gulfissueslogo
التغيير في مواجهة التقسييم .. من يسمع ؟!
ماس آل محمد

 في معمعة تخبط "خبراء" شئون السياسة الأمريكية الخارجية, ابتداءا من رئيس الادارة الحالية المستر بوش", مرورا بالكونغرس الأمريكي ذو السلطة التشريعية والمسجل به رسميا -وحده- 54 لجنة ضغط (لوبي) مؤيدة لاسرائيل أو تعمل لصالحها, وانتهائا بأقل مذيعة تلفزيونية ومنظرة سياسية سطحية بقناة "فوكس" أو "سي إن بي سي" الاخبارتين .. وفي معمة ذلك, خرجت علينا دعاوي لم تكن في الحُسبان, تطالب بتقسيم دولة لها وحدتها التاريخية وسيادتها الوطنية وقيادتها الاقليمية, أو تقسيم ( المملكة العربية السعودية ) .. 
 
وبغض النظر عن كون تلك الندائات مجرد فرقعات هوائية سيذيبها الزمن في صمت, وبغض النظر عن التحليلات التي تجد في تلك التصاريح -تصاريح التقسيم- مجرد أدوات ضغط سياسية لتسهيل امكانية ضرب العراق, أو تحجيم الدعوة الوهابية السعودية, أو حتى لـ ابتزاز جهة ما خفية .. فتصاريح التقسيم تلك - وإن كانت صادرة من جهات غير رسمية وغارقة في الممارسات المشبوهة - يجب أن تأخذ على محمل من الجد .. وياحبذا أن نكون مخيرين هنا لامجرد مسيرين كما نكبنا فقهنا العثماني الموروث ذات مرة, وألا نكتفي بالمشاهدة ومن ثم نبكي على لبن قد يُسكب, وعلى أرض قد تُقسم, وعلى أطماع خارجية قد يكتب لسير تخططيها النجاح ..! 
 
 
 
لكن .. لا دخان بلا نار .. وعلينا كدولة - حكومة وشعبا - أن نكون على مستوى الحدث, وفي قمة المسؤولية, وأن نقف بشدة أمام أي خطوة حمقاء قد يكتب لها الوقوع على أرض الواقع؛ على أن وقوفنا لايكون بمواجهة الشبح والتورنيدو الأمريكيتين بالخنجر الجنوبي, ولا بالدعوات المكّية في مقابل خطط جيش شرطي العالم وقوته العسكرية الوحيدة, ولابمقاطعة منتجات من سيجمد أرصدتنا الخارجية, ولا بايقاف ضخ البترول من أراض قد تُبدل سيادتها في ليلة وضحاها .. بل ان المواجهة يجب أن تكون (( بالتغيير )) الداخلي وحده, وبشقيه من اصلاح وتنمية .. وليس على حكومتنا إلا اشعال فتيل المبادرة, فالتوجه المقترح - أي التغيير - لم يعد مجرد شعارات ترف أو مجرد شهوات شعبية لـ تطبيق كمالية من كماليات الحياة المعاصرة, انما ضرورة سياسية حتمية, وطوق نجاة في عالم القوة هذا .. (( .. إن الله لايغير مابقوم حتى يغيروا مابأنفسهم وإذا أراد الله بقومٍ سوءً فلا مرد له ومالهم من دونه من والٍ )) ..
 
 هنا على السياسي أن يعجل في تشريع واطلاق مبادرات اصلاح وتنمية عاجلة, تتضمن محاور الاصلاح الديني, الاقتصادي, الاجتماعي, والسياسي .. وعلى الدولة أن تتبنى تنظيم برامج وخطط ولجان تطوير عليا تهتم بشأن نشر الوعي الثقافي الحضاري, ونشر ودعم الفكر الاسلامي المعتدل .. 
 
- في مجال الاصلاح الديني, علينا أن ندرك حساسية هذا الشق من الاصلاح, لكون الاصلاح الديني هو الطريق الأهم للإصلاح العام, فإن ماتعانيه دولتنا اليوم من تشتت ونفور بين أبنائها, مرده الى التعصب الشديد. مثل دعوات ذلك المذهب المتأخر الظهور والمُصّر على تكفير بعض أتباع المذاهب الأخرى وتبديعهم.! 
 
