إبان حملة الانتخابات النيابية في شهر أكتوبر برز الرأي الداعي للمشاركة
جليا واضحا من خلال الترويج لامكانية التشريع وادخال التعديلات الدستورية
واجراء الاصلاح الاقتصادي والاجتماعي من خلال المشاركة في البرلمان.
ومع عدم اقتناعنا بالحجج والتبريرات التي أوردها المشاركون كنا نحترم وجهة
النظر الداعية للمشاركة ونؤيد حقهم بدخول التجربة وممارسة العمل السياسي من
خلال البرلمان.
ولم يمر وقت طويل حتي بدأت تتكشف صعوبة العمل التشريعي والرقابي في ظل وجود
مجلس معين يملك نفس صلاحيات المجلس المنتخب الأمر الذي دفع ببعض النواب الي
التعبير وبصوت عال عن عجزهم للقيام بمهامهم التشريعية والرقابية.يكفي للتدليل
علي تداخل الصلاحيات الرقابية والتنفيذية رفض مجلس نواب الشعب اقرار استدانة
الخمسمائة مليون دينار التي حولت اليهم بصورة مستعجلة واقدام مجلس الشوري
المعين علي الموافقة بجميعأعضائه علي تمرير هذا الدين ومن ثم الغاء صفة
الاستعجال من أجل تحويل مشروع الاستدانة الي المجلس المنتخب مرة ثانية للتصويت
عليه في مخالفة صريحة للمادة 87 من دستور .2002
وأمام هذه التجربة العملية القصيرة تبينت للمشاركين بما لا يقبل الشك استحالة
العمل بنظام المجلسين علي قاعدة الصلاحيات الممنوحة لكليهما واخذت حجج وتبريرات
المدافعين عن المشاركة تتراجع أمام واقع الممارسة.
في هذه الوضع الدستوري والرقابي المتأزم كنا نتوقع من أنصار المشاركة أن
يتراجعوا عن اطروحاتهم السابقة ويعترفوا بخطأ تنظيراتهم ولكنهم اخذتهم العزة
فعادوا علينا بمصطلحات ومفاهيم جديدة لا تتعارض فقط مع الميثاق ودستور 1973
ولكنها تتقاطع حتي مع مسار الأحداث التي بدأت منذ الاعلان عن اجراء الاستفتاء
وهي لا زالت عالقة في أذهاننا.
أحد هؤلاء الكتاب لم يتردد في الاستنجاد بمسألة التوافق المنقطع النظير الذي
شهدته ساحتنا السياسية بين الحكم والشعب وكيف ان الميثاق حاز علي هذا التأييد
الشعبي الساحق في استفتاء فبراير 2001 ولكنه تعمد عدم الخوض في الاسباب التي
دعت بالمواطنين الي صناديق الاقتراع لقول نعم للميثاق وبنسبة ال 54.98 من اصوات
الناخبين.
ذلك ان هذه الأسباب تحمل في طياتها جملة من الحقائق التي تدحض رأي المشاركين
وتمثل في حد ذاتها اجابات وردود علي الكثير من المسائل والقضايا التي يطرحونها
هذه الأيام.
أولي هذه الحقائق الدامغة ان الميثاق تكلم عن تعديلات دستورية ولم يتكلم عن
دستور جديد. وقد قال بالحرف الواحد أنه تعدل احكام الفصل الثاني من الباب
الرابع من الدستور الخاصة بالسلطة التشريعية لتلائم التطورات الديمقراطية
والدستورية في العالم وذلك باستحداث نظام المجلسين. ولذا فأن صدور دستور عام
2002 يعد مخالفة للميثاق فضلاً عن كونه مخالفة لدستور .1973
الحقيقة الثانية هي أن الميثاق الوطني حصر التعديلات الدستورية في تعديلين لا
ثالث لهما وهما تغيير مسمي الدولة والتعديل الخاص بنظام المجلسين ولكن دراسات
المقارنة بين دستور 1973 ودستور 2002 بينت وبشكل جلي حجم الفروقات بين
الدستورين ولصالح السلطة التنفيذية. وفي هذا الصدد ننصح رموزنا بقراءة كتاب
کرأي في المسألة الدستوريةŒ وهو من تأليف بعض المحامين البحرينيين أو تلك
الدراسة القيمة التي كتبها الدكتور محمد الفيلي من الكويت وعنوانها قراءة أولية
في الدستور البحريني الجديد وفي هذه ما يزيل الغشاوة عن الأعين ويقدم اجابات
شافية علي الكثير من التساؤلات والاستفسارات.
