gulfissueslogo
د.محمد فخرو
الحوارات الوطنية العربية: إلى أين؟
د. محمد علي فخرو

06-07-2011
تعددت الدعوات لإجراء حوارات وطنية في العديد من أقطار الوطن العربي: في سورية وليبيا واليمن والأردن والبحرين، ولكن حتى في الأقطار التي نجحت فيها الثورات مثل مصر وتونس توجد دعوات مماثلة لإجراء حوارات بين مختلف قوى الثورة. الهدف في جميع الحالات هو الإتفاق على النقاط الكبرى التي ستقوم بموجبها الحياة في تلك المجتمعات وذلك للتخفيف من الصراعات والاختلافات التي أنهكت الشعوب والأنظمة على حدٍّ سواء.
أي حوار يمكن أن يأخذ واحداً من أشكال ثلاثة: حوار يقتصر على تبادل المعلومات، حوار للتشاور، وحوار للتفاوض، أو أن يجمع بين أكثر من شكل واحد. أما الحوارات الوطنية، وهي عادة بالغة التعقيد، فإنها يجب أن تجمع بين الأشكال والمراحل الثلاثة / تبادل المعلومات، التشاور من أجل التفاهم، ثم التفاوض من أجل إتخاذ القرارات والوصول إلى أسس تحكم الحاضر والمستقبل.
ولقد كُتب الكثير عن الشروط التي يجب أن تتوفٌر لنجاح أي حوار. من أبرزها أن يتخلى المتحاورون عن أحكامهم السابقة ويكونوا على استعداد لتبني أحكام جديدة، وأن يعتبر المتحاورون بعضهم بعضاً كزملاء متعاونين، وأن يوجد في جميع الأحوال قائد للحوار يقوم بتقريب وجهات النظر والمساعدة على التفاهم بين المتحاورين وذلك بشكل حيادي وموضوعي غير منحاز على الإطلاق.
لكنَّ الحوارات الوطنية، التي تنعقد في أجواء الحراكات الشعبية التغييرية الكبرى في طول وعرض الوطن العربي والتي ستحدد معالم المستقبل العربي، تحتاج، بالإضافة إلى ما سبق من شروط عامة، لشروط أخرى بالغة الأهمية.
أولاَ: لما كانت الحوارات الوطنية تجري بين الأنظمة السياسية الحاكمة من جهة وبين مختلف مكونات وقوى المجتمع من جهة ثانية، فان سلطات الدولة تحتاج أن تقبل بالتعامل مع المعارضة على الأخص كندِّ مساوٍ لها، تسأل فيجاب عليها، تقترح فيستمع إليها، ترفض فيؤخذ ذلك بعين الاعتبار. والنديًة لا تنطبق على القوى الموالية للنظام السياسي من التي تُدعى لحضور الحوار، فالنديُة تفترض الاستقلالية والقدرة على المواجهة، وهو ما لا يتوافر في هذه القوى الموالية.
ثانيا: هناك نقاط مفصلية تعتبر مفاتيح لأيِّ حوار. في الوطن العربي تتمثل هذه النقاط في إزالة تامة لكل مظهر أو قانون أو تنظيم يسمح بوجود الاستبداد، وفي إحلال العدالة والمساواة والحرية مكانها. إذا لم تحل تلك الإشكالية، لتكون مدخلاً لهيمنة سيادة أخرى ومصالحها على مصالح ضيقة فئوية أخرى، فإن الحديث عن الجوانب النفعية من مثل الإسكان والأجور وخدمات الصحة والتعليم وغيرها لن يكون أكثر من لغوِ عبثي عن حلول مؤقًّتة.
ثالثا: وإذن فان الحلول السياسية هي الطرق لحلُ كل المشاكل الأخرى. فبدون الاتفاق حول الدساتير والشرعية وأنظمة الحكم والعلاقات بين السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية والإعلامية فان الحلول لقضايا الاقتصاد والاجتماع والثقافة ستكون حلولاً مشوهة أو عاجزة أو تصبُ في صالح أقليات محدودة، ولأنُ القضايا السياسية هي الأهم فان دعوة كل من هبً ودب سيساهم في تشتيت النقاش وتشويه الأولويات ودخول المتحاورين في متاهات.
رابعاً: إن الدًاعي لإجراء الحوار هو وجود وجهات نظر غير متطابقة بين نظام الحكم وبين قوى مجتمعية معارضة. فالحوار يجب أن يتركٌز حول نقاط الخلاف ولا يضيع الوقت حول نقاط الاتفاق. فمن سيختلف حول أهمية المحافظة على البيئة أو إيجاد العمل للشباب أو حل مشاكل الإسكان أو مساعدة المعوقين حتى يصبح جدول أعمال الحوار سلطة تحتوي على كل نوع يوجد من الخضار والفاكهة والمكسرات' نقاط الخلاف واضحة: إنها حول إقامة نظام حكم ديمقراطي عادل منبثق من إرادة الشعب وخاضع لمساءلته وذلك في وجه نظام استبدادي ظالم منبثق من إرادة فرد أو أقلية وغير خاضع للمساءلة.
الهدف من الحوار في الوطن العربي ليس أحجية، إنه واضح وضوح الشمس، وله اسانيد تاريخية كثيرة.

القدس العربي

copy_r