2011-07-19
عند حديثها عن مملكة البحرين تتعمد وسائل الإعلام الغربية الموجهة أو تلك التي
تتدعي الإستقلالية الإشارة بقوة إلى وجود أكثرية شيعية وأقلية سنية متغافلة (و
لا إخالُها غافلة) عن بقية خيوط النسيج البحريني الجميل المتوائم. وقد باتت هذه
النغمة النشاز من وجهة نظر كثير من البحرينيين أجندة واضحة تكمن خلفها دوافع
سياسية أيديولوجية عميقة تقودها الإيباك ولا ريب ولا شك ولا مراء في ذلك
وتمليها بالتالي على السياسات الأمريكية والغربية الخارجية لصالح (إسرائيل)
أولا وأخيرا وإنْ ظهر لذوي المصالح الآنية وللمغيبين غير ذلك. وفي زيارة للكاتب
إلى المملكة إستطلع خلالها بصورة عشوائية آراء عينة ممثلة للبحرينيين من
الجنسين وقد أجمعوا على صوت رجل واحد أن هذه اللعبة الإيباكية الغربية
الصهيونية الإسرائيلية قد تجاوزها الزمن البحريني بعد أن كادت في لحظة انفعال
غير محسوبة وطنيا أن تعصف بالنسيج البحريني المنسجم هارمونيا المتعايش سلميا
والمتصاهر عائليا منذ آلاف السنين ومنذ حضارتي أُوال ودلمون في ربوع هذه
الجزيرة الصغيرة التي لا يتجاوز حجمها مساحة الخمسمئة والخمسين كيلو مترا مربعا
فقط وهي بذلك تعد أصغر (من حيث المساحة العددية فقط) غير أنها أجمل دول الخليج
العربي قاطبة وإحدى أصغر (ومن حيث المساحة العددية فقط) بيد أنها من أروع الجزر
الحالمة في العالم، يحتضنها البحر كعروس يخشى عليها عريسها من نسمة الهواء
العابرة. ولولا الحدس والذكاء السياسي البحريني اللذان فوتا على الحلم الإيباكي
فرصة زعزعة الأمن الإجتماعي لأهل البحرين لَكانت منطقة الخليج العربي قد تم
جرها إلى حرب إقليمية أخرى تنعش من جديد صناعة الأسلحة الغربية ذات رؤوس
الأموال الصهيونية اليهودية وتدخل المنطقة برمتها في نفق مظلم آخر. ولعل الهدف
من الحملة الإعلامية الغربية هو دق إسفين بين أبناء البلد الواحد من ناحية ومن
ناحية أخرى محاولة زج دول الخليج في حرب بالإستعانة بالغرب مع الجار الجيو
تاريخي والقدَري إيران لإضعافها خدمة لأمن إسرائيل المهدد زعماً.
ومع أن التركيبة الإجتماعية في الغرب تشتمل على مسيحيين كاثوليك وبروتستانت
وأُرثودوكس وطوائف متباينة من اليهود مثلا فإن وسائل الإعلام الغربية لا نجدها
تشير من قريب أو من بعيد إلى الغمز من قناة أي من تلك الأطياف الدينية في حالة
حدوث قلاقل أو إحتجاجات في أي من البلدان الغربية. فمثلا عندما فجر تيموثي
ماكفييْ مبنى فيدراليا في الولايات المتحدة الأمريكية عام أربعة وتسعين لم تتم
الإشارة إلى كون الفاعل مسيجيا. وعليه فإن الحالة الخليجية والبحرينية منها
بالتحديد ليست إستثناء ولا خروجا عن القاعدة عندما توجد في تركيبتها الإجتماعية
أطياف متعددة وهو أمر طبيعي إنساني بشري عام. وأما الثورة الشعبية التي حصلت في
البحرين فقد كانت طبيعية ومشروعة ومستوحية نفَسَها من الثورات الشعبية العربية
الأخرى ولولا رياح الطائفية التي تطفلت عليها في لحظاتها الأخيرة من قِبل أقلية
لا حكم لها في الشارع البحريني وأجهضت مطالبها العادلة في الحرية والعدالة
والمساواة وهي ثورة أو انتفاضة لم تقتصر على طيف واحد فحسب وهي تحدث في تاريخ
وعمر الشعوب وربما هي مرحلة دُقت فيها الأجراس لتعديل المسار الإجتماعي في
أجواء زادت فيها الفجوة بين الحكومة والناس في البحرين وفي بقية بلدان الخليج
بدرجات متفاوتة بحكم تمكن كثير من أفراد البطانة من عزل الحاكم عن هموم الناس
وعن نبض الشارع لجهة مصالحهم التجارية والإمتيازية المتعددة الأخرى وارتهان
بعضهم لجهات أجنبية على حساب مصالح الوطن.
