19-05-2011
ما جرى في مملكة البحرين بدءا من كانون الثاني/يناير الماضي من أحداث حمل
الكثير من المدلولات، التي ينبغي علينا التوقف عندها كشعوب خليجية في قراءة
موضوعية، لسببين أولهما حتى لا تستمر تلك الأحداث جرحا ينزف في خاصرة الخليج
العربي سيؤدي إذا استمر في النزيف إلى تكريس أجواء التطرف المذهبي على حساب
التطور الديمقراطي المنشود. وثانيهما أن هناك فرصة 'يتيمة' للبدء في مراجعة
ذاتية لما جرى مهما كانت تلك المراجعة مؤلمة في أوساط المشاركين فيها، خاصة
التنظيمات السياسية الشيعية لكونها تتحمل العبء الأكبر مما جرى.
في هذا السياق لابد من التذكير بأن المطالب التي طرحت خلال الأحداث تحمل قدرا
كبيرا من الإقناع، وهو أمر أكد عليه ولي العهد البحريني الأمير سلمان بن حمد آل
خليفة في مبادرة سميت 'مبادرة الحوار الوطني'، وجرى تحديد ست نقاط تعبر عن تلك
المطالب وتتمثل في إعادة النظر في الدوائر الانتخابية الحالية، ومراجعة ملفات
التجنيس، ومحاربة الفساد المالي والإداري وتوسيع صلاحيات البرلمان وإعادة النظر
في الصيغة الحكومية الحالية، لكن ما جرى من أحداث لاحقا خرج عن إطار الحوار بين
طرفين إلى موقع يريد أحد الأطراف فيه إقصاء الطرف الآخر، كما يمكن التذكير بأن
الحالة البحرينية ليست حالة خاصة بحد ذاتها، بل هي حالة عامة تعاني منها كل دول
الخليج العربي، مما جعل منها نموذجا قابلا للتعميم في حال نجاحه في إرساء عقد
اجتماعي جديد يتضمن كل تلك المطالب.
عندما بدأت الأحداث كانت محل متابعة وتدقيق من جانب شعوب دول الخليج الست،
لكونها فرصة تاريخية لإعادة صياغة الأوضاع السائدة على الأصعدة السياسية
والاقتصادية والإجتماعية في تلك الدول، باستثناء دولة الكويت ربما لأنها قطعت
نصف الطريق نحو الديمقراطية، بعكس دول الخليج الأخرى، وقد كان تحركها ضمن توافق
وطني ضم كل مكونات المجتمع البحريني بلا استثناء، استنادا إلى 'معقولية'
المطالب المطروحة للنقاش والحوار، لكن تدخلات القوى المقاومة للتغيير تمكنت من
دفع مجموعة قليلة لكنها متطرفة للعبث بمثل ذلك الملف الوطني.
أدت تصريحات ولي العهد البحريني الأمير سلمان بن حمد آل خليفة حول الحوار
الوطني ووفقا لخطة واضحة ومحددة إلى خلق أجواء من التفاؤل في أوساط القوى
المؤيدة للديمقراطية في كل دول الخليج، وكانت تلك القوى تثق في قدرة الأمير
سلمان على 'بلورة' تصور يمكن أن يجمع عليه كافة مكونات المجتمع، رغم أن أطراف
الحوار سواء السني أو الشيعي من القوى والتنظيمات السياسية يغلب عليها الطابع
الإسلامي، وهي قوى تثير تحفظات شعبية هنا وهناك بحكم موقفها التاريخي من
الديمقراطية كمشروع نهضوي ومحاولاتها لاستبداله بمشاريع أخرى لا تحقق الحريات
والعدالة وتكافؤ الفرص بين المواطنين، وهناك من التجارب الكثير مما يؤيد مثل
هذا الاتجاه.
