قال تقرير لشركة بوز آند كومباني إنه مع انحسار منطقة دول اليورو وتزايد
الاتجاه نحو الحماية الجمركية في جميع أرجاء العالم، ثارت الشكوك في الآونة
الأخيرة حول مزايا التكامل الاقتصادي الذي يتفق بمقتضاه العديد من الاقتصادات
الوطنية على الاندماج في كيان واحد أوسع نطاقًا. ولكن هذا السياق يلقي بظلاله
بنحو غير عادل على المزايا الاقتصادية والاستراتيجية الكبيرة التي يوفرها هذا
التكامل في العديد من المناطق على مستوى العالم بما في ذلك الاتحاد الأوروبي،
الذي ساهم في خلق 2.75 مليون فرصة عمل وزيادة الناتج المحلي الإجمالي بنسبة
%2.2 على مدار خمسة عشر عاما، وهو نتاج مباشر لجهود التكامل على غرار توحيد
أنظمة الجمارك والحدود التي يسّرت حركة البضائع والخدمات والعمالة بين الدول،
فضلاً عن زيادة حجم التجارة بنسبة تتراوح بين 5 و%10 من خلال التعامل بعملة
اليورو والاتحاد النقدي. ومن بين المزايا الأخرى للتكامل الاقتصادي الجهود
المشتركة في مجال البحث والتطوير، وهو الأمر الذي شجع استثمارات القطاعين العام
والخاص وحفز التنمية الاقتصادية. ويمكن لكثير من هذه المزايا أن تتحقق في دول
مجلس التعاون الخليجي في ظل الجهود الهادفة الى التكامل الاقتصادي.
ومع اقتراب مرور ثلاثين عاما على تأسيس مجلس التعاون الخليجي، أظهرت دراسة
حديثة أجرتها شركة بوز آند كومباني أن التكامل الاقتصادي بين الدول الست
الأعضاء لم يحقق مستوى التقدم المتوقع.
وقال ريتشارد شدياق، وهو شريك أول في «بوز اند كومباني»: «شهدت المنطقة نموا
رائعا على مدى العقد الماضي، إلا أن هذا النمو يمثل جهود ست دول منفردة، وليس
مجموعة متماسكة ومتوافقة تعمل بوصفها كيانا اقتصاديا متكاملا، حيث يمكن أن
يساعد التكامل الأشمل على دفع عجلة الاقتصاد في المنطقة بوتيرة أسرع كما فعل في
نموذج الاتحاد الأوروبي. وبإيجاز ثمة فوائد ضائعة في حال عدم تعزيز التكامل».
قامت «بوز آند كومباني» بتقييم مستوى التكامل الاقتصادي في المنطقة بناء على
خمسة مجالات أساسية، ألا وهي: الاتحاد النقدي، والجمارك والحدود، والاستثمارات
الإقليمية، والبنية التحتية المشتركة، والتعاون المعرفيّ. وقد جرى اختيار هذه
المعايير الخمسة لإبراز المجالات ذات الأولوية التي أعلنت عنها الدول الأعضاء
في مجلس التعاون الخليجي، والتي تم اتخاذ إجراءات حيالها بالفعل. وقد تم تحديد
نقاط التقييم استنادا إلى ما يلي:
1 ــــ عائق أساسي يحول دون تحقيق الهدف المنشود أو يؤدي إلى جمود العملية.
2 ــــ الحد الأدنى من التقدم نحو تحقيق الهدف المنشود منذ آخر إجراء مُتخذ.
3 ــــ بعض المؤشرات على الجهود المبذولة والتقدم نحو تحقيق الهدف المنشود.
4 ــــ زخم كبير نحو تحقيق الهدف.
5 ــــ إنجاز الهدف المنشود أو الاقتراب من تحقيقه.
الاتحاد النقدي
أحرز هذا المجال 2.8 نقطة في التقييم مما يوضح الجهود المبذولة في ما يتعلق
بالاتحاد النقدي. وقد أسَّس مجلس التعاون الخليجي المجلس النقدي الخليجي في
مطلع عام 2010، وهي خطوة انطلاق مهمة نحو إنشاء سلطة إقليمية تتولى مسؤولية وضع
السياسة لجميع الدول الست الأعضاء بوصفها كيانا اقتصاديا واحدا. وقد ربطت جميع
الدول الأعضاء في مجلس التعاون الخليجي، باستثناء الكويت، عملاتها بالدولار
الأميركي، مما يمهد الطريق أمام انتقال سلس إلى عملة موحدة في حال اعتمادها.