ولمن لا يعرف البحرين فإنها على صغرها الرائع وفقرها النسبي مقارنة بجاراتها
الخليجيات أول من صدَّر الحضارة والإشعاع المعرفي والعلمي لكل بلدان الخليج
العربي. فهي تاريخيا كانت وما تزال رغم كل محاولات أو مؤامرات الإجهاض منارة
إشعاع ثقافي وتعليمي وصناعي وسياسي ديمقراطي واقتصادي مصرفي بنكي. فمثلاً
البحرين هي أول من أوقدت شعلة التعليم في منطقة الخليج العربي وقادت التعليم
بإصرار واستماتة رغم كل المعوقات الداخلية والخارجية ثم تبعتها بلدان الخليج
العربي الأخرى بعد ذلك بسنوات. وهي أول بلد خليجي نقبت عن النفط وصدرته رغم
أنها الآن نسبيا أفقر دول الخليج العربي نفطيا. ومملكة البحرين هي أول بلد
خليجي ظهرت فيها المصانع. ولعلنا نضرب مثلا هنا بمصنع الألومنيوم الذي كانت
ولادته عام 1969.
وهي أول بلد خليجي رادت فيه المرأة مجال العمل العام. فقد كان في مصنع
الألومنيوم عام 1972 أكثر من خمس وعشرين مهندسة بحرينية. كنَّ يرتدين الخوذة
على رؤوسهن ويُدرن العمل الصناعي. وأسست البحرين للصناعة مدرسة هي الأولى من
نوعها في الخليج العربي تخرج فيها صناعيون بحرينيون جهابذة أفذاذ أرسوا البنية
التحتية للصناعة البحرينية والخليجية وإن لم تستفد دول الخليج العربي الأخرى من
الخبرات البحرينية بشكل كافٍ للأسف وفضلت عليها الخبرات الأدنى منها من
الآسيويين والغربيين تنفيذا لأجندات مفروضة من الخارج ومضرة بمصالح الخليج
العربي وبأمنه الوظيفي والمعيشي وبأمنه التكاملي بين دوله. لقد كانت البحرين
منذ السبعينات قادرة على أن تكفي نفسها (الإكتفاء الذاتي) وفوق ذلك أن تكفي
بلدان الخليج العربي مؤونة الإستعانة بالعمال المهرة والمتخصصين من الغرب ومن
الشرق بَيْدَ أن عقم السياسات في دول الخليج العربي الأخرى والأحقاد الإقليمية
والحساسيات السياسية حالت دون ذلك. والبحرين هي أول دولة خليجية أنشأت
الجامعات، فمن كلية الخليج الفنية الرائدة ومن عباءتها خرجت جامعات البحرين
واقتدت بها دول الخليج العربي الأخرى. وكما كان في مصنع الألومنيوم، كانت
المرأة البحرينية بدءاً من عام 1972 محاضرة وإدارية أكاديمية في وقت كان فيه
خروج المرأة للعمل العام في دول الخليج العربية الأخرى من المحرمات وتابوه مع
استثناء الكويت إلى حد ما. وماذا بعدُ؟ البحرين أول بلد خليجي ظهرت فيه الثورات
الشعبية ضد المخرب (وليس المستعمر) الإنخليزي وأول بلد خليجي دعا إلى
الديمقراطية المتلائمة مع ثقافة أهل الخليج وأول بلد خليجي برزت فيه وتفاعلت
التيارات العالمية المعاصرة الوجودية والعلمانية والليبرالية والشيوعية
والإشتراكية. ولعل نفي الإنجليز للبطل البحريني الراحل عبد الرحمن الباكر أحد
رموز الحركة الشعبية ضدهم إلى لبنان حيث توفي في حارة المشايخ بجبل الدروز
اللبناني بعاليه عام 1971 خير دليل على ذلك. والبحرين هو أول بلد خليجي تبلورت
فيه الكتابات الشعرية والأدبية الناقدة وظهرت فيه مؤلفات تنقد الواقع العربي
الراهن. وقد كان من رواد هذا المضمار الشاعر عبد الرحمن المعاودة والشاعر قاسم
حداد والشاعر علي عبدالله خليفة والشاعر عبد الرحمن رفيع واليساري العتيق
المفكر محمد حسين كمال الدين والمفكر والوزير الراحل يوسف الشيراوي والدكتور
محمد جابر الأنصاري وغيرهم كثير. ولمن لا يعرف البحرين فإن البحرينيين جميعا
وبلا استثناءٍ رغم ضيق ذات اليد وبؤس الحال هم أكرم أهل الخليج طراًّ وأكثرهم
أخلاقا وسماحة، يصرون بتلقائية وعفوية لا حدود لها ولم ألحظها في أي مجتمع آخر
على استضافتك في بيوتهم ويقدمون لك كل ما لديهم بسيكولوجية من لا يخشى الفقر
والحاجة والفاقة ولا يرجون منك جزاء ولا شكورا. وتتميز اللغة العربية الدارجة
لأهل البحرين بالهدوء والوداعة والود واستطيع أن أصف أهل البحرين بأنهم أهل دم
خفيف وأصحاب دعابة وفكاهة لا يمل المرء مجلسهم أو مجالستهم وهو ما يندر أن
تواجهه في بلدان الخليج العربي الأخرى. إنه شعب متحضر راقٍ بكل المقاييس
والمعايير ولذلك يُراد تدميره وتدمير بلده.