من أبرز مدلولات أحداث البحرين غياب الصوت المعتدل وتمثله عدة تنظيمات سياسية
في البحرين، مثل جمعيات المنبر الوطني الإسلامي والأصالة الإسلامية والوفاق
الوطني والعمل الوطني الديمقراطي، وهو أمر يكاد يكون لصيقا بالثقافة العربية
أمام الصوت المتطرف الذي كانت تمثله ثلاث جمعيّات هي 'تيار الوفاء الاسلامي،
حركة حق، وحركة أحرار البحرين' رغم أنها لم تكن تملك الأغلبية التي تخولها
الحديث نيابة عن الجمهور الشيعي.
ففي حين كانت تدعم الأولى المطالب الستة التي أعلن عنها ولي عهد البحرين الأمير
سلمان بن حمد آل خليفة والدخول في حوار حولها، صعدت الثانية من مطالبها لتدعو
إلى إسقاط الملكية وإقامة جمهورية بدلا منها، وهي في حقيقة الأمر دعاوى غير
قابلة للتنفيذ، مما يشكك في مبررات طرحها، وفي ما إذا كان المقصود الدفع نحو
المواجهة الأمنية بعيدا عن الحوار السياسي الذي دعا اليه الأمير سلمان.
المدلول الثاني لتلك الأحداث هو 'مرونة' الأنظمة الخليجية وقدرتها على تغيير
جلدها وتوظيف أي حدث من أجل إبقاء الحالة السائدة على ما هي عليه، من دون تغيير
عندما اتخذت مما جرى في البحرين ذريعة من أجل تشديد القبضة على بلدانها، وكان
ذلك واضحا في المملكة العربية السعودية عندما تمكنت الحكومة من إجهاض تحرك
ديمقراطي كانت تخطط له قوى شبابية من خلال مواقع التواصل الاجتماعي مثل
'التويتر' و 'الفيسبوك'.
المدلول الثالث يتمثل في أهمية التوافق الوطني تجاه القضايا العالقة على الساحة
السياسية، لأن غياب مثل ذلك التوافق سيضعف المطالبة ويجعلها في الحد الأدنى،
وهذا الأمر ينسحب على بقية دول مجلس التعاون الخليجي وليس حالة خاصة في
البحرين، فكم من القضايا أجهضت بسبب انفراد احدى القوى السياسية بتبنيها من دون
أن يكون هناك تنسيق بين بقية مكونات المجتمع.
المدلول الرابع يظهر أن الحل الأمني مهما كانت نتائجه مرضية على المدى القصير
إلا أنه يخلف تبعات لا مبرر لها على المدى الطويل، ويؤدي إلى احتقان شعبي ربما
يطيح بكل شيء مهما كانت السلطة حذرة عند تناوله، لذا فانه من المجدي للطرفين
السلطة من جهة والقوى السياسية والشعبية من جهة أخرى، الولوج إلى الحلول
السياسية مهما كانت التحديات أمامها على أن يكون ذلك وفق ثوابت وطنية.
لقد أظهرت تطورات البحرين أن القدرة على طرح القضايا وتوظيف الأوراق السياسية
هي الفكرة الأجدى كبديل عن العنف للوصول إلى الهدف، ويمكن استحضار التجارب
التونسية والمصرية واليمنية في هذا الإطار، فقد تمكنت التحركات في تلك الدول من
خلق تحولات تاريخية لم تكن متوقعة وفق توافق وطني أسقط من حساباته الحاجات
الضيقة لكل مكون من مكونات المجتمع من أجل هدف أسمى وهو إحداث تغيير في شكل
ومضمون الأنظمة السياسية القائمة.
أنظمة دول الخليج تختلف عن بقية الأنظمة العربية، إذا استثنينا المغرب والأردن،
لكونها أنظمة يمكن تطويرها والارتفاع بسقفها السياسي في كل مرحلة من مراحل
التطور الإجتماعي، لكنها بحاجة إلى التذكير الشعبي إذا ما تأخرت مثل تلك
التطورات عن موعدها المحدد بشرط أن لا يكون ذلك التذكير عنيفا كما جرى في
البحرين.