والحقيقة الثالثة هي فيما يختص بنظام المجلسين حيث أشار الميثاق الي تجارب
الدول الديمقراطية العريقة في الأخذ بنظام المجلسين وقال ان أحدهما يمثل
الاتجاهات والأفكار المتنوعة والآخر يعمل كمجلس للمختصين وأهل الخبرة وان
التجارب في الدول الديمقراطية اثبتت فائدة هذا التشكيل الثنائي للمجلس التشريعي
ومن ثم رسوخة نظراً لعائدة السياسي الممتاز.
وهذا الكلام يوحي للقارئ بأننا بصدد الدخول في تجارب الدول المتقدمة حيث مجلس
الاختصاص والخبرة لا ينازع المجلس المنتخب صلاحياته وأن المجلس الأخير هو صاحب
الكلمة الفصل في التشريع والرقابة وهذا هو ما دعا الحركة الدستورية المطلبية
الي مطالبة القيادة السياسية بفك رموز وطلاسم الصياغة بمهام المجلسين التي وردت
في الفصل الخاص باستشرافات المستقبل حيث جاءت مهمة وغامضة وقابلة للتأويل.
وقد تجاوب صاحب العظمة الملك مع هذه الدعوة. و كلف حفظه الله وزير العدل
بعقد مؤتمر صحفي يؤكد فيه ان المجلس المنتخب هو السلطة التشريعية وان المجلس
المعين هو للمشورة وابداء الرأي وقد تم ذلك في 9 فبراير .2001
وقد سبق هذا المؤتمر الصحفي التصريح الذي أدلي به ولي العهد في مقابلة له مع
جريدة الأيام بتاريخ 5 فبراير 2001 والذي قال فيه بأن المجلس النيابي المنتخب
تشريعي والمجلس المعين استشاري، بالاضافة الي ذلك أكدت القيادة السياسية ان
التعديلات الدستورية سوف تكون طبقا للآلية الدستورية اي المادة 410 من الدستور
والتي تشترط لتعديل اي حكم من احكام هذا الدستور ان تتم الموافقة علي التعديل
بأغلبية ثلثي الأعضاء الذين يتألف منهم المجلس وان يصدق الأمير علي التعديل.
ومن الناحية الدستورية والقانونية فان هذه التأكيدات والتطمينات التي صدرت من
القيادة السياسية قد أصبحت جزءا لا يتجزأ من التعديل الخاص بنظام المجلسين وعلي
اساس هذه التأكيدات والتطمينات صدرت بيانات الحركة الدستورية الداعية الي
التوجه الي صناديق الاقتراع وقول نعم للميثاق.
ماذا حدث بعل التصويت علي الميثاق؟
-1- قامت الحكومة بتشكيل لجنة لادخال التعديلات الدستورية في مخالفة صريحة
وواضحة للمادة 4 10 من دستور البلاد.
-2- تم الاعلان عن صدور دستور جديد في 15 فبراير من عام 2002 الامر الذي
يتعارض مع الميثاق اولا ودستور البلاد لعام 1973 ثانيا.
-3- ان مجلس الشوري يتألف من 04 عضوا اي نفس عدد النواب المنتخبين وانهم
يمثلون الشعب باسره مثلهم مثل النواب المنتخبين مع انهم جاءوا بالتعيين.
-4- اعطاء هذا المجلس الصلاحيات التشريعية وغيرها من صلاحيات المجلس المنتخب
بما يتعارض وما ورد علي لسان المسئولين من تأكيدات، الامر الذي يترتب عليه
الطعن في مشروعية التعديل نفسه. ولأن احد هؤلاء الكتاب هو من دارسي القانون
فانه يعلم علم اليقين ان اية تعديلات دستورية او اصلاحات سياسية تؤدي الي خفض
ونقصان الحقوق المكتسبة وخاصة فيما يتعلق بالمشاركة السياسية والرقابة المالية
هي تعديلات مطعون فيها لانها تتعارض ودستور .1973 ونأتي الآن الي الموضوع الخاص
بمبدأ الفصل بين السلطات وقوله احدهم بأن تكون السلطة التشريعية حسب دستور 1973
والميثاق لا يضمن تطبيق هذا المبدأ وانه يتناقض معه وان كلا من دستور 1973
ودستور 2002 لا يحقق مبدأ الفصل بين السلطات.
