من منظور المعادلة السياسية الدولية في فترة الحرب الباردة، كان العالم
منقسماً بين أصدقاء الولايات المتحدة وأصدقاء الإتحاد السوفياتي. ومع تفكك
الأخير عام 1989 وقع أصدقاؤه في حالة فوضى عارمة، أما أصدقاء الولايات المتحدة
فوجدوا أنفسهم أمام معطيات وشروط جديدة في التحالف. وكانت دول مجلس التعاون
الخليجي مجتمعة مصنّفة في خانة حلفاء للولايات المتحدة وعلى خصومة شديدة
لخصومها بدءً بالإتحاد السوفياتي وانتهاءً بأصدقائه في الشرق الأوسط، وعلى أية
حال، فإن هذه المعادلة تبدّلت بصورة دراماتيكية لصالح معسكر الولايات المتحدة
التي بدأت تدشّن نظاماً دولياً جديداً وتعيد صياغة شبكة تحالفاتها أيضاً.
دول مجلس التعاون الخليجي، ومن موقع الحليف الاستراتيجي للولايات المتحدة لعبت
دوراً محورياً في النظام الاقليمي القديم في ظل القطبية الثنائية، وساهمت بشكل
فعّال في محاصرة التمدد السوفياتي داخل الشرق الأوسط. هذا الدور كان بلا شك
يمثّل جزءا أسياسياً من الاستراتيجية الأميركية في مواجهة الاتحاد السوفيتي،
وفي مواجهة قوى التحرر الوطني، وفي القضايا العربية المصيرية.
بيد أن هذا الدور كان لصيقاً بظروف الحرب الباردة، وأن التطورات السياسية خلال
السنوات الماضية والتحديات التي برزت منذ الحرب الأميركية على العراق، فرض
معطيات جديدة تتطلب مقاربات مختلفة وجوهرية لموضوع الأمن الإقليمي، لأن القضية
لم تعد محصورة في الحفاظ على مصالح حيوية للغرب وللولايات المتحدة على وجه
الخصوص، بل القضية باتت مرتبطة بجوهر مفهوم الأمن الإقليمي، فالولايات المتحدة
تسعى الى صنع نظام هيمنة يتيح لها تغيير معادلات، وقلب أنظمة، وإشاعة
الاضطرابات الأمنية إن تطلب ذلك لخدمة مصالح محددة.
وبقدر من الوضوح يمكن القول: أن النظام الدولي لا أخلاقي ويقوم أساساً ومطلقاً
على المصالح المتبادلة والدائمة ليس إلا، وأن التحالف معه قابل للاستمرار فحسب
فيما لو ظلت خطوط المصالح متوازية أو متوافقة بين واشنطن والرياض، كما أن تاريخ
الصداقة والتحالف بينهما قابل كيما يتحول الى خصومة فيما لو تصادمت المصالح
بينهما، بحسب ما أظهرته الأحداث السياسية خلال السنوات الاخيرة.
إن المطلوب في الوقت الراهن هو التفكير بواقعية لجهة صوغ نظام أمن إقليمي يحفظ
مصالح دول الخليج قاطبة بما فيهم العراق وإيران واليمن. لا شك أن تلبيد
العلاقات بين دول الخليج بسحب من الشكوك وعدم الثقة ساهم في تعزيز التدخل
الأجنبي، إلى حد سمح بوجود بوارج عسكرية إسرائيلية في مياه الخليج، ولم يعترض
أحد على ذلك، دع عنك البوارج الحربية العملاقة التي ترابط بالقرب من شواطئنا.
السؤال الجوهري يكمن في إرادة دول الخليج كافة في التعامل مع الأخطار من منطق
سيادي واستقلالي، والنظر الى المصالح الاستراتيجية وليس الآنية كمحفّز فعال على
بناء نظام أمن إقليمي بالتعاون مع الدول المطلّة على الخليج. إنها الفرصة
التاريخية والحرجة التي تفرض نفسها على كل دول الخليج من أجل تجاوز المشكلات
المفتعلة أو حتى الحقيقية ولكن القابلة للحل فيما لو صدقت النوايا، ووضعت
مقاربات جديّة من أجل تأمين إجماع خليجي على نظام أمني يكفل مصالح الجميع ويؤسس
لثقة متبادلة بين كل دول الخليج، ويدرء مخاطر الحروب والأزمات راهناً
ومستقبلاً.