وفي سبيل الاصلاح الديني, فعلى الدولة تبني أسس وقواعد فقه الاختلاف, بـ اعادة هيكلة مذهب الدولة الرسمي ليشمل آراء المدارس الفقهية الخمسة (الحنبلي, الحنفي, الشافعي, المالكي, الجعفري) ومذاهب الأصول ( العقائد ) الثلاثة جميعها ( الأشاعرة, الماتريدية, وأهل الحديث)؛ مؤسسين بذلك نواة لمدرسة فقه اختلاف تجمع جميع المدارس الفقهية والعقائدية في مظلة واحدة واضعة استراتيجية اتحاد الأهداف نصب أعينها, على أن تكون هيئتها بتجميع علماء المسلمين ليحددوا ماهي الأمور المتفق عليها والأمور المختلف عليها, منهين بذلك عصر التفرق والاقصاء والفوضى والفتنة .. على أن تلك الهيئة يجب أن تطول في نتائجها جميع برامج المؤسسة الدينية الرسمية, ابتدائا من فتاوي هيئة كبار العلماء, مرورا بالخطاب الديني, ودعوات الارشاد, وانتهائا باصلاح التعليم ومناهج التعليم الدينية .. 
 
وعمل كهذا كاف للنهوض بالأمة الاسلامية كلها لا بالدولة السعودية وحدها, فالسعودية من حيث وقوع الحرمين الشريفين بين أراضيها, تعتبر ولاشك الأب الروحي للاسلام والمسلمين, وأي اصلاح ديني يقصد به صلاح مكة والمدينة دينيا, يعني صلاح أمة المليار جميعا وتوحيدهم .. كما أن تلك التعددية - والتي هي من صميم المنهج الاسلامي على فكرة - ستأصل لمبادئ الحوار والتسامح وقبول الآخر واحترام الفروقات ونبذ التطرف والتشدد والاقصاء .. فالتاريخ الاسلامي لم يعرف تشددا بالذي انتهى على شكله الأخير مؤخرا من تطرق وغلو مستهجنين..
 
 إن اصلاح ديني كالمشار اليه, كاف لمكافحة التطرف والتفرق والاقصاء والفوضى الدينية وبقية الأمور المذمومة, فمكافحة التطرف لا تكون بالسلاح؛ وإنما بنشر العلم ومنح الحقوق المتساوية لجميع المذاهب .. والاصلاح الديني المطلوب عليه التحذير كذلك من بعض أدعياء الدين "المغالين" ( وهابيين سلفيين, صوفين. أو شيعة كانوا ), وعليه تنوير أذهان الأتباع من خطأ تقديس الشيوخ أو الأقطاب أو الآيات, رغبة تصحيح المسار, وأن الحق لايعرف بالرجال, وانما يعرف الرجال بالحق .. 
 
يقول الامام ابن تيمية: ( من جعل طريق أحد من العلماء والفقهاء أو طريق أحد من النساك أو العباد أفضل من طريق الصحابة فهو مخطئ ضال مبتدع: ومن جعل من كل مجتهد في طاعة أخطأ في بعض الأمور مذموما معيبا ممقوتا, فهو مخطئ ضال مبتدع ) ( محموعة الفتاوي 11: 15 ) .. واستشهادي بقول ابن تيمية السابق, يأتي في سياق التأكيد على أن بداية الاصلاح الديني تنطلق من منح الحرية الدينية والحرية المذهبية, وإعطاء الحقوق المتساوية لجميع أهل الاسلام في أن يقولوا رأيهم من دون قيد أو كبت أو اقصاء. وأن لا يعيب مجتهد على مجتهد, ولايعيب مقلد على مقلد, وأن نشيع نسمات التعاون والاخلاص والحوار العلمي الهادف واحترام الفروقات, وألا يكون هناك تسلط بادعياء السلفية .
 
إن الاصلاح الديني هو الأساس الذي يجب أن تبنى عليه بقية الاصلاحات, أما أن يتحكم البعض كما هو حاصل الآن, فإن هذه السياسة أثبتت فشلها الذريع على مر التاريخ الاسلامي .. ففي الدولة العباسية السابقة وحين حكمت المعتزلة في غيرهم من المذاهب الأخرى وأقاموا ما أقاموا من مذابح وتعذيب لعلماء وأئمة المذاهب الأخرى المعتبرة, ونفوا الشيعة نفيا تاما, أدى ذلك الى قيام الدولة ( البويهية ) على أساس المذهب الشيعي والمنفصلة من جسد الدولة الاسلامية العباسية الأم ( !! ) .. فهلا أعدنا قراءة تاريخنا الاسلامي ياسادة ؟! 
 
إننا لن نستطيع أن ندخل القرن الحادي والعشرين ونواجه دعوات ومخاطر التقسيم بهذا التفتت وهذا التجزؤ, وهذا الكيد والتدبير والاتهام الذي يكيله البعض للبعض .! بل انه لابد من العودة الى الوسطية والاعتدال اللذين كانا من أهم الأسس والمبادئ التي قامت عليها الشريعة الاسلامية السمحة . ولنعلم أن الاختلاف ليس أمرا طارئا أو مبتدعا في الاسلام, وانما كان هناك اختلاف علمي يقع في زمن الصحابة والتابعين .. 
 
