9-05-2011
يقف المثقف الخليجي هذه الأيام مذهولا أمام 'تناقض' غير مفهوم في الموقف
الشعبي مما يجري في الدول العربية من ثورات تجاه أنظمتها، فهو من ناحية يؤيد
تلك الثورات باعتبارها انعتاقا من أجواء التخلف والعجز عن استيعاب الحاجات
الأساسية للمواطن العربي، لكنه من ناحية أخرى يرفض مثل تلك الثورات داخل دول
الخليج، رغم توفر الظروف الموضوعية لها، فما هي مبررات مثل ذلك التناقض الحاد،
وهل هو انعكاس لمعايير مصلحية آنية، أم أن القيود التقليدية مثل الدين
والعلاقات الاجتماعية هي ما يمنع الحديث عن الداخل، حتى لو كان ذلك الداخل
مصابا بخلل جسيم؟
منذ اكتشاف النفط في دول الخليج العربية في عشرينيات القرن الماضي هناك صفقة
غير مكتوبة بين الأنظمة الخليجية وشعوبها تتمثل في توزيع الثروة من خلال قطاع
عام ضخم، مقابل سكوت الشعوب عن حزمة المفاهيم الوطنية، كضرورة وجود دستور مكتوب
ينظم العلاقة بين الأنظمة والشعوب ويتضمن فصل السلطات مع تعاونها، ويحدد المال
العام والمال الخاص، ويسمح بمراقبة أداء الحكومة، رغم أن مبررات تلك الصفقة
بدأت تضعف مع امتداد الفترة الزمنية والتدافع بين مكونات الأسر الحاكمة في
الخليج للحصول على حصة أكبر من الثروة والسلطة على حساب الطرف الثاني من
الصفقة.
الأمر الآخر ضمن أسباب التناقض الشعبي تجاه الثورات العربية هو نجاح أنظمة
الحكم في الخليج، خاصة المملكة العربية السعودية في إقناع الجمهور الخليجي، من
خلال ماكينة إعلامية ضخمة (قنوات فضائية، صحف، مواقع الكترونية) استخدم فيها
علماء الدين وفعاليات إعلامية واقتصادية واجتماعية، بالخطر الإيراني 'المجوسي'
حسب مفردات تلك الحملة على الشعوب الخليجية، حتى بات الكثير من تلك الشعوب
مقتنعا بأن ذلك الخطر أصبح يطرق أبواب منازلهم ولم يعد الأمر سوى وهلة من الزمن
حتى ينتهي كل شيء لتسقط كل دول الخليج في شراكه.
بعض الأنظمة الخليجية يشبه إلى حد كبير من سقط من الأنظمة العربية ومن يحتضر
منها حتى الآن وإن أمعنت النظر لن تجد فرقا كبيرا، ويمكن أن نجد في ثلاثة
أنظمة خليجية هي المملكة العربية السعودية والكويت والإمارات العربية المتحدة،
نقاط تشابه مع أنظمة العسكر في كل تلك الدول المسماة خطيئة جمهوريات، ففي كل
تلك الأنظمة ليس هناك دستور حقيقي ينظم العلاقة بين الحاكم والمحكوم، وليست
هناك تعددية سياسية ولا أحزاب، سوى حزب الرئيس أو الملك أو الأمير ورأيه وإن
وجد مثل تلك الأحزاب والمنابر فانها شكلية لا قيمة لها.
يعيش نصف شعوب أنظمة الجهوريات 'الثورية' تحت خط الفقر بسبب انتشار الفساد في
كل قطاعات الدولة، فيما تصل النسبة إلى أربعين بالمئة في المملكة العربية
السعودية وهو رقم يقترب من النصف، رغم أن مبيعاتها من النفط الخام تصل إلى خمسة
عشر مليون برميل يوميا، يضيع الجزء الأكبر منها في دهاليز الفساد، وليست لدينا
إحصائيات عما يجري في الإمارات العربية المتحدة، لأن كل شيء مملوك لمجموعة من
الأسر وبقية المواطنين تعيش على الحد الأدنى من الكفاف، وربما هو نفسه ما يحدث
في الكويت، حتى قال أميرها الشيخ صباح الأحمد في وصف ما يجري في أحد القطاعات
الحكومية أن فساده 'ماتشيله البعارين' كناية عن كونه غير قابل للمعالجة مهما
حاول بعض الشرفاء من أعضاء مجلس الأمة التصدي له.
عند الأنظمة الديكتاتورية لا يوجد فصل للسلطات (التشريعية، التنفيذية،
القضائية) بل كلها تنخرط في منظومة واحدة لا وظيفة لها سوى إرضاء الرئيس أو
الملك أو الأمير، وإن كانت موجودة على ارض الواقع بشكل شكلي في مجرد واجهات،
وهو يشبه إلى حد كبير ما يجري في الدول الخليجية، فجميع مؤسسات الدولة تسير في
اتجاه واحد مهما كان ذلك مخالفا لإرادة شعوبها.
ليس لدى الأنظمة 'الثورية' أو العسكرية أو الجمهورية، سمها ما شئت، ما يفصل بين
المال العام والخاص، وكذلك بعض الأنظمة الخليجية، فالمال العام هو نفسه ملك
الرئيس وملك الملك وملك الأمير يعبث به كما يشاء، فتارة يغدق به على أقاربه
وأهل التملق والنفاق، وتارة يرشي به آخرين في دول عربية أخرى لإسقاط تلك
الحكومة وإنجاح أخرى، في حين أن شعوب تلك الأنظمة 'تلوك' الحصــرم، وأموالها
تذهب سدى.
هناك سجناء رأي في الدول الخليجية الثلاث حتى أن عددهم في دولة واحدة هي
المملكة العربية السعودية ربما يصل إلى الآلاف، وفي الكويت يُلاحق الناشطون
السياسيون ويُضرب أعضاء مجلس الأمة بالهراوات، وفي دولة الإمارات العربية
المتحدة يسجن أصحاب الرأي وتقطع أرزاقهم بفصلهم من وظائفهم وتغلق النقابات
المهنية كما جرى مع جمعية المعلمين مؤخرا، وتلك الدول الثلاث لا تختلف في هذه
القضية مع الأنظمة العربية البائدة أو ما تبقى منها.
الشعوب الخليجية تعيش تناقضا في موقفها من الثورات العربية، ومبرر ذلك التناقض
صفقة لم تعد قائمة وعملية 'غسيل' مخ تجاه عدو وهمي (إيران) ليس هناك على أرض
الواقع ما يؤكد خطورته، خاصة في ظل الوجود الغربي في المنطقة، فلماذا هذا
التناقض إذا لم تعد تلك المبررات موجودة.. ألم يحن الوقت لانتزاع الحقوق مادامت
الأنظمة لا تريد إعادتها لأصحابها؟
عن القدس العربي