أشهر مضت وشهور في القادم من الأيام وترانيم الحرية في الوطن العربي تعزف
ألحانها التي طرب لسماعها القاصي والداني ، بعضها اختتم مقطوعته وبعضها الآخر
ما زالت تكتب ألحانها بمداد من الدماء والنضال وبذل النفيس قبل الرخيص في سبيل
الوصول إلى الكرامة والحرية والعدالة الاجتماعية ، ولسنا بدعاً من الأمم التي
سعت وحققت حلمها في التغيير ، فمتى تتحقق وعود الإصلاح السياسي التي دغدغت
أسماعنا ؟؟
في فترة الحراك الجماهيري الذي شهدته المنطقة والمتمثلة في المسيرات السلمية
وتصاعد المطالبة بالإصلاح السياسي والمطالبة بمشاركة المواطن في صنع القرار،
انطلقت حوارات ومشاركات ثقافية هامة أفضت إلى ضرورة تحقيق تطلعات المواطن فيما
يتعلق بالإصلاح وتطوير سبل مشاركة المواطنين في صنع القرار وتعددت الآراء في
السبل الكفيلة إلى تحقيق تلك الغاية ، وربما اصطدمت تلك التحركات بالمقولة " لا
يمكن تحقيق تلك المطالب تحت ضغط الشارع وإلا اعتبر ذلك ضعفا " والتي وإن
لم تقنع كثيرين ، ويراها آخرين مخالفة للمنطق .
وانتهت الموجة واختفت المسيرات والاحتجاجات منذ أشهر ، فما الذي أنجز وتحقق من
وعود الإصلاح بعد كل تلك الأشهر ؟؟
1. العشرات من المعتقلين على خلفية المسيرات السلمية والذي أمضى بعضهم
أكثر من أربعة أشهر قيد الاعتقال الاحترازي ، واعتبار كل من شارك في المسيرات
التي كانت سلمية وحضارية بامتياز أنه ينفذ أجندة ومخطط للإضرار بالأمن والسلم
الوطني .
2. اختفاء التأثير للمراهنين على ((التغيير بالتواصل مع المسئولين في
السلطة)) ، فالكثير منهم وعدوا بالتواصل مع السلطة ليس للتخلص من آثار ما بعد
المسيرات السلمية (الإفراج عن المعتقلين ، التضييق الأمني على المنطقة ، إعادة
بناء جسور الثقة بين المواطنين والسلطة) ، بل يتعدى ذلك إلى تبني كثير من
المطالب والإصلاحات التي نادت بها تلك المسيرات .
3. تجذر ومضاعفة فجوة الثقة بين المواطن والسلطة ، فعوض أن تكون الثقة
حاضرة بينهما والعلاقة راسخة بحكم الحق والواجب فقد المواطن الثقة في الجهاز
الأمني معتبراً إياه سيفاً مسلطاً عليه لا حامياً له ، والنظام السياسي عصى
مسلطة عليه بدل أن يكون شريعة تترجم الحق والواجب بين الطرفين واختصار الولاء
للوطن بالولاء للنظام السياسي .
4. الانحياز إلى الدولة الدينية بدلا من تعميق الدولة الوطنية والمدنية ،
فالدولة الدينية السنية السلفية التي يتم الانحياز لها لا تعيق الإصلاح فحسب بل
من شأنها أن تفكك النسيج الاجتماعي للدولة الوطنية ، إذ ليس كل النسيج الديني
في الوطن سنياً ، ولا كل الطيف السني سلفياً ، وهذا يعيدنا إلى المربع الأول إذ
أن الحقوق والواجبات الفردية سوف تتماهى مع السني السلفي ، وبمقدار ذلك
الاندماج سوف تتباعد عن بقية الطيف الاجتماعي سنياً وشيعياً ويؤسس بنيوياً
للطائفية السياسية .
5. اليأس من التغيير وغياب الإصلاحات ، والذي بدوره قد يدفع البعض إلى
اللجوء للتمرد على النظام وخلق حالة من الاضطراب الاجتماعي والسياسي، وانكشفت
وستتكشف حالة اليأس تلك في الانتخابات البلدية بعد إبعاد المرأة عن المشاركة
فيها ومحدودية الصلاحيات الممنوحة لتلك المجالس البلدية ، وكذلك جدل قيادة
المرأة للسيارة .
فإنجاز الوعود بالإصلاح اليوم قبل الغد وبما يحقق تطلعات الأفراد والجماعات هو
الضمانة الأساسية والدائمة للاستقرار السياسي والأمن الاجتماعي ، والإصلاحات
باقتصارها على الاقتصاد والرفاهية الاجتماعية وعدم اشتمالها على السياسي
والقانوني لن تفيد لا المواطن ولا النظام ، هذا والأزمة الاقتصادية العالمية
تطل بانعكاساتها على اقتصاد المملكة نتيجة إلى عدة عوامل (أشار لها وبإسهاب
أستاذنا نجيب الخنيزي في سلسلة مقالاته الأخيرة عن " أزمة الديون الأمريكية
وانعكاساتها على الاقتصاد العالمي") ، وما نجحت فيه الأوامر الملكية في الفترة
الزمنية الماضية قد لا تحققه في فترة زمنية لاحقة ، ناهيك عن القدرة على انجاز
مثيلاً لها في القريب العاجل ، وهذا يضعنا أمام استحقاق وضع جدولة زمنية لتلك
الإصلاحات .
قال تعالى : (مَا دَلَّهُمْ عَلَى مَوْتِهِ إِلَّا دَابَّةُ الْأَرْضِ تَأْكُلُ
مِنسَأَتَهُ فَلَمَّا خَرَّ تَبَيَّنَتِ الْجِنُّ أَن لَّوْ كَانُوا
يَعْلَمُونَ الْغَيْبَ مَا لَبِثُوا فِي الْعَذَابِ الْمُهِينِ) (14) سورة سبأ