ومع اننا من الناحية الدستورية والقانونية نتفق مع هذا الرأي علي اعتبار ان
الوزراء حسب دستور 1973 هم اعضاء في المجلس الوطني بحكم مناصبهم لكن يجب
الاعتراف والاقرار بأنه لا وجه للمقارنة بين دستور 1973 ودستور 2002 في هذا
المجال وان دستور 1973 قد وفر درجة عالية من الاستقلال بين السلطات وان درجة
الاستقلال هذه هي التي عجلت بحل المجلس الوطني بعد سنتين من العمل بالدستور.
واعتقد ان حديث الارقام والنسب كافية لدحض تلك الآراء التي اخذت تتطاول علي
دستور البلاد وتحاول قسرا ان تساوي بين الدستور العقدي وبين دستور المنحة في
محاولة يائسة للبحث عن شرعية تواجدها داخل المجلس الحالي:
-1- ان عدد نواب الحكومة من الوزارء في دستور 1973 هو 41 وزيرا بينما عدد نواب
الشعب هو 30 عضوا ولذا فان نسبة المعينين الي مجموع اعضاء المجلس (المعينين
والمنتخبين) هي اقل من 32% بينما نسبة المنتخبين هي اكثر من 68%.
-2- في الفصل التشريعي الثاني يرتفع عدد النواب المنتخبين الي 04 عضوا وفي هذه
الحالة تنخفض نسبة المعينين الي المجموع لتصبح اقل من 26% بينما تصبح نسبة
المنتخبين 47%.
-3- في الفصل التشريعي الاول يشكل 29 عضوا ثلثي مجموع الاعضاء البالغ عددهم 44
عضوا. وهذا معناه ان بامكان الاعضاء المنتخبين (عددهم 30) ان يأتوا بالثلثين
رغم معارضة الحكومة وهذا يوفر لهم سلطة اتخاذ القرار.
-4- في الفصل التشريعي الثاني يتطلب توفير الثلثين موافقة 36 عضوا من الاعضاء
من مجموع الاعضاء البالغ عددهم 54 عضوا. وهذا معناه ان الاعضاء المنتخبين
البالغ عددهم 04 بامكانهم توفير الثلثين وبسهولة وهذا يوفر لهم الاستقلالية
المطلوبة بعيدا عن السلطة التنفيذية.
اما فيما يتعلق بالدستور الجديد فان عدد المعينين 04 عضوا وعدد المنتخبين 04
عضوا اي ان نسبة المعينين الي المنتخبين هي 100% ونسبتهم الي المجموع (أعضاء
المجلس المعين والمنتخب) هي 50%. وفي هذه الحالة فانه ليس بمقدور المجلس
المنتخب البالغ عدده 04 عضوا ان يمرر القوانين والمشاريع الا اذا حصل علي
موافقة 53 عضوا من اعضاء المجلسين اي انه يحتاج لموافقة 13 عضوا من اعضاء
المجلس المعين من اجل توفير الثلثين. ولذا فهو واقع تحت رحمة المجلس المعين
الامر الذي يفقده الاستقلالية التامة، ومن هنا فان من يتعمد التشبيه والمقارنة
بين الدستور العقدي لعام 1973 وبين دستور المنحة فانه كمن يشبه التفاحة
بالبرتقالة حسب قول المثل الانجليزي.
وفي ضوء تشكيلة المجلس الوطني الحالية التي تتحكم فيها السلطة التنفيذية عن
طريق تسيير العملية التشريعية والمالية بواسطة المجلس المعين نود أن يشرح لنا
منظرو الدخول في التجربة كيف تتم معالجة القضايا الدستورية والسياسية
والاقتصادية والاجتماعية انطلاقاً - حسب قولهم - من الوضع الحالي والمرجعيات
التي شكلت أساس التغييرات.
وفيما يتعلق بالمجلسين استشهد أحدهم بالفقرة القائلة کبحيث يكون الأول مجلسا
منتخبا انتخابا حرا مباشرا يختار المواطنون نوابهم فيه ويتولي المهام التشريعية
الي جانب مجلس معين يضم أصحاب الخبرة والاختصاص للاستعانة بآرائهم فيما تتطلبه
الشوري من علم ومعرفةŒ فقال أن هذه الفقرة من الميثاق تمثل سندا قانونيا
للمطالبة بتعديل دستور 2002 علما أن هذه الفقرة لها تفسير آخر لدي مستشار الملك
حسن فخرو الذي أكد لممثلي الجمعيات السياسية في أحد لقاءاته بهم أن التفسير
الوحيد لهذه الفقرة هو أن المجلسين مجتمعين يشكلان السلطة التشريعية وأن من
قرأها بغير هذا المعني عليه ان يتحمل مسئولية هذا الخطأ. وقد أصر المستشار علي
هذا التفسير رغم استناد ممثلي الجمعيات علي التفسيرات والتأكيدات التي سيقت علي
لسان المسئولين قبل التصويت علي الميثاق. وهذه التأكيدات والتطمينات من وجهة
نظري جنبا الي جنب مع الدستور الجديد هي التي ستمثل سندا قانونيا للمطالبة في
المستقبل. وبناء علي ما تقدم فإن الجواب علي السؤال الكبير الذي حمل عنوان
المقال هو أن مرجعيتنا تكمن في دستور 1973 وأن هذا الدستور العقدي سيبقي دوما
في مرتبة أعلي من الميثاق.