ولكن الموعد المستهدف في عام 2010 لإنشاء عملة خليجية موحدة قد مضى، وكان
انسحاب الإمارات العربية المتحدة وسلطنة عمان من نظام العملة الموحدة المقترحة
من العوائق التي تسببت في هذا التأخير، فمن الصعب تصوّر وجود اتحاد نقدي ونظام
عملة يستثني دولتين من الدول الأعضاء في مجلس التعاون الخليجي. ومع ذلك فإن
قادة مجلس التعاون الخليجي يفتحون المجال أمام المزيد من المناقشات في هذا
الصدد بينما يخطون قُدما نحو بناء هيكل تكاملي لعملة خليجية موحدة.
وتتمثل إحدى أهم الخطوات التي ينبغي على دول مجلس التعاون الخليجي اتخاذها
لتحقيق الاتحاد النقدي في إنشاء نظام قوي للمدفوعات وروابط متينة بين الأسواق
المالية، من خلال توحيد البنى الأساسية القانونية والنظامية. ولتحقيق لهذه
الغاية، يتعين على دول مجلس التعاون الخليجي الاستثمار في المؤسسات الإحصائية
المتوافقة على كل من الصعيدين الوطني والإقليمي، ربما على نحو مماثل للمكتب
الإحصائي Eurostat الخاص بالاتحاد الأوروبي، فالقدرة على جمع وتحليل بيانات
الاقتصاد الكلي هي متطلب أساسي لتوحيد السياسات النظامية وممارسات إدارة
المخاطر، وهو الأمر الذي أظهرته أزمة الديون اليونانية في الاتحاد الأوروبي.
الجمارك والحدود
أعطت بوز أند كومباني هذا المجال 3 نقاط في التقييم، وذلك يرجع في جزء منه إلى
حقيقة أن حجم التجارة بين دول مجلس التعاون الخليجي نما بمعدل عشرة أضعاف منذ
تأسيس المجلس. وبعد إبرام اتفاق الاتحاد الجمركي في عام 2003، على سبيل المثال،
ارتفعت الصادرات غير النفطية بين دول مجلس التعاون الخليجي في الفترة من عام
2004 إلى 2008 بنسبة %27 سنويا، مقارنة بنسبة %20 التي حققتها مع باقي دول
العالم في غضون الفترة ذاتها.
ومع ذلك، لم يتخط حجم التجارة بين دول مجلس التعاون الخليجي نسبة %10 من إجمالي
حجم تجارة المنطقة مقارنة بتكتلات على غرار الآسيان والاتحاد الأوروبي اللذين
حققا %23 و%57 على الترتيب من إجمالي حجم التجارة في منطقتيهما.
تبذل حكومات مجلس التعاون الخليجي قصارى جهدها لضمان تعزيز سلاسة تدفقات
التجارة في المستقبل. وصرح حاتم سمّان، وهو مدير مركز الفكر، قائلاً: «بالرغم
من ظهور بعض الخلافات بشأن قضايا على غرار اقتسام عائدات التعرفة الجمركية
وأوقات الانتظار عند المعابر الحدودية، فإن ثمة استعدادا لدى دول مجلس التعاون
الخليجي للتغلب على هذه العوائق، كما تُفيد التقارير الصحفية بأن هناك عزما على
تسوية كل قضايا الجمارك المُعلقة بحلول عام 2015. وقد بدأت العديد من الدول
الأعضاء بالفعل في أتمتة إجراءاتها الجمركية، مع أن هذه الجهود يتعين تنسيقها
بهدف إنشاء نافذة جمركية موحدة لدول مجلس التعاون الخليجي تُمكن جميع الدول
الأعضاء من تبادل معلومات ومستندات التجارة من خلالها».
وفيما يتعلق بتدفق العمالة بين دول مجلس التعاون الخليجي، فابتداءً من عام
2007، عَم.ل 27.000 خليجي، وهو ما يمثل نسبة %0.2 فقط من القوى العامل المقدرة
بحوالي 15.6 مليونا، بنظام الدوام الكامل في الدول الأعضاء الأخرى في مجلس
التعاون الخليجي. وبالرغم من ذلك، يُتوقع زيادة هذا الرقم في ضوء القرار الذي
صدر مؤخرا والذي يسمح للشركات الخليجية بافتتاح فروع لها في الدول الأعضاء، وهو
الأمر الذي من شأنه تعزيز حركة المواطنين عبر الحدود تعزيزاً كبيراً.
