعاصرلا تعرف التدين بقدر ما تعرف سلب روح
الدين بالتدين السياسي .
وقد كان هدف عبد العزيز تأسيس الدولة السعودية بينما كان هدف الدعوة الوهابية
محاربة الصوفية وهدفت انجلترا من ذلك الى تقليص المد العثماني في كل من مصر
بقادة محمد علي باشا والمملكة اليمنية. وفي تلك الفترة اصبحت الاماكن المقدسة
تعاني من خطر الامتداد السعودي وهو ما وقع بالفعل على الرغم من التزام عبد
العزيز بتدويل الاماكن المقدسة ثم حظي بدعم الدول المنتصر في الحرب العالمية
الثانية ، شريطة أن تستخدم الأماكن المقدسة في خدمة السياسة البريطانية ورعاية
المصالح الاستعمارية ومن ثم اصبحت السياسة محرمة على ابناء الجزيرة العربية
والسعودية على وجه الخصوص وعلى حد تعبير قائلهم" ومن السياسة ترك السياسة، وهو
ما يعني في رؤية الفقهاء السعوديين انتظار مرحلة التمكين وبالمقابل الغاء دور
الاماكن المقدسة في تعبئة الراي العالمي الاسلامي وتوعيته بقضاياه الوطنية
والاسلامية والقومية ثم منع الحجيج من التوافد الى الاماكن المقدسة الا برغبات
العاهل السعودي وموافقته على عدد الحجيج واحصائهم من كل دولة على حدة ولفترة
معينة حتى لا تتجدد حكاية تدويل الاماكن مرة اخرى، أو ان يفكر هؤلاء في البقاء
مدة أطول مما يعني اعادة الحق في الذاكرة الاسلامية.
سقطت الاماكن المقدسة وخصخصت سعوديا و أصبح باب عمر وأبو بكر وعثمان و علي
ابوابا ملكية لفهد وخالد وعبد العزيز وعبد الله و هاتيك دواليك، وغدا ستكون
الكعبة السعودية المشرفة ومع هذا لم ينكر على هذه المسميات أحدا من علمائها
بينما لم نجد بابا خاصا لمحمد بن عبد الوهاب الحليف الديني والاساس المتين
لقيام الدولة السعودية وتعتبر هذه الدولة الوحيدة التى اسست هيئة الامر
بالمعروف والنهي على المنكر لإقامة الحدود على الرعايا المملوكة بينما الأمر
بالمعروف والنهي عن المنكر لأمرائها و ولاتها يعتبر خروجا على ولي الأمر ويستحق
صاحبه الإعدام و ميتته ميتة جاهلية.
إن المفارقات في العقليات الاسلامية السعودية وعلمائها مغتصبي الحرمين قد جسد
الفتاوى الدينية في الارادة السياسية السعودية؛ فبينما كان الجهاد ضد السوفيت
والشيوعية جهادا في سبيل الله نجد الجهاد في افغانستان ضد الولايات المتحدة
خروجا من الدين وإرهابا اسلاميا يهدد ألأمن والاستقرار العالمي أما القضية
الفلسطينية فهي اشكالية تاريخية تحتاج الى انتظار التمكين في ظل الهدم السعودي
لقدرات الأمة العربية والسعودية .
ومن المفارقات العجيبة ان حزب الله اللبناني منظمة ارهابية مهددة للسلام في
المنطقة العربية بينما اعتداء اسرائيل على السيادة اللبنانية والفلسطينية ليس
لها تأويل في كتاب الله ولم يرد فيها نصا ثابتا، والعجب من ذلك ان المستشهدين
الفلسطينيين انتحاريون بينما ورد في بعض فتاويهم أن الهجرة واجب شرعا وعليهم أن
يهاجروا في سبيل الله ويفروا بدينهم على شرط ان لا يهاجروا الى السعودية لأنها
ليست بلاد اسلامية .
ويعتبرون جهاد الثوار في ليبيا وسوريا جهادا مقدسا وقتلاهم شهداء نحسبهم والله
حسيبهم بينما الثوار في مصر والبحرين واليمن خوارج على ولاة الامر و حكامهم
شرعيين بنص كتاب الله في طاعة ولي الامر ولو كان فاسقا.. وهنا تختلف النصوص
الالهية مع مفهوم الديمقراطية الى تنادي بها الدول الغربية والعجيب من ذلك أن
اجتهاد الفقهاء السعوديين يتناقض كلية مع مفهوم الشورى الذي هو من المبادئ
السماوية .