فالميثاق لا يعدو كونه مدخلا للتصويت علي التعديلات المنوي إدخالها في الدستور
عن طريق آلياته. وقد كان للمعارضة ومنذ البداية اعتراضها وتحفظاتها علي الطريقة
الغامضة والمبهمة التي تم فيها صياغة التعديل الخاص بالمجلسين الأمر الذي جعلها
تشترط ومنذ البداية أن يتم شرح موضوع التعديل وتحديد أبعاده كما تطرقت الي ذلك
أعلاه.
كنا نتطلع الي الميثاق علي أنه القاطرة التي ستنقلنا الي دستور 1973 حيث يقوم
الدستور بدوره وبعد إدخال التعديلات عليه بنقلنا الي مصاف الديمقراطيات العريقة
التي تحدث عنها الميثاق وهي آمال وطموحات لم تكن بالكبيرة علي شعب البحرين وما
قدمه من تضحيات جسيمة منذ عام 1994
لا شك أن ردة الفعل كانت قوية جدا علي الغالبية العظمي من شعب البحرين التي
صوتت لصالح المطالب الدستورية المتمثلة في دستور 1973 فاذا هي تفاجأ بعد
التصويت علي الميثاق باستبدال دستورها بدستور جديد.
وقد انعكست ردة الفعل في الموقف تجاه الانتخابات النيابية حيث أدي ذلك الي نجاح
الجمعيات المقاطعة في كسب تأييد ما يزيد علي 64% من الناخبين.
وقد جاء التحالف الرباعي بين الجمعيات المقاطعة ومن بعده التحالف السداسي
ليؤسسا نهجا جديدا في قيادة العمل النضالي السلمي من أجل العودة الي دستور
.1973
ويحسب لصالح المعارضة السياسية في البحرين نضجها ووعيها السياسي في التعامل مع
افرازات هذا الواقع السياسي المعقد. فهذه الحركة الاصلاحية المطلبية تشكل مرحلة
متقدمة في العمل السياسي العلني وهي تتواكب مع العامل الأول الذي طرحه أحد
مؤيدي المشاركة الذي يتحدث عن ضرورة اجماع كل الأطراف المعنية علي أن
الديمقراطية هي الوسيلة الفضلي لحل المشاكل.
كما أن هذه الحركة تتوافق والعامل الرابع الذي يحض الجمعيات السياسية المشاركة
منها والمقاطعة علي تحمل مسئوليتها التاريخية تجاه الأوضاع الصعبة.
وهي حقا أوضاع صعبة وأكثر تعقيدا من فترة التسعينيات حيث كان هناك دستور معلق
في ظل وجود حركة دستورية مطلبية متماسكة تطالب بتفعيله بينما الآن هناك دستور
جديد جرت علي أساسه انتخابات أدت الي اضفاء نوع من الشرعية علي المجلس الوطني
بشقيه المنتخب والمعين.
ومن الملاحظ أن الحكومة برزت كلاعب وحيد علي الساحة السياسية وذلك منذ تاريخ
الاعلان عن الميثاق مرورا بصدور حزمة القوانين وحتي تاريخنا هذا.
أما المجلس المنتخب ومعه الجمعيات السياسية سواء المعارضة منها والمشاركة فهي
لا زالت تلهث وراء الأحداث التي تصنها الحكومة ولا يتعدي دورها ردود الأفعال.
لقد نجحت الحكومة في ترويج مشـــروعها الاصلاحي في الخارج وعلي المعارضة
الحضارية أن تؤسس علي نسبة ال 47% التي كسبتها الجمعيات المقاطعة وأن تســـارع
في وضع آلياتها الكفيلة برفع هذه النسبة تدريجيا من أجل خلق رأي عام يلتف حول
برنامجها الاصلاحي بما يؤدي في النهاية الي اقناع جلالة الملك بضرورة تقويم
العملية الاصلاحية عن طريق حل المســألة الدســتورية.