2011-06-05
ثمة من يقول ان في داخل إبستمولوجيا الثورة نظريتين متناقضتين احداهما تتحدث عن
مقولة 'الثورة تأكل أبناءها' باعتبارها مسلمة لا يمكن نقضها، فيما تحاول الأخرى
أن تجعل منها حراكا إيجابيا متجددا، حتى وإن شابها الكثير من البطء في الحركة،
لكن يبدو أن ذلك الفهم لا ينسحب أبدا عما يجري من ثورات خلف الكواليس في أوساط
الأسرة الحاكمة في الكويت، فهي تحتفظ بآلياتها الخاصة بعضها محدود والآخر له
تداعيات لا تتوقف في أغلب الأحيان حتى تحقق أهدافها.
لم يكن هذا الصيف عاديا بالنسبة للمشهد السياسي في الكويت، بل كان مختلفا بكل
المقاييس بدءا بالاستجوابات المتبادلة بين رئيس مجلس الوزراء الشيخ ناصر المحمد
ونائبه وزير الدولة لشؤون التنمية الإدارية الشيخ أحمد الفهد، التي دفعت
الحكومة للاستقالة في نهاية شهر آذار/مارس الماضي على خلفية ضغوط مارسها وزراء
الأسرة الحاكمة في الحكومة في ذلك الوقت، ومرورا بعودة وزير الديوان الأميري
الشيخ ناصر صباح الأحمد إلى البلاد بعد رحلة نفي اختياري احتجاجا على الأوضاع
الخاطئة، وانتهاء بجلسة مجلس الأمة يوم الثلاثاء الماضي عندما خرج صراع المحمد
والفهد إلى العلن.
كان هناك دائما تنافس وخلافات بين أبناء الأسرة الحاكمة، لكنه كان تنافس أجنحة
لتحقيق مواقع متقدمة في لعبة السلطة، خاصة بين ما يسمى جناحي (السالم، الأحمد)
ولم يكن يوما ما صراعا حادا تجاوز كل الخطوط الحمراء التي وضعتها الأسرة
الحاكمة حدودا للتنافس فيما بين أبنائها حتى انفرد في لعبة السلطة تلك جناح
الأحمد ليتحول التنافس إلى صراع، وهو ما جرى في جلسة مجلس الأمة الماضية، عندما
استخدم رئيس الحكومة الشيخ ناصر المحمد (جناح الأحمد) ما يملكه من تحالفات
وأدوات (أموال، نواب، وسائل إعلام) لإحراج نائبه الشيخ أحمد الفهد (جناح
الأحمد) تمهيدا لإخراجه من التركيبة الحكومية، من دون أن يأبه لتداعيات مثل ذلك
الصراع العلني على الساحة المحلية وربما الإقليمية.
الشرارة الأولى في هذا الصراع حسب أصحاب نظرية المؤامرة، بدأت عندما أعلنت كتلة
العمل الشعبي البرلمانية وهي تمثل الطبقة الوسطى في البلاد عن نيتها توجيه
استجواب إلى رئيس الحكومة الشيخ المحمد على خلفية تجاوزات مالية وإدارية، لكنها
ربطت تلك الخطوة بإعطاء الأولوية لكتلة العمل الوطني وهي ممثلة طبقة التجار في
مجلس الأمة الكويتي لتوجيه استجواب أعلن عنه أكثر من مرة من جانب تلك الكتلة
لنائب رئيس الحكومة الشيخ الفهد، مما شكل إحراجا للأخيرة ودفعها دفعا إلى تقديم
استجوابها.
الشرارة الثانية حسب أصحاب تلك النظرية أيضا إعلان نيابي عن توجيه استجوابين
إلى وزيري الخارجية الشيخ د. محمد الصباح (جناح السالم) ووزير الإعلام الشيخ
أحمد العبدالله (جناح الأحمد)، بالإضافة إلى استجواب الشيخ الفهد، مما دفع
الثلاثة إلى التحريض على استقالة الحكومة واستبعاد الشيخ المحمد ضمنيا من قيادة
الحكومة، باعتبار أن عدم قدرته على إدارة الحكومة هو المسؤول عن توجيه مثل تلك
الاستجوابات، وكانت استقالة الحكومة ثم إعادة تكليف الشيخ ناصر المحمد نفسه
بتشكيلها.
أبرز تداعيات المشهد السياسي الجديد على الصعيد المحلي هو تزايد نفوذ مؤسسة
الفساد واتساع سيطرتها على مفاصل النشاط الاقتصادي من خلال انحيازها لطرف رئيسي
ومؤثر ويمتلك من النفوذ الكثير في لعبة الصراع تلك، وهو ما عبرت عنه قرارات
صدرت عن الحكومة من أجل تعزيز قبضة تلك المؤسسة على هيئات ومؤسسات حكومية كثيرة
تشمل القطاعات النفطية والخدمية، والخوف أن يكون ذلك على حساب الطبقة الوسطى،
مما يؤشر إلى قلاقل وعدم استقرار كما جرى في دولة البحرين خلال الفترة الماضية.
التداعي الثاني محلي أيضا ويكمن في ظاهرة رجوع المواطن الكويتي إلى التكوينات
الأولية لقيام المجتمع وهي الطائفة والقبيلة والعائلة بعدما غابت مظاهر الدولة
خلف ذلك الصراع للاحتماء بها في مواجهة أية تطورات محتملة، وهو أمر سيؤدي إلى
استهلاك كل ذلك الرصيد التراكمي من الحراك الديمقراطي، بالإضافة إلى أنه يمكن
أن يكون مؤشر صارخ على عدم 'ثقة' المواطن في قدرة الأسرة الحاكمة على قيادة
المرحلة المقبلة، وتحديدا بعض الرموز داخلها.
التداعي الثالث إقليمي ويرتبط بانفتاح الصراع على القوى الإقليمية المؤثرة في
المنطقة، خاصة إن بعضها لديه خصومة مع المشروع الديمقراطي في الكويت ويبحث عن
فرصة من أجل تصفيته، وبالتالي إعادة صياغة الإقليم وفق مفاهيم القوى المتخاصمة
مع المشروع الديمقراطي القائمة على الانفراد بالقرار وتهميش القوى المجتمعية
الأخرى، وهو ما يشكل تهديدا حقيقيا للكويت ككيان، حيث حافظت منذ استقلالها على
تميزها الديمقراطي في ما بين ثلاث دول إقليمية عظمي، هي المملكة العربية
السعودية والعراق وإيران.
مقولة 'الثورة تأكل أبناءها' تؤشر إلى واقع تراجيدي خبرته كل الثورات في العصر
الحديث أمثال الثورات الفرنسية والروسية والإيرانية والمصرية فقد نجحت تلك
الثورات في ترسيخ تلك المقولة، لكننا في الكويت نعيش واقعا جديدا يمكن أن يكون
بداية لترسيخ مقولة جديدة تتمثل في أن 'الأسر الحاكمة تأكل أبناءها' ومن بين
تلك الأسر الأسرة الحاكمة في الكويت.