مفارقات دينية كبيرة وعجيبة بينما هو من كتاب الله و ما هو من دولة الاسلام
السعودية ، وعلى كل فالعز بن عبد السلام و ابن جبير وفتاوى ابن تيمة والجويني
ومالك وابو حنيفة والشافعي لم يتتلمذوا في المملكة العربية الاسلامية السعودية
على الرغم من ان بعضهم اعطى شرعية للفتاوى السلطوية في ما يتعلق بفقه المرأة
والوضوء اما ما يتعلق بالسياسة والسلطةفالأمر مختلف جدا
مفارقات عجيبة بين الدين الاسلامي الحنيف والتدين السعودي بين الاسلام
والاستسلام ، فالحج الى بيت الله الحرام أو العمرة اصبح بابا لرفع الميزانية
السعودية وقضية تنموية تفتح أشغالا متعددة ابتداء من تأشيرة العمرة ومرورا
بالرحلات السعودية وانتهاء بالفنادق الاستثمارية المحيطة بمكة والمدينة والتى
يرتفع بنائها عن بناء الاماكن المقدسة، و تعود من توك الى موطنك بشهادة سعودية
ليس مكتوبا عليها حج مبرور و إنما مختوم عليها" تأشيرة الحج والعمرة" " على أن
تدفع غرامة تأخير بعد نسخ آية الكتاب العزيز " ومن دخله كان أمنا" بقولهم غرامة
التأخير مع الترحيل بينما من السهولة دخولك والبقاء ما دمت مقدسا آريا من آل
امريكا أو أوروبا.
إن الفتاوى الصادرة من فقهاء المقدسات الاسلامية المغتصبة ترى شرعية تحالفها
وادخال الولايات المتحدة الى جزيرة العرب من باب التقية وهو واجب شرعا بفقه
الضرورة والواقع بينما موالاة المستضعفين في اليمن وفلسطين ومصر والبحرين محرما
شرعا ولا يجوز باي حال من الاحوال وعليكم بالسمع والطاعة وان سلب مالك وجلد
ظهرك....
إن ارهاب النظم الدكتاتورية المغتصبة لأقوات الناس و أعراضهم وحقوقهم ليس
إرهابا بينما جهاد الثوار والمستضعفين خروجا، ما دام مهدد للمصالح الامريكية في
المنطقة والمصالح السعودية التابعة لها.
كما أن مقولة عمر ابن الخطاب " لرجل واحد أحب الي من الروم وما حوت " كاذبة
بالفقه السلطوي والسياسة الشرعية السعودية لأن الشهداء الذين يسقطون يوميا
بتمويل سعودي واسلحة امريكية في العراق واليمن والبحرين وسوريا لا يساوون رجلا
من عهد عمر .
إن تأجيل الدعم السعودي في مؤتمر الدولة المانحة و مؤتمر الرياض لليمن مثل ضغطا
سعوديا على النظام اليمني الذي حاول منافسة السعودية في خطبة ود أمريكا و
التحالف معها . فإذا كان ود أمريكما سعوديا بالنفط الاسلامي فإن ورقة الارهاب
والاسلامين والشيعة للرئيس اليمني يضعها في المعاجلة الامريكية بين العاشق
والولهان، أما اليوم فقد اصبح علي صالح ورقة تستخدمه السياسة السعودية في الضغط
على الثورة اليمنية تحت مزاعم المبادرة الخليجية والعرس الخليجي في اليمن على
مجازر النظام .
ومن قبل استخدم الانفصالين ورقة سياسية لدول الخليج والسعودية والتى راح ضحيتها
الكثير من ابناء اليمن تحت قيادات دينية سعودية تبنت محاربة الحزب الاشتراكي
الكافر في نظر الايدلوجية السعودية واصبح أعداء الامس من الانفصاليين اصدقاء
اليوم مع علي صالح في قرن نجد الملكي والمظلة السعودية.
أما اليوم فإن أعداء الأمس اعداء الثورة والشعب تحت مزاعم الوطنية لتوسيع
المستوطنات السعودية في اليمن وليته اتسع الاستيطان السعودي في فلسطين وكان
منافسا حقيقيا للمستوطنات الاسرائيلية.
إن تبرع السعودية لأحداث الحادي عشر من سبتمبر وتبرع النظام اليمني على فقره
وإدقاعة هو سباق محموم في كسب رضا الولايات المتحدة لانهما الراعيان الحقيقيان
للإرهاب الاسلامي في حربالسوفيت وافغانستان وبقيادتها. وأصبحت تهمة تلاحقهم من
صديقة الأمس.
لذا فإن صراع السعودية مع الثورة البحرينية والمصرية واليمنية هو صراع وجود
وبقاء للنظم الملكية أو لعنة السماء التى تدق ناقوس الخطر وقدوم الأجل في
العقلية السعودية بين الدبلوماسية السعودية المكشوفة وارهاصات المارد الشيعي
لدولة الفاطميين في مصر والقرامطة في البحرين والصلحيين في اليمن ، وهو ما يعني
تراجع القدرة السياسية وفشلها في ادارة الواقع السياسي وتشكيل الخارطة السياسية
العربية نتيجة الاستعداء المتصاعد بين ارادة الثورة الشعبية والارادة السعودية
المضادة، مما يجعلني اشفق على هذه العقول مناها وافلاسها العقائدي والسياسي
والانساني امام مصالحها المتبعثرة.
ان التحالف السعودي الامريكي في المنطقة العربية هو صراع الحماية الدولية
لإسرائيل من التهديدات الثورية وهو ايضا حماية الثيوقراطية السعودية من الثورات
الشعبية ، ولكل دولة أفول وكلما اشتدت وطأتها في الظلم اذن الله بخرابها وهو ما
تدعو اليه السنن الالهية "وإذا أردنا أن نهلك قرية أمرنا مترفيها ففسقوا فيها
فحق عليها القول فدمرناها تدميرا "