ما جرى خلال شهرين من عملية انقلابية شاملة على المسار الإصلاحي في دول مجلس
التعاون يضع كل دعاة الإصلاح والتغيير وطلاّب الحقوق والحريات أمام تحديات
جدّية. فما قامت به الحكومات الخليجية لا يستهدف الجمهور العام فحسب، بل إنه في
الأصل إستهداف مباشر للقوى الإصلاحية في كل أرجاء المنطقة، باعتبارها صانعة
الوعي الإصلاحي، والرافعة لتطلعات الجمهور، والمحرّك الإفتراضي للشارع الشعبي
لناحية الإنتقال بالمطالب إلى الفضاء المفتوح.
حين قرّرت الحكومات الخليجية فرض حالة طوارىء غير معلنة، تهدف بدرجة أساسية إلى
تعطيل مسيرة العمل الإصلاحي الشعبي، لم تكن في وارد التفكير في ردود فعل الغرب
سواء أوروبا أو الولايات المتحدة ولا حتى المنظمات والهيئات الدولية التي تلتزم
دول مجلس التعاون بمواثيق معها، ببساطة لأن الغرب لا يتحرّك إلا حين يشعر بأن
مصالحه باتت في دائرة الخطر الوشيك، ولابد من تسجيل موقف إنقاذي يراد تسويقه
للشعوب وليس للحكومات. فمن يرقب تحوّلات الموقف الأميركي من نظام مبارك منذ
انطلاق الثورة الشعبية في 25 يناير وصولاً إلى إعلان تنحي (الريّس) في 11 شباط
(فبراير) عن السلطة، يدرك تماماً كيف أن الموقف إرتبط باختلال تدريجي في ميزان
القوة في مصر لصالح الشعب، وسنجد كيف أن الزعم الأميركي بمساندة حق الشعوب في
تقرير شكل النظام والعيش بحرية تبدّل في اليمن والبحرين واختلف جوهرياً في
سورية، فبينما تمسّكت الإدارة الأميركية بخيار الحوار في اليمن والبحرين رغم
إدراكها تماماً إلى أن ليس هناك في نظامي صنعاء والمنامة من هم على درجة كافية
من التأهيل للدخول فضلاً عن إدارة عملية حوارية، بينما الخيار الأميركي
والأوروربي عموماً في سورية هو إسقاط النظام. غاية القول مما سبق، أن الحكومات
الخليجية كانت ترقب ردود فعل دعاة الإصلاح حيال تدابير القمع والتنكيل، إذ من
المؤكّد أن هؤلاء الإصلاحيين وإن كتموا غيظهم من سياسة البطش، فإنهم بالتأكيد
سيقتنصون أول فرصة لتغيير المعادلة وتحقيق تطلّعات شعوبهم.
ما هو مأمول من الإصلاحيين هو الإستعداد لمرحلة قريبة توشك أن تبدأ، بعد أن
تبيّن من التدابير القمعية التي فرضتها أنظمة دول مجلس التعاون بأنها دفعت هذه
الدول إلى حافة الهاوية، وأنها في لحظة ما ستبحث عن مخرج إنقاذي، ولا يجب أن
يكون هذا المخرج على حساب إغفال حقوق الشعوب، بل يجب أن تكون المرحلة القادمة
حاسمة في إرساء دولة العدل والمشاركة الحقيقية والفاعلة.