الاستثمارات الإقليمية
شهدت دول مجلس التعاون الخليجي زيادةً غير مسبوقة في حجم الاستثمارات الإقليمية
على مدى السنوات الثماني المنصرمة، مما جعل هذا المجال يحرز 3 نقاط في التقييم.
وعلى مدار العقود الماضية، كان تدفق الاستثمار الأجنبي المباشر بين دول مجلس
التعاون الخليجي في أدنى مستوياته، محققا 3.6 مليارات دولار بين عامي 1990
و2003، على سبيل المثال، أو نسبة %2.9 فحسب من إجمالي تدفق الاستثمار الأجنبي
المباشر على المستوى الإقليمي والذي بلغ 125 مليار دولار. ومع ذلك، ومنذ الطفرة
الأخيرة في أسعار النفط ابتداءً من عام 2003، زاد حجم الاستثمارات عبر الحدود
بشكل كبير، ولاسيما في قطاع الاتصالات. وفي واقع الأمر، اتسم نشاط الاستحواذ
والدمج في دول مجلس التعاون الخليجي بالقوة على مستوى مختلف القطاعات، حيث تخطى
26 مليار دولار أميركي بين عامي 2000 و2008.
ومع ذلك فقد تحققت هذه الزيادة في الاستثمارات الإقليمية بالرغم من غياب
التنسيق الرسمي وعدم تناسق التكامل المالي الشامل للمنطقة. وأفاد شدياق قائلاً:
«يتعين على مجلس التعاون الخليجي العمل على توحيد القوانين المُنظمة للاستثمار
وملكية الشركات في الدول الخليجية في جميع القطاعات سعيا لتعزيز الاستثمارات
الإقليمية بشكل أكبر. كما ينبغي عليه تشجيع الاستثمار الأجنبي المباشر وتحفيز
القطاع الخاص وتنميته، مع التركيز بوجه خاص على التدابير الرامية لتنويع
الاقتصادات الوطنية بعيدا عن الاعتماد على عائدات النفط والغاز».
البنية التحتية المشتركة
أحرز هذا المجال 3.6 نقاط في التقييم، وبذلك يكون هو المجال الأكثر تكاملاً ضمن
المجالات الخمسة. فقد أُعلن عن مشاريع تقدر قيمتها بمليارات الدولارات في
قطاعات النفط والغاز، والطرق، والسكك الحديدية، والكهرباء، مع انجاز العديد من
مراحل التنفيذ المهمة. ففي قطاع النقل، تخطط قطر والبحرين انشاء جسر وخط حديدي
عالي السرعة بقيمة 4 مليارات دولار ليربط بين الدولتين، كما تخطط سلطنة عمان
لانشاء طريق فائق السرعة لربط مسقط مع الامارات العربية المتحدة، وهو المخطط
افتتاحه بحلول عام 2015. وبوجه عام، تخطط دول مجلس التعاون الخليجي لانشاء شبكة
سكك حديدية بطول 2117 كيلومترا وبتكلفة تُقدر بحوالي 25 مليار دولار، بحيث
تُنفذ بحلول عام 2017. وتباشر كل من البحرين والكويت وقطر والسعودية اجراء
تعديلات اضافية كبيرة على مطاراتها القائمة، كما وقعت جميع الدول، باستثناء
السعودية، بعض اتفاقات الأجواء المفتوحة، بالرغم من انتظار مجلس التعاون
الخليجي لاتفاق أجواء مفتوحة يتيح حرية الحركة الكاملة للأفراد والبضائع في
المنطقة.
التعاون المعرفي
معظم مشاريع البنية التحتية هي مشاريع طموحة للغاية، فقد قُدرت قيمة الخطط
الحالية لمشاريع البنية التحتية في المنطقة بحوالي1تريليون دولار، في الوقت
الذي تعرضت فيه مشاريع الانشاء في المنطقة والعالم اما الى التأخير أو الالغاء.