- ثانيا: الاصلاح الاقتصادي: وهو العامل المهم الذي يجب ألا نسقطه بأي شكل من الأشكال, لدوره البارز والمهم في تشكيل أخلاق المجتمع ( كاد الفقر أن يكون كفرا ) .. فالفقر يؤدي الى شك الفقير في عدالة ربه, ولا أبلغ من قول الامام علي كرم الله وجهه حين قال ( لو كان الفقر رجلا لقتلته ) وقوله ( عجبت لجائع كيف لا يخرج صائلا على الناس بسيفه ) ..! والتاريخ الانساني يخبر بمئات قصص الثورات والانقلابات التي غذّاها جوع الشعب وتعرضه للاستبداد المادي .. فثورة الزنوج كان لها عامل اقتصادي, والقرامطة وصلوا الى حد الشيوعية واباحة النساء لسبب اقتصادي, حتى أن الخوارج كان الفقر والعوز سببا في خروجهم ..
 
إن النظام الاسلامي أخذ في الاعتبار هذه الأمور وحث على الانفاق, كما حث على المساواة والعدالة في توزيع الموارد, وحذر من أن يكون المال دولة بين الأغنياء .. وما الزكاة والكفارات والصدقات والحث على الانفاق الا أوجه لاهتمام الاسلام بالجانب الاقتصادي واستشعاره لمخاطره الاجتماعية والدينية, وما هواجس ابن حزم وابن تيمية الأولى في العدالة الاجتماعية والتكافل الاجتماعي الا مثال بليغ .. 
 
ان الاصلاح الاقتصادي الذي نصبو اليه يرتكز على أسس منها, عدالة التوزيع, منع الاحتكار, تحريم الربا واقرار المضاربة المشروطة التي أقرها فقهاء الاسلام المعاصرين عوضا عن ذلك ( نظم الاسلام في التمويل ), محاسبة المتسببين في جرائم التسيب المالي والاختلاس وهدر المال العام, انشاء بنوك للفقراء للانفاق والتمويل, هيكلة نظام الجباية, تحقيق عناصر التنمية الاقتصادية من استقطاب الاستثمارات الأجنبية والداخلية, والغاء أشكال البيروقراطية, وتشريع التشاريع المطلوبة للنهوض بالاقتصاد المحلي وتخطي مخاطر تفاقم الدين العام والانطلاق بالتالي للتنمية والنمو, توطين التقنية وتشجيع الصناعات واستثمارات الصناعات, المضي سريعا في برامج الخصخصة والهيكلة الادارية الحكومية.. الخ . 
 
- ثالثا: الاصلاح الاجتماعي: وينطلق الاصلاح الاجتماعي من تحقيق المبادئ الآتية: من توفير حق العمل, وحق العلم والمعرفة, وحق الرعاية الصحية, وحق السكن, وحق الفئات المجتمعية المتعددة, وحق المواطنة, وحق تكافؤ الفرص, وحق المرأة في العمل, وحق حرية الرأي, وحق الحرية الدينية, وحق حرية الفكر, وتحرير المرأة من مظالم الجاهلية, وازالة الطبقات والتفاضل حسب المناطق بين أبناء المجتمع, الخ .. 
 
- رابعا: الاصلاح السياسي: وعلى السياسي اصدار تشريعات عاجلة, تطبق المنهجية الديموقراطية, وبرامج الغرب السياسية الايجابية .. وبالذات فيما يخص: بفصل السلطات الثلاث, التنفيذية والتشريعية وفصل القضاء .. وباقرار مجلسي شعب ( تمثيليتن برلمانيتين ) يتم الاتفاق على طريقة عملهما لاحقا .. وباقرار حقي الترشيح والانتخاب في مجلس من أؤلئك المجلسين .. وبالغاء كل أشكال التمييز سواء حسب العرق أو اللون أو المذهب أو الجنس .. وبانشاء محكمة دستورية عليا بالبلاد .. وباصلاح القضاء والاعلام وسبل الممارسة السياسية لأبناء الشعب .. تحديد واجبات وحقوق الأمة والحاكم باصدار دستور معاصر ليس القرآن ولكن لايعارض أحكام القرآن البتة .. تطبيق مواد الاعلان العالمي لحقوق الانسان والذي أقرته الجمعية العامة للأمم المتحدة في ديسمبر 1948 .. كفل الحريات من حرية مدنية وحرية دينية وحريات الأقليات فيما لايعارض منهج الاسلام العظيم في هذا الجانب..
 
 
 
وماهذا الا غيض من فيض, ودعوة في سبيل العلاج, وطريق لمواجهة مخاطر ودعوات التقسيم الحالية أو الانفصال المستقبلية .. والله ثم الوطن من وراء القصد ..
 
 
 
ماس آل محمد - جدة 10/8/2002
 
 

copy_r