لذا، يتعين على مجلس التعاون الخليجي دراسة تشكيل لجنة متابعة لمشاريع البنية
التحتية تتولى مسؤولية تقييم وتحفيز التقدم في انجاز مشاريع البنية التحتية
واسعة النطاق على المستوى الاقليمي. كما ينبغي على المنطقة الاستفادة من نجاح
مشاريع الربط على غرار توسيع شبكة الكهرباء لتشمل سلطنة عمان والامارات العربية
المتحدة بحلول نهاية عام 2011.
أحرز هذا المجال 2.3 نقطة في التقييم، مما يوضح أنه المجال الذي لديه الفرصة
الأكبر للتطور. فعلى المستوى الفردي، قامت دول مجلس التعاون الخليجي بانشاء
مؤسسات تعليمية جديدة وجذابة واستثمرت بشكل ضخم في مجال البحث والتطوير، كما
جرى انشاء مرافق في سلطنة عمان والسعودية وقطر تعمل على تطوير تقنيات جديدة
تتعلق بالرعاية الصحية والطاقة، في حين قامت الامارات العربية المتحدة بانشاء
هيئات جديدة مثل ”مصدر“ و ”دبي تكنوبارك“ لتحفيز الابداع من خلال البحث
والتطوير.
وعلى الرغم من تنفيذ هذه المبادرات، لم تحقق المنطقة بشكل عام رؤيتها الموضوعة
بشأن ايجاد منظومة تعليمية متكاملة عالية الجودة والتعاون في مجال البحث
والتطوير. وعلق سمّان قائلاً: ”لا توجد برامج مشتركة على مستوى دول مجلس
التعاون الخليجي فيما يتعلق بمحتوى وخدمات التعليم الرقمي، وبالرغم من أن انشاء
فروع للجامعات الأجنبية يجذب طلاب التعليم العالي من جميع أنحاء دول مجلس
التعاون الخليجي، فان المنافسة مع المؤسسات الاقليمية قد أعاقت التعاون المشترك
معها. وفي مجال البحث والتطوير، لم يقم مجلس التعاون الخليجي بانشاء معهد
اقليمي رائد للانفاق على جهود البحث والتطوير المشتركة على غرار ما فعله
الاتحاد الأوروبي، بالرغم من وجود مصالح اقتصادية واجتماعية مشتركة بين الدول
الأعضاء. لذا يتعين على مجلس التعاون الخليجي انشاء مؤسسة بحثية اقليمية مماثلة
لمجلس البحث الأوروبي (ERC) بهدف تعزيز المشاريع التعاونية وتمويلها وتقييمها.
كما تحتاج المنطقة الى اشراك القطاع الخاص في مشاريع البحث والتطوير من خلال
تقديم الحوافز التي تمنح الشركات فرصة المساهمة في جهود البحث والتطوير في دول
مختلفة.
التكامل الشامل لدول مجلس التعاون الخليجي
أحرزت دول المجلس معدل 2.9 نقطة كتقييم عام، وبذلك تكون دول مجلس التعاون
الخليجي قد جَنت الكثير من مزايا التكامل الوثيق منذ انشاء المجلس، الا ان
بطاقة الأداء المعنية بالقضايا الأساسية توضح أنه ينبغي الشروع في مزيد من
الأعمال قبل أن تصير المنطقة متكاملة تمامًا. ان وجود بيئة اقتصادية أوسع
نطاقًا ونظام مالي أكثر تنسيقًا سيسمحان لمجلس التعاون الخليجي باستغلال وفورات
الحجم، وجذب الاستثمارات الأجنبية المباشرة، والتفاوض بشأن الاتفاقيات المواتية
مع النظراء الاقتصاديين الأكبر حجمًا مثل الاتحاد الأوروبي. ومع تزايد حدة
المنافسة الاقتصادية العالمية، سيكون على دول مجلس التعاون الخليجي بذل قصارى
جهدها لتحقيق تكامل اقتصادي واسع النطاق الذي سيُمكّن الدول الست الأعضاء من
مواجهة التحديات الاجتماعية والاقتصادية المستقبلية على نحو أفضل.
علامات مضيئة على الطريق
1- نمو التجارة الخليجية البينية 10 أضعاف منذ تأسيس مجلس التعاون
2- نحو السماح بفتح فروع للشركات الخليجية لتعزيز حركة المواطنة الاقتصادية
3- زيادة غير مسبوقة في حجم الاستثمارات الإقليمية لاسيما بقطاع الاتصالات
4- استثمارات البنى التحتية المشتركة تشهد تطوراً في الطاقة والمواصلات